حسن العامري
تزايدت في الآونة الأخيرة الأصوات الإقليمية والخليجية المطالِبة بحل الحشد الشعبي في العراق، وهي أصوات تأتي بالتزامن مع استمرار التهديدات الأمنية داخليًا وخارجيًا، ما يثير تساؤلات مشروعة حول توقيت وجدوى هذه المطالب.
منذ تأسيسه في عام 2014، بعد فتوى “الجهاد الكفائي” التي أطلقها المرجع الأعلى السيد علي السيستاني، لعب الحشد الشعبي دورًا محوريًا في التصدي لتنظيم داعش، والمشاركة في تحرير محافظات عراقية كبرى كنينوى وصلاح الدين والأنبار بعد أن أصبحت فيها بعض الحواضن للتنظيم الإرهابي ١١ . ورغم الانتصارات المتحققة، لم تنتهِ المخاطر بشكل كلي، إذ ما زالت خلايا داعش النائمة تشكل تهديدًا داخليًا، فضلاً عن تنامي التوترات الإقليمية في الجوار.
أن ما يحصل في سوريا مثال حي على هشاشة الوضع الأمني في المنطقة، إذ تمكنت فصائل إرهابية متشددة مثل “هيئة تحرير الشاة” (جبهة النصرة سابقًا) والجيش الحر من فرض سيطرة جزئية على بعض المناطق بدعم إقليمي ودولي . هذا الدعم، الذي وُصف في أكثر من مناسبة بأنه يشمل التمويل والتسليح والتدريب، يأتي في معظمه من أطراف عربية خليجية على خلفية طائفية وغربية امريكية ، كما أشار تقارير استخباراتية إلى وجود دعم غير مباشر من أطراف إسرائيلية لبعض الفصائل لضمان إضعاف حلفاء إيران في المنطقة. على خلفية يؤمن بها اليهود حول إنهاء وجودهم في فلسطين.
ما يثير القلق أكثر هو التقارير المتداولة عن استقدام زعيم “هيئة تحرير الشاة”، أبو محمد الجولاني، ما يقارب 3000 عنصر من أقلية الإيغور المسلمة السنية من الصين، وتجنيسهم بجوازات سفر سورية، وتوزيعهم على مناطق قريبة من الحدود العراقية.
هذا التهديد يتزامن مع مشاهد موية حدثت في الساحل السوري، حيث تم قتل عائلات شيعية وعلوية ونُصيرية ودُرزية خلال شهر رمضان، ما اعتُبر محاولة واضحة لتطهير طائفي بتحريض سلفي وهابي عبر إعلام خليجي متشدد.ان الخوف اليوم ليس من تهديدات الإرهاب في سورية فالجيش والحشد قادر لانهائهم ولكن الخوف على حفظ أمن المواطن العراقي والحفاظ على ممتلكاته ..
في ظل هذه التهديدات، يبرز الحشد الشعبي كقوة أمنية عقائدية مدرّبة ذات خبرة ميدانية، لديها الاستعداد للدفاع عن الداخل العراقي، خاصة في المناطق الحدودية الرخوة.
ورغم الاتهامات الموجهة لبعض فصائله بشأن الولاءات العابرة للحدود، إلا أن الحديث عن حلّه في هذا التوقيت يفتح الباب أمام فراغ أمني خطير.
إن الخطر لا يكمن فقط في عودة داعش، بل في احتمال اندلاع صدامات طائفية داخل العراق، خاصة إذا تم دفع بعض المكونات السنية العراقية – بدافع خارجي –وبوجود شخصيات سنية تحلم بالحكم وتعتقد بأحقية الحكم السني ولاتؤمن بالممارسات الديمقراطية وهي شخصيات تتعامل مع الخارج وتعمل في المجال السياسي في الداخل ، للتعاطف أو التحرك لصالح تلك الفصائل الإرهابية. وهنا تكمن الخشية الحقيقية، ليس من الخطر الخارجي فحسب، بل من تحوّل العراق مجددًا إلى ساحة حرب أهلية دامية، قد تُزهق فيها أرواح الآلاف من المدنيين الأبرياء.
لقد سبق للعراق أن شهد مثل هذه الفوضى الطائفية في عامي 2006–2007 وماتلتها، عندما اندلعت أعمال عنف طائفية شرسة بعد تفجير مرقد الإمامين العسكريين في سامراء، وهو ما أسفر عن سقوط آلاف القتلى، وتنامي الميليشيات وماحصل في عام 2014 من مجازر في سبايكر في صلاح الدين ومجازر الفلوجة ، وتفكك النسيج الاجتماعي. ومن غير الحكمة أن نُكرر ذات السيناريو اليوم ونحن ندرك مسبقًا العوامل الدافعة له.
ختامًا، فإن المطالبة بحل الحشد الشعبي، رغم أحقيتها من زاوية بناء دولة مؤسسات، فهي لا يمكن أن تُطرح بعيدًا عن قراءة الواقع الأمني والجيوسياسي.
فالحل لا يجب أن يكون مجرد استجابة لضغوط خارجية، بل ضمن خطة وطنية تضمن الأمن، وتحول دون الوقوع في فوضى مسلحة جديدة. ربما يمكن أن تكون هيئة الحشد الشعبي هيئة تابعة لوزارة الدفاع أو الإصلاح والدمج ضمن منظومة الدولة، بإشراف سيادي كامل، قد يكون الطريق الأكثر عقلانية في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ العراق والمنطقة.
ولكن مادامت التهديدات قائمة ستبقى قوات الحشد الشعبي في أهبة الاستعداد لمواجهة أي طارئ محتمل….