اعداد : موقع الجزيرة
حاولت أنقرة وطهران تاريخيا تحديد مصالحهما ومناطق نفوذهما بالعالم العربي بطريقة تتجنب الاحتكاك والتنافس المباشر.
قالت ناشونال إنترست (The National Interest) إن جذور الخلاف بين كل من إيران وتركيا على الساحة العراقية، خاصة خلال الفترة الأخيرة، تعود إلى اعتبارات مرتبطة بتوازن القوى وسعي البلدين إلى نفوذ أكبر في المنطقة.
وأكدت المجلة الأميركية -في تقرير للباحثين بالعلاقات الدولية حميد رضا عزيزي ووالي غول محمدي- أن العراق تحول فعليا إلى نقطة خلاف رئيسية بين طهران وأنقرة خلال الأسابيع القليلة الماضية بعد أن انتقد السفير الإيراني بالعراق إيراج مسجدي، في 27 فبراير/شباط الماضي، الوجود العسكري التركي في هذا البلد داعيا تركيا إلى سحب قواتها من هناك.
وقال مسجدي في مقابلة مع قناة رووداو (Rudaw) الكردية العراقية “لا نقبل إطلاقا، سواء تعلق الأمر بتركيا أو أي دولة أخرى، التدخل أو التقدم أو أي وجود عسكري في العراق” مشددا على أن “أمن العراق يجب أن يحافظ عليه العراقيون”.
ورد السفير التركي إلى العراق فاتح يلدز على هذه التصريحات عبر تويتر قائلا إن نظيره الإيراني “سيكون آخر شخص يلقن تركيا دروسا بشأن احترام حدود العراق”، وفي أعقاب هذا الخلاف استدعت كل من طهران وأنقرة سفيريهما لدى الطرف الآخر للتعبير رسميا عن موقفيهما.
ويأتي هذا الخلاف الدبلوماسي -وفق المجلة- في ظل تزايد ملحوظ للوجود العسكري التركي شمال العراق بذريعة محاربة مسلحي حزب العمال الكردستاني الذي تعتبره أنقرة “منظمة إرهابية” والمتمركز في بعض المناطق شمال العراق.
تهديدات تركية
وفي العاشر من فبراير/شباط الماضي نفذ الجيش التركي عملية عسكرية في جبال غارا بمحافظة دهوك (في إقليم كردستان العراق) لإطلاق سراح عدد من الرهائن الأتراك المحتجزين لدى الحزب، لكن وبعد فشل العملية ومقتل 13 رهينة تركي هدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأن بلاده ستوسع حملتها ضد الحزب إلى سنجار (تابعة لمحافظة نينوى شمال العراق) وهي منطقة إستراتيجية تقع على الحدود العراقية السورية.
وفي أعقاب تهديد أردوغان نشرت قوات الحشد الشعبي العراقية “موالية لإيران” آلاف الجنود في 3 ألوية في سنجار لمواجهة ما رأوا أنها نية أنقرة لاحتلال أجزاء من بلادهم، وهو ما اعتبرته وسائل إعلام تركية تدخلا من قوات الحشد لإنقاذ حزب العمال الكردستاني ومؤشرا على دعم إيران للمسلحين الأكراد.
وترى المجلة أنه بالنظر لكون طهران ترى في كل من العراق وسوريا المكونين الرئيسيين “لعمقها الإستراتيجي” فإنها تتبنى “نهجا صفريا” بهاتين المنطقتين ولا ترغب أساسا في مشاركة مجال نفوذها المتصور مع الخصوم ما لم يستطيعوا استثمار معادلات القوة المتغيرة بسرعة لفرض أنفسهم على الأرض، كما هو حال الوجود العسكري الأميركي بالعراق أو الوجود التركي شمال سوريا.
اعتبارات اقتصادية
من ناحية أخرى، تبرر المجلة الخلاف الإيراني التركي على الأرض العراقية باعتبارات أخرى اقتصادية، حيث تعتبر أنقرة المنافس الاقتصادي الأبرز لطهران في السوق العراقية.
ففي عام 2019، صدرت تركيا ما قيمته 10.2 مليارات دولار من البضائع إلى العراق، متجاوزة بشكل طفيف صادرات إيران البالغة 9.6 مليارات خلال نفس الفترة.
كما استثمرت الشركات التركية حوالي 25 مليار دولار في 900 مشروع إنشائي وبنية تحتية -بما في ذلك الطاقة والمياه والصناعات البتروكيميائية- في مدن عراقية مختلفة، وهناك منافسة متزايدة بين البلدين في مجال صناعة الكهرباء بالعراق، وهو قطاع كانت تهيمن عليها الشركات الإيرانية في السابق.
مفترق طرق
إلى جانب ذلك، تعتبر تركيا موقعها الجغرافي عند مفترق الطرق بين أوروبا الشرقية وغرب آسيا ميزة جغرافية واقتصادية فريدة، وتسعى بشكل متزايد إلى احتكار طرق العبور في المناطق المجاورة.
ومن خلال توسيع علاقاتها الاقتصادية مع العراق، تريد أنقرة منع نقل الطاقة الإيرانية المحتمل إلى أوروبا عبر العراق وسوريا، وأن تصبح المحور الرئيسي لصادرات الطاقة إلى أوروبا، وأن تفتح ممرا جنوبيا إلى الأردن والسعودية لنقل البضائع التركية والأوروبية إلى الأسواق العربية بمنطقة الخليج.
ورغم أن هاتين القوتين الإقليميتين غير العربيتين -تضيف المجلة- حاولتا تاريخيا تحديد مصالحهما ومناطق نفوذهما في العالم العربي بطريقة تتجنب الاحتكاك والتنافس المباشر، لكن عندما يتعلق الأمر بكل من سوريا والعراق فإن مصالحهما على المدى الطويل تتعارض بشكل واضح.
وفي أعقاب تصاعد المشاعر المعادية لإيران بالعراق، واغتيال أميركا قائد فيلق القدس الإيراني الجنرال قاسم سليماني بالعراق، ربما يكون القادة الأتراك قد خلصوا إلى أن الوقت قد حان -بحسب المجلة- لدحر النفوذ الإيراني واستعادة ما يعتبرونه دورا تاريخيا في العراق.
ورغم أن أنقرة لا تسعى على ما يبدو إلى مواجهة مع طهران، إلا أنها تتطلع إلى استغلال فراغ السلطة الحالي في العراق لتعزيز نفوذها الإستراتيجي على حساب جيرانها الجنوبيين على المدى الطويل.
المصدر : ناشونال إنترست