اسم الكاتب : سليم الحسني
الفكرة وليس الشخص، الكيان وليس الفرد، القيادة وليس الأبناء، هذه مبادئ الإسلام، وعليها سار التشيع عبر قرون الزمن، وضحّى من أجلها أكابر علماء الشيعة، ولو لا ذلك الإصرار على تثبيت هذه المبادئ لما بقي التشيع، ولصار مثل مدرسة الخلفاء.
استشهد الامام الحسين عليه السلام لتعيش الفكرة. وضحى الأئمة بحريتهم وحياتهم ليبقى الكيان، وتبرأوا عليهم السلام من بعض أبنائهم واخوانهم وأصحابهم لتستمر القيادة. هكذا هي تجارب الأنبياء، وسيرة أهل البيت عليهم السلام، لكن الاتجاه العام ترك مضمون أهل البيت، واكتفى منهم بالعنوان.. فعملوا بسيرة الخلفاء والملوك واكتفوا بلبس ثياب التشيع، فقلبوا المظهر على الجوهر.
أهمل بسطاء الشيعة مبادئ أهل البيت عليهم السلام، وعملوا مثلما عملت مدرسة الخلفاء، حين اخترعوا لنا (الموافقات العمرية)، وفيها جعلوا الخليفة الثاني أفضل من الرسول (ص)، وصار الله سبحانه وتعالى يتبع عمر بن الخطاب فيما يقترح عليه ويتمناه، حيث تنزل آيات القرآن وفق ما يريد عمر، كما يزعمون.
يسلك بسطاء الشيعة سلوكاً يضع التشيع في خطر، ويضعف الكيان الشيعي، مندفعين بالعاطفة الساذجة نحو الشخص، بينما يتركون الفكرة والكيان القائم عليها. وبذلك يقدّمون الخدمة العظمى لأعداء التشيع.
مع تقادم الزمن، واتساع دائرة الجهل بأصول التشيع ومبادئه وقيمه وأفكاره، خصوصاً في السنوات الأخيرة، صار البسطاء لا يفرّقون بين المرجع وبين الابن والحفيد والوكيل والممثل والقريب، وبذلك فقد فرّطوا بمقام المرجعية ودورها في قيادة الشيعة، والتفوا حول الأبناء والاحفاد والاصهار والوكلاء. فأنزلوا المرجعية من رفعتها وسموها وهبطوا بها الى منازل غير لائقة بسمعتها ولا بسمعة المراجع. ففعلوا من حيث لا يشعرون ما فعله آل أبي سفيان حين جعلوا خلافة رسول الله وقيادة الأمة الإسلامية، لعبة بيد الأبناء يتقاذفونها مثل الكرة بأيديهم وأرجلهم، ويتوارثونها مثل أي تركة مالية.
لقد أراد بسطاء الشيعة، ان يرفعوا شأن أبناء المراجع، ولم يلتفتوا الى أنهم بعملهم هذا يُضعفون المراجع وينالون منهم وينزلون بهم الى درجات أدنى.
هذا الواقع الموجع النازف بالحسرة على حقيقة المرجع ودور المرجعية، هو الذي يريده معظم أبناء المراجع وحواشيهم، ويبذلون الجهد والمال وشراء عمائم الاعتياش، لكي تبقى العاطفة الجاهلة هي التي تتحكم بالعقل، ولكي يبقى جوهر التشيع ومبادئه مخفية عن (العوام) كما يسمونهم استصغاراً لهم.
ولأن الحواشي وعمائم الاعتياش يعرفون توجهات أبناء المراجع وطموحاتهم الشخصية، فانهم يتفننون في تضليل الرأي العام الشيعي، ويزيدون البسطاء بساطة وجهلاً وسذاجة، وهم في هذا أهل فن وتدبير.
حاول بعض أعلام الشيعة معالجة هذا الخلل الخطير، وقدموا مشاريعهم في تحويل المرجعية الى مؤسسة، وكان أبرزهم السيد الشهيد محمد باقر الصدر في اطروحته للمرجعية الرشيدة، فتعرض للتشويه والتشكيك، وتم الاجهاز على مشروعه، ودفنه في مدافن النسيان خلف وادي السلام بمسافات بعيدة. وتعاهد معظم أبناء المراجع فيما بينهم أن كل من يحاول إعادة مشروع السيد الشهيد الصدر، يسلقونه بألسنة حداد، وتمزّقه رماح الحواشي والمعتاشين قبل أن يلفظ حرفاً واحداً في بناء المرجعية المؤسسة.
وأخطر ما في توجه هؤلاء الأبناء وحواشيهم، أنهم ينشرون أجواء التحذير والتخويف الوهمي في الوسط الشيعي، لمنع أية محاولة من قبل مثقفي الشيعة لكشف مستورهم في التسلط والتحكم والنفوذ والثراء. فالكلمة ترعبهم، لأنها صوت الوعي، والوعي أكثر ما يكرهونه في حياتهم، فلو ميّز الناس بين المرجع وبين الأبناء والحاشية، فان المعتاشين يصبحون بلا عمل.
لا يريد الأبناء والحواشي وعمائم الاعتياش، الوعي الشيعي، وليس لديهم الحرص على المرجعية ومكانتها العالية. ولا يكترث هؤلاء بما يهدد الشيعة من مخاطر، فتراهم يمنعون لقاء شخصيات الشيعة بالمرجع الأعلى، حتى لا تضعف مكانة الحاشية، فتزول عنهم هبات المكتب.
١١ أغسطس ٢٠٢١