سيار الجميل والتحول من الليبرالية الى الطائفية (القسم الثاني والاخير)

سلمان رشيد الهلالي

وقبل نبدأ القسم الثاني حول مواقف الدكتور سيار الجميل الطائفية , لابد ان نذكر ان بعض الاخوة اعترضوا على هذا الوصف , واكدوا انهم يعرفون الجميل شخصيا منذ سنوات , وانهم لم يروا او يلمسوا منه اي موقف شخصي طائفي . وانا اود ان اقول لهؤلاء الاخوة الاعزاء (اننا في المواقف لانحاكم الفرد , بل نحاكم الخطاب) فلايهمنا الفرد او نواياه او مجاملاته او صداقاته , مايهمنا هو مايكتبه او خطابه الذي يعلنه , لان الخطاب ليس هو الموقف السياسي والاجتماعي الحقيقي للفرد ومايعبر عن مكنونات نفسه وشعوره فحسب , بل لانه الباقي للتاريخ والاجيال القادمة التي سوف تحاسبه وتقيمه عليه .

وهناك الكثير من الكتاب الطائفيون الذين ينفون عن انفسهم تلك التهمة بتبرير ساذج ودليل تافه , ومازلت اتذكر ان القومي الناصري ورئيس مركز دراسات الوحدة العربية خير الدين حسيب الموصلي , وعندما ساله احدهم في مقابلة تلفزيونية حول اتهامه بالطائفية قال ( لا انا ابد مو طائفي , حتى ان السايق مالي عشرين سنة , وانا ما اعرف بي شيعي !!!!) ماشاء الله على الوطنية والاعتدال . واكيد ان رؤية الدكتور الجميل مثل زميله وصديقه خير الدين حسيب للطائفية …

كما اننا سبق وان ذكرنا بان الدكتور كان ليبراليا معرفيا وبعيدا عن الطائفية , الا ان التحول قد حصل في السنوات العشرة الاخيرة , وربما الكثير من الاخوة يحكمون عليه حول تلك المرحلة الليبرالية السابقة فقط .

ولايمكن حصر جميع تلك التصورات والخطابات الطائفية عند الدكتور الجميل , لان ذلك يحتاج الى دراسة مستقلة , سوف ادونها لاحقا , ولكن يمكن عرض بعض المواقف منها :

1 – بعد ان ادلى الكاتب المعروف والاعلامي المصري محمد حسنين هيكل العديد من التصريحات التي انحاز فيها للمحور الايراني – او المحور الثوري المقاوم – ونال من ملك السعودية شخصيا , وامتدح السيد حسن نصر الله ومواقفه وشجاعته , وانحاز للجانب اليمني والحوثيين ابان الحرب السعودية عليهم , خرج الدكتور الجميل بتصريحات وكتابات هيسترية تنال من هيكل شخصيا , واتهمه بالكذب والتلفيق والتدليس , لاتخلو من تملق واضح للمحور الخليجي السعودي .

2 – في عام 2019 نشر الجميل مقالا بعنوان (ايران تخترق العراق في كل قرن من قرون التاريخ) ونحن في هذا المقال لايهمنا ايران او الدفاع عنها , ولكن يهمنا الموقف الغريب للجميل الذي لايعتبر العثمانيين الاتراك محتلين للعراق , وهذا من اغرب المواقف بالتاريخ , فهو يرفض التدخل الايراني في العراق الذي كان محتلا من الاتراك , والسبب لان الاتراك من السنة والايرانيين من الشيعة , وبالتالي فلايعتبرهم الجميل محتلين . والغريب انه يذكر سنوات الاحتلال الصفوي للعراق وبلغت (42) عاما (وهى طبعا اقل من ذلك) فيما يغض النظر عن الاتراك الذين احتلوا العراق اكثر من (400) عاما , ونشروا فيه التخلف والامراض والعشائرية والفقر والطائفية , ولكن هذا لايهم ذلك عند الجميل , فما داموا هم من مذهبه فليفعلوا مايشاؤون (فالبيت بيتهم) , وهذا يحيلنا الى موقف الدكتور القومي عبد العزيز الدوري في كتابه (التكوين التاريخي للامة العربية) المشابه لموقف الدكتور الجميل , فعندنا وصل الى سياسة التتريك الشعوبية ضد العرب والعراقيين , ذكرها في سطر احد فقط , فيما عنده كتابا كاملا عن الشعوبية الاخرى . فالاخوة كما يبدو يقدسون الاتراك ونحن لانعرف , فيما المثقفين الشيعة (المخابيل) لايقدسون ايران مثلهم , لان الوطنية نمط مقتصر على الشيعة فقط , والاكراد والسنة لايشعرون بالنقص والاستلاب امامه مثل الشيعة .

3 – واما كتابه (الشخصية العراقية – دراسة في سوسيولوجية وسايكولوجية المجتمع العراقي المعاصر) الذي صدر عام 2021 , فقد اخرج الجميل فيه مكنونات نفسه الطائفية وبصورة لايمكن تصورها . ففي هذا الكتاب اراد الجميل طرح نظرية اجتماعية او نفسيه حول الشخصية العراقية – او المجتمع العراقي – شبيه بالفرضيات الثلاث التي طرحها الدكتور علي الوردي , الا انه لم يفلح بطرح اي فكره او نظرية فحسب , وانما اخرج لنا كتابا خطابيا وشعاراتيا وسياسيا ومؤدلجا يفتقد للعلمية والتحليل والعرض , بل ان محاضرات الجميل الاولى التي نشرها في موقعه الشخصي حول المجتمع العراقي كانت اكثر علمية وحيادية ومعرفية من الاراء الواردة في الكتاب , فمثلا في تلك المحاضرات اكد فيها اهمية فرضيات الدكتور الوردي الثنائية (البداوة والحضارة) , واراد تطويرها حول الثلاثية (البداوة والحضر واضاف لها الريف) , وادعى انه عرضها على الوردي شخصيا وايدها ضمنيا , ولكنه في هذا الكتاب اتهم الدكتور علي الوردي بالشعوبية والفارسية مثلما فعل البعثيون سابقا , وذلك بقوله ص 52 (ويبدو ان الوردي قد غرست في ذهنه منذ تربيته الاولى بان العراق الحضري لم يكن عربيا , بل ان الاعراب هم الذين دمروا حياته الحضرية , منذ ان استقروا فيه ايام الفتوحات الاسلامية , وهذه الرؤية المستنبطة من الفرس الشعوبيين …. وهنا تكمن عقدة الوردي الذي يريد وصف كل العرب بالبداوة والهمجية , ويضرب الوردي امثالا تافه … ) ولانريد الدخول والرد بالتفصيل عن هذا الراي الحقود , ولكن نسال الجميل : اذا كانت هذه اراء الوردي فعلا , وهى تشبه اراء ابن خلدون حول الاعراب , فلماذا لايتهمه بالشعوبية ايضا ؟؟

في ص 42 وبتملق واضح يدرج الجميل الشخصيات المعاصرة التي مدحت العراق , وبداها بشخصيتين من ال سعود . ولانعرف متى كان ال سعود محبين للعراق , والغارات الوهابية الى وقت قريب نشرت القتل والسرقة والذبح في الجنوب , والمفارقة تعمده عدم ذكر اي شخصية شيعية مدحت العراق .

في ص 115 ذكر التجاوزات على المراة العراقية , وضرب مثالا على ذلك انتهاكات الشيوعيين في مدينة الموصل ابان حركة الشواف عام 1959 , الا انه لم يذكر انتهاكات الحرس القومي البعثي للشيوعيات بعد انقلاب شاط 1963 .

في ص 151 ذكر ان الانكليز عندما احتلوا العراق عام 1914 سكتت العشائر العراقية لان الانكليز كانوا بارعين في شراء الذمم وتوزيع الليرات الذهبية على كبار الشيوخ ورجال الدين , وما ان قطع الانكليز ليرات الذهب حتى ثاروا ضدهم , ويتوهم البعض انهم ثاروا من اجل نزعة وطنية – كما اشيع طويلا – (في اشارة واضحة لثورة العشرين) . ونقول للدكتور الجميل ان العشائر الجنوبية ورجال الدين الشيعة تصدوا للانكليز بقيادة الحبوبي في البصرة , فيما عشائركم الذكية ورجال الدين السنة لم يكلفوا انفسهم بالدفاع عن الدولة العثمانية التي عاشوا بظلها اربع قرون من الاموال والاوقاف والامتيازات , بل واتصلوا بالانكليز لتقديم الخدمات , وعندما اندلعت ثورة العشرين عاد رجال الدين السنة وشيوخ العشائر السنة نفس الموقف الذكي والانتهازي عام 1914 , ولم يثوروا ضد الانكليز . اذن هذا الكلام يشمل عشائركم , ومن المعيب والعار ان تعطي تلميح على العشائر الاخرى التي قاتلت وقدمت الاف القتلى .

في الواقع ان الكتاب كبير جدا والامثلة فيه كثيرة واذكر اخر مثال في ص 286 وتحت عنوان (الخيانة العظمى) ادرج فيه الجميل المواقف التي قام فيها بعض العراقيون بمساعدة الغزاة لاحتلال وطنهم . وبالطبع اعتمد الجميل السردية البعثية القومية الطائفية حول اتهام الشيعة بمساعدة الاحتلال , والدليل ادرج احتلال المغول لبغداد وحملات الشاه اسماعيل الصفوي والشاه عباس ونادر شاه (وكلها احتلالات ايرانية) والاحتلال الامريكي عام 2003 . وتعمد الجميل – وبذكاء منقطع النظير – عدم ذكر الاحتلال العثماني التركي سواء اكانت حملة مراد الرابع وحملة سليمان القانوني على العراق والمماليك ومن تعاون معهم , واغفل ايضا الاحتلال البريطاني ومن تعاون معهم , وشكل اول وزارة لهم برئاسة عبد الرحمن النقيب الكيلاني .

وختاما قد يسال احدهم : لماذا انت من دون الالاف الاصدقاء والمتابعين والمثقفين من الشيعة بالفيس بوك للدكتور سيار الجميل قد انتبه الى تلك الخطابات والمواقف الطائفية عنده , والجواب على ذلك هو سبق وان ذكرناه في منشورات ومقالات عديدة , بان المثقفين من الاقليات الشيعية والمسيحية والاكراد والتركمان وغيرهم في العالم العربي والاسلامي , مستحيل ان يعترضوا على اي موقف طائفي او عنصري من قبل المركزية السنية , لانهم يخشون ويصابون بالرعب ان يتهموا بالطائفية . وهذا قريب لما ذكرته الكاتبة السورية وفاء سلطاني حول اصابتهم بعقدة (كيس الحاجة) , او عقدة (الخصاء امام الاب) التي ذكرها جورج طرابيشي , بل ان اغلبهم ينصب نفسه محاميا عنها عند اتهامها بالطائفية او تعريتها او نقدها .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *