دعوة لحماية سرّيّة الاقتراع وإلغاء إلزامية تلوين الأصابع

حسين علي الشيحاني

بالنظر إلى الأهمية البالغة لمبدأ سرية الاقتراع كركيزة أساسية لضمان حرية الناخب واستقلالية العملية الديمقراطية، تبرز الحاجة إلى مراجعة بعض الإجراءات المرافقة للعملية الانتخابية، وعلى رأسها إجراء تلوين إصبع الناخب بعد الإدلاء بصوته، والذي أصبح محل جدل واسع في السياق العراقي، لا سيّما مع اتساع رقعة الدعوات لمقاطعة الانتخابات.

أولاً: تلوين الإصبع.. تهديد لسرية الاقتراع
إن عملية تلوين الإصبع تُعدّ ممارسة قد تُقيد حرية الناخب في اتخاذ قراره بشأن المشاركة، إذ إنها تؤدي إلى الكشف العلني عن مشاركته أو امتناعه، ما يشكّل خرقاً مباشراً لمبدأ سرية الاقتراع الذي نصّ عليه الدستور العراقي بوضوح.

فالمادة (5) من الدستور تنص على أن:
(السيادة للقانون، والشعب مصدر السلطات وشرعيتها، يمارسها بالاقتراع السري العام المباشر وعبر مؤسساته الدستورية).

ويُفهم من هذا النص أن السرية لا تقتصر على الجهة التي صوّت لها الناخب، بل تشمل أيضاً سرية مشاركته من عدمها، وهي مسألة أساسية لضمان حيادية قراره وحمايته من الضغوط الاجتماعية أو السياسية أو الأمنية.

ثانياً: غياب السند القانوني للإجراء:
إجراء تلوين الإصبع لا يستند إلى نص صريح في قانون الانتخابات النافذ، مما يجعله إجراءً إدارياً أكثر من كونه التزاماً قانونياً. فالقانون رقم (12) لسنة 2018 (المعدل) الخاص بانتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات والأقضية، أكّد في المادة (4/ثانياً) على ما يلي:

(يمارس كل ناخب حقه في التصويت للانتخاب بصورة حرة ومباشرة وسرية وفردية، ولا يجوز التصويت بالوكالة).

وهذا التأكيد على الحرية والسرية لا يتوافق مع الإجراءات التي تُفضي إلى إمكانية رصد سلوك الناخب عبر تلوين الإصبع، سواء بشكل مباشر أو ضمني، مما يعكس تعارضاً بين الممارسة الإدارية وروح القانون.

ثالثاً: ضمانات النزاهة في ظل التكنولوجيا البايومترية:
من الناحية التقنية، فإن الذريعة الأساسية لتلوين الإصبع – أي منع التكرار والتزوير – قد انتفت اليوم بفضل استخدام منظومة البطاقة البايومترية، التي تُعَدّ من أكثر الأدوات دقة في حفظ نزاهة التصويت، حيث تشمل:

1- صورة شخصية للناخب،
2- بصمات الأصابع العشر،
3- بصمة العينين (القزحية)،
4- نظام ترصيد دقيق يُصدر ورقة اقتراع واحدة فقط لكل بطاقة،
5- إلغاء رصيد البطاقة مباشرة بعد التفعيل،
6- عدم إمكانية إصدار ورقة أخرى من نفس البطاقة.

كما أن وجود عدد كافٍ من موظفي الاقتراع داخل كل محطة، وتفعيل إجراءات تدقيق إلكترونية ويدوية متوازية، يوفّر ضمانات إضافية تمنع أي تلاعب أو تزوير، وتلغي الحاجة لأي إجراء رمزي مثل تلوين الإصبع.

رابعاً: دعوة لإلغاء الإجراء:
بناءً على ما تقدّم، فإننا نؤكد أن إجراء تلوين الإصبع لا يمثل سوى موروث إداري تقليدي تجاوزه الزمن، ولم يعد ضرورياً في ظل التحديثات التكنولوجية والإجرائية التي تم إدخالها على العملية الانتخابية.

كما أن استمراره يمثّل تهديداً مباشراً لسرية الاقتراع، ويؤثر على حرية المواطنين في اتخاذ قرار المشاركة، خصوصاً في بيئةٍ سياسية مضطربةٍ يُنظر فيها للمشاركة أو المقاطعة كاختيارات لها تبعات اجتماعية وسياسية.

توصية نهائية:
ندعو المفوضية العليا المستقلة للانتخابات والجهات التشريعية ذات العلاقة إلى مراجعة هذا الإجراء وإلغائه نهائياً، وذلك:

أولاً: احتراماً للدستور،
ثانياً: التزاماً بالقانون،
ثالثاً: تعزيزاً لثقة المواطنين،
رابعاً: وضماناً لممارسة ديمقراطية حقيقية، حرّة وسرية، بلا ضغوط أو مؤشرات تمييزية.
إن صيانة العملية الانتخابية تبدأ من احترام تفاصيلها، وأول تلك التفاصيل: صون حرية الإنسان في أن يصوّت… أو لا يصوّت، دون أن يراه أحد.