مشتقات الرجاء في القرآن الكريم (مرجون)‎

فاضل حسن شريف

عن تفسير الميسر: قوله تعالى عن مرجون “وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ” (التوبة 106) مرجون اسم، مرجون: موخَّرون ؛ لا يُقطع بهم توبة. مُرْجَوْنَ: مُؤَخَّرون لحكم الله و قضائه فيهم. ومن هؤلاء المتخلفين عنكم -أيها المؤمنون- في غزوة ﴿تبوك﴾ آخرون مؤخرون؛ ليقضي الله فيهم ما هو قاض. وهؤلاء هم الذين ندموا على ما فعلوا، وهم: مُرارة بن الربيع، وكعب بن مالك، وهلال بن أُميَّة، إما يعذبهم الله، وإما يعفو عنهم. والله عليم بمن يستحق العقوبة أو العفو، حكيم في كل أقواله وأفعاله. وجاء في تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله تعالى عن مرجون “وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ” (التوبة 106) “وآخرون” من المتخلفين “مُرْجَؤُن” بالهمز وتركه: مؤخرون عن التوبة “لأمر الله” فيهم بما يشاء، “إما يعذبهم” بأن يميتهم بلا توبة “وإما يتوب عليهم والله عليم” بخلقه، “حكيم” في صنعه بهم، وهم الثلاثة الآتون بعد: مرارة بن الربيع وكعب بن مالك وهلال بن أمية، تخلفوا كسلا وميلا إلى الدعة، لا نفاقا ولم يعتذروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم كغيرهم فوقف أمرهم خمسين ليلة وهجرهم الناس حتى نزلت توبتهم بعد.

جاء في موقع آي نت عن مفردات كلمات القرآن (حرف الراء) للكاتبة جمانة بنت خالد: مُرجَون لأمر الله  وردت مادة (رجو) 28 مرة في القرآن الكريم. ومنها هذه الكلمات (أرجه، مرجون، ترجو، وغيرها). كما في قوله تعالى “وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ” (القصص 86). وقوله تعالى “وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ” (التوبة 106). وقوله تعالى “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ” (البقرة 218). قال أبو عبيدة ” “وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ” (التوبة 106) أي مؤخرون، يقال أرجأتك، أي أخرتك. ” وقال الراغب الأصفهاني ” الرَّجَاءُ ظنّ يقتضي حصول ما فيه مسرّة، وقوله تعالى “ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً” (نوح 13) قيل ما لكم لا تخافون، وأنشد: إذا لسعته النّحل لم يَرْجُ لسعها * وحالفها في بيت نوب عوامل. ووجه ذلك أنّ الرَّجَاءَ والخوف يتلازمان، قال تعالى “وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ” (النساء 104). “وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ” (التوبة 106). وأَرْجَتِ النّاقة دنا نتاجها، وحقيقته جعلت لصاحبها رجاء في نفسها بقرب نتاجها. والْأُرْجُوَانَ لون أحمر يفرّح تفريح الرّجاء.” وقال أبو حيان “(مرجئون) مؤخرون، ومنه (ترجئ) و (أرجئه).” ولعل الكلمات التي ذكرها أبو حيان مهموزة وذكرها غيره دون همز؛ لاختلاف القراءة، فبعض القراء يهمز، وبعضهم لا يهمز.

وعن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله تعالى عن مرجون “وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ” (التوبة 106) عطف سبحانه على ما قبله من قوله: “وآخرون اعترفوا بذنوبهم” فقال: “وآخرون مرجون لأمر الله” أي: مؤخرون موقوفون لما يرد من أمر الله تعالى فيهم “إما يعذبهم وإما يتوب عليهم” لفظة “إما” وقوع أحد الشيئين، والله سبحانه عالم بما يصير إليه أمرهم، ولكنه سبحانه خاطب العباد بما عندهم، ومعناه: ولكن كان أمرهم عندكم على هذا أي: على الخوف والرجاء. وهذا يدل على صحة مذهبنا في جواز العفو عن العصاة، لأنه سبحانه بين أن قوما من العصاة يكون أمرهم إلى الله تعالى، إن شاء عذبهم، وإن شاء قبل توبتهم، فعفا عنهم، ويدل أيضا على أن قبول التوبة تفضل من الله سبحانه، لأنه لو كان واجبا لما جاز تعليقه بالمشيئة “والله عليم” بما يؤول إليه حالهم “حكيم” فيما يفعله بهم.

وعن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تعالى عن مرجون “وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ” (التوبة 106) الإرجاء التأخير، والآية معطوفة على قوله: ﴿وآخرون اعترفوا بذنوبهم﴾ ومعنى إرجائهم إلى أمر الله أنهم لا سبب عندهم يرجح لهم جانب العذاب أو جانب المغفرة فأمرهم يئول إلى أمر الله ما شاء وأراد فيهم فهو النافذ في حقهم. وهذه الآية تنطبق بحسب نفسها على المستضعفين الذين هم كالبرزخ بين المحسنين والمسيئين، وإن ورد في أسباب النزول أن الآية نازلة في الثلاثة الذين خلفوا ثم تابوا فأنزل الله توبتهم على رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وسيجيء إن شاء الله تعالى. وكيف كان فالآية تخفي ما يئول إليه عاقبة أمرهم وتبقيها على إبهامها حتى فيما ذيلت به من الاسمين الكريمين: العليم والحكيم الدالين على أن الله سبحانه يحكم فيهم بما يقتضيه علمه وحكمته، وهذا بخلاف ما ذيل قوله: ﴿وآخرون اعترفوا بذنوبهم﴾ حيث قال: ﴿عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم﴾.

جاء في التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله تعالى عن مرجون “وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ” (التوبة 106)  ذكر سبحانه في الآية 100 وما بعدها أربعة أصناف: السابقين إلى الهجرة والنصرة، والتابعين لهم بإحسان، والمنافقين، والمعترفين بذنوبهم. وأشار في هذه الآية إلى قوم لم يحددهم بصفاتهم كما فعل في الأصناف الأربعة، ولم يصرح بحكمهم في هذه الآية، وانما قال: انهم مؤجّلون إلى عذاب اللَّه أو مغفرته، أي ان أمرهم موكول إليه وحده، وقد أبهمه عليهم وعلى الناس، وقد تكون الحكمة في هذا الإبهام ان يترددوا بين الخوف والرجاء، فلا يطمعوا ولا ييأسوا ” واللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ” عليم بما يصلح هؤلاء وغيرهم، وحكيم في إرجاء النص على حكمهم، وفي كل ما يفعل. وقال كثير من المفسرين: أن هذه الآية نزلت في جماعة من المسلمين تخلفوا عن الرسول في غزوة تبوك، ثم ندموا.. وقد نصت الآية الآتية 118 على أن ثلاثة من الصحابة تخلفوا عن الخروج إلى تبوك مع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، ثم تابوا، وان اللَّه قبل توبتهم، وأعلن قبولها، ولم يدعهم في التردد بين الخوف والرجاء. هذا ما بدا لنا عند تفسير الآية التي نحن بصددها، ولا ندري ما نجد من المعاني حين يسيطر جو الآية 118. فإلى هناك.

وعن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى عن مرجون “وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ” (التوبة 106) في هذه الآية إشارة إلى مجموعة من المذنبين الذين لم تتّضح جيدا عاقبة أمرهم، فلا هم مستحقون حتما للرحمة الإلهية، ولا من المغضوب عليهم حتما، لذا فإنّ القرآن الكريم يقول في حقّهم: “وآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ‏”. “مرجون” مأخوذ من مادة (إرجاء) بمعنى التأخير والتوقيف، وفي الأصل أخذت من (رجاء) بمعنى الأمل، ولما كان الإنسان قد يؤخر شيئا ما أحيانا رجاء تحقق هدف من هذا التأخير، فإنّ هذه الكلمة قد جاءت بمعنى التأخير، إلّا أنّه تأخير ممزوج بنوع من الأمل. إنّ هؤلاء في الحقيقة ليس لهم من الإيمان الخالص والعمل الصالح بحيث يمكن عدهم من أهل السعادة والنجاة، وليسوا ملوّثين بالمعاصي ومنحرفين عن الجادة بحيث يكتبون من الأشقياء، بل يوكل أمرهم إلى اللطف الإلهي كيف سيعامل هؤلاء.