د. فاضل حسن شريف
بعد تحطيم إبراهيم عليه السلام الاصنام ونجاته من النار تباحث مع لوط عليه السلام وقرر الهجرة “فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي” (العنكبوت 26) وهي نفس الحالة حصلت مع النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم نجا من حصار قريش بحماية ابو طالب ثم تحطيم اصنام الكعبة ليلا مع علي بن ابي طالب عليه السلام ونجاته من رؤية قريش له قرر الهجرة الى المدينة، وقبلها خرج جعفر بن ابي طالب الى الحبشة. قال الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم عند موت عمه ابو طالب رضوان الله عليه: غفر الله له ورحمه. قال الله جل جلاله “وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا” (النساء 64).
قال الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم عند نزول المطر: لله در ابي طالب لو كان حيا لقرت عيناه. قال الله تبارك وتعالى ” وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا” (البقرة 164). واشار ابو طالب الملقب مؤمن قريش عن ابن أخيه: يفوق منازل الاولاد. قال الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم عند قبر عمه ابو طالب رضوان الله عليه: لاشفعن فيك شفاعة يعجب لها الثقلأن. وهذا مصداق قوله تعالى ” وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى” (الأنبياء 28). كيف لا فابو طالب رباه طفلا وغلاما وشابا.
جاء في في معجم اعلام شعراء المدح النبوي للمؤلف محمد أحمد درنيفة: ينسب إليه مجموع صغير سمي ديوان شيخ الأباطح أبي طالب فيه من الركاكة ما يبرئه عنه. لكن المؤرخين لسيرته ينسبون إليه بعض الأشعار التي يمتدح فيها النبي صلى الله عليه وسلم من الطويل: إذا اجتمعت يوما قريش لمفخر * فعبد مناف سرّها وصميمها فإن حصلت أشراف عبد منافها * ففي هاشم أشرافها وقديمها وإن فخرت يوما فإنّ محمدا * هو المصطفى من سرّها وكريمها. وفي إعلأنه حمايته للنبي صلى الله عليه وسلم وعصمته له من قريش وبطشها، قوله من الكامل: والله لن يصلوا إليك بجمعهم * حتى أوسّد في التراب دفينا فامض لأمرك ما عليك غضاضة * أبشر وقرّ بذاك منك عيونا ودعوتني وعلمت أنك ناصحي * ولقد دعوت وكنت ثمّ أمينا وعرضت دينا قد عرفت بأنه * من خير أديان البرية دينا لولا الملامة أو حذاري سبّة * لوجدتني سمحا بذاك مبينا. ومنها في امتداح الرسول صلى الله عليه وسلم: لعمري لقد كلفت وجدا بأحمد * وإخوته دأب المحبّ المواصل فمن مثله في الناس أيّ مؤمّل * إذا قاسه الحكام عند التفاضل حليم رشيد عادل غير طائش * يوالي إلها ليس عنه بغافل كريم المساعي ماجد إبن ماجد * له إرث مجد ثابت غير ناضل وأيّده ربّ العباد بنصره * وأظهر دينا حقّه غير زائل حدبت بنفسي دونه وحميته * ودافعت عنه بالذّرى والكلاكل.
قال الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم عن عمه ابو طالب رضوان الله عليه: كفلتني صغيرا وآزرتني كبيرا. قال الله تعالى “وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى” (النساء 36). وكان ابو طالب رضوان الله عليه لا يفارق ابن اخيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم عند خروجه الى الشام. وكان ابو طالب في السبعينات من عمره عندما حاصرته قريش في الشعاب دفاعا عن ابن اخيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم، واصر ان لا يسلمه الى قريش. خديجة عليها السلام انفقت اموالها مع اموال ابو طالب خلال حصار قريش لمدة اربع سنوات حيث توفيت ولم تملك شئ.
جاء في معجم اعلام شعراء المدح النبوي للمؤلف محمد أحمد درنيفة: أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم وكافله ومربيه ومناصره. كان من أبطال بني هاشم ورؤسائهم، ومن الخطباء العقلاء الأباة. (أخرج ابن عساكر عن جلهمة بن عرفطة قال: قدمت مكة وهم في قحط، فقالت قريش: يا أبا طالب أقحط الوادي وأجدب العيال، فهلم فاستسق. فخرج أبو طالب ومعه غلام كأنه شمس تجلت عنها سحابة، وحوله أغيلمة، فأخذه أبو طالب فألصق ظهره بالكعبة ولاذ الغلام بإصبعه وما في السماء قزعة، فأقبل السحاب من هاهنا وهاهنا، وأغدق واغدودق وانفجر له الوادي وأخصب النادي والبادي. وفي ذلك يقول أبو طالب من الطويل: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل. كان أبو طالب يحمي النبي صلى الله عليه وسلم من عداوة قريش، ويرد إذاها عنه. وقد لقي في ذلك ما يطيق وما لا يطيق، حتى قال للنبي صلى الله عليه وسلم في ساعة من أشد ساعات الحرج (أبق على نفسك يا بني ولا تحملني من الألم ما لا أطيق). فحزن النبي صلى الله عليه وسلم وحسب أنه سيخذله وقال له، وهو يهم بمفارقته: (والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته). فلم يبرح النبي صلى الله عليه وسلم غير قليل حتى ناداه عمه وقال له: (إذهب يا بن أخي فقل ما أحببت فو الله لا أسلمك لشيء أبدا).
عن ابي مخنف ان الامام الحسین عليه السلام في يوم عاشوراء تلا الآية الشريفة “وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ” (آل عمران 178) وقد نزلت هذه الآية على المشركين الذين قالوا لأبي طالب: إذا كان محمد على الصواب، فأعلمنا، من منا مؤمن ومن منا كافر؟ إذا رأينا أنه على حق، فسوف نؤمن به. نقل أبو طالب هذا الكلام إلى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم. في هذا الوقت نزلت هذه الآية.
جاء في موسوعة التاريخ الاسلامي للشيخ محمد هادي اليوسفي: قال الشيخ الطبرسي في إعلام الورى: خرج النبيّ و رهطه من الشعب و خالطوا الناس، و مات أبو طالب بعد ذلك بشهرين، و ماتت خديجة بعد ذلك، و ورد على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أمران عظيمان و جزع جزعا شديدا، و دخل على أبي طالب و هو يجود بنفسه و قال: يا عم ربّيت صغيرا و نصرت كبيرا و كفلت يتيما، فجزاك اللّه عني خير الجزاء. و قال الراوندي في وفاة أبي طالب: توفي أبو طالب عمّ النبيّ و له صلّى اللّه عليه و آله ست و أربعون سنة و ثمانية أشهر و أربعون يوما. ثمّ قال: و الصحيح أن أبا طالب توفي في آخر السنة العاشرة من مبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله. ثمّ توفيت خديجة بعد أبي طالب بثلاثة أيام، فسمّى رسول اللّه ذلك العام عام الحزن. وعن ابن شهرآشوب في أن أبا طالب توفي بعد خروجه من الشعب بشهرين، و أضاف تعيين السنة فقال: بعد النبوة بتسع سنين و ثمانية أشهر. ثمّ قال: فلمّا توفي أبو طالب خرج النبيّ صلّى اللّه عليه و آله الى الطائف و أقام فيه شهرا، ثمّ انصرف الى مكّة و مكث بها سنة و ستة أشهر في جوار المطعم بن عدي فالمجموع احدى عشرة سنة و بضعة أشهر، و هو خلاف المشهور في مدة مكث الرسول بمكّة قبل الهجرة. أمّا ابن اسحاق فبعد أن ذكر الهجرة الى الحبشة و صحيفة المقاطعة و حصار الشعب و فكّه، قال: ثمّ ان خديجة بنت خويلد و أبا طالب هلكا في عام واحد، فتتابعت على رسول اللّه المصائب بهلاك خديجة-و كانت له وزير صدق على الاسلام يشكو إليها-و بهلاك عمه أبي طالب، و كان له عضدا و حرزا في أمره و منعة و ناصرا على قومه. و ذلك قبل مهاجره الى المدينة بثلاث سنين. فلمّا هلك ابو طالب نالت قريش من رسول اللّه من الأذى ما لم تكن تطمع به في حياة أبي طالب-حتّى-حدّثني هشام بن عروة بن الزبير عن أبيه عن جده قال: اعترضه سفيه من سفهاء قريش فنثر على رأسه ترابا، فدخل رسول اللّه بيته و التراب على رأسه، فقامت إليه احدى بناته فجعلت تغسل عنه التراب و هي تبكي، و رسول اللّه يقول لها: لا تبكي يا بنية، فان اللّه مانع أباك. و قال: ما نالت مني قريش شيئا حتّى مات أبو طالب
ومن اخوان ابو طالب رضوان الله عليه الزبير بن عبد المطلب الملقب شاعر قريش مات قبل البعثة وليس له عقب، و أبو لهب الذي اسمه عبد العزى بن عبد المطلب الذي مات كافرا بعد بعثة الرسول. اما عبد الله ابو النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم هو الاخ الشقيق لابي طالب رضوان الله عليه.
جاء في شبكة الامام علي عليه السلام عن مسجد الرأس هو مكان كبير مستطيل الشكل يقع الأن في الجهة الجنوبية من رواق أبي طالب عليه السلام إذ تم إلحاقه بالتوسعة الغربية المستحدثة بعد هدم المسجد في عام 1426هـ – 2005م. وتزامناً مع ذكرى الولادة الميمونة للإمام علي بن أبي طالب عليه السلام افتتحت الأمانة العامة للعتبة العلوية المقدسة رواق أبي طالب عليه السلام يوم الخميس الموافق 13رجب1432هـ /2011م إذ أصبح مسجد الرأس ضمن العمارة الجديدة لهذا الرواق. وأطلقت هذه التسمية على هذا المسجد إما لكونه يقع من جهة رأس أمير المؤمنين عليه السلام أو بسبب ما أشار اليه الإمام الصادق عليه السلام من ان هذا المكان هو موضع رأس أبي عبدالله الحسين عليه السلام. ورد في كتاب كامل الزيارات لإبن قولويه القمي بسنده عن يزيد بن عمر بن طلحة قال: قال أبو عبد الله عليه السلام وهو بالحيرة: (أما تريد ما وعدتك قال: قلت: بلى يعني الذهاب إلى قبر أمير المؤمنين عليه السلام، قال: فركب وركب إسماعيل ابنه معه وركبت معهم حتى إذا جاز الثوية وكان بين الحيرة والنجف عند ذكوات بيض نزل ونزل إسماعيل ونزلت معهم فصلى وصلى إسماعيل وصليت فقال لإسماعيل: قم فسلم على جدك الحسين بن علي عليه السلام، فقلت: جُعلت فداك أليس الحسين عليه السلام بكربلاء فقال: نعم ولكن لما حُمل رأسه إلى الشام سرقه مولى لنا فدفنه بجنب أمير المؤمنين عليه السلام). وبسنده عن علي بن أسباط قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (إنك إذا أتيت الغري رأيت قبرين قبراً كبيراً وقبراً صغيراً فأما الكبير فقبر أمير المؤمنين وأما الصغير فرأس الحسين بن علي عليه السلام). وذكر الشيخ محمد حرز الدين في كتابه معارف الرجال عن الميرزا هادي الخراساني عن السيد داود الرفيعي عن أبيه عن آبائه: (ان في المسجد الغربي المتصل بالساباط إيوان صغير مربع – في الجدار القبلي بين محراب المسجد والساباط – فيه قبر وعليه شباك فولاذ ثمين وله باب صغيرة وفيها قفل هو قبر موضع رأس الحسين بن علي أمير المؤمنين عليهما السلام كما عليه روايات وثم ان السيد أوقف الميرزا هادي عليه وكانت عليه أيضا قطعة ستار خضراء وإلى جانب هذا الإيوان صخرة مربعة بخط كوفي ومنها ان هذا المسجد عُرف بمسجد الرأس بناه غازان بن هولاكو خان أقام لبنائه سنة كاملة ضارباً خيامه بين النجف ومسجد الحنانة في الثوية حتى أكمله). وبالرجوع إلى المصادر التاريخية يتبين ان بناية المسجد القديمة تعود الى نهاية القرن السابع الهجري وتم تجديدها وترميمها مرات عدة في عهد الشاه عباس الأول الصفوي وفي عهد السلطان نادر شاه الأفشاري ومن قبل السيد محمد مهدي بحر العلوم رضوان الله عليه فضلاً عن الإصلاح الأخير الذي أمر به السلطان العثماني عبد الحميد الثاني. وجاء في كتاب (مشهد الإمام علي في النجف) للدكتورة سعاد ماهر ما نصه: (وقد أكد لنا رجوع هذا المسجد إلى عهد الإيلخانيين القاشاني الذي عثر عليه في محراب المسجد وكذا البلاطة التي تعلو مستطيل المحراب… فنستطيع أن نقول إن محراب مسجد الرأس يرجع إلى النصف الثاني من القرن السابع الهجري أو أوائل القرن الثامن وعلى ذلك فإن المسجد يرجع إلى ذلك التاريخ على أقل تقدير. وبما إن المسجد يعتبر من المباني الملحقة بمشهد الإمام علي عليه السلام لهذا فإننا نؤيد الرأي القائل بأن العمارة السادسة من عمل الإيلخانيين وأن بعض آثارها ما تزال باقية في مسجد الرأس).