نوفمبر 21, 2024
هه

اسم الكاتب : قاسم حسين صالح

موقفان يتحكمان بالعراقييين قبيل انتخابات 10 تشرين الاول ، ولكل موقف مبرراته وقناعاته،والتساؤل: ان الغالبية المطلقة من العراقيين تريد التغيير ،فأي موقف منهما يسهم في احداثه؟

لقد استطلعنا آراء مواطنين بينهم اكاديميون واعلاميون في الاجابة على هذا التساؤل: هل أن مقاطعة الانتخابات ستخدم الفاسدين أم المقاطعين؟..فكانت مبررات المقاطعين بانهم يرون في المقاطعة ( ثورة الأفواه البنفسجية) و (ثورة صامتة تقهر الأحزاب الفاسدة)،وأن المقاطعة لا تغير النتيجة (ولكن لا نريد ان نكون شاهد زور ) و (أكيد المقاطعة تخدم الفاسدين لكنه موقف أخلاقي) .ومنهم من يحكم مسبقا بان (الانتخابات مزيفة ومزورة ومسروقة ،ولا مصداقية فيها)..ويرون ان المشاركة فيها تمنح الفاسدين الشرعية.ومهما تعددت مبررات المقاطعين ،فاننا نرى ان المقاطعة لا قيمة لها في العملية السياسية ما لم يكن هناك موقف يصاحبها او يتبعها يحظى بتأييد شعبي،ولم يعلن لغاية اللحظة عن هذا الموقف سوى الدعاية بـ(المقاطعة).

ان خيارات حاضرنا تائهة،وعلى حكماء القوم ان يقدموا الخيار الأفضل، بين من يدعون الى المقاطعة والتقوا عمليا بملايين اوصلهم الشعور بالأحباط الناجم عن توالي الخيبات الى حالة اليأس من اصلاح الحال واختاروا احدى الراحتين وقعدوا في بيوتهم يائسين بائسين،وبين من يدعون لمشاركة جماهيرية واسعة بوعي انتخابي يمكن ان تنقل العملية السياسية من سكة المحاصصة الى السكة التي تؤدي الى اقامة دولة مؤسسات مدنية حديثة، او في الأقل ..تحد من نفوذ الفاسدين والطائفيين في البرلمان.

10 تشرين و 25 مليون

في اليوم الموعود سيكون هناك 8273 مركزا للاقتراع تتفرع منه 55041 محطة انتخابية ستفتح ابوابها امام 25 مليون مواطن عراقي لهم حق التصويت،فما الذي سيحصل في ذلك اليوم الذي جاء اصلا تلبية لطلب التشرينيين؟!.

لابد من الاشارة الى ان انتخابات 10 تشرين تشهد للمرة الاولى تعديلا في القانون الانتخابي باختيار الترشيح الفردي ضمن الدوائر المتعددة، وانها تخلصت من قانون سانتليكو الى التصويت الفردي والفوز باكثرية الاصوات،وان الحكومة وعدت بضمان شرط الأمن الأنتخابي، وبمراقبة دولية يُشارك فيها 130 خبيرا لرصد ما يحصل من خروقات..ما يعني ان الاجواء الانتخابية في العاشر من تشرين القادم ستكون مناسبة لاختيار العراقيين 329 نائبا يفترض ان يكون عدد من يمثلهم اكثر من عددهم في البرلمانات السابقة الذين كانوا في 2010 ( 15) نائبا فقط فازوا باصواتهم،(فيما الباقي فازوا باصوات تصدقت بها قوائمهم بينهم معمم حصل على 79 صوتا وصار نائبا!) وان يكون برلمان(2021) يختلف عن اربعة سبقته ما كانت قطعا ممثلة للشعب.

ان الخطر الأكبر الذي تواجهه انتخابات تشرين هو الخشية من عزوف ملايين عن المشاركة في الانتخابات ،ومقاطعة قوى تقدمية ووطنية يتصدرها الآن الحزب الشيوعي العراقي الذي جاء موقفه اثر استطلاع لقواعد الحزب،وكان على اللجنة المركزية ومكتبها السياسي القرار بالمقاطعة الذي اعلنه في (24 تموز 2021) مبررا ذلك بانه رأي اغلبية قواعده و (عدم قدرة الحكومة على توفيراجواء مؤاتية لاجراء انتخابات حرة نزيهة)..واخرى من قبيل ما يشاع عن بيع ملايين من الهويات الالكترونية، ودخول واسع لمرشحين ينتمون لاحزاب لها اجنحة مسلحة،وشراء مرشحين ترشحوا على اساس انهم تشرينيون.

وكنا وجهنا رسالة للحزب جاء فيها(ما لم يكن هناك موقف يوحّد قوى التغيير ويحظى بتأييد شعبي، فاننا نقترح دعوة الحزب الى كوادره بالتصويت لمرشحين مستقلين من شأنه أن يضعف من نفوذ احزاب السلطة في البرلمان ويسهم في التغيير لصالح القوى التقدمية والوطنية، اذ ليس من المعقول ان لا يكون بين 3500 مرشحا من هو كفء وضد الفاسدين،و بينهم مرشحون من الحزب الشيوعي الكردستاني.!.ويبقى الحزب على موقفه من الانسحاب الموثق رسميا.

ومع اختلاف الأسباب فان قرار مقاطعة قوى تقدمية ووطنية للانتخابات يلتقى عمليا بالخيار الأسوأ لملايين اوصلهم الشعور بالأحباط الناجم عن توالي الخيبات الى حالة اليأس من اصلاح الحال ،فاختاروا احدى الراحتين بالعزوف عن المشاركة بالانتخابات،ولا يدركون ان سخطهم ورفضهم للسلطة التي اظطهدتهم واذلتهم يحتم عليهم المشاركة بالانتخابات بوصفها وسيلة التغيير الوحيدة بعد ان انعدمت امكانية حصول انقلاب عسكري يطيح بحكام استفردوا بالسلطة والثروة،وحولوا الوطن خرابا وافقروا اهله مع انه يعدّ واحدا من اغنى عشرة بلدان في العالم.

وهناك اجراء قد اتخذ من شأنه ان يجعل اجواء 10 تشرين افضل من سابقاتها يتمثل بأن قادة وممثلي الأحزاب والقوى السياسية وقعوا مدونة لـ«السلوك الانتخابي» لضمان نزاهة الاقتراع وتكافؤ الفرص لجميع المرشحين، بحضور رئيس الجمهورية برهم صالح ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمي،ورئيس وأعضاء المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، والممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق ،اعلن فيها الجميع التزامهم بتجنب الصراعات وزيادة الدعم الجماهيري للممارسة الانتخابية التي وصفها الكاظمي بأنها (وثيقة ضمير يجب ان نلتزم بها)،فيما وصف رئيس الجمهورية انتخابات 10 تشرين بانها مفصلية وتاريخية وفرصة ثمينة نحو تحقيق الاصلاح،ومتفقا مع تاكيد رئيسة بعثة الاتحاد الاوربي بضرورة تأمين أقصى ضمانات النزاهة لإجراء الانتخابات مع تأمين حق التصويت للناخبين بكل حرية وبلا قيود أو ضغوط أو تلاعب لتكون مخرجاتها معبرة بحق عن إرادة العراقيين،مضيفة بأن البعثة ستبقى في العراق لبضعة أسابيع بعد الانتخابات لمتابعة تطورات الانتخابات والتحديات المقبلة..ما يعني ان الأجواء المهيأة الآن للأنتخابات هي غير تلك التي اعلنت فيها المقاطعة،سيما وان الكاظمي اجرى محاكاة للانتخابات واكد على مفوضية الانتخابات عدم السماح باي خطأ،وحذر المواطنين من وعود واغراءات المرشحين الفاسدين،وأنه صادق بما يفعل لأنه لم يرشح نفسه للأنتخابات.

ختاما

ان المقاطعين والعازفين عن المشاركة في الانتخابات يعرفون بأن الدستور لا يحدد نسبة مقبولة للتصويت، ويعتبر النتائج قانونية حتى اذا كانت نسبة المشاركة 5% .ويعرفون ايضا بأن مقاطعة الانتخابات والعزوف عنها هي امنية الفاسدين،لأنها ستوفر الفرصة للمنتمين لاحزاب السلطة والمنتفعين في انتخاب مرشحيها، لكنهم للأسف لا يقدرون كم سيمنح موقفهم هذا المزيد من استبداد الفاسدين والانفراد بالسلطة والثروة،وانهم سيوظفون فوزهم اعلاميا وشعبيا بانهم فازوا جماهيريا..وبتضخيم،وسيشنون حملة تجهيل جديدة ضد من يسمونها ( احزاب الكفر والزندقة وغوغائي تشرين)..وسيبقى العراق يسير على سكة المحاصصة ويدخل في نفق المجهول ما لم تكن هناك نسبة مشاركة عالية في الانتخابات تحدث تغييرا يضعف من غطرسة واستبداد احزاب السلطة ،ويسهم بتحويل العملية السياسية نحو سكة الاصلاح واستعادة وطن يمتلك كل المقومات التي تجعل اهله يعيشون بكرامة ورفاهية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *