نوفمبر 22, 2024
images

اسم الكاتب : محسن عبود كشكول

تسعى وسائل الإعلام المختلفة إلى التميز في نقل الأحداث حول العالم ومتابعتها على وفق السياسة الإعلامية للمؤسسة، فيما يرغب المتلقي في متابعة الأحداث بموضوعية ومصداقية بعيداً عن أي شكل من أشكال التحيز والتأطير والمعالجة التي تفرضها طبيعة المؤسسات الصحفية، وبهذا يمكن أن نميز بين التغطية الصحفية بمختلف فنونها وبين معالجة المضمون الصحفي وتلوينه وتعريضه للتأطير على وفق أهواء القائمين على المعالجة الصحفية للمعلومات، ذلك أن التغطية الصحفية أو الإخبارية المتوازنة للأحداث وإيصالها إلى المتلقي يمكن أن يصنع ملامح المؤسسة ويكرس حيادها، لاسيما عند وقوع الأحداث السياسية التي تؤثر في الرأي العام وتستثير فضوله في رصدها ومتابعتها عبر مصادر متعددة لاستقاء المعلومات الدقيقة لمجريات تلك الأحداث ورصد مضاعفاتها ونتائجها على الساحتين المحلية أو الدولية، بما يعطي هذه الوسائل فرصة التنافس في تقديم خدمة إخبارية تستقطب رضا الجمهور و ترقى إلى مستوى الحدث، لاسيما التعامل مع الأحداث السياسية التي تمثل حالة استثنائية في الاهتمام الاجتماعي، وعلى وفق ذلك فإن إي استنفار لطاقات وسائل الإعلام في تغطية ومتابعة القضايا وتقديم تقارير حية عن وقائع الحدث ومستجداته، أو في عرض الآراء للنقاش والحوار بشكل موضوعي؛ هي جزء من التغطية الصحفية، أما أن تمارس المؤسسة عملها الإعلامي تحت ضغوط من سياسة المؤسسة وتحيزات الفريق الإعلامي المكلف بمتابعة

الحدث؛ فإن ما تقدمه يدخل في اطار المعالجة الصحفية والاخبارية، ويكفي المقارنة بين قناة الجزيرة مثلا وأي مؤسسة إعلامية أخرى RT) ( مثلاً؛ في تعاملها مع قضية مقتل الصحفي السعودي عدنان خاشقجي، فقد مارست القناة عدة أساليب في معالجة الحدث بعيداً عن التغطية المحايدة التي يحرص فيها الصحفي على الإجابة عن التفاصيل والتطورات والجوانب المختلفة للحدث، وبهذا تكون الاضافات المقدمة على أنها رصد وتحليل، والتلاعب بالألفاظ، وتقييم المعلومات بشكل ذاتي، وإبداء الرأي وتقديم المقترحات والحلول، وأي سرد وتدفق معلوماتي متحيز عن الواقعة أو ممارسة النقد الإعلامي وعرض الحقائق بأسلوب متحيز، كل ذلك هو معالجة وليست تغطية، وبمعنى آخر كل تغطية تتعرض للاهتمام المفرط أو التشوية والاضافات، أو التحرير بأساليب صحفية معينة وعرضها بشكل صحفي مغاير للحقيقة بما يستفز المتلقي إزاء المؤسسة ويسهم في انقسام الشارع بين معارض ومؤيد يسمى معالجة صحفية أو اخبارية .

مفهوم المعالجة الصحفية

ويراد بها محاولة معرفة دوافع وسائل الإعلام في تناولها لحدث معين أو تأطيرها لقضية ما، والدوافع قد تقود إلى الاضافة أو التحريف بالمعلومات بشكل يعكس سياسة المؤسسة في عرض الحدث، ويعكس ميول القائم بالاتصال في جمع وقائع وغض الطرف عن أخرى.

ويمكن النظر إلى المعالجة على أنها: عملية تأطير إعلامية تفرضها سياسة المؤسسة في التعامل مع الأحداث والقضايا في نقل الأخبار وعرض الوقائع والأحداث، وهذه العملية تنطوي على اضافات تفسيرية أو ممارسة للرصد والتحليل، والتلاعب بالألفاظ، أو التدخل لتقييم المعلومات بشكل ذاتي، بل وحتى إبداء الرأي وتقديم المقترحات والحلول، فضلاً من السرد والتدفق المعلوماتي المتحيز أو ممارسة النقد الإعلامي وعرض الحقائق بأسلوب متحيز، وبمعنى آخر هي الاهتمام المفرط أو التشوية والاضافات التحريرية بأساليب صحفية تستفز المتلقي إزاء المؤسسة بسبب الاهتمام اللافت أو التحيز.

وتمتلك المعالجة صفات تميزها عن التغطية الصحفية تتمثل بما يأتي:

1.    الصحة:  تشترط التغطية الصحفية التأكد من صحة الخبر من أجل الحصول على السبق الصحفي للمؤسسة، في حين أن الصحفيين والمؤسسات الصحفية تتعامل مع الصحة في المعالجة على أساس كيفية تقديم الخبر بشكل يتناسب مع سياستها، وهي بذلك تشترك في اشتراط الصحة ولكن في اطار المعالجة تتغافل المؤسسات الصحفية عن الاشارة لكثير من الوقائع الصحيحة التي لها علاقة بالحدث، لأنها لا تتماشى مع سياسة المؤسسة.

2. سياسة الوسيلة الإعلامية: إذ على الرغم من أن الخبر مستوف لجميع عناصر الخبر أو لأجزاءٍ كبيرةٍ منها؛ إلا أنه لا ينشر أو يذاع في كل وسيلة إعلامية بسبب من تعارضه مع سياسة المؤسسة، وبهذا تكون شروط المعالجة هو موائمة الحدث لموقف الناشر؛ سواء أكان حزبا أو حكومة، أو شركة، أو منظمة شعبية، وهنا المعالجة تشترط تطابق رواية الحدث مع سياسة المؤسسات الإعلامية، ومن شأن الاهتمام بانتقاء أحداث دون سواها مساعدة الصحفي على امتلاك الرؤية الصحيحة والضرورية لعمله الصحفي.

3. الدقة: أي أن الخبر ينقل الحقيقة الكاملة للحدث أو الواقعة، طالما كانت تلائم سياسة الوسيلة الإعلامية، وأن الحذف الحاصل ينبغي أن لا يخل بسياقها أو يعطيها معنى أو تأثيراً مخالفاً للحقيقة، وفي ظل المعالجة الدقة النسبية تمنح الحدث عكس ما كان يعطيه لو كان قد نشر كاملاً ودقيقاً ومستحضراً لكل شروط التغطية الصحفية.

4. التأطير: أهم ما يميز المعالجة الصحفية أن المحرر الصحفي يعمل بتأثير من أطر

السياسة الإعلامية للمؤسسة.

أساليب المعالجة الإخبارية:

في ضوء تجربتنا الصحفية يمكن وضع مجموعة من الأساليب المعتمدة في المعالجة للحدث بشكل يتناسب مع سياسة الوسيلة الإعلامية وهي:

1- أسلوب المعالجة بسرد المعلومات: ويتطلب قيام الوسيلة بوصف الواقعة أو الحادثة

او لإحاطة بجميع جوانبها وظروف حدوثها، وتقديم الاستشهاد بشهود العيان والمسؤولين بما يتناسب مع سياسة الوسيلة الإعلامية.

2- أسلوب المعالجة المركبة: يقوم الأسلوب بوصف الحادثة بشكل موسع، وانتقاء الوقائع التي لا تعطي الحدث بعداً يتعارض فيه مع سياسة الوسيلة الإعلامية، والربط المركب بين الوقائع وصولاً إلى معالجة إخبارية انتقائية ذات إطار واحد يضم أكثر من واقعة وتؤدي إلى معالجة موسعة للحدث.

3- المعالجة القائمة على تقديم الاحصاءات: وهي التي تقوم على تقديم الاحصائيات والأرقام الخاصة بالوقائع، وهنا كل الأرقام يتم اختيارها بشكل يقدم الحدث بصورة تتوافق مع سياسة الوسيلة الإعلامية.

4- المعالجة القائمة على تقديم الحقائق: هي أسلوب يعتمد على الشواهد والبراهين الأدلة والبيانات في نقل المعلومات عن حادث معينة سواء من مصدر مسؤول أو من شخصية يدور حولها الجدل، بحيث يشكل مادة إعلامية لها أهميتها.

5- أسلوب المعالجة النقدية: وهو أسلوب عرض المادة الإعلامية على شكل انتقادات موجهة لسياسة أو حزب أو فكر معين لا يتماشى مع سياسة الوسيلة الإعلامية، بهدف تقويم ذلك

6- أسلوب عرض الآراء والمقترحات: وهو يقوم على عرض المادة الإعلامية بشكل بيانات ومعلومات وحقائق بهدف خلق توجهات معينة لدى الجمهور عن طريق إمدادهم بالآراء التي تدور حول الموضوع المطروح للمعالجة والنقاش.

7- أسلوب التحليل والتفسير: ويقوم على عرض الموضوع على المتلقي، وإثارة القضية

للتفسير الإعلامي بهدف تقديم تحليل يتماشى مع سياسة الوسيلة الإعلامية، أو يحقق

الأهداف التي تتوخاها الوسيلة.

8- أسلوب طرح الحلول: استكمالاً لاهتمام المؤسسة بالموضوع؛ فإنها تعمل على تقديم

الحلول التي تتوافق مع سياسة المؤسسة في سياق عرض المادة الإعلامية المطروحة للنقاش.

9- أسلوب إثارة النقاش: عملية انتقاء قضية للنقاش دون غيرها إنما تنطلق من سياسة

الوسيلة الإعلامية، ومن اهتمامها المتميز بالقضية، ذلك أن التجاهل والاهتمام في المعالجة ينطلق من تفضيلات المؤسسة.

10- أسلوب البحث والاستقصاء: تنطلق المؤسسات الاعلامية في اختيار معالجة قضية  بشكل استقصائي من اهتمام وتفضيل يتماشى مع سياسة الوسيلة الإعلامية، فعلى سبيل المثال أن الواقع العراقي يزخر بملفات الفساد، لكن تركيز مؤسسة اعلامية على قطاع معين دون غيره يعد معالجة خاضعة لسياسة الوسيلة الإعلامية.

11- أسلوب التأثير والتوعية: وهي المعالجة التي تستخدم كل فنون الاتصال في نقل المعرفة وبناء الوعي وتحقيق التأثير عن طريق ما تقدمه من مواد متنوعة واستخدامها لأنواع صحفية مختلفة تخاطب ذهن متلقيها وعواطفه وانفعالاته.

12- أسلوب تأكيد الحقائق من مصادر متعددة موثوق فيها: وهي معالجة تبدو محايدة إلا أن البحث والاغراق في تأكيد حقائق حول الموضوع يحمل شبهات التحيز في الوسيلة.

ولابد من القول أن الحكم الفصل في المعالجة الصحفية أنها تعكس الإشكالية الحقيقية التي تتمثل في وجود تحد مزدوج يصعب فصل النزاع فيه، بين مطالبة رجال الصحافة بحرية التعبير ونشر ال رأي والخبر، وإعطاء المتلقي حقوقه في معرفة الأنباء والمعلومات الصحيحة، وهذه الحرية من شأنها أن تؤدي إلى تحقيق غايات أنانية، ومن جهة أخرى فوجود رقابة حكومية قد يمنع الصحفيين من ممارسات غير مسؤولة تضر بمصالح المجتمع، كما قد تحول دون إظهار الحقائق على حقيقتها.

وفي اطار ذلك هل هناك مسؤولية اجتماعية لوسائل الاعلام في عرض وتداول الأخبار

والأحداث بعيداً عن تأثيرات السياسة الاعلامية للمؤسسة الصحفية، بالتأكيد أننا نواجه في مجتمعنا العربي ميل كبير من الوسائل الإعلامية إلى تقليد مثيلاتها في الغرب، فتسعى إلى تفضيل المثير على المفيد، والمبتذل على المبتكر، والنادر على المهم، وهو تماما ما نسميه بالمعالجة الاعلامية أو الصحفية، وهي في إطار ذلك يمكن لها أن تهمل الكثير من الأنشطة الاجتماعية، وتنصرف إلى تقديم مادة إخبارية تثير في نفوس الجمهور الانفعالات المختلفة، وتعمل على تجاهل قضايا اجتماعية أخرى غاية في الخطورة.

عناصر المعالجة الصحفية

هناك مجموعة من العناصر التي تشكل أبعاد عملية المعالجة؛ منها:

1- الدقة: أي التأكد من صدق المعلومات والأخبار التي تغطيها وسائل الإعلام.

2- الاهتمام بالبناء اللغوي للمضامين: لأن اللغة أداة للتوصيل والتأثير، ويمكن أتباع أكثر من صيغة أو أسلوب لتوصيل الفكرة للمتلقي في اطار المعالجة.

3- الالتزام بمعايير المسؤولية الاجتماعية: والابتعاد عن القذف والتشهير واعتماد الحوار البناء بين وسائل الإعلام والجمهور.

4- تدعيم المصداقية: وإتاحة ردود فعل الجمهور حيال الرسائل التي يتلقونها.

5- تشخيص وظائف وسائل الإعلام وطبيعة الدور الذي تقوم به في خدمة المجتمع.

6- تدعيم حرية الصحافة من خلال الحرص على العدالة وتحسين أداء وسائل الإعلام

وحمايتها من الرقابة الحكومية.

شروط المعالجة الصحفية الجيدة

تتطلب المعالجة الصحفية مجموعة من الشروط الواجب توافرها تتمثل بما يأتي:

1- فهم السياق الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي الذي يجري فيه الحدث أو تنتج فيه المعلومة.

2- القوة الذاتية الموضوعية للحدث موضوع المعالجة، بمعنى أهمية الحدث وضخامته،

والآثار والنتائج المترتبة عليه، واتساع الشرائح الاجتماعية المعنية به .

3- موقف الوسيلة الإعلامية المسبق من الحدث، ذلك أن كل مؤسسة إعلامية تتأثر في تناول ومعالجة الحدث بمنطلقات وأسس واستراتيجيات مشروعها، الذي حددته القوى التي تصدر وتمتلك وتوجه هذه الوسيلة وهذا حق للوسيلة الإعلامية ، وهو حق مشروع.

4-  شخصية ونوعية الوسيلة الإعلامية والفلسفة الصحفية التي تؤمن بها.

5- يتمثل الإبداع في المعالجة بالمقدرة الفكرية والأيديولوجية والمهنية والحرفية للفريق

الاعلامي.

انواع المعالجة الصحفية ومصادرها

1- المعالجة التوثيقية المباشرة: وهي التي تتفاعل مع الحدث بشكل عفوي فتهتم بجمع

التفاصيل والمعلومات الخاصة بالحدث، والبرامج الوثائقية انموذجا لذلك.

2- المعالجة الاستباقية أو التمهيدية: وهي التي تهتم بالحصول على التفاصيل والمعلومات المتعلقة بحدث متوقع، أي حدث لم يتم بعد ولكن هناك مؤشرات تشير إلى احتمال وقوعه.

3- معالجة الدعم والتأييد: وهي تناول الحدث الذي يدعم دور الحكومة ورغم أن البعض لا يستسيغ هذا الدور، إلا أن هذه المعالجة تدعم نظرية المسؤولية الاجتماعية، عن طريق تقديم تصورات الصحفيين في مواجهة أزمات أو مشكلات اجتماعية، بل حتى دور وسائل الإعلام في مواجهة العدوان الخارجي أو الحرب النفسية المعادية، بشكل يعطي دوراً ايجابياً لوسائل الإعلام.

4- معالجة التأثير والتوعية: تساهم وسائل الإعلام بتكوين معرفة ووعي وإدراك ثقافة

المستقبل، عن طريق ما تقدمه من مواد متنوعة واستخدامها لأنواع صحفية مختلفة تخاطب ذهن متلقيها وعواطفه وانفعالاته .

5- المعالجة التقريرية الشاملة: وهي التي تقدم الحدث وتدعمه باستعراض الآراء ووجهات النظر، وتقديم الحلول المقترحات التي يتقدم بها المتخصصون عبر تضمينها تقريراً صحفياً معمقاً يتضمن بيانات وتفاصيل حول القضية موضع الاهتمام والمعالجة.

6- المعالجة الإخبارية الإلكترونية: حيث يتم توظيف خدمات صحافة الانترنيت في معالجة الحدث بشكل معمق وشامل عن طريق ربط الحدث بالمعلومات المتاحة على الانترنت، والوسائط المتعددة المدعمة بالصوت والفيديو.

7-المعالجة الصحفية المصورة: انطلاقا من أهمية الصورة وقدرتها على التوضيح بشكل تعجز الكلمات عن وصفه أو أنها تقدم وصفاً تعزيزياً لمصداقية الخبر، ويمكن البحث عن أي صورة لدعم المعالجة.

مصادر المعالجة الصحفية :

يعد المصدر من أساسيات العمل الإعلامي بغض النظر عن طبيعة التناول، فكل عمل

اعلامي سواء كان تحريرياً أو معالجة أو تغطية فإنها يجب أن تستند إلى مصادر لإسناد الموثوقية، واختيار المصادر الرصينة يساعد في تقديم معالجة تعزز التزام ومسؤولية وسائل الإعلام تجاه المجتمع، ويفترض أن يقوم اختيار الصحفيين لمصادر معينة على أساس مدى ارتباطها بمضمون الخبر، ومن ثم بالجمهور الذي يتلقى هذا الخبر، ومن المهم أن ندرك أنه كلما زادت نسبة المصادر عند صحيفة معينة زادت فرصتها في تقديم معالجة جيدة تحظى باهتمام الجمهور وتستجيب لمستلزمات تحقيق السياسة الإعلامية، وهى لا تتعدى المصادر الصحيفة المعروفة سواء كانت المصادر داخلية، أو مصادر خارجية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *