الكاتب : فاضل حسن شريف
عن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله جل جلاله “وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” ﴿آل عمران 104﴾ وهذا الأصل من الأصول الأساسية لكل دين، ولكل مذهب، وكل مبدأ، ولو كان زمنيا، لأنه الوسيلة المجدية لبث الدعوة وانتصارها، وردع أعدائها. ولا شيء أدل على ذلك من اهتمام أصحاب المذاهب السياسية والاقتصادية بوسائل الاعلام، وتطورها، وبذل الملايين في سبيلها، ومن وقوف الدعاية بشتى أساليبها مع المدفع جنبا إلى جنب، وما ذاك إلا لأنهم أدركوا بتجاربهم ان الرأي العام أمضى سلاحا، وأقوى أثرا من الصواريخ والقنابل، وقد اشتهر عن أحد أقطاب الحلفاء بعد انتصارهم في الحرب العالمية أنه قال: ( لقد انتصرنا في المعركة بقنابل من ورق ). يعني الصحف والنشرات. وتسأل: كيف تجمع بين قوله تعالى: “ولْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ويَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ويَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ” وبين قوله سبحانه: “يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ” (المائدة 105)، حيث أفادت الأولى وجوب الأمر بالمعروف، ودلت الثانية على عدم وجوبه بقرينة “عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ”. الجواب: المقصود بالآية الثانية ان من قام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الوجه المطلوب فلا يضره ضلال من ضل، واعراض من أعرض، ما دام قد أدى ما عليه: “فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وعَلَيْنَا الْحِسابُ” (الرعد – 40). سؤال ثان: لقد اشتهر عن رسول اللَّه صلَّ الله عليه واله انه قال: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فان لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان). وهذا الترتيب يتنافى مع ما هو معروف شرعا وعقلا وعرفا من أن تغيير المنكر إنما يبتدئ أولا باللسان، فإن لم يجد فبالحرب، فما هو الوجه لقول الرسول الأعظم؟. الجواب: فرق بعيد بين تغيير المنكر، وبين النهي عن المنكر، فإن النهي عن المنكر يكون قبل وقوعه في الغالب فهو أشبه بالوقاية، كما لو احتملت ان شخصا يفكر بالسرقة، فتنهاه عنها. أما تغيير المنكر فيكون بعد وقوعه، كما لو علمت ان شخصا سرق محفظة الغير، فإن كنت قادرا على انتزاعها من السارق، وردها إلى صاحبها وجب عليك أن تباشر ذلك بنفسك إذا انحصر الرد بفعلك خاصة، ولم يلحقك أي ضرر، فإن لم تستطع وجب عليك أن تأمر السارق برد المحفظة إلى صاحبها، وتنهاه عن إمساكها، فإن لم تستطع مقت السارق، ولم ترض بفعله بينك وبين ربك.. وموضوع الحديث النبوي تغيير المنكر، لا النهي عن المنكر. جاء في تفسير المنار ان الشيخ محمد عبده كان في الدرس يفسر هذه الآية: “ولْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ” الخ. ومما قال: إن على كل إنسان أن يأمر بالمعروف حسب استطاعته، وضرب مثلا بالطائفة الشيعية، فإنهم ملتزمون بهذا المبدأ، ولا يدعونه بحال، متى سنحت الفرصة، واستشهد على ذلك بأنه حين كان ببيروت احتاج إلى مرضعة ترضع بنتا له، فجيء بامرأة شيعية، فأخذت تدعو نساء الشيخ إلى مذهبها.
جاء في تفسير الميسر: قوله جل جلاله “وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” ﴿آل عمران 104﴾ أُمَّةٌ: طائفة و هم العلماء. ولتكن منكم أيها المؤمنون جماعة تدعو إلى الخير وتأمر بالمعروف، وهو ما عُرف حسنه شرعًا وعقلا وتنهى عن المنكر، وهو ما عُرف قبحه شرعًا وعقلا وأولئك هم الفائزون بجنات النعيم.
وعن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله جل جلاله “وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” ﴿آل عمران 104﴾ الدعوة إلى الحقّ ومكافحة الفساد: بعد الآيات السابقة التي حثت على الأخوة والإتحاد جاءت الإشارة ـ في الآية الأُولى من الآيتين الحاضرتين ـ إلى مسألة (الأمر بالمعروف) و (النهي عن المنكر) اللذين هما ـ في الحقيقة ـ بمثابة غطاء وقائي إجتماعي لحماية الجماعة وصيانتها، إذ تقول “وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ”. لأن فقدان (الأمر بالمعروف) و (النهي عن المنكر) يفسح المجال للعوامل المعادية للوحدة الإجتماعية بأن تنخرها من الداخل، وتأتي على كلّ جذورها كما تفعل الأرضة، وأن تمزق وحدة الأُمة وتفرق جمعها، ولهذا فلابدّ من مراقبة مستمرة ورعاية دائمة لهذه الوحدة، ولا يتم ذلك إلاَّ بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. وهذه الآية تتضمن دستوراً أكيداً للأمة الإسلامية بأن تقوم بهاتين الفريضتين دائماً، وأن تكون أمة آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر أبداً لأن فلاحها رهن بذلك: “وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ”. يبقى أن نعرف أن (الأُمة) مأخوذة لغة من (الأُم) وهو كلّ ما انضم إليه الأشياء الاُخرى، أو كلّ شيء ضم إليه سائر ما يليه، والأُمة كلّ جماعة يجمعهم أمر جامع إما دين واحد، أو زمان واحد، أو مكان واحد لهذا لا تطلق لفظة الأُمة على الأفراد المتفرقين، والأشخاص الذين لا يربطهم رباط واحد.
قوله تعالى “ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر واولئك هم المفلحون” (آل عمران 104) روى الحاكم الحسكاني الحنفي عن محمد بن علي المقري عن سلمان الفارسي في شواهد التنزيل ان النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم قال يا سلمان إن علي بن أبي طالب وحزبه هم المفلحون.
عن مركز تفسير للدراسات القرآنية للكاتب رضا زيدان: هل تطورت كلمة (أُمَّة) في القرآن الكريم؟ نقد أطروحة المستشرق مونتجمري وات حول التطور الدلالي لكلمة (أُمَّة) في القرآن الكريم: ويدلّل أيضًا بــ(حقيقة أخرى غريبة، هي أنّ جميع الآيات التي ترِد فيها كلمة “أمة” (أُنزلت) قبل عام 625، ولا يوجد تفسير بَيَّنَ ذلك. وربما عاد السبب إلى التعقيد المتزايد في البنية السياسية لجمهرة المسلمين وأتْباعهم، أو قد يذهب الحدس بالمرء إلى حدّ القول بأنّ يهود المدينة كانوا يتندّرون بالكلمة بطريقةٍ ما، أمّا الإبقاء على الكلمة في (دستور المدينة) فيمكن أن يُعْزَى إلى حقيقة أنّ البنود التي توردها مأخوذة عن وثيقة سابقة). ويعتبر وات أن (القومية) هي الوصف التاريخي الأنسب لحال العرب، فقد (كان طبيعيًّا أن يضع العرب في مطلع القرن السابع مفهوم (القبيلة) في مركز الصدارة من تفكيرهم السياسي، إِذْ لم يكن لدى غالبية العرب هيئة سياسية أخرى غير القبيلة. وإذا وجد في مكة ما يشبه المجلس (الملأ) فهو قد لا يختلف كثيرًا عن المجلس القبَلي للشيخ باستثناء أنه لم يكن هناك قائد واحد للدولة في مكة بل زعماء قبائل متساوون في منزلتهم). ولحال الفترة المكية أيضًا بالخصوص، وفترة حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بشكلٍ عام، (رغم التعقيد المتنامي للهيئة السياسية التي أدارها محمد صلى الله عليه وآله وسلم خلال سنوات حياته. ويمكن القول: إنّ عملية التنامي هذه جرَت باتساق مع المبادئ السابقة للإسلام، فحتى عشائر المدينة التي يُفترض أنها قد دخلت في حلفٍ مع محمد صلى الله عليه وآله وسلم كانت بدورها في حالة تحالف ليس ببعيد مع بعض القبائل البدوية العربية المجاورة لها). يوضح وات القومية في كتاب آخر له فيقول: (في مقابل الدِّين القديم هناك ما يمكن أن نسميه (الإنسانية القبَلية)، وقد كانت هذه الإنسانية القبَلية هي الدِّين المؤثر عند العرب في زمان محمدٍ (عليه الصلاة والسلام)، بالرغم من أنها كانت أيضًا في تدهور. وهذا هو الدِّين الذي نجده في أشعار الجاهلية. فبالنسبة للشعراء، كان ما يجعل للحياة معنى هو الانتماء إلى قبيلة تستطيع أن تتفاخر بالأعمال الفذّة التي تتطلب الشجاعة والكرم، والمشاركة فيها بنفسه. فمن وجهة النظر هذه، فإن تحقيق التفوّق الإنساني بالعمل هو هدف في حد ذاته، وفي الوقت نفسه غالبًا ما كان يسهم في بقاء القبيلة، وهو الهدف الآخر العظيم من أهداف الحياة. هذه هي (الإنسانية القبَلية) بمعنى أنّ أهميتها تأتي أساسًا من القيم الإنسانية أو من القوة أو من سلوك الرجال. ولكنها تختلف عن معظم الفلسفات الإنسانية الحديثة، في أنها تعتبر القبيلة وليس الفرد محلّ هذه القيم).