نوفمبر 22, 2024
download (1)

اسم الكاتب :  زینب هاشم حسین

قبل الحدیث عن هذه الوسائل وعرضها بصورة منهجیة یتوجب علینا أن نحدد “المعنى” الذي

یبغي الباحث الوصول إلیه ، فالمعنى یتعدد وفق غرض البحث ، ویُتأول بتأویلات مختلفة وفق

رؤیة الباحث ووفق المنهج الذي یسیر علیه .

یُستعمل دائماً لتضمین علاقة مباشرة (means “إن الاخت ا زل المتمثِّل في كلمة (یعني

مبسطة بین الكلمات والأشیاء ، والعبارات والأحوال ، وإذا ما أُقّرِت مثل هذه العلاقات فمن

المؤكَّد أنه لن تكون هناك أیَّة مشكلةٍ بشأن طبیعة المعنى” ١، وعلیه على الباحث عن “المعنى” أن

یدرك هذه العلاقات ویقررها قبل البدء في تحدید طبیعة المعنى.

ولعل هذه المقدمة الوجیزة التي تركز على أمر مهم هو : تحدید “المعنى” الذي یرید الباحث

الوصول إلیه قبل أن یهیئ أدواته المعرفیة والإجرائیة للبحث عنه .

هذه المقدمة أرى أنها الوسیلة الأولى والمهمة التي تحدد اتجاه الباحث وتُمنهج عمله بصورة

صحیحة.

بعد ذلك :

یطیب لي أن أُصنف الوسائل التي تُعین الباحث للوصول إلى “المعنى” إلى صنفین هما :

أولاً : الوسائل التي تتناول كل ما هو خارج النص :

وهي تتناول كافة المسائل المتعلقة بالمعنى من لحظة تصوره بالذهن حتى لحظة تلبسه

بالعلامة اللغویة ، والتي تبدأ من منتج المعنى ، “فالمعنى شخصي في أساسه … فما یعنیه أي

شيء یعتمد على من یعنیه” ٢

فلو أردنا أن ننطلق في بدایة البحث عن “المعنى” من ذواتنا وأنفسنا لوجدنا أن البحث عن

المعنى في حیاة الإنسان یمثل قوة أولیة ولیست غرضاً ثانویاً ، فإرادة المعنى في حیاتنا حقیقة

. ولیست مجرد اعتقاد ٣

إن “المعنى” بالنسبة للإنسان فرید ونوعي لأنه یتحقق بواسطته ؛ ففهم المعنى بالنسبة لأي

فرد لا بد أن یكون متمثلاً في طریقة تفكیر الفرد وما یحیط بهذا التفكیر من حمولات نفسیة ،

ومعرفیة ، واجتماعیة ٤ ، ف” لیس بوسعك معرفة معنى كلمة “معنى” إلا بالنظر في طبیعة الأفكار

وصلتها بالأشیاء” ٥ ؛ فاللغة لیست رداء بل جسم التفكیر ولا یمكن فصلهما عن بعض ، وإن كان

الرأي الشائع الیوم یذهب إلى وجود تأثیر متبادل بین اللغة والتفكیر.

إن العلاقة القائمة بین اللغة والفكر ، والتي توجه وتُشكل فهم الفرد للمعنى یتناولها بالدرس

علم اللغة النفسي – الذي یرمي إلى دارسة جملة أمور منها العلاقة القائمة بین اللغة والفكر ،

. كیفیة اكتساب اللغة وكیفیة فهم المعنى ، وصعوبات الفهم والمعجم الذهني … ٦

وهذا یدلنا على الوسیلة الثانیة التي یمكن أن یستعین بها الباحث للوصول إلى المعنى

والتي تتمثل بالاستفادة من معطیات علم اللغة النفسي ونظریاته العدیدة التي تتناول العملیات

الذهنیة التي تسبق إنتاج المعنى – والتي توضح جانباً من مقصد منتج المعنى ، فما یعنیه أي

شيء یعتمد على من یعنیه ، ثم إنتاج الرموز اللغویة الحاملة لهذا المعنى ، والكیفیة التي یتمكن

منها المتلقي لفك هذه الرموز وترجمتها إلى المعنى المقصود ، أو المراد الذي لیس بالضرورة أن

. یكون مطابقا للواقع ٧

وعملیة إنتاج الرموز اللغویة وترجمتها لا یمكن أن تتم بمعزل عن الذهنیة الجمعیة والفهم

الجمعي للجماعة اللغویة ، فالمعنى ” ذلك المصطلح المركزي في كل نظریة للغة لا تمكن

معالجته غیر نظریة مقنعة للعلامات … فنحن نعامل الأشیاء بوصفها علامات ، وكل تجربة

بالمعنى الأوسع إمكانًا للكلمة قد یُستمتع بها أو تؤول – أي تعامل بوصفها علامة ، أو یُفعل

بها الأمرین ” ٨ وهذا ما یقود الباحث عن المعنى إلى الوسیلة الثالثة التي تعینه في فهم المعنى

وهي علم اللغة الاجتماعي ، وما یتعالق معه من مفاهیم كالمرجعیات الثقافیة والدینیة والفكریة

للفرد التي تحدد إنتاج المعنى وفهم الفرد للمعنى ، وذلك وفق مقام إنتاجه بما یتناسب مع عرف

الجماعة اللغویة ٩ ؛ فالناس یقنعون أنفسهم ” بالكلمات أنفسها التي یستعملها الناس ، كما لو أن

. الصوت الواحد یحمل بالضرورة المعنى نفسه ” ١٠

وصفوة القول إن معطیات علم اللغة النفسي والاجتماعي تحدد المعالم الخارجة عن السیاق

الذي ورد فیه ” المعنى ” والتي تعین الباحث على الوصول إلى المعنى ، وتفتح له أفاقاً أوسع من

ضیق النص أو الانكفاء على الجانب المعجمي لمعنى اللفظة ، والذي لا یحدد إلا الدلالة

. المركزیة للفظة أي المعنى المشترك بین الناس وهي بلا ریب فهم ناقص للمعنى ١١

ثانیًا : وسائل التحلیل اللغوي للنص:

إن الد ا رسة اللغویة العلمیة یجب أن تصف كیف یُستعمل الشكل اللغوي للوصول إلى

المعنى ، أو لإعطاء المعنى ؛ فهدف الدراسة اللغویة هو الوصول إلى المعنى في المحصلة

النهائیة.

وقد جعل فیرث السیاق أهم خطوة من الخطوات التي یتخذها اللغوي الباحث في سبیل

الوصول إلى المعنى ، وهذا یعني ضمن ما یعنیه أنه لیس الخطوة الوحیدة فقد كان یرى أن

دراسة الكلام ینبغي أن تتم على مراحل ، وهذه المراحل من وجهة نظرة هي فروع علم اللغة ،

فمن الواجب تحلیل الكلام إلى عناصره ووحداته التي تشكله والكشف عما بینهما من علاقات

داخلیة في سبیل الوصول إلى المعنى ؛ فالعلاقة تُنشئ المعنى ، وأن الكلمة لیس لها معنى

فحسب بل إنها مرتبطة بمعناها.

ولا بد أن یبدأ هذا التحلیل بالمستوى الصوتي ، ثم المستوى الفونولوجي (الصوتي

. الوظیفي) ، ثم المستوى النحوي التركیبي ، ثم المستوى الدلالي ١٢

والمستوى الدلالي یتناول بالضرورة المعنى المعجمي الذي یمثل الدلالة المركزیة والذي

یتكامل مع ما یقدمه السیاق من معطیات لفهم الدلالات الهامشیة والإیحائیة التي تتغیر بتغیر

السیاق ولا تكن ثابتة كالدلالة المركزیة ، والدلالة الإیحائیة تُحدد ” للكلمة دلالتها التعیینیّة التي

. تعود فتُحدث فهمها ، أي الخصائص المشتركة في الأشیاء التي یمكن أن یستعمل فیها” ١٣

وهذه التحلیلات بمختلف مستویاتها لیست هي المعنى ، فالوصول إلى المعنى یتم ” من

خلال الربط بین النتائج التي تفضي إلیها هذه التحلیلات مجتمعة ربطاً یضع في اعتباهر

. العناصر المشكلة لسیاق الحال ” ١٤

ونخلص من كل ذلك أن وسائل الباحث للوصول إلى “المعنى” یجب أن تتناول كافة

جوانب المعنى من أول وروده في الذهن وتمثله في اللفظ وتراكبه مع معانٍ أخرى مع الإحاطة

بكل ظروف إنتاج المعنى وتلقیه من قبل الجماعة اللغویة التي شاركت في تكونه ، وهذا التناول

والإحاطة یحقق الفهم الكامل للمعنى والغایة التي یرجوها الباحث.

. ١ معنى المعنى ٧١

معنى المعنى – دراسة لأثر اللغة في الفكر ولعلم الرمزیة ، أوغدن وریتشاردز ، ترجمة د. كیان أحمد حازم یحیى

. ، دار الكتاب الجدیدة المتحدة ، ط ١

٢ معنى المعنى ٢٦٥

٣ وهذا یعني أن الإنسان لا یمكنه العیش خارج البحث عن المعنى ، الإنسان بوصفه شخصاً عادیاً یكون فرداً

عبثیاً فائضاً إن لم یحفز نفسه للبحث عن معنى لحیاته ، أفكاره ، أفعاله ، وأقواله. إن البحث عن المعنى غایة

إنسانیة ترتبط بسبب وجود الإنسان قبل أن تكون عملاً ینقب فیه الباحث العلمي.

٤ یُنظر : الإنسان یبحث عن المعنى – مقدمة في العلاج بالمعنى التسامي بالنفس ، فیكتور فرانك ، ترجمه

.١٣٢- للعربیة د.طلعت منصور، ١٣١

٥ معنى المعنى ٢٦٤

٦ إن هذا العلم في تطور مستمر خاصة بعد انتعاش البحوث المتعلقة بعلم الأحیاء والأعصاب والعلوم المعرفیة

واللسانیات ونظریة المعلومات ، وهذا التطور أدى إلى تعدد وتنوع مجالات درسه. یُنظر الموسوعة الحرة ویكبیدیا

“علم اللغة النفسي”.

٧ یُنظر : قراءة في كتاب ” معنى المعنى دراسة لأثر اللغة في الفكر وعلم الرمزیة ” لأوغدن ورتشاردز ، ترجمة

، د: كیان أحمد یحیى ، مقال منشور في جریدة الشرق الأوسط للكاتبة سوسن الأبطح ، ع ١٣٥٨٦

٢٠١٦ فبرایر.

.١٣١- ٨ معنى المعنى ١٢٧

٩ یُنظر مناهج البحث اللغوي ، د.نعمة ، ص ٤٨ ، ولسانیات الخطاب وأنساق الثقافة ، د. عبدا الفتاح أحمد

٢٠١٠ الدار العربیة للعلوم ناشرون – بیروت. ، یوسف ، ط ١

١٠ معنى المعنى ٥٨

١١ یُنظر : قراءة في كتاب ” الأفق التداولي نظریة المعنى والسیاق في الممارسة التراثیة العربیة” للمؤلف إدریس

مقبول ، عرض عبدا الأمیر خلیل م ا رد ، منشور على شبكة ضیاء الإلكترونیة.

. ١٢ یُنظر : علم اللغة المعاصر ٣٩ ، ومعنى المعنى ٢٦٥

١٣ معنى المعنى ٣٠٠

. ١٤ علم اللغة المعاصر ٣٩

. علم اللغة المعاصر – مقدمات وتطبیقات ، أ.د یحیى عبابنة ، ود.آمنة الزعبي ، دار الكتاب الثقافي ، ٢٠٠٨

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *