نوفمبر 22, 2024
images

اسم الكاتب : نصرت مردان

حسنا فعل عبد القادر البريفكاني الإعلامي القومي الكردي، حينما كشف بكل صراحة ومباشرة عن حقيقة موقف القيادات القومية “الكردوية” إزاء تركمان العراق. جرى ذلك في الحوار الذي أعده د.مهدي السعيد تحت عنوان (الأبعاد الراهنة لمشكلة الأقليات القومية في كردستان العراق) والمنشور في العدد ٤ آذارـ مارس ـ من جريدة (الحياة). لقد أتاح السيد البريفكاني للرأي العام العراقي والعربي فرصة الاطلاع على كيف يكيل مسؤولو الكيان الكردي في شمال العراق بمكيالين حينما يتعلق الموضوع بالحقوق المشروعة لبقية القوميات المتواجدة في المنطقة الخاضعة لسيطرتهم. وشعارهم هو: ((ما يجوز لي لا يجوز لغيري))!! فهم كقومية من خميرة أخرى تختلف عن بقية القوميات ومن الآثام الكبيرة التي لا تغتفر أن تقارن تلك القوميات أنفسها بهم!

وحدانية القومية الكردية

إن من أولى مميزات أجهزة التثقيف والإعلام الكردية ،الإصرار على تشويه تاريخ القوميات الأخرى ومحاولة بث الصراع بينها، بالإضافة إلى التشدق باللغة الاستعلائية ضدهم كاللغة التي استعملها البريفكاني. فالملاحظ مثلا أنه في كل مقابلته الطويلة، لم يتراجع ولو لمرة واحدة عن تكرار ذلك التعبير السلبي عن التركمان:((الأقلية))! ولم يسمح لنفسه أبدا أن يقول مثلا:(إخواننا أو أشقائنا التركمان). بل هو لم يتوان عن زيادة الاستهانة بإضافة صفة(صغيرة) إلى تسمية(أقلية) بصورة استخفافية لا تحمل ذرة واحدة من روح الأخوة والعيش المشترك.. وفوق كل هذا فأن هؤلاء لا يتوقفون عن التباكي وذرف دموع الرياء والشكوى من ظلم الآخرين!

يبدأ البريفكاني حديثه بإلغاء حق الآخرين من حمل تسمية” قومية” فهذا الشرف لا يستحق حمله غير الأكراد. تراه يقول : ((في رأيي أن التركمان لا يشكلون قومية قائمة بذاتها ، وإنما أقلية قومية صغيرة. فهم جاءوا إلي العراق أثناء حكم المعتصم لأن والدته كانت من تركمانستان. واكتسبوا أهمية سياسية أثناء الدولة العثمانية..)). لاحظوا هذه اللغة التغريبية ((جاءوا))! نعم التركمان جاءوا إلى العراق قبل ألف وأربعمائة عام، ويبدو أن هذه القرون الطويلة بنظر مثقفنا الكردوي غير كافية لأن تجعلهم من أبناء الوطن، وكأن الوطن وأرضه وتاريخه حكر على الأسطوريين الأكراد الذين يقطنون في العراق قبل أن يخلق الله باقي البشرية! ورغم عدم أهمية ذلك على الإطلاق. فقبول البريفكاني بهم سوف لن يزيدهم فخرا ،وإنكاره لهم لا يعني عدم تشكيلهم واقعا قوميا قائما في العراق. ويحق لنا هنا أن نتساءل : ما الذي ينقص التركمان حتى لا يحق لهم أن يتميزوا بواقع قومي مستقل ؟ أليس لديهم تاريخ ولغة وتراث وثقافة وهوية تميزهم عن بقية القوميات. وما الذي يملكه الأكراد إضافة إلى هذه الخصائص حتى يتميزوا عن بقية القوميات الأخرى ويرون أنفسهم في الأبراج العاجية؟ أن الهدف من ربط التركمان بالعثمانيين حصرا هو محاولة لتغريب التركمان أكثر فأكثر.علما أن أي مطلع على تاريخ العراق يدرك أن تركمان العراق على العكس من هذه المزاعم عاشوا ذروة قوتهم السياسية قبل العثمانيين :زمن المعتصم ثم السلاجقة ثم اتابكة الموصل وحلب واربيل ثم دولتي الخروف الأسود والخروف الأبيض..أي على العكس من مزاعم البريفكاني،حيث أن العثمانيين لهذه الأسباب السياسية لم يفضلوا الاعتماد على التركمان في حكم العراق بل فضلوا العناصر القفقاسية والبلقانية عليهم.

أن الكاتب يطالب التركمان بكل ببساطة أن يرضوا بالفتات لأنهم (أقلية صغيرة) و لا يجب أن يبالغوا في المطالبة بحقوقهم. ولا ندري حقا متى كانت الحريات والحقوق تتجزأ بحيث يجوز للأكراد مالا يجوز للآخرين. وهل ثمة مادة في (مبادئ حقوق الإنسان) تنص انه لا يجوز لأية قومية أن تتمتع بحقوقها الإنسانية والثقافية والإدارية إلا إذا كان نفوسها كذا ألف أو كذا مليون نسمة ؟ ولا يخفى على السيد البريفكاني أن ثمة دول عدد نفوسها اقل بكثير من عدد نفوس التركمان في العراق (حتى لو اعتبرنا أيضا جدلا أن إحصائية البريفكاني عنهم صحيحة) فلماذا هذه الاستماتة الكردية في تقليل عدد التركمان التي لا تعني لنا شيئا البتة، فلم يحدث أن كان العدد عائقا لتمتع أية قومية مهما كانت بالحقوق المشروعة التي تنص عليها كل المواثيق الدولية وفي مقدمتها حقوق الإنسان.

إن التركمان الذين يفتخرون بانتمائهم الأصيل للعراق تاريخا وحضارة وشعبا، يناضلون مع كل العراقيين من اجل حقوق المواطنة أولا ثم حقوقهم الثقافية الخاصة بهم، وضد إلغائهم إحصائيا وتغييبهم دستوريا. التركمان وتركيا

اعتاد التخوينيون الكرد ومعهم الحزب الشيوعي العراقي منذ اعلان الجمهورية في العراق على اتهام التركمان بالعمالة لتركيا وبتهمة الطورانية بهدف تحقيق مكاسب سياسية منذ تلك الفترة حيث أن كل من يعارضهم هو عميل وأنهم وحدهم يرفعون راية التقدمية في العراق. وقد طرحوا هذه الاتهامات الباطلة لتبرير مطالبة الأكراد بمدينة كركوك منذ ١٩٥٩ ولكن دون جدوى رغم أنهم ارتكبوا في سبيل تحقيقه مجزرة كركوك في ١٤ تموز من نفس العام بدعم من الحزب الشيوعي العراقي الذي كان الرفاق الأكراد يسيطرون على قيادته في الوقت الذي كان التركمان الذين اتهموهم بالطورانية عند الهجوم الغادر عليهم ينظمون مسيرة في ذكرى تأسيس (الجمهورية الفتية) ويهتفون مثلهم بحياة (ابن الشعب البار عبدالكريم قاسم !) . واحب أن أحيل البريفكاني إلى شهادة جرجيس فتح الله الذي يحدد بحيادية يفتقدها البريفكاني مع الأسف حقائق متعلقة بإشكالية الكرد مع التركمان وذلك في كتاب (مغامرة الكويت الوجه والتاريخ ،امستردام ،١٩٩١):

” اخضع التركمان العراقيون لعملية الإذابة والانصهار العنصري ،أنكر عليهم نظام (صدام) وجودهم القومي التاريخي رسميا كما لاحق غيرهم بأشد ما يمكن من العنف فنكل بهم وأرغم من نجا من القتل والسجن على الهجرة والنفي الاختياري.وقد كان طبيعيا أن تنجم عن هذه الإرهاصات تنظيمات سياسية وطنية ،يهمهما مستقبل العراق ومصير أبناء جلدتها حيثما وجدت مجالا للتحرك ونشطوا بشكل محدود في تركيا وسوريا وبريطانيا والولايات المتحدة وألمانيا وغيرهم. ولم ينجو من تهم “العمالة” التي كان يتراشق بها المعارضون العراقيون كلما وجدوا إلى ذلك.والتهمة الأثيرة التي راجت عنهم زمنا هو أنهم عملاء للاستخبارات التركية مثلما كان يرمى الكرد زمنا بوصفهم عملاء إيران ،والآشوريين بوصفهم عملاء لإنكلترا والولايات المتحدة وبخلاف ذلك لم تكن علاقاتهم ببقية أطراف المعارضة تتسم بالحرارة بل غلب عليها الصدود والبرود ، و لاسيما من الجانب اليساري (الماركسي)والجانب الكردي.وهو على الأغلب صدود متبادل ارجح أنه من مخلفات ذلك الصراع الدموي الذي تفجرت براكينه بعيد الرابع عشر من تموز ١٩٥٨ وزوال الحكم الملكي ومن آياته التقاذف بالتهم السياسية المحطة بالكرامة.واختير للتركمان تهمة “الطورانية” وهي قطعة نقدية سكت في دار أحزاب اليسار العراقي ولم يتردد الكرد من جانبهم من تداولها”

يعزف البريفكاني حاله حال غيره من المتعصبين الكردوين على وتر “تدخل تركيا لحماية التركمان” فتراه يقول:

((المشكلة التي تواجه إقليم كردستان حاليا هي محاولات تركيا لضمان حماية الأقلية التركمانية في العراق..)).

علما بأن كل شواهد السنوات الأخيرة تقول أن تركيا تحمي الإدارة الكردية اكثر بكثير من حمايتها للتركمان.

وان إدارة هذه القيادات الكردية هي الحليف المخلص لتركيا، فهل ينكر احد دور ميليشيا البرزاني والطالباني بالتنسيق اليومي الكامل مع القوات التركية التي تدخل إلى اراضي شمال العراق لحماية هذا الكيان بالتعاون مع الطيران الأمريكي..فلماذا هذا التنكر السافر للحقائق أيها السيد البريكفاني..

لم يحدث قط أن تدخلت تركيا في أي مرة لحماية التركمان كما يدعي البريفكاني فمصير ۲٧ من مناضلي التركمان الذين تم تسليمهم إلى الحرس الجمهوري بعد اجتياح القوات الحكومية لأربيل لصالح البرزاني في ۳١ آب (أغسطس) ١٩٩٦ لا يزال مجهولا. كما أن القوات المسلحة التابعة للبرزاني لم تتوان من احتلال مقرات الجبهة التركمانية في ١۰ ـ ١١ آب ١٩٩٨ إضافة إلى الهجوم المسلح لـ (لوا تايبتي) التابع للحزب الديمقراطي الكردستاني على ١۲ مقرا تابع للجبهة التركمانية في أربيل في ١۰ تموز ۲۰۰۰. بالإضافة إلى الاعتداءات الكردية المسلحة في فترات مختلفة انتهت بالقتل وسلب ونهب مقرات الأحزاب التركمانية. ورغم أن البريفكاني يشير إلى “دعم تركيا السخي للتركمان” لكن ولولا الدعم التركي لما كان بإمكان الكيان الكردي أن يقوم ويستمر حتى الآن كما يعترف البريفكاني بذلك بقوله “وهي (أي تركيا) الدولة الوحيدة التي تمول إقليم كردستان بالمواد الغذائية والسلع المختلفة”. كما أن (بوابة خابور) هي النقطة الحدودية الوحيدة على الحدود التركية ـ العراقية التي يصل ويدخل منها اللاجئون الأكراد الموجودون في أوربا إلى شمال العراق (المنطقة المحمية) بعد حصولهم على (فيزا مزدوجة) للدخول والخروج من السلطات التركية. كما أن واردات البرزاني من الحدود التركية المفتوحة تتجاوز مليوني دولار في العام الواحد من خلال دخول اكثر من ١٥۰۰ شاحنة تركية يوميا وهي محملة بالبضائع والمواد الغذائية المختلفة ، بالإضافة إلى عمليات التهريب. كما أنها المعبرالرئيسي لمئات الأكراد الهاربين يوميا من النعيم الكردستاني عبر الحدود التركية إلى أوربا للحصول علىاللجوء فيها. والمعروف أن الواردات التي ينفرد البرزاني بها لوحده رافضا أن يشاركه بها الطالباني ه السبب الرئيسي للصراعات الدامية بين الطرفين، حتى شاع بين الأكراد تسمية هذه الحروب بين الشقيقين اللدودين بـ “أم الكمارك” !

الديمقراطية على الطريقة الكردية

وكدليل على الديمقراطية الكردية لا يعلن السيد البريفكاني عن اسفه لأن : ((الإدارة الكردية أ غلقت مقرات لأحزاب التركمانية)).. بل على العكس تماما مما يتوقع القارئ، فهولا يتأسف لهذا الإغلاق، بل يتأسف على أن تركيا : ((أرغمت الإدارة الكردية على السماح لهذه الأحزاب بالعودةإلى النشاط السياسي..))!!

نعم هذا هو المثقف الديمقراطي القومي الحقيقي.. يكشف عن نفسه بكل جرأة وثقة بالنفس ما بعدها ثقة!

علما بأنه من الأساليب” الديمقراطية جدا” التي بدأت تمارسها القيادات الكردية، هي خلق تنظيمات تركمانية مزيفة مرتبطة بها وتأتمر بأوامرها. وكان الطالباني سباقا في هذا المضمار حين أسس (حزب الإخاء التركماني) الذي يترأسه حاليا وليد شريكة. كما لم يتوان البرزاني من تشكيل حزب تركماني مؤيد للطروحات الكردية (حزب الوحدة التركماني) بقيادة نصرالدين الدامرجي. ومهمة هذين الحزبين معاداة طروحات الجبهة التركمانية في كل فرص من خلال إصدار البيانات أو المشاركة في البرامج التلفزيونية وإعلان أن التركمان يعيشون في الإقليم عصرهم الذهبي.

ضمن هذا السياق يتطرق البريكفاني إلى مخاطر “عسكرة الأقلية التركمانية” ، والذي يقرأ هذه المزاعم التي مافتأ الإعلام الكردي يرددها منذ فترة ليست بالقصيرة يتصور أن التركمان اصبحوا ما بين ليلة وضحاها يملكون طائرات ودبابات وجيش عرمرم جرار. ونسأل ومن حقنا السؤال : يا سيد بريفكاني قل لنا بربك هل ثمة حزب مهما كان صغيرا في كردستانكم (المنطقة المحمية) لا يملك ميليشيات مسلحة؟ وهل التركمان حصرا هم الوحيدون الذين يمتلكون مسلحين عددهم هو أقل من عدد ميليشيات الأحزاب الأخرى ؟ وهل من الغريب أن يلجا التركمان بعد الاعتداءات المتكررة على أرواحهم وممتلكاتهم إلى تشكيل قوة مسلحة تحمي أموالهم وأرواحهم ؟ ثم لماذا هذا الاستغراب والتشكيك الدائم في كل ما يمت إلى التركمان بصلة ؟ أم أن ما هو مسموح به للآخرين لا يجوز للتركمان في هذا المجال أيضا ؟ وأنه ليس من حقهم حماية مقراتهم وممتلكاتهم وأرواحهم بعد التجارب المريرة التي تعرضوا فيها لاعتداءات متكررة على أرواحهم وأموالهم من سلب ونهب من قبل الميليشيات الكردية حتى أن البرزاني اضطر بعد الاعتداء الأخير في ١۰ تموز ۲۰۰۰ إلى تعويض الجبهة التركمانية بمليون دينار عراقي نتيجة سلب ونهب ممتلكات مكاتبها في اربيل. كما لا يزال الرأي العام يذكر الهجوم المسلح على منزل المحامي صنعان أحمد آغا القصاب ،الشخصية التركمانية المعروفة في مجتمع أربيل والأوساط العراقية والذي يترأس حاليا الجبهة التركمانية بسبب كتابه (أربيل والأربيلي) الذي طرح فيه تاريخ مدينة اربيل وعراقة الوجود التركماني فيها مما أزعج البعض في الإدارة الكردية فكان الرد على الحقائق التي ذكرها هو: مصادرة الكتاب فورا من المكتبات والقيام بهجوم مسلح غادر على منزله بتاريخ ۳ شباط عام ۲۰۰۰.والمعروف أن السيد صنعان هو مؤسس (نادي الإخاء التركماني) الذي تأسس بأربيل منذ عام ١٩٧٤.

تزييف الاحصاءات السكانية

تعمل العناصر الكردوية بشتى الطرق ، المبالغة في زيادة عدد سكان الأكراد في العراق مقابل تقليل عدد القوميات الأخرى وخاصة عدد التركمان في العراق ، حيث يدخل البريفكاني في تناقضات واضحة مع نفسه، رغم انه يعترف من دون قصد أن ذلك اصعب من تحديد عدد الأكراد. وهذا صحيح لأنه محظور على التركمان منذ ما يقارب الثلاثين عاما تسجيل هويتهم القومية في الإحصاءات السكانية في العراق. حيث لا خيار أمام المواطن التركماني إلا أن يتنازل وبخطه عن هويته ويدعي بأنه إما “عربي” أو “كردي”. حسب البند الموجود في استمارة الإحصاء الحكومي: “هل أنت عربي أم كردي ؟” أجل لقد أصاب البريفكاني في هذه النقطة فليست ثمة مشكلة تواجه الأكراد في هذا المجال.أما بالنسبة للتركمان فانهم مرغمون على أن يختاروا لأنفسهم واحدة من القوميتين التي يعترف النظام العراقي فقط بوجودهما وهي: العربية والكردية. فهل هناك من ظلم وإجحاف يلحق بشعب يراد تصفية كيانه وواقعه أكثر من هذا النموذج الذي يندر وجوده حتى في أعتى الأنظمة الدكتاتورية بإرغام قومية على التنكر لأصولها وان تختار لنفسها قومية غير قوميتها الأصلية. والحالة هذه هل بإمكان أي كردي أن ينكر هذا الظلم الذي يتعرض له التركمان في وطنهم ؟! لكن البريفكاني سرعان ما يعود إلى اسلوبه التضليلي فيذكر أن أسباب صعوبة تحديد عدد التركمان قياسا للأكراد يعود إلى أن: ((وزنهم ـ أي التركمان ـ العام أقل بكثير من وزن الأكراد مما جعل الاهتمام بأعدادهم أو أجراء إحصاءات حولهم يتسم باللامبالاة (!) فضلا عن المخاوف السياسية العراقية من زيادة عددهم الذي يشكل ذريعة لتركيا للتدخل في شؤون العراق الداخلية والمطالبة بالسيادة على كركوك والموصل)). أولا ما حكاية الوزن هذه، وكيف يتميز الأكراد عن التركمان وزنا. إذا كان يقصد أن الأكراد كانوا ومازالوا ورقة رابحة بيد الدول الإمبريالية لضرب العراق منذ تشكيل الدولة العراقية وحتى الآن ، وان التركمان لم يكونوا كذلك فهو مصيب وهو ما يستحق فخر التركمان وتأكيدهم على عراقيتهم الأصيلة. فلم يكونوا في يوم ما ورقة بيد الدول الأجنبية للضغط على وطننا وتهديد أمنه وسيادته واستقراره واقتصاده.

ورغم اعتراف البريفكاني بصعوبة تحديد عدد التركمان في العراق لأسباب لم يذكرها إلا أنه لا يستطيع مقاومة اللهجة الاستعلائية في الاستهانة بكل ما يمت إلى التركمان بصلة فيتكهن بان نسبتهم في العراق هي ۲و۲ ـ ۳و۲% من مجموع سكان العراق وهي نفس النسبة التي حددتها بريطانيا للتركمان والتي كانت طرفا في النزاع بحكم احتلالها للعراق أثناء مطالبة تركيا بولاية الموصل بعد الحرب العالمية الأولى ١٩١٨ بحجة أنها لم تفقدها خلال الحرب وإنما كانت تسيطر عليها أثناء إعلان الهدنة. وقد استمرت المباحثات الخاصة بولاية الموصل بين تركيا وبريطانيا في مدينة لوزان السويسرية حتى ٥ حزيران ١٩۲٦ حيث تخلت تركيا عن مطالبتها بولاية الموصل بموجب (معاهدة لوزان) التي تم التوقيع عليها في نفس العام حيث تم ضم ولاية الموصل (شمال العراق الذي يضم الموصل وكركوك وأربيل والسليمانية) إلى الدولة العراقية. والغريب أن الإعلام الكردي بدأ يعمل من خلال صحفه وفضائياته على تزييف هذه الحقيقة التاريخية بالادعاء أن بريطانيا التي كانت تحتل العراق لم تلحق شمال العراق بالأراضي العراقية لأن الأكراد كانوا يرفضون الانضمام للعراق ،وان الانضمام الذي تم في ١٩۲٦ (أي بعد تخلي تركيا عن مطالبتها بولاية الموصل) هو (إلحاق قسري وليس طوعي) إلى آخر ما هنالك من تزييف الوقائع التاريخية لأغراض سياسية بحتة . ولو كانت هذه النسبة البريطانية لنسبة التركمان التي يتبناها البريفكاني بعد البريطانيين بما ما يقارب من ثمانية عقود ، صحيحة، يتساءل المرء أليس غريبا أن يبقى التركمان على نفس نسبتهم السكانية في العراق منذ ٧٥ عاما دون أي زيادة ؟ لقد حددت إحصائية ١٩٥٧ عدد التركمان في العراق بنصف مليون نسمة. ولم يذكر عددهم في أية إحصائية منذ ذلك التاريخ.

مدينة كركوك التركمانية

وحول محافظة كركوك التركمانية الغنية بالنفط، تلك العقدة المستعصية على الأكراد منذ ١٤ تموز ١٩٥٩ والتي هي بمثابة شريان الحياة للتركمان يقول البريفكاني “أن القيادة الكردية اضطرت إلى التنازل عنها في اتفاق آذار (مارس)”

ويظن من لا يعرف الواقع الجغرافي والتاريخي للعراق للوهلة الأولى أن هذه المدينة كانت في السابق خاضعة لسيطرة إدارة كردية ، وان الأكراد اضطروا للتنازل عنها في سبيل التوصل إلى اتفاقية (الحكم الذاتي) الذي يقللون الآن من أهميته في كل فرصة. ببساطة لم يكن للأكراد طوال تاريخهم أي وجود إداري في هذه المنطقة التي ظلت خاضعة للدول والإمارات التركمانية التي حكمت إيران والعراق بعد سقوط الدولة العباسية وحتى الاحتلال العثماني للعراق : (البويهيون(٩٤٥ ـ ١۰٥٥) ،السلاجقة العراقيين (١١١٨ ـ ١١٩٤) ،أتابكة الموصل (١١۲٧ ـ ١۲۳۳)أتابكة أربيل (١١۰٤ ـ ١۲۳۳) ، الدولة الايلخانية (١۲٥٨ ـ ١۳٤٤) الدولة الجلائرية (١۳۳٩ ـ ١٤١۰) دولة قره قويونلو(١٤١١ ـ ١٤٦٨) دولة واق قويونلو(١٤٦٨ ـ ١٥۰٨)، الدولة الصفوية (١٥۰٨ ـ ١٥۳٤).

علما بأن كل تاريخ كركوك منذ العصور العراقية القديمة(السومرية الآشورية) وحتى الآن، يؤكد على عراقية هذه المنطقة ذات الخصوصية التركمانية ومعها كذلك اربيل عاصمة الأكراد الحالية(المدينة التي تضم اكبر تجمع للتركمان في العراق بعد كركوك).. أن أية دراسة موضوعية لتاريخ شمال العراق تؤكد بأن حقوق الأكراد السياسية والثقافية لا تتجاوز تاريخيا حقوق التركمان في شمال العراق الذي يعتبر جزءا تاريخيا وحضاريا أصيلا من الدولة العراقية. نعم، إذا كان أشقاؤنا الأكراد ينتظرون منا تأييد حقوقهم ، فان المطلوب منهم أيضا احترامهم لوجودنا وواقعنا وتاريخنا في العراق.. والتخلي عن المزايدات ومحاولة فرض السيطرة على التركمان ، وتبرير سياسة تذويبهم وتكريدهم لتحقيق مشروعهم القومي : ((كردستان الكبرى)).. إذا كان المطلوب من القوميات العراقية أن تعيش حياتها المشتركة في جو من الوئام والتآخي والاحترام المتبادل في ارض الوطن فان الضرورة تتطلب من جميع القوى الوطنية العراقية، ضرورة احترام التركمان باعتبارهم حقيقة تاريخية لا يمكن فصلها عن تاريخ العراق الحضاري والسياسي. والكف عن التعرض لهم بالطروحات الاستعلائية والعنصرية والتخوينية التي راحت في السنوات الأخيرة تسيطر تماما على الإعلام الكردي في الكيان المحمي في شمال العراق ومحاولتهم السيطرة عليهم ، لأن هكذا سياسات لن تساهم إلا في زرع الأحقاد وتأجيج الخلافات بين القوميتين ، إضافة إلى تشويه القضية الكردية وفقدانها لمصداقيتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *