فبراير 5, 2025
Dr Fadhil Sharif

فاضل حسن شريف

جاء في کتاب باب الحوائج الإمام موسى الكاظم عليه السلام للدكتور حسين الحاج حسن: التراحم و التعاطف‌: حث الإسلام على التزاور بين المسلمين، لأن ذلك يوطد أواصر المحبة فيما بينهم و يطلعهم على حاجات بعضهم البعض. و المحبّة التي يبغيها الاسلام للمؤمنين هي المحبّة الخالصة لوجه اللّه، تلك التي تدفع صاحبها على الدوام إلى محبّة الجميل في أي إنسان تمثل، و إلى تفضيل الجليل من أي مكان صدر هذه المحبّة الناتجة عن التزاور و التعاطف تدوم و تستمر لأنها لوجه اللّه، و ما كان للّه دام و اتصل، و ما كان لغير اللّه انقطع وانفصل. و المرء لا ينال هذا اللون من المحبّة على وجهها السليم إلّا بمثل هذا العون الربّاني. من هنا كان القول: إن من علامات رضى اللّه على الإنسان المؤمن محبة الناس له؛ و من علامات غضب اللّه على الإنسان كره الناس له و تفرّقهم من حوله. قال تعالى لنبيه موسى عليه السّلام: “وَ أَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي، وَ لِتُصْنَعَ عَلى‌ عَيْنِي‌” (طه 29). و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: (الخلق كلهم عباد اللّه و أقربهم إليه أنفعهم لعياله) و من هذا الينبوع الغزير (المحبة) تفيض ألوان من التراحم و التعاطف و تتسلسل نسيمات وجدانية يجد المؤمنون جوارها برد السلامة و العافية. و الإمام الكاظم عليه السّلام: أمر أصحابه بالتوادد و التآلف و زيارة بعضهم بعضا لأنها توجب شيوع المودة بينهم، مضافا لما لها من الأجر العظيم عند اللّه. قال عليه السّلام: (من زار أخاه المؤمن للّه لا لغيره يطلب به ثواب اللّه، وكل اللّه به سبعين ألف ملك من حين يخرج من منزله حتى يعود إليه ينادونه: ألا طبت وطابت لك الجنة، تبوأت من الجنة منزلا). و في حديث لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: (إن من عباد اللّه لأناسا ما هم بأنبياء ولا شهداء يتغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة، بمكانهم من اللّه تعالى قالوا: يا رسول اللّه تحيرنا من هم؟ قال: هم قوم تحابوا بروح اللّه على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها، فو اللّه إن وجوههم لنور، و أنهم لعلى نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس. أَلا “إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ‌” (يونس 62). و روى الكليني بإسناده عن محمد بن سليمان، عن محمد بن محفوظ قال: سمعت أبا الحسن عليه السّلام يقول: (ليس شي‌ء أنكى لابليس وجنوده من زيارة الإخوان في اللّه بعضهم لبعض، قال: و إن المؤمنين يلتقيان فيذكران اللّه ثم يذكران فضلنا أهل البيت فلا يبقى على وجه إبليس مضغة لحم إلا تخدّد حتى أن روحه لتستغيث من شدة ما يجد من الألم فتحس ملائكة السماء وخزان الجنان فيلعنونه حتى لا يبقى ملك مقرب إلا لعنه، فيقع خاسئا حسيرا مدحورا).

وعن السخاء و حسن الخلق يقول مؤلف الكتاب الدكتور الحاج حسن: لقد حثّ القرآن الكريم على حسن الخلق و رغب فيه و دعا إليه بأسلوب هو غاية في الروعة و الاداء، فيه التشوق إلى العطاء الذي ما بعده من عطاء. ألا و هو قرض اللّه قرضا حسنا و هل هناك أكرم و أعظم من هذا الذي نقرضه؟ إنه العلي القدير، الرحمن الرحيم رب العالمين فاطر السماوات و الأرض صاحب العرش العظيم. قال تعالى: “مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً وَ اللَّهُ يَقْبِضُ وَ يَبْصُطُ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ‌” (البقرة 245). فأي تلطف من رب العالمين تبارك و تعالى في هذا التعبير الذي يجعل الاحسان بمثابة الاقراض و إنما يقترض المحتاج و اللّه غني عن العالمين حيث له ملك السماوات والأرض و من فيهن. و لقد جاء التعبير بمثل هذه الصورة نيابة عن الفقراء و المحتاجين و دفاعا عنهم. و ما قيمة امرئ يبخل باقراض بعض المال لواهبه الذي سيرده بلا ريب أضعافا مضاعفة و الإمام الكاظم عليه السّلام لهذا كله حث أصحابه على التحلي بالسخاء و حسن الخلق قال عليه السّلام: (السخي الحسن الخلق في كنف اللّه، لا يتخلى اللّه عنه، حتى يدخله الجنة، و ما بعث اللّه نبيا إلا سخيا، و ما زال أبي يوصيني بالسخاء وحسن الخلق). و قد عمل عليه السّلام بوصية أبيه عليه السّلام ثم بوصية جده صلّى اللّه عليه و آله و سلم الرسول الأكرم الذي قال: (ألا أخبركم بأحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة؟ أحاسنكم أخلاقا الموطئون أكنافا الذين يألفون و يؤلفون).

وعن مكارم الأخلاق يقول الدكتور حسين الحاج حسن: سأل رجل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم عن حسن الخلق، فتلا قوله تعالى: “خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ‌” (الأعراف 199) ثم قال صلّى اللّه عليه و آله و سلم: (و هو أن تصل من قطعك، و تعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك). و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلم: إن الخلق الحسن ليميت الخطيئة كما تميث الشمس الجليد). و جاء في الكافي عن الإمام الباقر عليه السّلام قال: (أكمل المؤمنين ايمانا أحسنهم خلقا).

جاء في کتاب باب الحوائج الإمام موسى الكاظم عليه السلام للدكتور حسين الحاج حسن: وأما الحكمة فيسمى افراطها عند الاستعمال في الأغراض الفاسدة خبا، و يسمي تفريطها بلها، و الوسط هو الذي يختص باسم الحكمة و الخلاصة أن أمهات الأخلاق الحسنة و الجميلة و أصولها أربعة: الحكمة و الشجاعة و العفة و العدل. لم يبلغ كمال الاعتدال من البشر في هذه الأصول الأربعة إلا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم و لهذا أثنى اللّه عليه قائلا: “وَ إِنَّكَ لَعَلى‌ خُلُقٍ عَظِيمٍ” (القلم 4). و الناس بعده يتفاوتون في القرب و البعد فينبغي أن يقتدى به. و قد أشار سبحانه و تعالى إلى هذه الأخلاق في أوصاف المؤمنين: “إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ‌ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ” (الحجرات 15). فالايمان باللّه و رسوله من غير ارتياب هو قوة اليقين، و هو ثمرة العقل، و منتهى الحكمة. و المجاهدة بالمال هو السخاء الذي يرجع إلى ضبط قوة الشهوة؛ و المجاهدة بالنفس هي الشجاعة التي ترجع إلى استعمال قوة الغضب على شرط العقل و حد الاعتدال. و قد وصف اللّه عز و جل به قوما فقال: “أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ‌” (الفتح 29). و هذه إشارة إلى أن للشدة موضعا و للرحمة موضعا، و ليس الكمال بالشدة في كل حال، و لا في الرحمة بكل حال. و ما نراه اليوم يتمثل عمليا على أرض لبنان في الجنوب الحبيب و البقاع الغربي الحبيب على يد أبطال المقاومة المسلمة الذين استعملوا الشدة في موضعها فجاهدوا بأنفسهم بكل شجاعة محكمين غضبهم على شرط العقل، و مقاومين عناقيد الغضب بدمائهم الزكية الطاهرة فايمانهم في غير ارتياب لقوة يقينهم و هم بالنتيجة الصادقون الصابرون.

وعن الصبر و فضله يقول الدكتور الحاج حسن: من الصفات الحميدة التي يتحلى بها المؤمنون، الصبر، فهو المحك لقوة ايمان الانسان وصلابة إرادته تجاه النوائب والمصائب التي تحل به. قال تعالى: “وَ لَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ‌” (النحل 96). و قال تعالى أيضا: “وَ جَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا” (السجدة 24). و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم بما معناه: (من أقل ما أوتيتم اليقين و عزيمة الصبر، و من أعطي حظه منهما لم يبال ما فاته من قيام الليل وصيام النهار). و سئل صلّى اللّه عليه و آله و سلم عن الايمان؟ فقال: الصبر والسماحة. و قال الإمام الباقر عليه السّلام: (الجنة محفوفة بالمكاره والصبر. فمن صبر على المكاره في الدنيا دخل الجنة، وجهنم محفوفة بالملذات والشهوات فمن أعطى نفسه لذتها و شهوتها دخل النار). و قال الإمام الصادق عليه السّلام: (من ابتلي من المؤمنين ببلاء فصبر عليه كان له مثل أجر ألف شهيد). و قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام: (بني الإيمان على أربع دعائم: اليقين، و الصبر، و الجهاد، و العدل). و الإمام الكاظم عليه السّلام سار على نهج أبيه وجده فاوصى أصحابه بالتمسك بالصبر إن نزلت بهم كارثة أو حل بهم خطب، فإن الجزع يذهب بالأجر الذي أعده اللّه للصابرين فقال عليه السّلام بما مضمونه: (المصيبة لا تكون مصيبة يستوجب صاحبها أجرها إلّا بالصبر و الاسترجاع عند الصدمة). و قال عليه السّلام عقب البلاء الذي أصابه من الحكام العباسيين: (إن الصبر على البلاء أفضل من العافية عند الرخاء). و لكن أين الرخاء؟ في سجون هارون الرشيد و الهادي. و قال عليه السّلام: (المصيبة للصابر واحدة و للجازع اثنتان). أما الذين صبروا على البلاء مثل الإمام الكاظم و أبيه و أجداده فقال اللّه سبحانه و تعالى عنهم: “أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا” (القصص 54).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *