إيران تكشف “الوثائق السرية”: مواجهة استخباراتية في ساحة النووي الإسرائيلي

الكاتب : أحمد الساعدي
—————————————
في تطور لافت أثار زِخمًا إعلاميًّا وإقليميًّا في آن واحد، أعلنت إيران أنها تمكنت من الحصول على “آلاف الوثائق الحساسة” المتعلقة بالبرنامج النووي الإسرائيلي، تتضمَّن معلومات تفصيلية عن مفاعل ديمونا وعددًا من علماء الذرة، ولم تنشر تل أبيب إلى الآن تأكيدًا أو نفيًا قاطعًا لهذه المزاعم. 

إليكم قراءة تحليلية لهذه القضية من زوايا متعددة:

الخلفية — إيران وإسرائيل في سباق استخباراتي نووي
1. سباق الظلّ
الصراع بين إيران وإسرائيل في المجال النووي ليس جديدًا، بل يمتد لعقود عبر المحاولات المتبادلة للتجسس والتسريب والهجمات السيبرانية والتخريب. إعلان طهران هذه المرة قد يُعدّ تصعيدًا جديدًا في هذه المواجهة “في الظل”.
2. معادلة “الردع المعلوماتي”
بنشر مثل هذه الوثائق، تحاول إيران أن تقول إنها تملك “الورقة الأفضل” في حال أي مواجهة، وأن تل أبيب ليست بمنأى عن كشف النقاب والتعرّض للانكشاف.
3. دور الوكالة الدولية للطاقة الذرية
طهران وجهت اتهامات إلى المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، بالتواطؤ مع إسرائيل، عبر تسريبات توضح أن بعض التقارير الدولية عن إيران قد تمّ تنسيقها مع مراكز إسرائيلية. 
هذا يثير تساؤلاً عن مدى حياد المؤسسات الدولية في الصراعات النووية الكبرى، وعن إمكانية أن تكون بعض التقارير مُسوَّقة أو مُركَّبة لأغراض سياسية.

المحتوى المزعوم للوثائق

وفقًا لما نشرته إيران:
• الوثائق تشمل معلومات عن منشآت إسرائيلية نووية ومشاريع مرتبطة بها. 
• يُزعم أن الوثائق تحتوي على تواصل منسّق بين ممثّلة إسرائيل لدى الوكالة وغروسي، بهدف “صرف الانتباه الدولي عن الترسانة النووية الإسرائيلية غير المعلنة”. 
• إيران تدّعي أن تلك المعلومات تمكّنها من استهداف المنشآت النووية والبنية التحتية الإسرائيلية في حال حدوث صدام أو هجوم. 
• في الدفعة الأولى التي نشرتها، اتهمت طهران الوكالة الدولية بالتواطؤ والتنسيق مع إسرائيل منذ 2016. 

لكن، لا توجد حتى الآن تأكيدات مستقلة بأن الوثائق دقيقة أو موثوقة أو كاملة، ولا طريقة واضحة لكيفية حصول إيران عليها، وما إذا كان الأمر عبر قرصنة سيبرانية، تجسّس بشري، أو تسريب من داخل. 

الأهمية والآثار المحتملة

أ. على الموقف الإسرائيلي
• إذا صحت الوثائق، فإنها قد تُضعف “الغطاء السريّ” الذي تحاول إسرائيليّة الحفاظ عليه لبرنامجها النووي غير المعلن، وتعرضها لمساءلة دولية أو دبلوماسية.
• إسرائيل قد تواجه ضغوطًا داخلية لتقديم توضيح أو توجيه اتهامات مضادة بالتسريب أو التضليل.
• من الناحية الاستراتيجية، مثل هذه الوثائق تُتيح لطهران أن تدّعي معرفة مسبقة بكل مفاعل أو عالم، وتتموضع في موقع قوة إعلامي.

ب. على موقف إيران والدبلوماسية
• إيران ربما تستخدم هذا الكشف كسلاح تفاوضي، للضغط في المفاوضات النووية أو لتهدئة العقوبات.
• الإعلان يمكن أن يُوظَّف داخليًا لتعزيز الذهنية القومية والتأكيد على أن النظام “يكشف المستور” لمواجهة العدو.
• من المرجّح أن تدفع طهران إلى محاولة استغلال هذه الوثائق في المحافل الدولية، لاتهام إسرائيل بانتهاك معايير شفافية الطاقة النووية أو المعايير الأخلاقية.

ج. على الوكالة الدولية والرقابة النووية
• المزاعم التي وُجهت لغروسي تُحدِق بسمعة الوكالة وحيادها، وقد تُفتح نقاشات جدّية في الأروقة الدولية حول استقلالية وكشف الانحياز المحتمل.
• إذا ثبت أن العمليات الرقابية والتفتيشية قد تعرضت للتأثير أو التنسيق السري، فإن الثقة في آليات الرقابة الدولية قد تهتز.

الشكوك والتحديات
• التحقق والمصداقية: لا توجد إلى الآن جهة دولية مستقلة تعلن تحققًا مؤكدًا من الوثائق أو صحتها الكاملة.
• جزئية النشر: طهران نشرت “دفعة أولى” فقط، وقد تكون هناك أجزاء محذوفة أو معلومات مغلوطة أو محرّفة.
• الرد الإسرائيلي المحتمل: إسرائيل قد ترفض المزاعم، أو تنفي بعضها، أو ترد بهجمات سيبرانية مضادة، أو بتقديم دعاوى تشهيرية أو أمنية ضد من ينشر هذه الوثائق.
• مخاطر التصعيد: إذا استخدمت إيران هذه الوثائق لتبرير هجوم أو توجيه ضربة “وقائية”، فإن المنطقة قد تشهد اشتباكات مفتوحة.

الخاتمة

ما تقدّمت به إيران من مزاعم نشر وثائق حول البرنامج النووي الإسرائيلي يُمثل خطوة جريئة وتحدٍّ مفتوح في لعبة الاستخبارات النووية بين الدول. نجاح هذه الخطوة أو فشلها يعتمد كثيرًا على مدى صحة الوثائق، وكيفية استخدامها (سياسيًّا ودبلوماسيًّا)، ورد فعل إسرائيل والمجتمع الدولي.

في الأسابيع القادمة، سيكون من المهم متابعـة:
• الرد الرسمي الإسرائيلي، سواء في نفي أو تأكيد أو تقديم رد مضاد.
• ما إذا كان خبراء نوويون مستقلون سيُحقّقون ويصنفون هذه الوثائق.
• تأثير هذا الكشف على المفاوضات النووية القائمة أو المحتملة بين إيران والدول الكبرى.
• مدى تطرّف التصعيد أو حتى تدخّل أطراف ثالثة.