نوفمبر 22, 2024
1447680281876584700

اسم الكاتب : حسن حافظ

يقول الفقهاء اللغويون :- ان اللغة هي ظاهرة انسانية اجتماعية كالعادات والتقاليد والازياء وبقية امور الحياة الاخرى بل ان الدكتور محمود السعدان يذهب الى ان اللغه هي لولب الظواهر الاجتماعية ووعاء تجاربها وعن طريقها يمكن معرفة خصائص المجتمع وسماته التي تميزه عن غيره (محمود السعدان – علم اللغة – ص 330) . ولهذا لايمكن معرفة لغة ما بعزلها عن تارخ ذلك الشعب الناطق بتلك اللغة فهو مبدعها وهو الذي يمارسها فاللغة- أية لغة – وهي وسيلة اتصال بين مختلف الطبقات والشرائح الاجتماعية فهي تسجل وتثبت في كلمات وماتؤلفه الكلمات من جمل هي نتائج عملية التذكير ومنجزات النشاط المعرفي للانسان وهكذا تجعل تبادل الافكار في المجتمع البشري ممكنا.

وتتمثل اللغة في رموزها التي هي اول ماتظهر فأنها سمعية اما الكتابة فنظام يتصل اتصالا وثيقا باللغة المنطوقة وقد عرفها احد المختصين بانها ( ذلك النظام المتشكل من الاصوات اللفظية الاتفاقية بين الناس والتي يمكن ان تصنف بشكل عام الاشياء والاحداث والعمليات في البيئة الانسانية ) ( سيد غنيم / اللغة والفكر عند الطفل / مجلة عالم الفكر ) اما دلائلها اللغوية فتأتي باختلاف السياقات . واذا اعتبرنا اللغة كما ورد في الموسوعة البريطانية بانها ( نظام اجباري من الرموز الصوتية التي يستطيع بها الجنس البشري الاتصال والتفاعل حضاريا وثقافيا ضمن الجماعة ) ( الننسملوبيديا البريطانية / ج13 / 690)  . وحيث ان الباحث ( قاسم الفرطوسي ) الذي ينطلق من بيئة الاهوار نراه يستل مفرداته من اهلها ، حيواناتها ، اسماكها ، طيورها عاداتهم وتقاليدهم ، الامثال الشعبية ، مايحبون وماكرهون .. اذا فان اللغة الدارجة ( العاميّة)  التي يستعملها الناس هناك بفطرتهم الطبيعية هي التي يتحدث عنها وهي تكاد تنحصر بتلك الطبيعة المائية وحياتهم البسيطة بالنظر لوجود هذه (المسطحات المائية ) الكبيرة اذ لايوجد امامهم سوى السماء والماء والطيور المهاجرة والاسماك الذي يشكل مع الشلب الغذا الاساسي هناك ولهذا فأن اللغة المستعملة تنطلق ضمن هذه الحياة ( الفالة ، انواع السمك وانواع الطيور المهاجرة والمحلية ، المشحوف ، انواع الشبك ، القصب ، الحلفاء ، الشلب وغيرها ) ومن الشلب يتفنن اهل الهور في صنع ( الطابك) بما يوازي ( الفطير المشلتت ) في صعيد مصر ، واذا كان شعراء العرب الجاهلية ينحصر استعمالهم لمفردات اللغة ضمن محيطهم الصحراوي ( كالجمل والضبي والسيف والرمح وادوات الصيد والادوات البسيطة التي يستعملونها في حياتهم العادية في صحراء ممتدة ومعها تلك التقاليد والعادات السائدة انذاك ) .

فهكذا تجيء مفردات الاهوار الذين يعتزون بعروبتهم فهم لاينحدرون عن كذا اصول وكذا قوميات كما يحلو للبعض ان يتهمهم ولو كانوا كذلك لجاءت مفرداتهم ذات اصول تمت الى تلك الاقوام . وان كان هذا الامر ليس معيبا فالتمازج الحضاري والتجاري والاحتلال تفعل فعلها في الاقتباس والتأثير .

فهي ايضا ذات جذور محلية وربما سومرية خصوصا وانهم صناع حضارات مثل سومر واكد وبابل والحضارة العباسية … وو … وهذه ليست ردا للتهمة عاطفية او ملفقة بل هي وقائع حقيقية لايرقى اليها الشك فقد سبقوا لحضاراتهم حتى الحضارة الفرعونية وحضارات الشعوب الاخرى كافة .

اذ تتحدث حضاراتهم عن خمسة الاف سنة خلت تشير الى ذلك بقايا مدنهم المطمورة تحت انقاض سومر التي هي اعمق حتى من شواهد الطوفان في حضارة امتدت عبر كل هذا التاريخ ( راجع كتاب عرب الهور / تاليف ولفريد فيسجر / ترجمة الباحث الدكتور سلمان عبدالواحد كيوش ) .

والواقع ان اية مفردة او عبارة – اذا شاركتموني الراي – بانها لغة اتفاقية كما ورد في احد مصادر نشاة اللغة فقد يبتكر احدهم كلمة ما نتيجة لتصرف معين او ان تحصل حادثة معينة ويطلق عليها اسم ما ثم تجري مجرى العرف ويتداول استعمالها بين الناس وتصبح كجزء من تاريخ ذلك الشعب او تلك الاقوام  ولاغرابة بعد ذلك ان تذكر الشاعرة ( لميعة عباس عمارة ) في بحث طريف لها نشرته في ( مجلة اهل النفط في الخمسينيات ) بأن لفظة ( جا ) التي ترد في لغة اهل الجنوب وبعض اجزاء الوسط مثل ( التكية ) اثناء الحديث انها ذات اصل سومري حتى انها نقلت رسوم حروفها بالسومرية في بحثها ذاك .. ويذكر لنا الباحث الفرطوسي ان هناك جمل من التلال والاماكن والايشانات التي يذهب الى انها سومرية وهو يذكر لنا احيانا الى انها تعود الى دولة ميسان للفترة من 229 ق م – 323 م .

وكنت قد اشرت على الباحث ان يورد المصادر كي تصبح موثقة قد اورد بعض منها واهمل الاخر وهذا لايقلل من اهمية تنقيبه الدائب هنا وهناك عن الكلمات والمفردات التي تمثل بيئتهم وسلوكهم اليومي وعاداتهم واساليبهم وعلى الرغم من وجود الامية السائدة بين الناس والنزاعات العشائرية والغزو المتبادل بين القبائل احيانا .. وقد تجد مفردة تجهل معناها او ان يتخذها الانسان في غير معناها المقصود والدارج في تلك البيئة ( الهور ) وقد تجد مفردات مكررة او انها تحمل ذات المعنى الا انها لاتفقد قيمتها . وحسنا فعل الباحث حينما قام بالاستشهاد بابيات من الشعر الشعبي او الدارمي والهوسات الشعبية والامثال الدارجة ليدعم معنى وجهة نظره او ليعمل على تقريب المفردة للمتلقي . الا انه مما يؤخذ على الباحث ان الجمل او الشروحات تبدو لنا احيانا كانها مقطوعة الصلة او انها تبدو كانها غير متراصة لكي يبدو لنا المعنى متصلا وليس منقطعا . وقد استعمل الباحث ( الالف لام)  مع كلمة (غير ) وهي لاتحتاج الى التعريف كما وردت في كتابه المجيد ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) وقد ترد هذه الكلمة ( الغير ) في القانون المدني للاشارة الى حقوق طرف ثالث كما وردت كلمة ( بحث ) حيث يذهب الفقيه اللغوي العلامة الرحال مصطفى جواد الى ان ( البحاثة ) هي ( الدجاجة ) لانها كثيرة البحث في النفايات والواقع انها تأتي على صيغة مبالغة فتؤنث مع المذكر وتذكر مع المؤنث فنقول : رجل رحالة وعلامة وبحاثة وللانثى نقول : امرأة ناهد وامراة تاعب اما كلمة ( النيص ) التي تشير الى حيون مفترس يمتطي ظهر الاسد من الخلف ويأكل منه حتى يموت ملك الغابة فهذه تذكرنابالمقوله (0وما ظالم  الا ويبلى بظالم ) وكانه تسليط من الله تعالى بمن يدعي القوة بان هناك من اقوى منه  ومما يروى عن ( النيص ) ان هناك احدهم جاء متخفيا ( ذاب جرش ) مع قبيلة اخرى بسبب او اخر وقد كانوا يظنون انه من قومية اخرى وحصل وان حدث نزاع بين ابنه وبين احد ابناء تلك القبيلة الذي اخذ يقول بانه ليس منه او انه غريب مقطوع الصلة فردّ عليه الاب مفاخرا :

  تميمي كف ماعندك تراني …

               وعجيد الكوم بالظلمة تر اني ..

                        ودوم (النيص ) عاكف فوك الاركاب !!

فهل عكف الشيخ الباحث الفرطوسي فوق رقاب الكلمات ( الهورية ) اذ يورد لنا كلمة ( نسناس ) التي يرد انها تشير الى هبوب الباردة والمنعشة الا انني اجد ان لها معنى اخر ذلك انها تطلق على القرد الذي يثب على رجل واحدة ( راجع مختار الصحاح ) واضيف ايضا انهم وفي مصر يطلقونها ايضا على من يتشابه سلوكه مع سلوك النسناس او ( البهلوان ) لغرابة تصرفاته غير المتزنة . اما حين يشرح الباحث كلمة ( ططوه ) وهي من انواع الطيور التي يتشائم منها الناس حينما يسمعونها شأنها شأن البوم حيث يردون عليها في البيئات القروية ( سجين وملح ) وقد درج بعض الناس على صياغة تلك الاصوات ضمن هذا الايقاع ( من لاكي جيس التتن ؟؟ ) بينما يذهب الاخرون في صياغتها على الايقاع التالي :

(صياد رماني )وهكذا يأتينا هذا المعجم في جزءه الثاني ليتحدث لنا عن تلك الاجواء التي كانت شاعرية عن البردي والقصب وانواع شتى من الطيور التي ربما لم نسمع بها وكذلك ليتحدث لنا عن حكايات المثلوجيا من اساطير وعجائب وغرائب ومعها السحر التي استلها من تلك البيئات – الذي هو ابنها – وكيف ينفق الناس اغلب نهارهم وليلهم مع عالم الماء ومسطحات الاهوار ودروبها الضيقة والسرية احيانا التي ترافقها الكثير من الاساطير والخرافات كما انها كانت ملاذا للثوار احيانا وللفارين من السلطة احيانا اخرى فقد اختبأ في الاهوار ثوار المقاومة ( جماعة كفاح المسلح ) في الستينات واطلقوا على انفسهم ( فيت هور ) تشبها بثوار فيتنام كما كان يطلق على تلك البئية ايضا فنيسيا العراق التي حاول النظام الدكتاتوري تجفيفها وطمرها بما فيها من فؤائد جمة في مقدمتها الحفاظ على التوازن البيئوي ومن ثروات سمكية هائلة وطيور كثيرة وحيوانات ( جاموس على وجه الخصوص ) بدلا من ان يعمل على جعلها مركزا سياحيا كبيرا بل ومشتى جميل يدر المليارات خصوصا وقد عاش فيها الكثير من الباحثين الاجانب وكتبوا عنها الكثير .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *