حسين شكران الأكوش العقيلي
في زاوية من زوايا الواقع، حيث تتقاطع الرغبة في الظهور مع الحاجة إلى العيش، يتشكل نمط اجتماعي غريب، يكاد يكون سائدًا في كثير من البيوت والمناسبات. وبيت ولسع ، نصف مخصص للاستقبال الضيوف ، لا تُستخدم إلا حين يأتي الضيوف، وكأن البيت ليس مأوى للراحة، بل منصة لعرض الانطباعات. أو يقام مناسبة عرسٌ يقومون بدعوة ٥٠٠ شخص أو اكثر ، يُدفع فيه ما يعادل راتب لسنوات ، فقط ليقال ( العرس كان يليق بالمقام) هذه ليست حكايات فردية، بل ملامح من ثقافة تُقدّس النظرة وتُهمّش الحاجة.
المفارقة لا تقف عند حدود المناسبات، بل تتسلل إلى تفاصيل الحياة اليومية. شاب يحمل هاتفًا يفوق دخله الشهري، وأم تشتكي من غلاء الخضروات وهي ترمي نصفها في نهاية اليوم. لسنا فقراء كما نُحب أن نردد، بل نحن أسرى المظاهر، نستهلك لنُعجب، لا لنرتاح. نشتري ما لا نحتاج، ونُراكم ما لا نستخدم، فقط لنُقال ونُرى ونُحكى.
هذه الثقافة لا تُنتج، بل تُستهلك ذاتها. تُرهق الفرد وتُشوّه المجتمع، وتُربّي أجيالًا تعتقد أن القيمة تُقاس بما يُقال عنها، لا بما تُنجزه. نُضحّي بالاستقرار لأجل لحظة إعجاب، ونُراهن على المستقبل من أجل صورة تُنشر أو تعليق يُقال. نُزيّن الواجهة ونُهمل الأساس، نُجامل في العرس ونُعاني في المعيشة، نُراكم الديون لنُراكم الانطباعات.
ما نحتاجه ليس تغييرًا في الذوق، بل في الوعي. أن نعيد تعريف الراحة، لا كمظهر يُرضي الآخرين، بل كحالة تُرضي الذات. أن نُحرر أنفسنا من عبودية الانطباع، ونُعيد الاعتبار للقيمة الحقيقية: الإنتاج، البساطة، والصدق مع النفس. فالمجتمع الذي يعيش ليُعجب، لا ليعيش، يظل يدور في حلقة من التعب المزخرف، لا يصل فيها إلى طمأنينة، ولا يبني فيها مستقبلًا.