سلطان أمريكا المعظم “دونالد ترامب”في خريف عمره يحلم بالخلافة التسعينية ؟

صباح البغدادي

دونالد ترامب، الرئيس الذي يقسم أن حلمه بقيادة أمريكا لولاية ثالثة ورابعة – وحتى يبلغ التسعين – ليس مزحة عابرة أو هذيان ليلي! صدّقوه، فهو لا يتكلم من فراغ، ولا يهذي كمن استيقظ من كابوس رآه في منامه، حيث تاج الخلافة يلمع فوق شعره البرتقالي. لا، هذا الرجل الذي يردد دائما في مؤتمراته الصحفية ومن وراء طاولة مكتبه “الله حفظني من رصاصتين الاغتيال لأعيد أمريكا إلى عظمتها” يؤمن أن القدر اختاره ليكون أكثر من مجرد رئيس – بل سلطانًا أبديًا، إمبراطورًا يُخلّد اسمه بجانب قيصر روما ونابليون، أو ربما كخليفة أمريكي يوزع الولايات كإقطاعيات على أتباعه. انتبهوا جيدًا: خلف كلماته المتفاخرة ليس مجرد طموح سياسي أو اقتصادي، بل جنون عظمة يرسم في مخيلته تمثالاً ذهبيًا له في كل مدينة، بينما يعيد تشكيل التاريخ بقرارات تعسفية، ظنًا منه أن الشعوب ستذكره كمن غيّر العالم، لا كمن أحرقه.

وعلى الرغم من ان الدستور الامريكي واضح وصريح بانه لا يجوز انتخاب أي رئيس أكثر من مرتين لرئاسة البلاد” ولكن بعض مناصري ترامب يرون أن هناك طرقاً التفافية وثغرات يمكن من خلالها الالتفاف على الدستور.ومن خلال مقابلة مع قناة NBC، كانت أحد الأسئلة التي وُجهت لترامب حول إمكانية ترشحه لولاية ثالثة، فأجاب: “هناك طرق لتحقيق ذلك”.وأضاف ترامب: “أنا لا أمزح، الكثير يريدون مني أن أفعل ذلك، وأقول لهم ببساطة إن أمامنا طريقاً طويلاً. كما تعلمون، ما زلنا في بداية الإدارة الحالية”.وعندما سُئل ترامب – الذي سيبلغ 82 عاماً في نهاية ولايته الثانية – عما إذا كان يرغب في الاستمرار في العمل في “أصعب وظيفة في البلاد”، أجاب قائلاً: “حسناً، أنا أحب هذا العمل”.ولم تكن هذه المرة الأولى التي يتحدث فيها ترامب عن الترشح لولاية ثالثة، ففي كانون الثاني الماضي، قال الرئيس الأمريكي أمام أنصاره: “سيكون أعظم شرف في حياتي أن أخدم ليس مرة واحدة، بل مرتين أو ثلاث أو أربع مرات”.

تخيّل معي رئيسًا يقف أمام مرآة البيت الأبيض، يتمتم: “أنا السلطان الأعظم، الخليفة الذي لا يُقهر!”، بينما يحاول تثبيت شعره المصبوغ بلون الشمس المغيبة. هذا ليس مشهدًا من مسلسل تاريخي عربي، بل واقع أمريكي محتمل إذا صدّقنا دونالد ترامب وهو يتحدث عن ترشحه لولايات ثالثة ورابعة حتى يبلغ التسعين. في هذا المقال، سنغوص في مزيج غريب من السخرية والواقعية السياسية والاقتصادية، لنرى كيف يتحول الرئيس إلى خليفة متوهم عندما يغيب المعارضون، وكيف يؤثر خريف العمر على قراراته المصيرية. اونقص على ابنائنا امام مدفاة النار ونقول لهم كان يا ما كان، في زمن الانتخابات الأمريكية، سلطان ذهبي الشعر يدعى دونالد ترامب، وقف أمام حشد من المبايعين معلنًا: “لو كنت أنا الرئيس بدلاً من بايدن الغافل، لما رأيتم حرب روسيا وأوكرانيا، ولا طوفان السابع من أكتوبر، ولا دمار غزة!”. الجموع صفقت، والكاميرات لمعت، لكن التاريخ – ذلك الراوي الساخر – كان يهمس في الخفاء: “انتظروا، فهذا الخليفة المتوهم قد يوزع الولايات كإقطاعيات، ويشعل شرارة الحرب العالمية الثالثة بدلاً من إطفاء لهيب الفتن!.

لنكن واقعيين: ترامب، الذي يحلم بحكم أمريكا حتى يبلغ التسعين، ليس غريبًا عن التصريحات المتضخمة. في حملته لعام 2024، كرر أكثر من مرة أن عهده كان “عصر السلام”، متجاهلاً أن سياسته تجاه إيران كادت تُشعل الشرق الأوسط، وأن تهديداته لكوريا الشمالية جعلت العالم يترقب صواريخ “الرجل الصغير الصاروخي” كما سمّاه. لكن دعونا نمنحه حقه: لو كان في السلطة، ربما لم نشهد الحرب الروسية-الأوكرانية… لأنه كان سيُقرر – بقراراته التعسفية القسرية – إعطاء بوتين مفتاح أوروبا الشرقية كهدية عيد ميلاد، مع تعليق: “صفقة رائعة، لا أحد يفاوض مثلي!.وكما نراها في الدول العربية والإسلامية، اعتدنا على صورة الحاكم الذي يرى نفسه ظل الله في الأرض، يوزع الأراضي والثروات كما لو كانت ميراثًا عائليًا. ترامب، بطريقته، ليس بعيدًا عن هذا النموذج. سياسيًا، حكم وكأن البلاد شركة عائلية؛ خفّض الضرائب للأغنياء (ومن ضمنهم هو نفسه)، ووزّع المناصب كمن يوزع الحلوى في عيد ميلاد. اقتصاديًا، راهن على “الصفقات العظيمة”، وكأنه يبيع عقارات في مارثا’s فينيارد بدلاً من إدارة أكبر قوة عالمية. لكن، كما في أنظمة السلاطين، عندما تكون السلطة بلا حدود، يصبح الواقع مجرد مرآة تعكس أهواء الحاكم، لا مصلحة الشعب.

يقولون إن العقل ينضج مع العمر، لكن ماذا لو كان العمر نفسه هو الذي يُعكر صفو العقل؟ ترامب، الذي تجاوز السبعين في ولايته الأولى، يحلم الآن بأن يحكم حتى التسعين. في خريف العمر، قد تتحول القرارات المصيرية إلى مزيج من النوستالجيا والتهور. تخيّل معي: “لنشن حربًا تجارية أخرى مع الصين، لأنني أتذكر أيامًا كانت فيها أمريكا تصنع كل شيء!”، أو “سأبني جدارًا جديدًا، لكن هذه المرة من الذهب، لأنه يليق بي!”. التاريخ يعلمنا أن الشيخوخة قد تُضعف القدرة على التفكير الاستراتيجي، لكنها قد تُعزز الأوهام الشخصية، وهنا يبدأ جنون العظمة.وهذا ما قد نترجمها عن احداث السابع من أكتوبر وحرب غزة، فالرجل الذي نقل السفارة الأمريكية إلى القدس واعتبرها “انتصارًا للسلام” ينسى أن هذا القرار أشعل فتيل التوترات في المنطقة أصلاً. لنضحك قليلاً: هل كان يظن أن الفلسطينيين سيرحبون به كخليفة عادل يحمل مفتاح الجنة؟ لا، يا سيدي السلطان، قراراتك كانت كمن يرمي عود كبريت في كومة قش، ثم يتباهى بأنه “أطفأ الحريق” لأن اللهب لم يصل بعد إلى قصره في فلوريدا.

عندما يغيب من يقول “كفى”، يصبح الحاكم سلطانًا أو خليفة متوجًا بتاجه الخاص. في أنظمة عربية وإسلامية، رأينا حكامًا يمددون حكمهم إلى ما لا نهاية، محاطين بالمتملقين والمؤيدين المأجورين. ترامب، بإعلانه عن ولايات إضافية رغم الدستور، يبدو كمن يقول: “أنا القانون، وأنا الشعب، وأنا التاريخ!”. جنون العظمة هنا ليس مجرد نزوة، بل حالة نفسية تتغذى على غياب المعارضة القوية. في أمريكا، حيث الديمقراطية صلبة نظريًا، يثير هذا السلوك السخرية: هل نحن أمام رئيس أم أمام خليفة يبحث عن بايعة جديدة؟ والآن، دعنا نتخيّل ترامب في ولاية جديدة، يقرر بجنون عظمته أن يفرض عقوبات على الصين “لأنها لا تحترم أمريكا العظيمة”، أو يشن حربًا تجارية جديدة لأن “الجميع يغشونني!”. اقتصاديًا، رؤيته “السلطانية” – التي تعتمد على الجدران الذهبية والصفقات الفردية – قد تُغرق الاقتصاد الأمريكي في عزلة، بينما يشعل تحالفات عسكرية مضادة من روسيا إلى آسيا. الحرب العالمية الثالثة؟ ليست بعيدة إذا اعتقد أن العالم سينصاع له كما ينصاع أتباعه في “مارالاغو”. هنا، يصبح السلام الذي يعد به مجرد وهم، والواقع هو سلطان متوج يحكم بمراسيم تعسفية، غير مدرك أن العالم ليس إقطاعية يوزعها على أمراءه.

انتبهوا، فهذا ليس مجرد رجل يلهث وراء كرسي الرئاسة! خلف تزمّره المتواصل وكلماته المتضخمة يكمن طموح يتجاوز حدود السياسة أو الاقتصاد – إنه جوع مرَضي لتخليد اسمه كأيقونة لا تُمحى، كسلطان أمريكي يريد أن يُنحت وجهه على جبل راشمور بينما يحترق العالم من حوله. هذا ليس هذيان عجوز تجاوز الثمانين، بل خطة مدروسة في عقلية ترى نفسها فوق الدستور والشعب، جاهزة لسحق أي عقبة – ديمقراطية كانت أم دولية – لتحقيق أوهام العظمة. الخطر ليس في كلماته الفارغة، بل في ما يعنيه ذلك: رجل مستعد لإشعال حروب، تمزيق تحالفات، وتحويل أمريكا إلى مسرح لمسرحيته الشخصية، فقط ليُكتب في التاريخ كإمبراطور لا يُنسى. إذا لم تُوقفوه، فاستعدوا ليوم يصبح فيه البيت الأبيض قصرًا ديكتاتوريًا، والعالم كومة رماد تحت أقدام “الخليفة التسعيني”.

ترامب ليس أول من حلم بأن يكون خليفة أبديًا، ولن يكون الأخير. لكن يا شعب أمريكا، احذروا! إذا تركتموه يمد عرشه إلى التسعين، ويمزق قاعدة الولايتين التي صانت ديمقراطيتكم، فستصبحون كشعوب العالم الثالث التي تصفق لدكتاتورها وهو يبني قصورًا من ذهب بينما بطونها تجوع. هذه ليست نكتة ساخرة، بل جرس إنذار: بداية النهاية لإمبراطورية أمريكا العظيمة ستكون حين يتحول البيت الأبيض إلى قصر سلطاني، والدستور إلى ورقة يمسح بها الخليفة عرق جبينه. التاريخ شاهدٌ: الرومان سقطوا بأيدي أبنائهم حين استبدلوا الجمهورية بالطغاة، والعثمانيون ذابوا عندما أصبح السلطان وهمًا يحكم من خلف الستار. مهما علا شأن أمريكا، سيأتي يومٌ تسقط فيه، ليس بصواريخ عدو خارجي، بل بأيدي أبنائها الذين صفقوا للسلطان بدلاً من حماية ديمقراطيتهم. فاستيقظوا، قبل أن يُكتب على قبر الإمبراطورية: “كانت عظيمة، حتى جاء ترامب الثالث!” وحتى قد يكون حلم ترامب بالحكم حتى التسعين مجرد نكتة ساخرة نرويها في المستقبل: “كان يا ما كان، سلطان أمريكي أراد أن يحكم إلى الأبد، لكنه نسي أن الشعر المصبوغ لا يخفي الزمن”. لكن وراء السخرية، هناك واقع سياسي واقتصادي يحذرنا: عندما يختلط خريف العمر بجنون العظمة، تصبح القرارات المصيرية لعبة خطرة. ربما حان الوقت لنذكّر السلاطين – سواء في واشنطن أو غيرها – أن السلطة ليست ميراثًا، والعمر ليس ضمانًا للحكمة. وليس أول حاكم يعد بالسلام وينتهي بإشعال الحروب. التاريخ العربي مليء بالسلاطين الذين ظنوا أن العالم سيخرّ أمام عروشهم، فانتهوا في كتب النكات. ربما، عندما يبلغ التسعين، سيكتب مذكراته بعنوان “أنا، الخليفة الأعظم”، بينما يتساءل العالم: “كيف تركنا هذا السلطان يحمل عود الكبريت؟.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *