الكاتب : فاضل حسن شريف
كأنّ المظلمون أتباع موسى عليه السلام يتوقعون أن تصلح جميع الأمور بقيام موسى عليه السلام في ليلة واحدة أن يزول فرعون ويسقط مثل ما يعتقد المغرورين القلة في المقاومة العراقية بقوة ضعيفة ضعيفة التسلح مثل العراق سقوط دولة مدججة بالسلاح العالمي، وهذا يحصل عندما تتعاون دول المنطقة جميعا ويصبحوا بقوة عدوهم لبدأ التفاوض والانتصار. جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى “قَالُوا أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا ۚ قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ” (الأعراف 129) وفي آخر آية من الآيات الحاضرة يعكس القرآن الكريم شكايات بني إسرائيل وعتابهم من المشكلات التي ابتلوا بها بعد قيام موسى عليه السلام فيقول: “قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا” فإذا متى يحصل الفرج؟ وكأنّ بني إسرائيل مثل كثير منّا كانوا يتوقعون أن تصلح جميع الأمور بقيام موسى عليه السلام في ليلة واحدة أن يزول فرعون ويسقط، ويهلك الجهاز الفرعوني برمته، وتصبح مصر بجميع ثرواتها تحت تصرف بني إسرائيل، ويتحقق كل ذلك عن طريق الإعجاز، من دون أن يتحمل بنو إسرائيل أيّ عناء. ولكن موسى عليهم السلام أفهمهم بأنّهم سينتصرون في المآل، ولكن أمامهم طريقا طويلا، وإنّ هذا الإنتصار ـ طبقا للسنة الإلهية ـ يتحقق في ظل الاستقامة والثبات والسعي والاجتهاد، كما جاء ذلك في الآية الحاضرة “قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ”. وذكر كلمة “عسى” مثل كلمة (لعلّ) التي وردت في كثير من الآيات القرآنية إشارة في الحقيقة إلى أنّ لهذا التوفيق والإنتصار شرائط، من دونها لا يصلون إليه، (للوقوف على المزيد في هذا المجال راجع ما كتبناه في تفسير الآية 84 من سورة النساء). ثمّ يقول في ختام الآية: إنّ الله أعطاكم هذه النعمة، وأعاد إليكم حريتكم المسلوبة كي ينظر كيف تتصرفون أنتم “فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ”؟ يعني ستبدأ ـ بعد الإنتصار مرحلة امتحانكم واختباركم، اختبار شعب كان فاقدا لكل شيء ثمّ حصل على كل شيء في ضوء الهداية الإلهية. إنّ هذا التعبير هو ضمنا إشعار بأنّكم سوف لا تخرجون من هذا الاختبار ـ في المستقبل ـ بنجاح، وستفسدون وتظلمون كما فعل من كان قبلكم. ونقرأ في رواية وردت في كتاب الكافي مروية عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: (وجدنا في كتاب علي صلوات الله عليه: إنّ الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين، أنا وأهل بيتي الذين أورثنا الله الأرض ونحن المتقون). وهذه إشارة إلى أن الحكم المذكور في هذه الآية حكم شامل، وقانون عام، والأرض هي الآن ـ في الحقيقة ـ للمتقين.
عن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله تعالى “قَالُوا أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا ۚ قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ” (الأعراف 129) “قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا ومِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا”. كان فرعون يضطهد بني إسرائيل قبل مجيء موسى، وأوغل في اضطهادهم بعد مجيئه، ولما قالوا ذلك لموسى “قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ ويَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ”. ان موسى على علم اليقين انه سيهلك فرعون، وانه سيمن على بني إسرائيل بالنجاة منه، ويمكن لهم في الأرض، وعبّر عن ذلك بالرجاء دون الجزم لئلا يتكلوا على وعده. ثم أومأ موسى عليه السلام إلى قومه انه ليس المهم أن يهلك اللَّه عدوهم ويستخلفهم في الأرض، وانما المهم أن يتقوا اللَّه، ويحسنوا خلافته في أرضه، فينظر أيصلحون أم يفسدون؟. وقد عملوا الكثير في الأرض، حيث قتلوا الأنبياء والمصلحين من قبل، وأقاموا دولة من بعد لا شريعة لها إلا شهوة القتل والتشريد.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى “قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا ۖ إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ” (الأعراف 128) والآية اللاحقة بيّنت في الحقيقة خطّة موسى التي اقترحها على بني إسرائيل لمواجهة تهديدات فرعون، وشرح فيها شروط الغلبة على العدو، وذكرهم بأنّهم إذا عملوا بثلاث مبادئ انتصروا على العدو حتما: أوّلها: الاتكال على الله فقط “قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ”. والآخر: أن يثبتوا ولا يخافوا من تهديدات العدو: “وَاصْبِرُوا”. وللتأكيد على هذا المطلب، ومن باب ذكر الدليل، ذكّرهم بأنّ الأرض كلّها ملك الله، وهو الحاكم عليها والمالك المطلق لها، فهو يعطيها لمن يشاء “إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ”. وآخر هذه المبادئ هو أن يعتمدوا التقوى لأنّ العاقبة لمن اتّقى “وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ”. هذه المبادئ والشروط الثلاثة ـ أحدها في العقيدة (الاستعانة بالله) والثّاني في الأخلاق (الصبر والثبات) والأخير في العمل (التقوى) ليست شرائط انتصار قوم بني إسرائيل وحدهم على العدو، بل كل شعب أراد الغلبة على أعدائه لا بدّ له من تحقيق هذه البرامج الثلاثة فالأشخاص غير المؤمنين والجبناء الضعفاء الإرادة، والشعوب الفاسقة الغارقة في الفساد، إذا ما انتصرت فإنّ انتصارها يكون لا محالة مؤقتا غير باق. والملفت للنظر أنّ هذه الشروط الثلاثة كل واحد منها متفرع على الآخر، فالتقوى لا تتوفر من دون الثبات والصبر في مواجهة الشهوات، وأمام بهارج العالم المادّي، كما أنّ الصبر والثبات لا يكون لهما أي بقاء ودوام من دون الإيمان بالله.
عن مركز سيتا ما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه جهود الوساطة التي يبذلها العراق في خفض التصعيد في الشرق الأوسط؟ للكاتب عبد العزيز بدر عبد الله القطان بتأريخ 14 نوفمبر 2024: يمكن للعراق أن يكون له تأثير إيجابي على العديد من القضايا، وسبق للعراق أن أظهر دوره الوسيط في وقت سابق في تطبيع العلاقات بين إيران والسعودية، في ذلك الوقت، ساهمت بغداد بشكل كبير في ذوبان الجليد بين الخصمين الإقليميين، وقد أتاح هذا النهج للدولة العربية أن تضع نفسها في مكانة محايدة للجمع بين وجهات النظر المختلفة. كما يستطيع يستطيع العراق استخدام قنوات الاتصال الخاصة به لنقل الرسائل بين دول الجوار. ويلعب العراق دوراً خاصاً في منطقة الشرق الأوسط. وكان وسيطاً في إعادة العلاقات بين السعودية وإيران، وقد حدث تطور كبير في العلاقات العراقية التركية، خاصة بعد زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وعودة العلاقات بين بغداد والرياض. وبفضل التعاون مع الولايات المتحدة، تمكن العراق من الحصول على ضمانات بعدم شن ضربات على الأراضي العراقية، باستثناء مواقع الجماعات المسلحة. وفي ختام هذا الطرح، يتضح أن موقف العراق الحيادي في الصراعات الإقليمية، خصوصاً في ضوء الأوضاع المتوترة في غزة ولبنان، ليس مجرد قرار عابر أو نهج مؤقت، بل هو جزء من استراتيجية شاملة تهدف إلى الحفاظ على سيادة البلاد وأمنها الداخلي، مع محاولة الموازنة بين الضغوط الإقليمية والدولية وبين احتياجات الشعب العراقي في استقرار دائم، وإن هذا النهج يعبر عن تجربة سياسية ناضجة تراكمت عبر سنوات طويلة من التدخلات الخارجية والصراعات التي أثرت بشكل مباشر على البنية الاجتماعية والسياسية للدولة. بالإضافة إلى ذلك، إن الالتزام بالحياد لا يعني التجاهل أو الانعزال عن الأحداث، بل هو موقف مسؤول يتطلب من العراق أن يستثمر في الدبلوماسية النشطة والوساطة البناءة. ولقد أثبتت بغداد بالفعل قدرتها على لعب دور الوسيط عندما ساهمت في تخفيف التوترات بين أطراف إقليمية متنازعة، مثل دورها في تطبيع العلاقات بين إيران والسعودية كما ذكرنا آنفاً، وهي سابقة تعكس قدرة العراق على توظيف موقعه الجغرافي والسياسي لتحقيق توازنات قد تساهم في تعزيز السلام الإقليمي. ومع تزايد الضغوط التي تواجهها المنطقة بفعل استمرار العنف وتداعياته، تبرز أهمية أن يحافظ العراق على سياسته الحيادية، متجنباً الانزلاق إلى أي محور قد يفاقم الصراع. وعلى الرغم من تحديات الموقف، تظهر الحكومة العراقية اهتماماً حقيقياً بتعزيز أدواتها الدفاعية والدبلوماسية، مما يمكنها من الحفاظ على حيادها ومنع استخدام أراضيها لشن هجمات قد تُدخل البلاد في صراعات أوسع. في المحصلة، إن العراق، عبر اتخاذه مواقف تركز على الدبلوماسية ورفض العنف، يعكس رؤية استشرافية ترى في السلام والاستقرار حجر الزاوية لبناء مستقبل آمن للمنطقة بأكملها. فالحفاظ على نهج متزن يجمع بين الحياد الفاعل والدبلوماسية النشطة، مع تعزيز القدرات الدفاعية لحماية السيادة، يمثل استراتيجية حكيمة تحافظ على مصالح العراق وتعزز دوره كجسر للتواصل بين دول المنطقة، مما يتيح له أن يبقى شريكاً موثوقاً في جهود تخفيف التوترات وإرساء الأمن الإقليمي.