نوفمبر 22, 2024
عه

اسم الكاتب : احممد السهيل

مع اقتراب موعد الانتخابات المحلية في العراق منتصف الشهر المقبل دخل زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر على خط التأثير في مخرجاتها من خلال توجيهه أتباعه إلى مقاطعة الانتخابات، مما يثير عدداً من التساؤلات حول الغايات التي دفعت زعيم التيار إلى إصدار تعميم كهذا.

ولا تخلو تلك الخطوة من التأويلات السياسية، إذ يرى مراقبون أنها ربما تمثل محاولة من الصدر لإعلان القطيعة التامة مع كل مفاصل النظام السياسي في البلاد تمهيداً لاحتمالات عدة، لعل أبرزها الدخول في أجواء احتجاجات جديدة أو التنصل من أية صلة تربط تياره مع العملية السياسية في البلاد في حال انهيارها نتيجة الإشكالات الاقتصادية التي تعصف بالبلاد.

ودعا الصدر أنصاره اليوم الثلاثاء إلى مقاطعة الانتخابات المحلية في البلاد، لافتاً إلى أن هذا الخيار “سيقلل من شرعيتها خارجياً وداخلياً”.

وتابع خلال رده على سؤال أحد أنصاره في شأن الاشتراك في الانتخابات بأن “مشاركتكم للفاسدين تحزنني كثيراً ومقاطعتكم للانتخابات أمر يفرحني ويغيظ العدا ويقلل شرعية الانتخابات دولياً وداخلياً ويقلص من هيمنة الفاسدين والتبعيين على عراقنا الحبيب حماه الله تعالى من كل سوء ومن كل فاسد وظالم”.

لن تؤثر في شرعية الانتخابات

ولم تمر سوى ساعات على توجيه الصدر حتى قال المسؤول العام لـ “سرايا السلام” الجناح المسلح للتيار الصدري تحسين الحميداوي “أوجه كلامي لمن ينتمي لتشكيلات سرايا السلام المجاهدة وزج نفسه في هذه الانتخابات بأن يتراجع عن ترشيحه خلال 15 يوماً وإلا سيكون لنا رد آخر”.

وفي أول رد من أطراف “الإطار التنسيقي للقوى الشيعية” قال عضو “ائتلاف دولة القانون” سعد المطلبي إن دعوة الصدر للمقاطعة ستدفع “جزءاً من المكون الشيعي إلى مقاطعة انتخابات مجالس المحافظات، أما بقية المكون الشيعي فسيشارك”.

وأضاف في تصريح صحافي أن تلك المقاطعة “لن تؤثر في شرعية الانتخابات دولياً أو داخلياً”، مبيناً أن الدستور العراقي “أكد عدم وجود أي سقف لنسبة المشاركين في الانتخابات لتحديد شرعيتها من عدمها”.

قطيعة مع الطبقة السياسية

ولا تتوقف حدود دعوة الصدر الأخيرة عند محاولات إفشال شرعية الانتخابات المحلية المقبلة، إذ يعتقد مراقبون أن هذا التحرك يمثل تمهيداً لخطوات سياسية أو شعبية قد يتخذها التيار الصدري خلال الفترة المقبلة.

ويمثل قرار الصدر الأخير امتداداً لاتخاذ كتلته خيار الانسحاب من البرلمان في يونيو (حزيران) 2022 الذي أفسح المجال للقوى السياسية الموالية لإيران لتشكيل حكومة محمد شياع السوداني في أكتوبر (تشرين الأول) من العام نفسه.

ويقول الكاتب والأكاديمي العراقي عقيل عباس إن موقف الصدر الأخير إزاء الانتخابات المحلية يمثل “امتداداً لموقف التيار الصدري الراسخ في شأن الانسحاب من دوائر السلطة والذي حصل بعد انتخابات عام 2021”.

ويضيف عباس في حديث إلى “اندبندنت عربية” أن هذا الموقف يعني أن “التيار الصدري ليس ذاهباً للمعارضة بمعناها السياسي وحسب، بل إلى شكل من أشكال القطيعة مع الطبقة السياسية بصورة كاملة”، لافتاً إلى أن خطاب التيار الصدري يبين بصورة واضحة وجود “إرادة لصنع مسافة سياسية ونفسية مع ترتيبات الحكم في العراق بعد عام 2003”.

تمهيد للدخول على خط الاحتجاج

وتمثل دعوة الصدر إلى مقاطعة الانتخابات المحلية في العراق “تطوراً منطقياً لموقفه من العملية السياسية بعد انسحابه عام 2022″، كما يعبر عباس الذي يشير إلى أن خيارات الصدر في شأن العودة للسياسة “لم تعد تنطلق من مسارات الشرعية الانتخابية”.

ويلفت إلى أن دعوة المقاطعة تلك تمثل تأكيداً لموقف التيار الصدري في شأن “تعميق القطيعة مع الطبقة السياسية في العراق” مما يثير التساؤلات في شأن احتمال “استفادة التيار الصدري من أي لحظة احتجاج شعبي مقبل”.

وإضافة إلى احتمالات استعداد التيار الصدري للاستفادة من أي حراك شعبي في البلاد، يرى عباس أن ثمة قراءة أخرى لدى زعيم التيار الصدري ترتبط باحتمال أن “تواجه الطبقة السياسية مصاعب قد تصل إلى الانهيار بسبب الإدارة المالية والاقتصادية السيئة للبلاد وعمليات التوظيف الكبيرة خلال الفترة الأخيرة”.

ويختم بأنه إذا ما حصل هذا الانهيار فإن “القوة الوحيدة الموجودة والمنظمة لتكون بديلاً معقولاً عن الجماعات السياسية داخل السلطة هي التيار الصدري، خصوصاً بعد خروجه من الطبقة السياسية وتسجيل اعتراضه منذ نحو عام ونصف العام”.

فرز بين الأطراف السياسية الشيعية

وفي السياق يعتقد الباحث في الشأن السياسي سليم سوزة أن دعوة زعيم التيار الصدري تتعدى حدود دفع أتباعه إلى مقاطعة الانتخابات المحلية، بخاصة أن “الصدريين أصلاً مقاطعون لانتخابات المجالس، سواء صدرت الدعوة أم لم تصدر، لعدم وجود قائمة تابعة لهم في الانتخابات وعدم وجود أمر من زعيم التيار بانتخاب شخصيات معينة”.

ويضيف سوزة أن مراد الصدر من تلك الدعوة يرتبط بـ “محاولته الفرز بين تياره وبقية الأطراف السياسية وتحديداً قوى الإطار التنسيقي”، مبيناً أن الدعوة أتت “لتحويل المقاطعة من خيار فردي صدري إلى أمر جماعي تنظيمي وسياسي من قيادة التيار، وبالتالي حُسبت كنشاط سياسي”.

ويرى أن تلك الدعوة “ستنعكس بصورة مؤثرة على مشهد الانتخابات المحلية، خصوصاً أن التيار الصدري له ثقل كبير ولكونه يعد كتلة كبيرة في المجتمع العراقي”.

ويتابع سوزة أن انسحاب الصدر على مستوى الحكومة والبرلمان عام 2022 “أبقى له نفوذاً داخل مجالس المحافظات، خصوصاً أن آخر انتخابات جرت عام 2013″، لافتاً إلى أن تلك الدعوة “ستنهي وجود التيار الصدري في المجالس المحلية مما يعطي انطباعاً واضحاً بأنها دعوة إلى الفرز بين معسكري التيار الصدري من جهة والإطار التنسيقي من الجهة الأخرى”.

ولفت إلى أن دعوة الصدر الأخيرة “قطعت الطريق أمام أية شخصيات من التيار الصدري ترشحت للانتخابات المحلية”، مبيناً أن الالتزام بالمقاطعة سيكون معياراً لـ “الانتماء للتيار”.

ويبدو أن ما يجري يمثل “خطوة استباقية لما يريد الصدر فعله خلال المرحلة المقبلة”، بحسب سوزة الذي يشير إلى أن المقاطعة تلك تمثل “نشاطاً سياسياً إضافياً وتمهد لأن يقود الصدر حراكاً جديداً مع عدم وجود أية التزامات بينه وبين كل تشكيلات إدارة الدولة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *