الكاتب : محمد صالح البدراني
صراع قيمي
الذي في مجتمعنا مهما كان دينه، هو متعرض لإضافة قناعات إلى فِكْرِهِ من مراجع فكرية متعددة غزت المنطقة والان الكثير منها في الإنترنيت، لكن لا تواجه هذه المستجدات أفكارٌ جديدة تخاطب الواقع عندنا بل يهاجم من يحاول الاجتهاد والتجديد؛ وأساليب المقاومة للسلوكيات السلبية من الوعاظ في كل الأديان أصلا ليست مجهولة للمنصوح بل هو يستهجنها خفاء أو علنا لانها لا تتماشى مع ما وصل اليه البشر من علوم وابتكارات، هذه الأفكار نفسها تتصارع في الإنسان فبعضها يبيح الفعل وبعضها يحرمه فتجد صراع مستمر ما بين القيم الأساسية والمنتحلة واضطراب نفسي سلوكي لمعالجة الحاجة، في العصر العباسي كان تبني للأفكار وتطويرها من جنس منهجها ومقاربات هزيلة شوهت الفكر الإسلامي رغم محاربتها لكنها دخلت في الشروح والفقه وجعلت الخزعبلات والخوارق مقبولة وهي من اصل الفلسفة الشرقية والغربية، وروج سوء الفهم للإسلامومهامه بشكل مجحف (َتُؤَدُّنَّ الحُقُوقَ إلى أهْلِها يَومَ القِيامَةِ، حتّى يُقادَ لِلشّاةِ الجَلْحاءِ، مِنَ الشّاةِ القَرْناءِ.) هذا حديث يقال على المنابر بينما المكلف هو الإنسان والحيوان مسخر غريزي لا منظومة عقلية له لتحاسب، وهذا للمثل إن اخذ بنصه لغير العبرة فهو تشويه لفكرة الخليقة في القرآن، ونرى فرقا اليوم تخرج الإسلام عن مهمته بأسماء متعددة.
صراع نفسي:
مجموعة القيم والأفكار في صراعها سيواجه الإنسانمشكلة الاستقرار، واضطرابات نفسية في الحكم على غيره بممارسة ممكن أن يفعلها هو، وكلما زادت الأفكار التي تدخل المنظومة العقلية وتجيب عن أسئلة فيها فتكون من المدرك بالضرورة، تزداد المعاناة النفسية، وتأتي مقاربات كمقاربة معجبي الرأسمالية والشيوعية ومتبنيهما معالإسلام، مثل مقاربة التكافل بالاشتراكية، والملكية الفردية بالرأسمالية، لكن ممكن تبني الأمور المدنية كالانتخابات لحين أن يفرز المجتمع أسلوبا يناسبه.
تفاعل الفكر والشروحات تجعل الميل إلى الخرافات من المضافات كمعجزات أو خوارق وهذا في كل المعتقدات كمثل من حدد أن نهاية العالم 2000 أو 2012 نبوءة الماياوضرب (ليون مستنغر) أمثالا متعددة على فشل النبوءات كعودة المسيح وان مناحيم مندل قد يكون هو المسيح لكنه مات بسكتة دماغية1994 فقالوا انه سيعود “فالمسيح يستيقظ من بين الأموات”، ذات الشيء عن التنبؤ الحسابي بنهاية الكيان الصهيوني سنة 2023 وانتقل الآن إلى 2027…والأمثلة كثيرة.
عندما يريد الإنسان أن يكون له مكانة وتفوق ويجد من هو أفضل منه فانه يحاول تسفيهه بافتراض انه مزايد أودجال، على قاعدة العنب الذي لا يطال حامض، بدل السعي للتكامل معه؛ غالبا الشخص الجيد هو ليس الذي يوقظ الناس وإنما هو من يطرح ما تفكر هي به ليقودها إلى حيث يريد وهو ليس ما تريد كذلك نرى الشعوب تلفظ المصلحين وتخضع للطغاة الذين يقمعونهم بحجة التحديات من الإمبريالية والاحتلال للجوار أو البلد أو فكرة مضادة.
معادلة مهمة: هي معادلة قبول الفكرة لنرى صيغة رياضية لها وبتحقيقها يحصل التناقض:
توافق الفكرة بمقاربة مع الفكرة الأساسية (افتراضية) + مقاربة مع النفسية والمزاج (مماهاة) + فقدان وسائل المعالجة (المجتمع وازدواج الأفكار عنده) + قيمة الفكرة (بها إطلاق) + الفعل الغريزي (وهو الأهم في التأثير) = التصالح بين مجموعة الأفكار المتناقضة على مجمل الإخفاقات.
في بيئتنا التي حصل بها ازدواج الأفكار وتعاظم في الحاجات مع تطور المدنية فنجد رفضا لمسالة تعدد الزوجات ونجد هنالك زنا ممن يحرّمه وهذا يعبر عن خلل، بينما تصالح الغرب على أن هنالك عشيق أو عشيقة دون أن يكون أمراً شاذاً وكل امر يتطور يرفض بداية ثم يتوافق على وجوده كواقع حال بقانون تستجيب لشذوذه حتى الكنائس، مثل الزواج بين الشواذ والشاذ لم يحتاج الكنيسة! يحتاجها للمصالحة مع غريزة التدين وليس فكرة الدين المناهض أصلا لهذا وليكون مقبولا اجتماعيا، وكثير من الأمثلة التي صدر بها تشريعات تنظيمية للمحافظة على مرتكبيها ضمن سلطة الدولة التي حلت محل الاله عمليا.
عند المجتمعات الشرقية يمر القبول في دورات أطول فتوافق مجتمعنا مع الرأسمالية ليس بسببها وإنما بسبب آليات فيها والتي تحتاج إلى وقت وأنظمة وقوانين لضبط السلوكيات السلبية التي تنتج عنها ويبدو شاذا ومشوها من يقر الشذوذ مثلا علنا، في حين انه يكثر في مجموعات بشرية تهرب من المسؤولية أو يعتاد الإنسان وضعه من الشذوذ نتيجة استغلاله من أناس شاذينمتنفذين بصيغة أو أخرى، ولا وسائل للمعالجة ويكتفي المجتمع بالإنكار…. لكن معظم حدود المعادلة متحققة.
معالجة هذا:
إن مجتمعنا لا يحتاج أمراً كثيرا لكنه كبيرا والمقاومة له من منظومة التخلف، في مجتمعنا استدعاء الماضي وافتراض أن الاجتهادات القديمة تناسب العصر أو أنهاصحيحة والعالم الذي نحن فيه خطأ ولا يعالج، نعم الواقع خطأ ولكن استدعاء الماضي خطأ أيضا فنحن في خطأ مركب وهذا تمام معنى الكارثة، ولا يمكن إقامة فكر بلا آلياته وتنقيته، فالغرائز ستسيطر ويصبح التبرير والشعور بالذنب مرضا نفسيا.
بدل أن نتصالح أن المسلمين شيعة وسنة ونقر روابط هابطة؛ الأفضل نستحضر أصل القرآن ونرفع كل ما أضيف للإسلام من معوقات الإصلاح عبر أشخاص، وتختصر المذاهب بتعاليم للعبادة مناسبة بكراريس صغيرة دون الدخول في تفاصيل أوجدها الهروب من واقع مر للسياسة، وبدل تبرير نوع الولاية نذهب إلى الشورى ونستمر في تحسين الأداء والآليات، الإسلام ينزل قرآنا كل يوم لكن نحن لا نفهم هذا ونحسبه آتيا من التاريخ وهذا ليس مفهوم الإسلام لنفسه.
كل الأديان الأخرى لها ما للمسلمين وعليها ما عليهم، وحتما ستكون تفاهمات اجتماعية لترشيد الرعوية عند القسس والواعظين والتي هي أساس خلخلة الانتماء وتزرع الكراهية بدل الاتفاق على بناء البيئة المشتركة وهي مهمة الإنسان المحمية من أي حكم إسلامي الذي غايته الأساس حماية الأهلية والاختيار وفاعلية المنظومة العقلية، لحين ذاك فمنظومة تنمية التخلف تزيد من عمق جرف التخلف الهار.