نوفمبر 22, 2024
download (1)

حاوره غسان شربل

روى لـ«الحياة» قصة مطاردة طويلة غيّرت وجه العراق وهزت توازنات المنطقة (1) … أحمد الجلبي: عميل مزدوج خدع الـ«سي. آي. أي» وكشف خطة الإنقلاب إنطلقت الحرب قبل موعدها المقرر «لأن فرصة قتل صدّام قد لا تتكرر»

كلما صدر كتاب عن الغزو الأميركي للعراق يحضر اسم الدكتور أحمد الجلبي رئيس «المؤتمر الوطني العراقي». والأمر نفسه كلما تناول مقال المغامرة المجنونة التي ارتكبتها إدارة الرئيس جورج بوش. ويقفز الاسم الى الواجهة في حلقات العراقيين والقسوة جزء منها وحلقات العرب التي لا تعوزها السهام.

لا تنكر الكتب والمقالات والأحاديث ذكاء الرجل ودوره الحاسم في اغتيال نظام صدام حسين. لكن معظمها يمطره باتهامات خطيرة. «انه الرجل الذي دفع اميركا الى الحرب». «انه الرجل الذي استدرج الأميركيين الى المستنقع العراقي». «انه الرجل الذي ضلل الاستخبارات الاميركية واخترع شهوداً فبركوا روايات أسلحة الدمار الشامل والمختبرات الجوالة». «انه الرجل الذي ضلل كبريات وسائل الاعلام الأميركية ومعها الرأي العام في القوة العظمى الوحيدة». «انه الرجل الذي حصل على موافقة ايران على قرار الغزو الاميركي ونقل إليها أسراراً دفعت القوات الاميركية الى مداهمة مكتبه». «انه الرجل الذي أسس البيت الشيعي بعدما تمتع تنظيمه على مدار سنوات بدعم مالي اميركي». «انه الرجل الذي كان وراء صدور قانون تحرير العراق واقنع المحافظين الجدد لاحقاً بأن اسقاط نظام صدام هو فرصتهم لتغيير العراق والمنطقة فسارعوا بعد هجمات 11 ايلول (سبتمبر) الى اغتنامها». «انه الرجل الذي حلم بانتزاع رئاسة عراق ما بعد الغزو وحين تعذر عليه ذلك راح يشاكس ويهاجم ويعرقل ويؤلب جهات اميركية ضد أخرى». وعلاوة على الاتهامات السياسية اتهامات شخصية «بالضلوع في الفساد».

قرأت الاتهامات وسمعتها ولم اكن اعرف الرجل ولم يصدف ان التقينا. بدت قصة الرجل مثيرة، إذ لم يحدث من قبل ان اتهم فرد عربي بدور أدى الى تغيير في موازين القوى في العراق والمنطقة معا. نصحني سياسي صديق بعدم الاقتراب من الرجل لأن مجرد فتح دفاتره سيثير حفيظة بحر من الاعداء كما قال. ضاعفت النصيحة حشريتي. الصحافة لا تبحث عن الابرياء ولا تعيش على قصص القديسين.

للمرة الأولى سيروي احمد الجلبي قصته. سيحكي عن زيارته لمعتقل اسمه صدام حسين وعن الحرب الاميركية التي اطاحته وعن اعتقاله. سيروي ما سبق الحرب وموقف ايران منها والأخطاء التي ارتكبت بعد الانتصار الاميركي. سيتحدث عن علاقته ببول بريمر الرجل الذي وُضع العراق في عهدته بعد اقتلاع نظام صدام وحلّ الجيش العراقي واجتثاث البعث وعمليات النهب الفظيعة التي حدثت. وسيروي مسار الجهود التي بذلها بعدما استنتج ان اسقاط نظام صدام حسين مستحيل من دون اقناع اميركا بإسقاطه. انها قصة سنوات طويلة تسرب الجلبي خلالها الى أروقة الكونغرس والـ «سي آي أي» ووزارة الدفاع وكواليس صناعة القرار.

تأتي مشاركة الجلبي لتكمل الصورة في الشق العراقي من سلسلة «يتذكر» والتي شملت حتى الآن كلا من: جلال طالباني ومسعود بارزاني وعزيز محمد وحازم جواد وصلاح عمر العلي ونزار الخزرجي وحامد الجبوري وابراهيم الداود وعبدالغني الراوي. وهنا نص الحلقة الأولى:

> انطلقت القذيفة الأولى في حرب إسقاط صدام حسين، أغارت الطائرات الأميركية، أين كنت في ذلك الوقت وماذا فعلت؟

– جئت من تركيا يوم 17/3/2003 وكنا قد دخلنا الى كردستان في كانون الثاني (يناير) 2003.

> كيف دخلت؟

– مشياً على الأقدام من إيران.

> وبعلم السلطات الإيرانية؟

– طبعاً، السلطات الإيرانية أقامت لنا وداعاً رسمياً، دخلت من إيران واجتمعنا مع القيادات المعارضة التي كانت موجودة هناك.

> مثل من؟

– المرحوم المرجع السيد محمد باقر الحكيم – وقادة حزب «الدعوة» و «منظمة العمل الإسلامي»، كانوا موجودين في إيران، وكان معي في ذلك الحين في الرحلة الى إيران الأستاذ كنعان مكية، واللواء وفيق السامرائي والدكتور لطيف الرشيد وزير الموارد المائية العراقي الحالي. اجتمعنا مع قيادات المعارضة العراقية ومع المسؤولين في إيران.

> مَنْ من المسؤولين الايرانيين؟

– مع وزير الخارجية في ذلك الحين كمال خرازي، ومع العميد قاسم سليماني مسؤول «قرار غاه القدس».

> يعني فيلق القدس؟

– واجتمعنا مع العميد محمد جعفري، الذي كان في مجلس الأمن القومي الإيراني ومع الشيخ هاشمي رفسنجاني. واجتمعنا أيضاً مع العميد سيف الله الذي كان مسؤول قرار «غاه نصر»، يعني قيادة نصر التي كانت تدير علاقات الجمهورية الإسلامية مع المعارضة العراقية، وهذا الاجتماع جاء بعد مؤتمر لندن الذي عقدته المعارضة العراقية في كانون الأول (ديسمبر) 2002 وقبله حصل اجتماع في طهران، حضره الأستاذ مسعود بارزاني الرئيس الحالي لإقليم كردستان وأيضاً المرحوم آية الله السيد محمد باقر الحكيم ومندوب عن الأستاذ جلال طالباني هو كسرت رسول وأنا لتحديد ما سيخرج من تصورات مشتركة عن مؤتمر لندن للمعارضة. اتفقنا في ذلك الاجتماع، علماً أننا عقدنا اجتماعات اخرى في طهران، على تأليف حكومة عراقية موقتة. بعد ذلك عقدنا مؤتمر لندن، الأميركيون كانوا موجودين، كان السفير زلماي خليل زاد ممثلاً الرئيس جورج بوش، وكان مسؤولون أميركيون من «سي أي إي» ومن وزارتي الخارجية والدفاع، وكلهم كان ضد تشكيل حكومة موقتة.

> لماذا؟

– لأنه كان هناك اتجاه قوي جداً في الإدارة الأميركية يدعو الى تشكيل سلطة احتلال أميركية أو مع الحلفاء، وكانوا لا يريدون قيام حكومة عراقية موقتة، والذين كنا نعتمد عليهم داخل الإدارة الأميركية لتأليف هذه الحكومة لم يضغطوا بما فيه الكفاية لتحقيق هذا الأمر. لذا عرقلوا تأليف الحكومة في مؤتمر لندن واتفقنا على أن يشكل المؤتمر لجنة من 65 شخصاً يجتمعون في صلاح الدين في كردستان العراق في شهر كانون الثاني (يناير) 2003 للبحث في تنفيذ قرارات المؤتمر وتعيين هيئة تنفيذية لذلك، لكن الاجتماع تأخر. ذهبنا الى العراق، وكان من المفترض أن يعقد المؤتمر في 15 كانون الثاني لكنه لم يعقد، فذهبنا الى إيران في 17 كانون الثاني مع الجماعات التي أخبرتك عنها وبعد ذلك دخلنا الى العراق في نهاية الشهر المذكور.

الدخول من إيران

> دخلت سيراً على الأقدام؟

– نعم وهناك صور لدخولنا الى العراق، عبرنا من منطقة الحدود في بيرنشهر الى الحاج عمران سيراً على الأقدام الى العراق واستقبلنا وفد من «الحزب الديموقراطي الكردستاني» وضم أحد أعضاء مكتبهم السياسي الأستاذ فلك الدين كاكائي وذهبنا من الحاج عمران باتجاه صلاح الدين، اجتمعنا مع الأستاذ مسعود وبعد ذلك توجهنا الى منطقة دوكان على بحيرة دوكان، وأخذنا مقراً أمّنه لنا الرئيس العراقي الأستاذ جلال طالباني، وكان آنذاك الأمين العام لـ «الاتحاد الوطني الكردستاني». وبدأنا العمل في دوكان، وكان ذلك في أول شهر شباط (فبراير) 2003، وتأخر عقد مؤتمر صلاح الدين الذي كان يفترض أن يحضره الـ65 شخصاً الذين لم يوافقوا على مؤتمر لندن، وكان هناك شكوى وتردد من قبل الولايات المتحدة لإرسال مندوب عنها، ومع ذلك أصررنا على عقد المؤتمر، فجاء وفد أميركي برئاسة السفير زلماي خليل زاد وكان هناك أيضاً وفد إيراني برئاسة العميد محمد جعفري من قيادة مجلس الأمن القومي في إيران وهو على علاقة حميمة بالعراقيين وخصوصاً الأكراد الذين حارب الى جانبهم لمدة 8 سنوات خلال الحرب ضد صدام. وبعد ذلك كان على علاقة طيبة بهم وله تأثير عليهم. وجاء في ذلك الوقت الى صلاح الدين.

> هذا في شباط؟

– نعم وعقد مؤتمر صلاح الدين، وقررنا تأليف حكومة عراقية موقتة، ولكن خليل زاد وبناء على أوامر الحكومة الأميركية، عارض ذلك.

> أوامر من؟

– البيت الأبيض كانت سياسته تقضي بعدم تشكيل حكومة موقتة.

> ما تفسيرك لهذا الموقف؟

– تفسيري أنهم كانوا لا يريدون أن تسيطر المعارضة العراقية على هذه الحكومة، وكانوا يعتقدون، خصوصاً الـ «سي آي أي»، انه بإمكانهم الحصول على تأييد قادة عسكريين في العراق، وأعضاء في حزب البعث لتغيير صدام والتمرد عليه، وكانوا حتى آخر لحظة يتوقعون أن يلعب هؤلاء دوراً في التغيير في العراق وكانوا يقولون إن تأليف الحكومة الموقتة سيجعل هؤلاء ينكفئون عن دعم تغيير صدام ويُجبرون على الوقوف معه.

> أنتم كنتم تريدون تأليف حكومة انتقالية؟

– نعم، حكومة عراقية موقتة Provisional Government.

> حكومة موقتة قبل إسقاط النظام؟

– نعم، ويكون مقرها في العراق وتشارك في عملية التحرير. هذه كانت نقطة مهمة جداً.

> هل كان الأميركيون يراهنون على ما يشبه الانقلاب العسكري؟

– نعم، هذه كانت أحلامهم.

> وكانت لديهم علاقات مع عسكريين كبار؟

– خدعتهم المخابرات العراقية، خدعهم صدام.

> كيف ذلك؟

– أنصحك بأن تقرأ كتاب War and discussion الذي كتبه دوغلاس فايث وكيل وزير الدفاع الأميركي ونشر سنة 2008. يصعب جداً الرد على النقاط التي يذكرها الكتاب لأنها مدعمة بوثائق ومحاضر من مجلس الأمن القومي، وأيضاً كتاب بوب وودورد، الأميركيون، حلم الـ «سي أي إي» بالاتصال بضباط عراقيين قصة تاريخية، وهي أحد أسباب خلافنا العميق معهم. قبل سقوط صدام كان لدى الـ «سي أي إي» ستيفن ريختر، مدير محطتها في عمّان خلال حرب الكويت سنة 1991، وفي ذلك الحين، التقى ريختر اللواء المتقاعد محمد عبدالله الشهواني في عمان، وهو الآن رئيس المخابرات العراقية.

الطريق الى الانقلاب

> بداية المؤامرة؟

– كانت بداية المؤامرة، التقاه هناك، وكان أيضاً يعزز هذه العلاقة باستمرار، وكانوا في الـ «سي أي إي» يعتقدون أن لديهم اتصالاً مباشراً بمجموعات من الضباط العراقيين عن طريق الشهواني ومن عرّفهم اليه. خلفية هذا الاتصال تعود الى حادثة مقتل عدنان خيرالله الذي كان وزيراً للدفاع وهو ابن خال صدام في حادث مروحية، وجرى اتهام صدام انه وراء مقتله. كانت تحيط بعدنان خيرالله مجموعة من الضباط، وكان لديهم وضع مميز، منهم الشهواني وعدنان محمد نوري، الذي كان في «الوفاق» في كردستان، ومنهم محمد نجيب الربيعي، ابن الفريق نجيب الربيعي الذي كان رئيس مجلس السيادة في زمن عبدالكريم قاسم وهو ضابط عراقي قديم ومحترم وقدير، وآخرون أحدهم ضابط موجود الآن في العراق، ما زال يعمل بشكل ما، لا أريد أن أذكر اسمه لأنه قد يُحرج. هؤلاء كانوا من جماعة عدنان خيرالله، وأيضاً منهم وزير الدفاع الحالي عبدالقادر العبيدي (أبو محمد)، طبعاً اعتقله صدام، هؤلاء كانوا على علاقة طيبة بعدنان خيرالله وعندما قتل الأخير فإن هؤلاء إما أُخرجوا أو أُبعدوا أو هاجروا. فاتصال ريختر بالشهواني كان سبباً لقيام اتصال بينهم وبين الاستخبارات الأميركية.

> بعد مقتل عدنان خيرالله؟

– نعم، ثم تطور الأمر كثيراً بعد غزو صدام للكويت. فبدأوا يجرون اتصالات، وكانوا يعتقدون انهم يستطيعون القيام بانقلاب، خصوصاً بعد نهاية حرب الخليج واستمرار صدام في عرقلة تنفيذ القرارات التي وافق عليها وفي تهديد أميركا وأصدقائها في الكويت والسعودية. كل هذا الكلام الذي أقوله ثبت بعد ذلك من وثائق المخابرات التي وقعت في حوزتنا. كان الأميركيون يفكرون بالانقلاب العسكري، وفشلوا طبعاً، وأنت تعرف وضع حركة الـ96 وهناك معلومات كثيرة لم تنشر، تجعلك تستغربها. مثلاً من كان يقود العملية في العراق، من هو صلة الوصل. صلة الوصل اسمه عزت محمد عبدالرازق عفيفي. وهو مصري كان يعمل في السفارة المصرية في بغداد.

> ماذا كان دوره؟

– كان مراسلاً للحقيبة الديبلوماسية، يأخذها من السفارة المصرية في بغداد الى عمان، لكنه في الحقيقة كان يعمل للمخابرات العراقية منذ سنة 1982، وهناك ملف يخصه في المخابرات، يصلح لتصوير فيلم. كان عفيفي صلة الوصل بين الشهواني والمتآمرين في بغداد. كأن يأخذ أموالاً وأجهزة اتصال الى بغداد ويسلمها للمخابرات العراقية لتطلع عليها وتلتقط صوراً للأموال وتسجلها ثم تسلمه إياها فيرسلها الى المتآمرين، فكانت الاستخبارات على علم كامل بالقضية.

أنا كنت في كردستان في شهر 11 من سنة 1995 في مهمة لعقد اتفاق سلام بين الأطراف الكردية المتصارعة في ذلك الحين، وكان هناك وفد أميركي من وزارة الخارجية برئاسة السفير بوب دويتش، ذهبنا الى هناك وكنا سنصل الى اتفاق. كان مسؤول المخابرات في «المؤتمر الوطني» أراس حبيب على اتصال بضباط مخابرات عراقيين في بغداد، أحدهم أرسلته الحكومة في مهمة سرية الى أربيل، فاتصل بأراس وأبلغه بضرورة الابتعاد عن المؤامرة التي كان يحضر لها الشهواني والدكتور إياد علاوي لأنها مكشوفة لدينا، ابتعدا عنها. جاء اراس الي وأبلغني ذلك، قلت له تواصل معه لمعرفة المزيد، فقال إن معلوماته نقلاً عن ضابط المخابرات العراقي، تؤكد ان الأجهزة التي تأتي الى بغداد يحضرونها الى المخابرات لمعاينتها ثم نسلمها والعملية نديرها نحن. بعد هذه المعلومات الخطيرة ذهبت الى أميركا وطلبت اجتماعاً مع مدير «سي آي أي» في ذلك الحين جون دويتش، في عهد بيل كلينتون، وكان نائبه في ذلك الحين جورج تينت، فتم ترتيب الاجتماع وأحضر معه ريختر. أخذت معي كتاب حنا بطاطو عن العراق الى دويتش، وكان أستاذاً في جامعة «ام أي تي» التي درست فيها، كان قبلي بسنوات درس فيها ثم صار استاذاً للكيمياء. في أول اللقاء تحدثنا عن الجامعة، وأنا كنت على وشك أن أدرس الكيمياء، وعندما أنهينا هذا الحديث، قلت: «أنتم دولة كبرى تعملون ما تريدون، لكننا نحذركم، أنتم لستم مضطرين أن تقولوا لنا، لكن نحذركم من أن مؤامرة تحيكونها في بغداد ولديكم ضباط «سي آي أي» في عمان لهم مكان خاص في المخابرات الأردنية ويلتقون مع ضباط عراقيين، والمؤامرة هي بقيادة الشهواني وعلاوي وهذه مكشوفة للمخابرات العراقية. ولتأكيد كلامي، أنتم ترسلون أجهزة اتصال (بالساتيلايت وأجهزة تشويش) وأموال وعندكم حلقة وصل وبعض الأجهزة موجودة لدى المخابرات العراقية ولدينا معلومات عن ذلك من المخابرات العراقية، فاحذروا. حل صمت رهيب، وكان أحدهم ينظر الى الآخر لمدة نصف دقيقة، قلت لهم شكراً ومع السلامة. وذهبت الى أصدقاء في أميركا وقلت لهم اشهدوا أنا قلت لدويتش ذلك. أحدهم اتصل بتينيت، قال له: يا جورج أنا عند فلان يقول إن مؤامرتكم في العراق مكشوفة، شكلوا فريقاً من خارج الـ «سي آي أي» لديهم security clearance ليعرف ما يجري»، فرد عليه: «ان الوضع تحت السيطرة».

بعدما انكشفت المؤامرة بدأت الـ«سي آي أي» تتهمني بأنني أنا من كشفها، وكانت هذه إحدى التهم التي أطلقوها ضدي، وثبت كذبها بالوثائق التي اكتشفناها في ملفات المخابرات العراقية عن تسلسل اكتشاف هذه المؤامرة. وهذه قصة تستحق كتاباً، لدينا ثلاثة ملفات حولها تبدأ من العام 1993.

> بالعودة الى المؤامرة في العراق، كان الدكتور إياد علاوي على اتصال بحركة «الوفاق» العراقية، ومع ضباط كان بينهم رئيس الاركان السابق نزار الخزرجي فمن شارك في إخراجه؟

– الحزب الديموقراطي الكردستاني بطلب من «سي آي أي». أحضروه من الموصل وعبروا به الى كردستان ثم أخذوه الى تركيا.

في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) عندما كنا في كردستان وصلني خبر من لندن مفاده أن الملك حسين يريد التحدث الي هاتفياً، أحضرنا هاتفاً مشفراً وتحدثت اليه، قال لي إنه يريد التحدث الى الأستاذ جلال والأستاذ مسعود.

> متى كان ذلك؟

– في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 1995. كنت في كردستان، وكان حسين كامل ذهب الى الأردن. كنت التقيت به في ايلول (سبتمبر) في لندن، قال لي (الملك حسين) إنه يريد عقد اجتماع للمعارضة العراقية في عمان يحضره السيد محمد باقر الحكيم والأستاذان مسعود وجلال وأنا. قلت له: طيب تفاهم وإياهم، قال: أريد أن ترتب مكالمات معهم. قلت له إن الاتصال بجلال سهل لأنه موجود في أربيل لكن مسعود موجود في منطقة بارزان وهو في حال قتال مع جماعة أوجلان، «بي كي كي».

سألني الملك حسين ما هي «بي كي كي». فقلت لهم انهم «حزب العمال الكردستاني» فقال تعلمت معلومة جديدة، أرسلنا الهاتف الى جلال وكلمه، وكذلك أرسلناه الى الأستاذ مسعود وكلمه أيضاً، وبعدها تحدث مع السيد محمد باقر الحكيم في طهران لكن لم يكتب لهذا الاجتماع أن ينجح، الملك حسين أرسل مدير المخابرات الأردنية مصطفى القيسي الى لندن وطلب الاجتماع بي، كنت عند أخي الدكتور حسن، التقيته في لندن وقال إن الملك حسين يريد أن يحل مشكلته معي وإن ما حصل معي في الأردن مؤامرة علي وعلى الملك، وانه مقتنع بذلك ويريد حلها. قلت له: طيب ولكن عندي شغل.

> هل كان ذلك في بداية 1996.

– نعم وبعد وصولي الى لندن، اتصل بي في الصباح الثاني المرحوم السيد مجيد الخوئي، قال لي: عندي اللواء مصطفى القيسي مدير المخابرات الاردنية يريد لقاءك. ذهبت والتقيته على مدى 11 ساعة تناولنا الفطور والغداء والعشاء.

> أطول اجتماع ممكن؟

– طويل جداً، قال إنه مكلف إعداد تقرير للملك حسين عن كيفية مساعدة المعارضة، تحدثنا كثيراً. وقال لي إنه قد يتم تغييره وسيأتي صديقي الذي كان وزيراً للخارجية عبدالكريم الكباريتي رئيساً للوزراء، وكانوا يريدون اطلاق العملية من الأردن. كنت أتحدث عن حركة عسكرية شعبية ضد صدام. الملك حسين نفسه، خلال اجتماعي معه في الشهر التاسع في لندن، قال لي: الانقلاب لن يحصل، والمطلوب حركة، هناك جنود عراقيون يلجأون الينا. لو عندنا إمكانات نشكل لواء وأنتم لديكم قوات في كردستان ونتحرك ضد صدام. الملك حسين لم يكن مقتنعاً بأن الانقلاب ممكن. غادر مصطفى القيسي الى عمان وكتب تقريره الى الملك حسين وأرسله الي طالباً التعليق عليه، وكانت لدي تعليقات بسيطة أرسلتها اليه.

عندما عاد الملك حسين الى لندن في الشهر الثالث من عام 1996، كان الانقلاب بدأ في بغداد ولم يكن يملك تفاصيل كثيرة عنه، علماً أنه في عمان، واجتمعنا أيضاً بسعدي ومجموعة من المعارضة العراقية في لندن في منزل المرحوم السيد مجيد الخوئي. بعد ذلك، انكشفت المؤامرة، وذهبت الى أميركا وأبلغت دويتش بالقضية التي ذكرت وانكشفت المؤامرة بعد اجتماعي معهم بثلاثة أشهر، في 17/6/1996. وعندنا تقرير المخابرات وهو تقرير موجه من رئيس المخابرات الى صدام يذكر فيه اعتقال المتآمرين.

> من كان رئيس المخابرات العراقية؟

من كان رئيس المخابرات العراقية؟

– أعتقد انه كان طاهر جليل الحبوش. أخذوه الى الأردن قبل أسبوع من الحركة وأعطوه 5 ملايين دولار على أساس أن يزودهم معلومات عن العراق، لكن هذه قصة أخرى. في العام 2003، اتصلوا به وبناجي صبري الحديثي الذي كان وزيراً للخارجية، والنتيجة أن المؤامرة كُشفت، لكن المستغرب أنه بعد أيام على انكشافها لم يكونوا في عمان يعرفون ذلك على رغم الاعتقالات. القصة غريبة، ذلك أن المخابرات العراقية أرسلت عزت محمد عبدالرازق عفيفي الى عمان للحصول على مزيد من الأموال من الشهواني فدفع له بعد الاعتقالات بثلاثة أيام. كان الشهواني في عمان وخلال وجوده ذهب ثلاثة شباب شهداء، أعدموا ومعهم كما اعتقد 39 ضابطاً بينهم 7 من عشيرة السواعد. هؤلاء قضوا شهداء في مقاومة صدام، أحدهم يدعى إياد طعمة صبري الساعدي، كان يدير الحركة في بغداد وكان نشيطاً جداً، والنتيجة اعدام 39 شخصاً في 5/9/1996، بعدما كشفت قضيتهم المكشوفة منذ زمن، وكانوا قد اعتقلوا في 17/6/1996.

أخذ الأميركيون الشهواني وأرسلوه الى لندن ثم الى أميركا. الوضع كان مأسوياً. اتصلت به المخابرات وهو في لندن وجعلوا أولاده يتحدثون اليه هاتفياً وقالوا له: الأفضل أن تتعاون معنا أو نعدمهم. كانوا شباباً، وأعدموهم في بغداد. كان اثنان منهم ضابطين احدهما في القوات الخاصة أخذته المخابرات الأميركية الى أميركا وظلت تتعاون معه هناك بعد انكشاف القضية. رتبت له وضعاً خاصاً في أميركا. كانت فكرة الانقلاب لا تزال تراودهم، وفي ربيع عام 2002 نظمت المخابرات زيارة سرية للأستاذين مسعود وجلال الى واشنطن، أخذوهما بالطائرة من فرانكفورت الى مكان خاص بـ «سي آي أي» واجتمعوا معهما من دون وجود ممثلين عن الأطراف في الحكومة الأميركية، واتفقوا معهما على إرسال بعثة حكومية اميركية الى كردستان. ومضت ثلاثة اشهر، ولم يرسلوا البعثة، وفي الشهر السابع جاء فريق من «سي آي أي» الى كردستان ومعه كمية من المال، واتصلوا بجماعة صوفية، برئاسة الشيخ محمد عبدالكريم الكثنزاني، هؤلاء من الدراويش ولهم علاقة بعزت الدوري الذي كان يحب الدروشة. مريدو هذه الجماعة من الأكراد ومن مناطق مختلفة في شمال العراق ووسطه بين العرب، خصوصاً في منطقة تكريت والدور. ولمحمد عبدالكريم الكثنزاني ولدان، أحدهما اسمه غاندي والثاني نهرو، هذا الفريق الاميركي اتصل بهما وقالا له إنهما يعرفان ضباطاً في حرس صدام الخاص أحدهم اسمه روكان الرزوقي، وصارا يأتيان لهم بمعلومات فزودوهما بهاتف الثريا، وبطبيعة الحال كان صدام يخترق هذه الشبكة وعلى علم بما يجري.

نحن كنا نعرف كل هذه القضايا، ونعرف أن فريق الـ «سي آي أي» على اتصال بهؤلاء لكن لا نعرف التفاصيل. كان في ذهن الاميركيين أن لديهم أشخاصاً في الداخل من ضباط صدام، هذه كانت المصيبة الكبرى، وعندما بدأت الحرب في 19 آذار 2003 ليلاً، كنا دعونا الى اجتماع مع خليل زاد في تركيا، أنا لم أكن أريد الذهاب إلا أنهم أصروا علي للذهاب فذهبت.

> كان هذا ليلة الحرب؟

– وصلنا الى تركيا قبل يومين وكان يفترض أن نعود في صباح 19 آذار. كيف حصلت الحرب؟ التقى جورج تينت مع جورج بوش وقال له إن لديهم معلومات مؤكدة أن صدام موجود في مزرعة في منطقة الدورة في بغداد، لكنه أوضح أن احفاد صدام الى جانبه، فتوقف بوش عند هذه المسألة، وخاف أن يتم القصف والأحفاد هناك ويسقط ضحايا، لكنهم قرروا أن يقصفوا. من أين هذه المعلومات؟ انها من شبكة كردستان، من أولاد الكثنزاني الذي يسمون جماعته في اميركا Rock stars، قرر بوش قصف مزرعة الدورة لقتل صدام، وأرسلوا صواريخ كروز وطائرات «ستيلث»، وكانوا يريدون شن الحرب بعد 48 ساعة، لكن اعتبروا ان هذه الفرصة لا تتكرر وأن القصف ربما ادى الى قتل صدام. كانت لديهم قناعة أن صدام قتل في الغارات لكننا نحن عرفنا أنه لم يقتل، وظهر الصحاف يهزأ بهم وكذلك أحد الوزراء الآخرين في برنامج تلفزيوني بعد ساعة من القصف، بعد أن اعلن الأميركيون أن صدام قتل أو أصيب وانه شوهد منقولاً على حمالة. نحن عرفنا بالأمر ورجعنا الى كردستان وعندما بدأت الحرب كنا هناك. في 19 آذار عدنا الى أنقرة فماردين ومن هناك بالسيارات الى منطقة سيلوب ووصلنا الى دوكان في ذلك اليوم وكان القصف بدأ.

> هل كان لديك علم بموعد الحرب؟

– لا، إنما كانت القضية واضحة، لأننا أثناء وجودنا في كردستان جاء الأميركيون لإقامة قاعدة في مطار حرير في سهل حرير شمال بلدة شقلاوة وجنوب مضيق سبيلك، وأحضروا طائرات وأجهزة وأتوا الى السليمانية وعملوا إنزالاً فيها. كانت لدينا جماعة في الكويت مع جاي غارنر اول حاكم اميركي للعراق وكنا نعرف بالاستعدادات لكن ليس التوقيت. الأميركيون أنفسهم لم يكونوا يعرفون التوقيت، فقرار الهجوم اطلق عليه Decapitation واتخذه بوش فجأة ليلة 18/19 آذار في واشنطن.

> هل كانت ايران على علم بالحرب قبل بدايتها؟

– نعم كان الإيرانيون على علم وكانوا يتابعون ذلك. كان أحد القادة الإيرانيين موجوداً في دوكان وكان على اتصال مستمر مع قيادات المعارضة في كردستان، يعني الأستاذ مسعود والأستاذ جلال والسيد عبدالعزيز الحكيم والدكتور عادل عبدالمهدي وأنا كنت موجوداً.

> من كان ذلك الضابط الإيراني؟

– لن أقول لك.

> يبدو انه كان ضابطاً كبيراً.

– نعم، وكانت هناك بعثة إيرانية، والأميركيون كانوا على علم بذلك. في مؤتمر صلاح الدين كانت تحصل مشاكل، وكان خليل زاد يطلب من آخرين في المعارضة أن يتدخلوا لدى الإيرانيين لحل المشاكل.

> إذاً إيران كانت تؤيد اسقاط صدام.

– نعم، وأعتقد أنه لو عارضت إيران إسقاط صدام لكانت العملية أصعب بكثير.

> هل ساعدت ايران على اسقاطه؟

– لم ترسل قوات، لكنها سهلت عبور المعارضة ولم تضع عراقيل أمام تعاون قادة المعارضة الإسلامية الموجودين على اراضيها. قوات فيلق بدر كانت دخلت الى كردستان في منطقة ميدان، أي الجزء الجنوبي من إقليم كردستان ما أثار توتراً بين الاميركيين فقصفوا «أنصار الإسلام» في منطقة بياره وطويلة، وبعد القصف هجم «الاتحاد الوطني الكردستاني» على «الانصار» وطردهم، وكان هناك شعور بأن الأميركيين يريدون ضرب الإسلاميين قبل الحرب، خصوصاً أن الضباط الاميركيين كانوا يملحون الى انهم سيضربون «فيلق بدر». أنا اتصلت بقيادة فيلق بدر وتكلمت مع أحد قادتها، وكان السيد عبدالعزيز الحكيم والدكتور عادل عبدالمهدي تركا، قلت له بوجوب الاجتماع مع الاميركيين ورد علي انه متردد لأنه لا يملك تفويضاً فقلت له: على مسؤوليتي يجب أن تجتمع بهم وإلا سيضربونكم. واجتمع بهم وطمأننا الى أن هؤلاء الجماعة ليسوا آتين لضربنا.

روى الدكتور احمد الجلبي رئيس «المؤتمر الوطني العراقي» لـ «الحياة» وقائع اللقاء اليتيم الذي جمعه بصدام حسين بعد اعتقال الأخير. وقال إن الدكتور موفق الربيعي خاطب صدام قائلا: «انت ملعون في الدنيا والآخرة»، فرد صدام بحدة: «اسكت يا خائن يا عميل». سأله الربيعي :»لماذا اعدمت السيد محمد باقر الصدر وشقيقته بنت الهدى؟» فأجاب: «الصدر والرجل كلهم خونة ويستحقون الموت». وقال: «الرئيس العراقي» على مسمع الحاكم المدني الاميركي بول بريمر وضباط اميركيين: «قلت إنني اقاتل الاميركيين وأنا اقاتلهم الآن».

وكشف الجلبي ان الاميركيين صادروا من صدام بعد اعتقاله اوراقا تتعلق بمجموعات نظمها لمقاومة الاحتلال وطرق تمويلها. وقال ان صدام امضى أربعة ايام في بغداد بعد اسقاط نظامه وكان يجول فيها متنكرا وفوجئ في احدى المرات بدورية اميركية فقفل عائدا. واشار الى ان حشرية جندي اميركي أدت الى اشتباك اسفر عن مقتل عدي وقصي نجلي الرئيس المخلوع.

وقال ان «المؤتمر الوطني العراقي» ارشد القوات الاميركية الى مطلوب مهم فاعتقلوه وتبين انه عبد حمود سكرتير الرئيس العراقي المطلوب، لكنهم لم يخطر ببالهم ان صدام راقب عملية الاعتقال من منزل مجاور. وأضاف ان الاميركيين عثروا مع صدام لدى اعتقاله على 700 ألف دولار ورشاش ومسدس وأوراق وان اول ما قاله لحظة اعتقاله: «انا صدام حسين رئيس جمهورية العراق».

الحلقة الثانية

بعد اندلاع الحرب أصرّ الدكتور أحمد الجلبي على التوجه الى مدينة الناصرية على رأس قوة تابعة لـ«المؤتمر الوطني العراقي» خلافاً لنصيحة أميركية بعدم الذهاب. وفي 15 نيسان (ابريل) 2003 عاد الجلبي الى بغداد التي غادرها قبل عقود. موضوعان قفزا الى الواجهة: البحث عن صدام حسين وأركان نظامه وهوية صاحب القرار في عراق ما بعد صدام. في هذه الحلقة يتحدث الجلبي عن القبض على صدام واللقاء اليتيم معه بعد اعتقاله وعن مقتل نجليه عدي وقصي. وهنا نص الحلقة الثانية:

> دعنا ننتقل الى القبض على صدام حسين. ما هي معلوماتك عن ذلك وعن مقتل عدي وقصي؟

– أولاً، حول قضية صدام. نحن كنا نعرف ان صدام لم يقتل، كما قالوا في اليوم الأول، أي بتاريخ 19 آذار خلال الغارة، ثم في اليوم الثاني أغاروا على مطعم «الساعة» في المنصور وقالوا انهم قتلوا صدام، لكن ذلك كان غير صحيح.

نحن وصلنا الى بغداد وبدأ البعثيون والقيادات يترددون علينا للقول انهم مستعدون للتعاون و «بطلنا» و «خلص» و «أمنوا على حياتنا». كنا نستقبلهم ونكلمهم ونجعلهم يوقعون أوراقاً. وصلتنا ملفات المخابرات وهي كثيرة. كان الأميركيون يقولون ان صدام قتل انه مقتول. في الشهر الخامس من الحرب ذهبت الى نيويورك وعقدت لقاء مع مجلس العلاقات الخارجية وتم بثه حياً على التلفزيون وكان توم بروكو يجري الحوار وسألني عن صدام وقلت له انه على قيد الحياة ينتقل بين تكريت والدور ويذهب مرات في اتجاه الفرات. سمع كولن باول، الذي كان وزيراً للخارجية هذا الكلام فانزعج وأصدر تصريحاً قال فيه ان أحمد الجلبي يتكلم كل يوم شيئاً مختلفاً. إذا كان يعرف اين صدام فيتفضل ويبلغنا. قال ذلك بعصبية. أحد مصادرنا في تكريت أبلغنا ان أحد كبار جماعة صدام موجود في بيت محدد في تكريت، أبلغنا الأميركيين بذلك، وكان عندنا مكتب تنسيق مشترك مع استخبارات وزارة الدفاع، كان هناك تعاون بيننا في هذا المجال، كل طرف لديه إمكاناته وموارده. الأميركيون لم يذهبوا الى البيت المذكور إلا يوم 17 حزيران وكنا أبلغناهم بالخبر في 14 منه دخلوا البيت فوجدوا شخصاً ملتحياً. سألوه أين قصي وعدي وعبد حمود؟ وكان الشخص هو عبد حمود فاعتقلوه. وهو سكرتير صدام، ويخضع للمحاكمة الآن. وفي اليوم الثاني اتصل بنا المصدر نفسه وقال ان صدام حسين شاهد عملية اعتقال عبد حمود، لماذا غادر الأميركيون.

> هل كان صدام في بيت مجاور؟

– نعم، وأنا خلال فترة وجودي في أميركا كانت لدى صدام حماية أولية من العائلات، وبقي معه ضباط حماية من عائلتي المصلب والحدوشي. حسب التقاليد تصبح مسؤولية العائلة عن توفير الحماية واجباً، ثم يتغير العناصر ويأتي آخرون، وهؤلاء بقوا حتى النهاية. أحد أفراد هاتين العائلتين من الخط الأول لحماية صدام. عندما كنت في الخارج جاء الينا وقال: أنا في الحماية الخاصة لصدام وجئت اليكم لأن ابني مصاب بداء السحايا ويحتاج الى علاج وأنا أخاف أن أكشف عن نفسي، وروى لنا أن صدام خرج من بغداد يوم 13 نيسان، بعد أربعة أيام على دخول الأميركيين، واضاف: كنا نتجول في مناطق بغداد وكان صدام يقود سيارة «بيك آب» ويرتدي «دشداشة» وعقالاً وسترة، ومرة كنا نعبر من الأعظمية الى الكاظمية فوق الجسر، فشاهدنا دبابات أميركية آتية، فعاد بنا صدام أدراجنا، وآخر مرة شاهدته عندما كان في بيت في الدورة، ودخل الى مرآب السيارات وكلم صاحب البيت ثم طلع وجمعنا نحن المجموعة التي معه وطلب منا أن نذهب ونختبئ وأعطانا كل واحد خمسة ملايين دينار. قال انه سيتصل بنا أو يرسل الينا خبراً بعد ثلاثة أشهر. هذا الكلام الذي بلغنا اياه كان في شهر حزيران، يعني أنه كان على قيد الحياة وترك بغداد بعد أربعة أيام على دخول الأميركيين اليها.

عندما عدنا الى بغداد عقدنا اجتماعاً مع جماعتنا واتفقنا على أن أفضل طريقة للعثور على صدام هو أن نرسل أناساً يراقبون مجموعة خط الحماية لأنهم يكونون حيث يكون صدام، وبدأنا تنفيذ الخطة بالتعاون مع الاستخبارات العسكرية الأميركية، وكان عناصرها يأتون الى قصرنا ونتبادل معهم المعلومات وكثيرة هي القضايا التي كشفناها في تلك الفترة.

في هذه الأثناء، في الموصل، قتل أولاد صدام في أحد البيوت، وسأروي لك قصة عجيبة. في بداية الشهر التاسع عام 2003 دعانا الجنرال بترايوس الذي كان قائد الفرقة 101، وذهبنا بالسيارات الى الموصل حيث كان مقر الفرقة واستقبلنا مساعده الجنرال هلمك، وهو الآن مسؤول عن تدريب القوات العراقية، استقبلني وقال لي: تمكنا من القضاء على قصي وعدي بسبب مخبر لديه مبادرة، استوضحته الأمر، فقال: قصد رجل احدى الدوريات الأميركية وقال لهم ان قصي وعدي موجودان في منزلي، تعالوا وخذوهما. أرسلته الدورية الى مقر القيادة واخصعوه لجهاز كشف الكذب، ففشل، لكن هذا الشخص توجه الى عريف وأكد له ان عدي وقصي موجودان عنده، فذهب العريف معه.

> كان عريفاً أميركياً؟

– طبعاً، وذهب معه، وعندما رآه قصي وعدي حصل إطلاق نار، واشتباك وقتل عدي وقصي.

> يعني بالصدفة؟

– نعم. وقال لي الجنرال، لولا مبادرة هذا العريف لكان عدي وقصي هربا، وصاحب البيت الذي أبلغ عنهما حصل على مكافأة بقيمة 25 مليون دولار ونقل الى أميركا.

> هل غادر قصي وعدي الى خارج العراق؟

– نعم ذهبا الى سورية، قصدا منطقة ربيعة في شمال غربي الموصل على الحدود العراقية – السورية. وكانت معهما أموال وعبرا الى سورية، الى عند عشائر عربية عراقية لها أقارب في سورية، استقلا سيارات وقصدا دمشق. إلا انهما اعيدا بعدما وصلا الى حماة. باتا ليلتين في منطقة ربيعة وعادا الى الموصل وقتلا هناك.

> نعود الى صدام.

– كنا نتابع الوضع وكان الأميركيون يسألوننا عما نفعله. وقلنا لهم عندما تبحثون عن صدام لا تتركوا المكان سريعاً، يعني لا تفتشوا المكان نصف ساعة وتغادرونه. نحن كان لدينا أشخاص يبحثون عن صدام، وكانت لدى الأستاذ كسرت رسول من «الاتحاد الوطني الكردستاني» مجموعة تبحث عن صدام. وهو ساهم في اعتقال بعض القادة العسكريين في الموصل. ونحن ساهمنا ربما باعتقال أكثر من 16 شخصاً.

> هل كانوا من الأسماء التي نشرتها الولايات المتحدة؟

– نعم من قائمة الـ55 شخصاً.

> عندما تقول «نحن» هل تقصد المعارضة؟

– لا. اقصد «المؤتمر»، حتى ان آخر رئيس لجهاز المخابرات وهو صهر صدام ويدعى جمال مصطفى، شقيق كمال مصطفى أحضرناه، ثم أطلق سراحه وأصبح خارج العراق، هو زوج حلا ابنة صدام. وكل واحد من جماعة صدام اعتقلناه لم يتعرض للأذى وانما حافظنا على حياته وسلمناه ليواجه عملية قانونية وهذه نقطة مهمة.

> حدثنا عن دور كسرت رسول؟

– يوم 13 كانون الأول 2003 كنت في اجتماع في مجلس الحكم، رن الهاتف وقيل لي يريدك أراس حبيب كريم الذي كان مدير جهاز الاستخبارات في المؤتمر الوطني العراقي، وهو رجل ضليع في قضايا الاستخبارات. قال لي ان لدينا معلومات وكسرت اتصل بي، قال ان الأميركيين اعتقلوا صدام. فقلت له هل أنت متأكد؟ قال: نعم، فاتصلت على الفور بشخص اسمه سكوت كاربنتر وهو رئيس فريق الحكم لدى بول بريمر في العراق. سألته: لماذا لم تبلغونا باعتقال صدام؟ قال: هل تمزح؟ قلت لا أنتم اعتقلتم صدام البارحة في منطقة الدور فرد ان لا علم لديه بالموضوع. فقلت إن لدي موعداً مع بول بريمر في الساعة الثانية عشرة وسأعرف ما هو الوضع. وكانت الساعة الحادية عشرة والنصف، ووصلت الى القصر ووجدت سكوت يبتسم وهو يرفع يده. وقال: لم يبلغنا الجيش قبل أن يتأكدوا من الحمض النووي لصدام. وكان ذلك بتاريخ 13-12-2003 فعدت وأبلغت الناطق باسم المؤتمر كي يذيع في الإعلام أنه تم اعتقال صدام وكنا أول من أعلن الخبر.

> كيف اعتقل صدام وبفضل ماذا؟

– وصل خبر الى الأميركيين.

> هل لعب كسرت دوراً في ذلك؟

– هو راقب الموضوع، وجماعته شهدوا على الاعتقال أيضاً. كسرت اقترب من صدام كما اقتربنا نحن، جماعته وجماعتنا شاهدوا اعتقال صدام ونقله بالمروحية.

> لكن من نقل المعلومات عن وجوده في المكان الذي اعتقل فيه؟

– هذا حصل بفضل شخص من المسلط، اسمه محمد ابراهيم، أو ابراهيم محمد المسلط من مجموعة الحماية، كان اعتقله الأميركيون قبل أسبوع وأبلغهم ان صدام موجود هناك، فدخلوا البيت وفتشوه ولم يجدوا أحداً. عملوا بنصيحتنا وبقوا هناك. أحد الجنود انتبه الى سلك كهرباء داس عليه فتبع السلك ووجده يتجه الى حفرة. وهو سلك كهرباء للمروحة، نزلوا الى الحفرة، وكانت بداخلها حفرة ثانية وجدوا فيها صدام ومعه أوراق و700 ألف دولار ورشاشات ومسدس. نزلوا اليه بالأسلحة فقال لهم: أنا صدام حسين رئيس جمهورية العراق، وكان ملتحياً.

> ألم يحاول المقاومة؟

– كلا. سحبوه الى خارج الحفرة، وكان الاعتقال في يوم 12 كانون الاول. وبعدما أخضع للفحص وكشفوا على أسنانه أرسلوه الى المطار بواسطة طوافة.

> يعني ان رواية العثور عليه في الحفرة صحيحة؟

– هو لم يكن يسكن في الحفرة انما في المنزل لكن كانت معه مجموعة تبلغه اذا كانت هناك عملية مداهمة، فيدخل الحفرة.

> ماذا حصل بعد اعتقاله؟

– بعدما ابلغنا المدنيين باعتقال صدام، اتصل بريمر بي وطلب مني الذهاب معه لرؤية صدام، أخذت مجموعة من مجلس الحكم، أنا والدكتور عدنان الباجه جي والدكتور عادل عبدالمهدي والدكتور موفق الربيعي والجنرال سانشيز قائد القوات الأميركية في العراق وسكوت كاربنتر.

ذهبنا الى المنطقة الخضراء، وانتقلنا بمروحية باتجاه مطار بغداد ومن هناك نقلونا الى بناية من طابق واحد، مكتوب عليها «أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة». قد يكون المكان مقراً لحزب البعث، وكان محاطاً بالأشجار وبحماية جنود أميركيين، دخلنا الى البناية، وسأل بريمر: هل تريدون رؤية صدام عن طريق الحلقة التلفزيونية المغلقة؟ قلت: لا يا جنرال، دعني أدخل. دخلت قبلهم الى رواق يؤدي الى غرفة عرضها متر بمستوى الرواق المرتفع نحو 30 سنتم وتمتد الغرفة الى مسافة 5 أمتار وعرضها 3 أمتار. عندما دخلت وجدت صدام نائماً على سرير عسكري أميركي وأحد الجنود الأميركيين يوقظه. عندما رفع رأسه وشاهدني أدخل جفل. أخذت كرسياً وأبقيته على المرتفع وجلست قبالة صدام تفصل بيننا مسافة نصف متر. ثم دخل الآخرون خلفي ووقف بريمر وسانشيز قرب جدار المدخل بين الباب والرواق يتابعان المشهد. لم أتكلم انما راقبت صدام. لاحظت عليه خاصتين، أولاً جهله بالوضع العالمي وبمعيار القوة في العالم وثانياً لم يكن لديه تصور فعلي لتوزيع القوى.

> كيف استنتجت ذلك؟

– من كلامه وطريقة عرضه للأمور وتصوره لما يجري، والشيء الآخر انه نرجسي. كان يعتقد ان ما يفعله صحيح من دون أي قياس موضوعي وما لا يفعله خطأ. ما شاهدته جعلني آسف على وضع العراق، على الـ 35 سنة مضت وكان هو يحكم العراق خلالها. ودعني أقول انني عندما دخلت بغداد فوجئت بحالها، اصابتني صدمة كبيرة جداً، بدت لي مدينة من مستوى آخر كأنها عاصمة دولة فقيرة على الساحل الأفريقي.

> ماذا قال موفق الربيعي لصدام عندما دخلتم؟

– (يضحك) قال لصدام: أنت ملعون في الدنيا والآخرة، فقال صدام لموفق: اسكت يا خائن يا عميل.

> هل كان يعرف موفق؟

– لا.

> هل عرفك؟

– نعم، منذ دخلت، قال موفق: أنا خائن وعميل؟ رد عليه: نعم ألم تأت مع هؤلاء؟ وأشار الى الأميركيين.

> هل خاطب عدنان الباجه جي؟

– قال له عدنان: لماذا لم تخرج من الكويت. طبعاً كان صدام قد طلب مني أن أعرفه الى الحاضرين، فقلت: عدنان الباجه جي والدكتور عادل وموفق. ولكن عندما قلت عدنان الباجه جي، التفت اليه وقال: دكتور باجه جي ألم تكن أنت وزير خارجية العراق؟ فقال له: نعم. وتوجه الى صدام قائلاً: لماذا لم تنسحب من الكويت بعد أن خرجت من الحرب مع إيران منتصراً والعالم كان معك وعندك إمكانات، لماذا فعلت ذلك؟ فأجاب: دكتور عدنان، ألم تكن تؤيد أن الكويت جزء من العراق؟

وكان الدكتور ألف كتاباً عن مذكراته في الأمم المتحدة، ودافع فيه عن موقف عبدالكريم قاسم أي أن الكويت جزء من العراق، فارتبك عدنان ورد: سابقاً سابقاً. أما أنا فكنت أتفرج ولم أتكلم أبداً.

> هل تحدث صدام مع عادل عبدالمهدي؟

– نعم، لكن موفق سأله: لماذا قتلت الصدر؟ فرد صدام: من؟ فقال له: السيد محمد باقر الصدر وشقيقته أم الهدى، فقال: الصدر والرجل، كلهم خونة ويستحقون الموت، فقال عادل عبدالمهدي: لماذا أعدمت عبدالخالق السامرائي؟ فقال: عبدالخالق، بعثي.

> يعني أنت ما دخلك؟

– ثم سأله موفق: لماذا لم تقاتل الأميركيين كما قاتلهم أولادك؟ فقال له: تريدني أن أقاتل هؤلاء؟ يعني استهجن بينما يدعو الآخرين ويدفعهم الى القتال والموت، لكن هو غير مضطر للقتال، هو يعتقد أن ما فعله صحيح.

> ألم يكلمه بريمر؟

– لا ولا كلمة.

> هل كان صدام خائفاً؟

– عندما خرجنا خاف، وهو طلب أخيراً التحدث مع السيد الجلبي والدكتور الباجه جي. عندها وقفت وخرجت فقال: يعني خلص، هذه هي؟

> هل قيل شيء آخر خلال الحوار؟

– صار كلام منابذات. كان مطمئناً الى أن ما فعله هو الصحيح وكان يكابر ولم تكن لديه أي مراجعة لما جرى. وقال: «قلت إنني أقاتل الأميركيين وأنا أقاتلهم الآن».

> بالمقاومة يعني؟ لم يتحدث عن سقوط بغداد، عن الخيانة؟

– أبداً، كل ما قاله إنه يقاتل الأميركيين.

> لكن كيف قال: كيف تريدني أن أقاتل الأميركيين؟

– يعني هو شخصياً لكنه كان يريد من الآخرين أن يقاتلوا. هو يعتبر نفسه أنه رمز يجب أن يبتعد عن الخطر ويقود الأمة. وعندما تصل القضية الى نفسه لا يقاتل شخصياً. بعد الحوار وجد الأميركيون عند صدام أوراقاً عن مجموعات شكلها لمقاومة الأميركيين، كانت لديه سبع مجموعات في الكرخ وست في الروسان، ودوّن أسماءهم وتمويلهم وكما توقعنا، إذ كنا نتابع، كان قسم كبير منهم من حزب البعث لكن من درجة غير معروفة في الإعلام.

> هل تم ضبط هذه الشبكة؟

هل تم ضبط هذه الشبكة؟

– أحضروها الينا. كنا نعرفهم ونريد اعتقالهم. كان الأميركيون يسألون عنهم. هم من حزب البعث ولا فاعلية كبيرة لهم، لكنهم اعتقلوهم كلهم، كانوا رؤساء الشبكة، لكن هذه ليست المقاومة التي حصلت. ما حصل تطور بشكل آخر، كانت حصلت قضية الزرقاوي و «القاعدة» وبداية ضربوا السفارة الأردنية، ثم قتلوا سرج دي ميلو من الأمم المتحدة ثم السيد محمد باقر الحكيم، هذا كله حصل تباعاً في الشهر الثامن عام 2003 وبدأت العمليات، يعني أن الجماعة التي شكلها صدام لم تكن لها علاقة حقيقية بالمسائل الكبيرة التي كانت تحصل، وأعضاء حزب البعث الذين كانوا موجودين لم يستجيبوا له. شكلوا تنظيمات واتصلوا بـ«القاعدة» والإسلاميين ووضعوا خبراتهم في تصرف هؤلاء لفترة من الزمن.

> ماذا كان شعورك كعراقي وقد أتيت مع الأميركيين وأنت ترى رئيس العراق معتقلاً؟

– شعرت بالأسف على العراق. هذا الرجل دفع العراق الى هذه الظروف والشعب العراقي وصل الى هذه الدرجة من الخراب والدمار والحرمان والفرص الضائعة، وظل يحكم العراق 35 سنة. شعرت بالأسف الشديد وأنا أرى ما حل في العراق من خراب ودمار نتيجة حكمه وأقارنه بما حصل في الدول المجاورة للعراق.

> ماذا شعرت يوم إعدام صدام؟

– شخصياً أنا ضد الإعدام، لكن كثيرين من العراقيين شعروا بأنهم حصلوا على حقهم. طبعاً ليس كل العراقيين لكن الأكثرية.

> ماذا عن طريقة تنفيذ الاعدام؟

– كان يجب أن تحصل بشكل أفضل، لكن ليس هذا هو الموضوع. فصدام حصل على محاكمة امام خبراء قانونيين. وأنا حضرت أول جلسة من المحاكمة. وانتبه الي مرة، وتابعت المحاكمة ووجدت أنه كان له حق الدفاع عن نفسه، لكن فريق الدفاع عنه كان سيئاً جداً من الناحية القانونية.

> هل شعرت بالتشفي خلال محاكمته؟

– أبداً، أبداً، لا شعور مثل هذا عندي إطلاقاً، الموازنة بين الجريمة والعقاب منطقياً معقولة، لكن الإنسان يتأثر بالحال الموجودة أمامه، مثلما يتأثر بالجرائم التي ارتكبها صدام.

> لنعد الى لقاء صدام؟

– أحد الأميركيين التقط صورة لي مع صدام هل رأيتها؟ نشرت في جريدة «المؤتمر» على الصفحة الأولى. فغضب بريمر لنشرها، أنا لم يكن لي علم، جماعتنا أخذوها ونشروها وبعد ذلك أنا لم أشأ مقابلة صدام. هو يتحمل مسؤولية تاريخية عما تركه وراءه. فقد دخلت العراق أموال خلال حكم صدام كان يمكن أن يصير معها دولة بمستوى تركيا إن لم يكن بمستوى دولة أوروبية أخرى، لكن العراق الآن مدمر. نحن مطلعون على برنامج «النفط مقابل الغذاء». خلال السنوات السبع من تطبيق البرنامج لم يكن اهتمام الحكومة العراقية بزيادة الأموال لخدمة الشعب وإنما اهتمام الأساسي كان الحصول على أكبر كمية من الأموال بشكل غير شرعي، خارج قرارات الأمم المتحدة، لتعزيز أجهزة القمع والمخابرات والأسلحة. هل يمكن أن نتصور أن العراق في سنة 2002 يستورد أدوية بـ6 ملايين دولار؟ انها إساءة لاستعمال الأموال.

> يعني لا أدوية؟

– طبعاً، لا أدوية، والناس وضعهم سيئ. يعني راتب المعلم العراقي 2.5 دولار شهرياً. نسبة الأمية ارتفعت.

> ماذا عن سقوط بغداد؟

– الجيش العراقي لم يقاتل بجدية عند وصول الأميركيين، حصلت عمليات غير نظامية.

> هل معركة المطار مضخمة؟

– لم يحصل شيء كبير، حصلت معركة لكن لم تكن كبيرة واستطاع الأميركيون نقل الفي قطعة مدرعة من الكويت الى بغداد على مسافة 500 كلم من دون مقاومة فعلية. الجيش العراقي لم يقاتل ولو قاتل كما حصل بعد الاحتلال لكان الأميركيون تكبدوا خسائر كبيرة. أذكر عندما التقينا مع رامسفيلد كمعارضة في الشهر الثامن من سنة 2002، كان همه الكبير، هو ومايرز، معرفة اذا كانت بغداد محصنة وهل سيقاوم سكانها الأميركيين في الشوارع؟ نحن كنا دائماً محقين بأن لا الجيش العراقي ولا الشعب العراقي سيدافعون عن صدام.

> هل كانت للأميركيين علاقات مع ضباط عراقيين؟

– أبداً.

> ماذا عن انهيار الجيش العراقي؟

– في يوم 9 نيسان لم تبق قاعدة واحدة للجيش العراقي، كلهم فروا. اعتقد الأميركيون انهم انتصروا في الحرب على العراق، لكن الشعب العراقي هو الذي اعتبر نفسه منتصراً. الأميركيون دخلوا على شعب غير مهزوم وإنما منتصر، وهم لم يعرفوا كيف يستغلون هذه القضية، والفرق كبير بين نفسية الشعب العراقي عام 2003 ونفسية الشعب الألماني سنة 1945، أو الشعب الياباني سنة 1945. الياباني اعتبر نفسه مهزوماً وكان يتقبل إطاعة الأميركيين مهما كان، لكن العراقي اعتبر نفسه منتصراً بسقوط صدام وشعر انه خُدع عندما أعلنت أميركا الاحتلال. فهو كان يرى ان الاميركيين جاءوا للتحرير. هذه النقطة لم يفهمها الأميركيون الى الآن، جاءوا وأعلنوا أنفسهم محتلين.

> في بداية الحرب. غادر نزار الخزرجي الدنمارك وذهب ضباط كثر الى هناك ليكتشفوا أن الأميركيين لم يتركوا لهم أي دور؟

– ليس الأميركيون، إنما هم لم يكن لهم اي دور، قاعدتهم التي كانوا يستندون اليها تفتتت مع تفكك الجيش العراقي، ذهبوا الى منازلهم. عندما صيغ قانون تحرير العراق كان هدفنا في العام 2000 تأسيس فرقة من الشرطة العراقية تساهم في تحرير العراق، وأول وظيفة هي التوجه الى القواعد العسكرية العراقية، يعني معسكرات الجيش العراقي والطلب من الجنود والضباط البقاء بعد تأمين الأموال والطعام والحماية لهم، ثم الحفاظ على هيكلية الجيش العراقي ومعسكراته، والتخلص من الجماعة التي ارتكبت أخطاء وجرائم، لكن الأميركيين رفضوا ذلك.

> لماذا؟

– كانوا مغرورين. ولم يريدوا إدخال أنفسهم في متاهات مع العراقيين. اعتقدوا انهم لا يحتاجون أحداً. كانوا يجهلون نفسية العراقيين وتراثهم وتاريخهم. رامسفيلد ذهب الى سد حديثة والتقى ضابطاً أميركياً من فيلق الهندسة الأميركي قال له: نحن نفتخر يا سيدي الوزير بأن الفرصة سنحت لنا للعمل في مجال السدود منذ 150 عاماً. تطلع رامسفيلد الى المهندس العراقي وسأله رأيه؟ أجابه: يا سيادة الوزير، نحن والفيلق الأميركي سنحت لنا الفرصة للعمل في السدود من 150 عاماً.

كانت تصلنا أخبار ان الاميركيين والانكليز يسعون لاستصدار قرار مجلس الأمن الذي صار لاحقاً القرار 1483 لإعلان الاحتلال. تحمسنا كقيادة معارضة للموضوع وخصوصاً جلال طالباني وأنا، وأرسل رئيس الوزراء البريطاني توني بلير مبعوثه الشخصي السير ديفيد مانينغ الذي اصبح في ما بعد سفيراً في واشنطن الى بغداد. دعوناه الى عشاء عمل وخلال العشاء انتقد الأستاذ جلال القرار الذي يريدون إصداره. كان باتريك تايلر من «نيويورك تايمز» موجوداً لالتقاط صورة لكن التلفزيون لم يبثها علماً أنها موجودة لديه. قلت لمانينغ: أنتم تريدون أن تعلنوا احتلال العراق. هناك 20 ألف شخص عراقي يحملون شهادة الدكتوراه وأنتم تريدون الاحتلال، ما مصلحتكم في ذلك؟

> لماذا أرادوا الاحتلال؟

– اعتقد أن الذين أرادوا الاحتلال هم جماعة الـ «سي آي أي» ووزارة الخارجية الأميركية والحكومة البريطانية. خافوا ان تحصل سيطرة من أطراف معينة على أي حكومة موقتة وكان هناك تخوف عربي من ذلك. عندما صدر القرار 1483 تم التصويت عليه بالإجماع في مجلس الأمن. حتى سورية وافقت عليه، وينص القرار على أن أميركا وبريطانيا يعلنان ممارسة حقهما حسب معاهدة جنيف باحتلال العراق ويعتبران نفسيهما قوة احتلال. وكان ذلك في الشهر الخامس من سنة 2003، أي بعد ستة أسابيع على سقوط صدام.

> وأنتم ماذا كان رأيكم؟

– كنا ضد ذلك بالمطلق. كنا ضد الاحتلال، ولم أخبرك عن خليل زاد. كان الأميركيون عينوا الجنرال غارنر على رأس منظمة إعمار العراق، وذلك قبل الاحتلال، وهذا الجنرال صديق ورجل كبير ولم يكن معروفاً اذا كان دوره في الإعمار أو السياسة. دعا القادة الأكراد للمجيء الى بغداد بعد سقوط صدام، ووصلوا الى بغداد في الأسبوع الرابع من نيسان.

> لم يكن بريمر قد عين بعد؟

– لم يكن أحد قد سمع به، وكان الاجتماع في مقر إقامة الأستاذ مسعود في فندق «قصر الحياة»، ونحن كنا في الفندق، وكان هو والسيد عبدالعزيز الحكيم والدكتور عادل عبدالمهدي والأستاذ جلال طالباني، ثم جاء الدكتور عدنان الباجه جي وأنا والدكتور إياد علاوي جاء أكثر من مرة، وعقدنا اجتماعات عدة وكنا حائرين فيما يريده الأميركيون. القادة الأكراد أخذوا فكرة من غارنر أن أميركا تريد حكومة موقتة، أنا قلت: هل تعرفون من لديه سلطة في العراق؟

استغربوا السؤال، قلت: أنتم تعرفون خليل زاد. هو ممثل الرئيس بوش، وتعرفون الجنرال جاي غارنر، وهناك شخص ثالث ربما لم تسمعوا باسمه الجنرال ديفيد مايكرنن وهو قائد في أفغانستان الآن. قلت لهم هذا أهم شخص في العراق الآن، ويعتبر نفسه مسؤولاً عن كل شيء. هذه هي المسائل العلنية أما السرية فتقوم بها الـ «سي آي أي» وهناك «دي أي إي» وهي وكالة الاستخبارات في وزارة الدفاع، لكن لا تعرفون DF20. سألوا ما هذه؟ قلت: «دلتا». ولهم صلاحيات البحث عن صدام من دون أخذ موافقة أي قيادة. يدخلون، يضربون يقتلون ويدمرون. ولا تعرفون «الفا»، اي الفريق الأميركي المكلف البحث عن أسلحة الدمار الشامل. فقالوا: ماذا نفعل، هذا هو الوضع الذي نحن فيه. وكان هناك توجه لتشكيل حكومة موقتة لكن احداً لم يكن مستعداً لإعلان مثل هذه الحكومة. كان الناس اما خائفين من الاميركيين او يتوقعون منهم ان يشكلوها. الطرفان كانا سلبيين، وحصل انطباع ان غارنر ربما سيفرض هذا الأمر، لكن لا اعتقد ان هذا كان صحيحاً. الفرصة الحقيقية التي حصلت كانت في 2/5/2003 خلال اجتماع حصل في «قصر الحياة» وحضره قادة المعارضة والقادة العسكريون الاميركيون والجنرال غارنر وخليل زاد الذي كان يقود الطرف الأميركي. نظر الي وقال لي: يا أحمد، فكرتك عن تأسيس حكومة عراقية موقتة أصبحت طاغية وأنا سأذهب الى واشنطن وأعود بالموافقة بعد عشرة أيام. وأدلى بتصريحات بهذا المعنى للصحافيين. غادر خليل زاد وبعد عشرة أيام جاء بريمر، وفي اول اجتماع معه قلت له إن السفير زاد قال كذا فأجاب: ذهب خليل زاد وسياسته ذهبت معه وأنا المسؤول الأول والأخير في العراق الآن فتعاونوا معي.

بريمر اعتبر نفسه نائب الملك، خليل زاد رجع سفيراً الى العراق في العام 2005 وكنت دعوته الى العشاء قبل مغادرته عام 2006 بعد تعيينه سفيراً في الأمم المتحدة. وكنت أعرفه منذ زمن، سألني: ماذا حصل في واشنطن في الاسبوع الثاني من الشهر الخامس عام 2003 . سألته عما يقصد؟ فقال: أنا اتفقت مع الرئيس بوش أن اعود الى بغداد بصفتي الممثل السياسي، وفي الشهر الثاني من الشهر الخامس قال الرئيس بوش ان بريمر سيذهب الى بغداد بصفته مسؤولاً عن الاعمار، وفجأة أعلنوا ان بريمر هو كل شيء. أنا لا أعرف ماذا حصل، ما هو التغيير الذي جرى في واشنطن. بريمر عينته اميركا وبريطانيا حاكماً مدنياً.

اعتقد ان الذي حصل هو أن الأطراف التي كانت ضد تشكيل حكومة موقتة، مثل الـ«سي آي أي» ووزارة الخارجية، اقنعت بوش بأن هذا الأمر خطر وضد مصلحة أميركا وحلفائها في المنطقة. وعندما وصل بريمر الى بغداد كان أول قرار اتخذه إعلان حل حزب البعث وفصل جميع البعثيين من مناصبهم الحكومية.

الحلقة الثالثة

…………………

كانت المعارضة العراقية تأمل غداة سقوط نظام صدام حسين في تشكيل حكومة عراقية موقتة لكن هذا الخيار سقط في واشنطن التي فضّلت إعلان الاحتلال والإدارة المباشرة. ويعتبر أحمد الجلبي ان هذا الخيار الأميركي عقد الوضع في العراق، خصوصاً أنه ترافق مع تنافس وتشاحن بين الجهات الأميركية المعنية بالعراق.

ويؤكد الجلبي انه كان وراء فكرة اجتثاث البعث، معتبراً انها أنقذت العراق من مذبحة واسعة كان يمكن ان تستهدف البعثيين. ويضيف انه عارض قرار حل الجيش العراقي، ولم يفهم حتى الساعة مبررات هذا القرار.

وهنا نص الحلقة الثالثة:

> عندما وصل الحاكم المدني الاميركي بول بريمر الى بغداد، كان أول قرار اتخذه إعلان حل حزب البعث وفصل جميع البعثيين من مناصبهم الحكومية. بأي صفة أخذ هذا القرار؟

– بصفته رئيس سلطة الائتلاف الموقتة وبدأ ممارسة صلاحياته بإعلان هذا القرار رقم 1.

هذا حصل بين 13 و16 أيار، أما مجلس الحكم فشكل في 13 تموز. أصابني قلق من هذا الأمر: حل حزب البعث ومصادرة أملاكه وفصل كل البعثيين من الحكومة، أي ان البعثي مهما كانت رتبته متدنية كان مشمولاً بقرار الفصل. ذهبت الى بريمر وسألته عن هذا القرار، اذ اننا نحن وراء فكرة اجتثاث البعث، لكن هذا القرار غير مقبول، نحن نعرف ان عراقيين كثيرين اضطروا ان يصبحوا بعثيين لأسباب معيشية. كنا نريد ان لا يطال القرار سوى المسؤولين في الحزب، وردّ بريمر ان لا فائدة من النقاش، لأن هذا القرار اتخذ في واشنطن وعليه أن ينفذ.

أما القرار الثاني الذي اتخذه فهو حل الجيش العراقي وكل أجهزة الأمن والمخابرات والأمن العام ووزارة الإعلام.

> هل حصل هذا فور وصوله؟

– فور وصوله، ومن دون أن يسأل أحداً على الإطلاق اتخذ القرار بمفرده ولم يستشرنا، وكما قلت لك كنا ضد حل الجيش، وكنا نريد المحافظة عليه والاحتفاظ بوحداته وبالعناصر الوطنية التي لم تتلوث بنظام صدام.

> هل تأثر بريمر برأيك بالـ «سي آي أي»؟

– حتى الآن لم أفهم كيف اتخذ هذا القرار في واشنطن.

> ممن كان بريمر يتلقى تعليماته؟

– الحقيقة انه كان تابعاً للرئيس بوش، وأعتقد أن راتبه كان من وزارة الدفاع. بريمر كان يطمح ان يصبح وزيراً للخارجية وكانوا يسمونه جيري بريمر، لكن اسمه هو بول بريمر، وهو عمل عشر سنوات مدير إدارة في شركة لكيسنجر، وكان يتصرف كأنه نائب الملك في العراق، ويحاول أن يقدم نفسه على انه ممثل الرئيس بوش، فأصدر قرار حل الجيش من دون ان يسألنا وكان هذا القرار مخالفاً لرأينا.

> من كان من المعارضة ضد هذا القرار؟

– كلنا، لم يؤيده أحد.

> بما في ذلك قادة الأكراد؟

– لم يطلب أحد هذا الأمر ولم يؤيده. نحن كنا نريد حكومة موقتة وكنا نجري اتصالات جانبية مع القيادات العسكرية وضباط. وأنا اجتمعت مع ضباط وقادة شرطة ودخلنا في تفاصيل ضبط الوضع في بغداد في تلك الفترة. هذا القرار اتخذه بريمر بمفرده بعدما أبلغ قيادات المعارضة العراقية ان لا أمل لديها في تأسيس حكومة موقتة.

> هل أبلغهم بريمر ام انهم اختلفوا في ما بينهم؟

– لا، لم يحصل خلاف على ذلك، ولم يحصل أي بحث جدي في هذا الموضوع. ولا تنسَ ان قادة المعارضة لم يكونوا كلهم في بغداد. أنا وصلت يوم 15 نيسان مع الدكتور عادل عبدالمهدي وهو الآن نائب رئيس الجمهورية وكان يمثل السيد عبدالعزيز الحكيم.

> يعني «فيلق بدر»؟

– لا، كان يمثل السيد عبدالعزيز الحكيم، و «المجلس الأعلى»، ثم بدأ قادة المعارضة بالوصول تباعاً الى بغداد، بحيث اكتمل حضورهم في أواخر الشهر الرابع، وجاء بريمر في 13 أيار، يعني أن الفترة الزمنية التي كانت متاحة للبحث في المواضيع كانت قصيرة جداً، وكان خليل زاد أبلغنا في 2 أيار انه سيذهب الى أميركا ويعود لتشكيل حكومة موقتة.

> هل لديك شك في ان إسرائيل وراء قرار بريمر بتدمير العراق؟

– لا أملك أي دليل على ذلك.

> لأنه قرار يصعب تفسيره.

– لا أملك دليلاً على أن اسرائيل وراء هذا القرار، لكن الجيش العراقي في 9 نيسان كان مجرد اسم، لأن الجنود والضباط ذهبوا الى منازلهم والمعسكرات نُهبت بكاملها. واذا كنت تريد المحافظة على الجيش اين تجمع عناصره؟ تبقي عليه أين تضعهم؟ معسكر الرشيد في بغداد ومعسكرات قيادات الفيالق في مناطق مختلفة، كلها نهبت.

> نهبت؟

– حتى الحجر نُهب، الفخار، الطابوق، لم يبق شيء.

> ألا تتحمل شخصياً مسؤولية فكرة اجتثاث البعث؟

– نعم، فكرة اجتثاث البعث كانت لسببين: أولاً لأنه تحول من حزب سياسي الى أداة قمع، كالحزب النازي، وأصبح لدى من ينتسب إليه مزايا مضاعفة في الوظائف الحكومية مقارنة بزملائه من خارج الحزب. وأصبح من واجبات البعثيين التجسس على إخوانهم المواطنين. ويتحمل حزب البعث المسؤولية عن حكم صدام لأنه اصبح أداة بيده وتحول من حزب سياسي عقائدي له قيم عالية الى هيئة سياسية إدارية تجسسية تنفذ رغبات صدام. ثانياً، يتحمل حزب البعث مسؤولية طحن ثلاثة أجيال في العراق. معلم في مدرسة يتقاضى راتب 50 ألف دينار اذا كان عضواً في الحزب في حين ان المعلم بنفس الدرجة يتقاضى 5 آلاف دينار اذا لم يكن عضواً، وأعتقد أن بقاء حزب البعث خطر على الوضع الجديد، كما كنا نرغب في منع حالات الانتقام العشوائية من البعثيين كأفراد، وأردنا أن نحميهم، وأنا أدعي أننا نجحنا في ذلك، لأن اجتثاث البعث جعل عمليات الانتقام محدودة، وهناك معلومات دقيقة عن حالات حصلت لكنها محدودة، اذ لم يحصل انتقام من البعثيين في حجم مذابح وقتل كما كان متخوفاً منه، وأعتقد أننا نجحنا في هذا.

> يعني اخذوا فكرتك عن اجتثاث البعث، لكن طبقها الأميركي على طريقته؟

– لا، نحن لم نترك الأمر على هذا الشكل، بعد تشكيل مجلس الحكم، ظللنا نلح على بريمر، حتى اقتنع ان الموقف أكبر منه، واصبحت أول هيئة بيد العراقيين هي هيئة اجتثاث البعث. أسسنا الهيئة الوطنية العليا وانتخبت رئيساً لها، وكان جميع القادة السياسيين تقريباً اعضاء فيها، لكن انا تحملت المسؤولية وكنت أعرف ان ردود فعل كثيرة ستصدر وكذلك سوء فهم، وأصبحتُ هدف البعثيين. أول قرار اتخذته الهيئة نص على اعادة كل بعثي دون مستوى عضو فرقة الى وظيفته، يعني أعدنا مئات الآلاف الى وظائفهم، ولم يتعرض لهم أحد. أما عدد الذين شملهم الاجتثاث فكان مليوناً و200 ألف بعثي، أما الذين تم اجتثاثهم فعددهم 38 ألفاً، وهم برتبة عضو فرقة وما فوق، وصولاً الى عضو قيادة قطرية، وبين هؤلاء 32 ألف عضو فرقة و6 آلاف عضو شعبة وما فوق، واعطينا اعضاء الفرقة الحق في طلب الاستثناء من هذا الاجتثاث، لكن بشروط، وعرضنا عليهم طلب التقاعد على ان يحصلوا على راتب التقاعد من دون قيد أو شرط. من اصل 32 ألفاً قدم 16 ألفاً طلب الاستثناء، وافقنا على ما يزيد على 15 ألفاً و500 شخص وأعيدوا الى وظائفهم، بينهم مدرسون وأساتذة جامعيون وموظفون في الدولة.

> وفي الجيش ايضاً؟

– نعم، قادة الفرق خضعوا للاجتثاث، وكذلك قادة العمليات في بغداد وفي مكتب القائد العام، كلهم طلبوا الاستثناء، وكذلك قادة الشرطة الوطنية. كما أن 2500 شخص قدّموا طلبات تقاعد تمت الموافقة عليها كلها، أما الباقون فلم يقدموا طلبات، فأين هم؟ هؤلاء أعضاء الشُعب الذين طرحنا منحهم حق التقاعد.

> عدا مرتكبي الجرائم؟

– هذا الأمر لا دخل لنا به. هيئة الاجتثاث لا يحق لها الاعتقال ولا الفصل أو الحجز. كنا نبلغ الإدارة المعنية ان شخصاً ما خاضع لاجتثاث البعث ونطلب اتخاذ الإجراءات المطلوبة بحسب القانون. وهناك وزراء لم ينفذوا. مرة كتب لنا وكيل وزارة الداخلية ان عنده 3 آلاف شخص خاضعين للاجتثاث وما زالوا في الوظيفة. نحن لم نكن نفصل الناس إنما كنا جهة كاشفة فقط. كانت للهيئة سلطة معنوية عالية.

استغل أميركيون الوضع وبدأوا تحميل مسؤولية الفشل الإداري لهيئة الاجتثاث، فبدأوا يهاجمونها، ويضغطون على الحكومة العراقية والمجلس النيابي لتغيير قانون الاجتثاث. وبعد ضغوط اميركية كبيرة اصدر المجلس النيابي في شهر شباط 2008 قانون المساءلة والعدالة الذي استبدل هذه الهيئة بهيئة اجتثاث البعث، لكن نصوص القانون الجديد كانت أشد وطأة على البعثيين، اذ ينص على أن كل من كان في الأجهزة الأمنية مع صدام يحال الى التقاعد، وهناك ما لا يقل عن عشرة آلاف شخص في أجهزة الأمن العراقية الحالية يجب إحالتهم الى التقاعد بموجب هذا القانون.

> يمكنك القول إن اجتثاث البعث فكرتك وأنت راض عن تطبيقها لأنها جنّبت البعثيين عمليات ثأر جماعية ضدهم؟

– كما أنها فككت سيطرة البعث على المجتمع.

> لكنك تقول إن لا علاقة لك بفكرة حل الجيش العراقي؟

– نعم، فقد كنت ضد هذه الفكرة وطالبتُ بإجراءات عملية لإبقاء الجيش والحفاظ على معسكراته.

> هل أيد احد من القوى السياسية فكرة حل الجيش؟

– لا.

> إذاً كانت هذه فكرة أميركية؟

– نعم، واتخذها بريمر من دون ان يستشير احداً.

> هل تستطيع القول ان جزءاً من المشكلة في العراق تكمن في ان الأميركيين أسقطوا نظام صدام ولم يكن لديهم تصور لما سيحدث بعد ذلك؟

– الأميركيون كانت لديهم تصورات مختلفة، الأول كان تشكيل حكومة عراقية موقتة. هذا التصور فشل في واشنطن. والثاني هو الاحتلال والحكم المباشر، وهذا نجح في واشنطن.

> هل كان هناك تنافس دائم بين الـ «سي آي أي» ووزارة الدفاع؟

– نعم، دائماً.

> وبين الخارجية والدفاع؟

– نعم.

> هل كانت الـ «سي آي أي» أقرب الى الخارجية؟

– نعم، في عهد كولن باول.

> هل تسبب هذا التنافس بالفشل الأميركي؟

– نعم، هذا واضح عندي. هذا التنافس بين الأميركيين وعدم قدرة الرئيس بوش على حل النزاع داخل إدارته تسببا في تذبذب السياسة الأميركية وتخبطها في العراق وتشجيع أعمال العنف وسوء الإدارة والفساد.

> تعرض العراق لعملية نهب غير مسبوقة، أليس كذلك؟

– ماذا يعني ذلك؟

> هناك فساد؟

– طبعاً، العراق تعرض لعمليات فساد. يعني الذين نهبوا العراق هم من المفسدين العراقيين بالتعاون مع بعض الأجانب، لكن قسماً من الأميركيين كانوا فاسدين ايضاً. إنما تسامح الآخرون مع هذا الفساد.

> ألست مستفيداً من هذه المسألة؟

– أبداً.

> هل يمكن ان أسأل سؤالاً مباشراً، بما أنك رجل الـ «سي آي أي»، ألست شريكاً في الفساد؟

– أبداً، أنا أول من نبّه الى الفساد في مجلس الحكم، بحسب المحاضر وأول من تحدى بريمر. قلت له: ايها السفير بريمر انت الوحيد بتوقيعك المنفرد تتصرف بأموال صندوق التنمية الذي فيه كل اموال العراق فانتبه الى ما تفعله وما توقعه، وكان يغضب مني.

> ألم تتقاضَ أموالاً أميركية؟

– من قبل، فنحن كنا تعاونّا مع الأميركيين بحسب قرارات الكونغرس.

> أتكلم عما بعد سقوط صدام، ألم تستفيدوا في المؤتمر الوطني من الصفقات والوزارات؟

– أبداً، غير صحيح. أنا كنت تحت مجهر كل الأطراف ولم يستطيعوا أن يجدوا شيئاً. سأتحدث بالتفصيل عن هذا الموضوع. وصلنا الى العراق، ولم يشترك اعضاء المؤتمر الوطني في أي عمل مع الأميركيين. بعضهم قام بأعمال مخالفة للقانون، لكن قضايا بسيطة، أما في المشاركة في عقود الأميركيين أو عقود الحكومة العراقية فالمؤتمر ابتعد عن هذا الموضوع، فالاميركيون استهدفونا في المراحل الأولى وأبعدونا عن كل شيء، وعن كل السياسيين العراقيين الذين أتوا لاحقاً، وقد أكون الوحيد الذي باع من أملاك أهله وأقاربه وليس من أملاك صدام والدولة.

> من يشغل أملاك صدام؟

– حدّث ولا حرج في بغداد، عن املاك صدام وأملاك الدولة، الكلّ، دعنا لا نحدد، نحن لسنا دلالي أراضٍ لكن حتى مقراتنا أخذت منا بالقوة، كان لدينا مقر في البيت الصيني ومقر المخابرات.

> هل اخذها الجيش الأميركي؟

– نعم، وبتوجيه من الحكومة العراقية بعد نهاية الاحتلال، مقراتنا التي كنا نشغلها في الجادرية أخذتها الحكومة ولم يعد لدينا مقرات.

> هل تريد أن تقول إنك وحزب المؤتمر لستما شريكين في الفساد؟

– نعم، ونحن أول من كشف الفساد. أنا في نهاية عام 2004 وبداية عام 2005 اكتشفت أن أموالاً عراقية تنقل من مطار بغداد الى بيروت بمئات الملايين. أجريت مقابلة عبر محطة «العربية» مع إيلي ناكوزي وقال لي أن وزير الدفاع يتهمكم أنتم و «الائتلاف» بالصفويين، قلت له: اطلب من السيد وزير الدفاع أن ينتبه الى أموال الوزارة التي تنقل بالطائرات نقداً الى بيروت وعمّان.

> من كان وزير الدفاع؟

– حازم الشعلان، ولم ينتبه ناكوزي الى ما قلته. وجاءت استراحة الإعلان فتم إبلاغه أن الجلبي ذكر هذا الشيء اسأله عنه. وعندما عدنا الى البث سألني عن الموضوع فأكدت له الأمر، ورأساً طلب حازم الشعلان اعتقالي لتشهيري بوزارة الدفاع، وحصلت ضجة كبيرة، وانتهت حكومتهم وجاءت حكومة جديدة برئاسة ابراهيم الجعفري وأنا صرت نائبه، وطلبت من المصرف المركزي التدقيق في حساب وزارة الدفاع لدى بنك الرافدين – فرع زوريخ، حساب رقم 13 بالدولار. فأرسل المصرف المركزي فريقاً للتفتيش بالاشتراك مع ديوان الرقابة المالية واحضروا تقريراً اعتبره سرياً ومكتوباً باليد ولم يطبع، وفيه أن وزارة الدفاع تعاقدت مع شركة عراقية أسست في 1/1/2004 برأسمال 3 ملايين دينار، ووقعت عقوداً معها بمبلغ بليون و126 مليون دولار ودفعتها نقداً من دون كفالات وهي موزعة على 35 شيكاً جيرت جميعها لحساب شخص واحد.

> من هو؟

من هو؟

– اسمه (…) . ووضعت في حسابه في أحد المصارف العراقية، وطلب تحويل مبالغ بقيمة 481 مليون دولار الى حسابه الخاص في بنك الإسكان الأردني وأرسل مئة مليون دولار نقداً الى بنك الإسكان الأردني في عمان، وحوّل الى شخص يعمل لديه اسمه (…) مبلغ 480 مليون دولار، وقام هذا الشخص بتحويلها الى حساب الاول. أخرجوا من العراق بليوناً و60 مليون دولار الى حساب الاول في بنك الإسكان في عمان، على أساس ان يشتروا بها معدات للجيش العراقي، ولا نعلم حتى الآن ماذا حصل، وهناك مسألة أسوأ. كيف حصلت وزارة الدفاع على هذه الأموال؟ علماً أن ميزانية الوزارة للعام 2004 لشراء المعدات كانت فقط 295 مليون دولار ومع ذلك حصلوا على أكثر من بليون. كيف تم ذلك؟ أثرت هذا الموضوع، ووضعت تقريراً دقيقاً جداً لا يزال موجوداً عندي، وحقق القضاء العراقي في الموضوع ووجه التهم الى أشخاص ولم يحصل سوى القليل لمتابعة هذا الموضوع، ولا تزال هذه العملية تدور في جهاز الدفاع العراقي. هذه قضية كبيرة.

> الفساد شمل أموالاً عراقية، مداخيل من النفط، أليس كذلك؟

– طبعاً.

> وأموالاً أميركية؟

– الأميركيون مسؤولون عن الأموال الأميركية، وهناك شخص مسؤول اسمه ستيوارت بوين، كلفه الكونغرس التحقيق في قضية اموال إعمار العراق.

> هل ساهمت الشركات الأميركية في هذا الفساد؟

– الشركات الأميركية ساهمت في الفساد مع الحكومة الأميركية. قلما تعاقدت الحكومة العراقية مع شركات أميركية. أميركا تعاقدت مع شركات أميركية وهذه الشركات ضالعة في الفساد وعملية الفساد في وزارة الدفاع هي أكبر عملية فساد في العالم، ولا تزال مفتوحة. وهناك أيضاً فساد في وزارة الكهرباء حيث تم توقيع عقود بما يزيد على بليون دولار لمحطات لم تنتج 10 في المئة مما كان مطلوباً منها. كان يفترض أن تبدأ الانتاج في صيف العام 2004، إلا أنه حتى صيف 2008 لم تنتج.

> في أي قطاعات كان الفساد مستشرياً؟

– الكهرباء والأعتدة والسلاح، فساد كبير جداً، وأيضاً في قضايا التجهيزات في الوزارات الأخرى، لكن المسائل الكبيرة في الدفاع والكهرباء.

بعد خمسة اشهر على مجيء حكومة الجعفري سنة 2005 كتبت مذكرة الى رئيس مجلس الوزراء اقترحت فيها تأسيس لجنة للعقود، لتنظر في كل العقود التي تزيد عن 3 ملايين دولار وفي حسن إجرائها، وحددنا أن طريقة الدفع هي بواسطة الصكوك والاعتمادات المستندية والحوالات المصرفية وليس بالأوراق النقدية. وأنا أدعي انه خلال عمل هذه اللجنة، اجتمعت لفترة سنة 75 مرة ولم تحصل عمليات فساد مهمة خلال تلك الفترة وأنا كنت رئيس هذه اللجنة، وهذا الموضوع موجود وحاول كثر إثارة قضايا لكن هذه هي الحقيقة ولم ينجحوا لأنهم لم يجدوا شيئاً.

> أي سنة تركت العراق للمرة الأولى؟

– كان عمري 13 سنة، عدت لفترة بسيطة سنة 1966 كان عمري 21 سنة وبقيت أشهراً قليلة ثم عدت للدراسة في الخارج، وبدأنا بالعمل في المعارضة ودخلت العراق مرة أخرى، الى الشمال في عام 1969 لفترة بسيطة، وكذلك عام 1974 لفترة بسيطة، ثم دخلت الى شمال العراق مرة أخرى في عام 1992 وبقيت أربع سنوات ونصف السنة نحارب صدام، ودخلت مرة أخرى عام 1999 لفترة بسيطة وعدت في عام 2003 وأنا اقيم في العراق منذ ذلك الحين.

> ما هي الدول التي ساهمت مع الأميركيين في إسقاط صدام؟

– إيران ساعدت المعارضة العراقية على إسقاط صدام على رغم تناقضها مع السياسة الاميركية. كان هناك رأي في إيران يقول إنه يجب ألا نسهل مهمة الأميركيين في إسقاط صدام، لكن ايران سهلت عمليا وهناك الدول التي انطلقت منها القوات الاميركية.

> هل كانت سورية مع إسقاط صدام؟

– سورية كانت ضد إسقاط صدام عن طريق الأميركيين، وكان لديها قلق شديد من تعاون المعارضة العراقية مع أميركا، وكانت لديها تحفظات على دخول الأميركيين الى العراق وإسقاط صدام. الدولة الأولى بين الدول المحيطة بالعراق التي أرسلت وفداً رسمياً الى مجلس الحكم وتعاونت معه هي إيران، والسفير الإيراني موجود في العراق منذ العام 2003.

> من هي الدول التي دعمت المقاومة العراقية؟

– سورية وإيران دعمتا المعارضة العراقية ضد صدام، لكن معظم الدول العربية كان ضد المعارضة العراقية قبل غزو الكويت لكن بعد الغزو تحسن الموقف قليلاً، ونحن زرنا السعودية كوفد رسمي، وزرنا الكويت لكن مستوى التعاون كان ضئيلاً ما عدا إيران، وعندما دخل الأميركيون على الخط أصبحت للسوريين تحفظات بعد سقوط صدام. «القاعدة» والمتطرفون في العراق بدأوا يتلقون مساعدات من أطراف غير حكومية ومن المحتمل أن يكون هناك غض نظر من الأطراف الحكومية، تم تمويل هؤلاء وتنظيمهم من قبل أشخاص غير عراقيين في البداية.

> هل ساهمت إيران بتسهيل مرور «القاعدة» الى العراق؟

– لا أعتقد أن هذا الكلام صحيح.

> يقال إن سعد بن لادن موجود الآن في….

– (مقاطعاً)، أبداً، حلفاء إيران وصلوا الى السلطة في العراق، يعني رئيس الجمهورية صديق لإيران وكذلك رئيس مجلس الوزراء ورئيس المجلس النيابي وكثير من الوزراء لديهم علاقات، لا مصلحة لهم بتقويض الوضع القائم في العراق.

> يعني هل أمسكت إيران بالقرار العراقي؟

– الى الآن لا، إيران لديها نفوذ كبير في العراق. سبب هذا النفوذ هو سوء تصرف أميركا السياسي في العراق.

> ألا يوجد خطر بسبب ذلك على عروبة العراق؟

– لا أعتقد أن هناك خطراً على عروبة العراق، الشعب العراقي أكثريته من العرب ويعتزون بعروبتهم، والكلام الذي يقال احياناً ان الشيعة في العراق لهم ولاء لإيران أكثر من ولائهم للعراق، كلام مرفوض. العوائل العراقية والعشائر العراقية تضم سنة وشيعة. وهناك حالة من التعايش الاجتماعي بينهم.

> لكن حصلت حرب أهلية في العراق؟

– لا، ليست حرباً أهلية، لم تصل الى الحرب الأهلية. تعريف هذه الحرب عندما تكون هناك حكومتان تتنازعات على قطعة الأرض ذاتها وكل يدعي شرعيته عليها، في العراق لم يحصل ذلك. ما حصل هو قتال أهلي على أساس طائفي، والحمد لله انه تمت السيطرة عليه، هذا حصل بتخطيط، هناك رسالة للزرقاوي أرسلها الى الظواهري وضبطت في شهر آذار 2004، ذكر فيها أن أملهم الوحيد في النجاح بالعراق هو الامعان في قتل وإرهاب الشيعة لينتقموا من السنّة فيلجأ السنّة الى «القاعدة» لحمايتهم من الشيعة، ونفذوا هذه السياسة.

> تقصد تدمير مقر الامامين في سامراء؟

– وقبل ذلك مثلث الموت جنوب بغداد، والنجف وكربلاء كل يوم كان يحصل قتل، الى أن انفجر الموقف، السيد السيستاني قال لي مرات عدة: لا اريد أن ينتقم أحد حتى لو قتلوني واكتشفتم ان من فعل ذلك هو من السنّة. لكن الكيل طفح بعد تفجير المقام في سامراء.

> دخلت متعاوناً مع الأميركيين الى العراق، ما حكاية البيت الشيعي؟

– دخلت الى العراق وأنا على خلاف مع أميركا حول موضوع الاحتلال، وهذا الموقف معلن، وعندما شكل الاميركيون مجلس الحكم شكلوه على أساس طائفي، ونحن كان هدفنا في مجلس الحكم إنهاء الاحتلال. اعتبرت أن هذا واجبي وتم وضع مشروع قانون أساسي للمرحلة الانتقالية يحمي العملية الديموقراطية وحق العراقيين في الانتخاب، ووجدت داخل مجلس الحكم أن من الصعب جداً تأسيس تكتل موضوعي بين العراقيين لا يكون خاضعاً مباشرة للنفوذ الاميركي، ووجدت انه حتى نتمكن من سن قانون أساسي يحمي الديموقراطية والعملية السياسية والتبادل السلمي للسلطة ويحمي استقلال العراق وسيادته، أن يكون هناك تكتل يخضع لنفوذ وتأثير سلطة معنوية بعيدة عن الاميركيين هي المرجعية الشيعية، ولم أجد غيرها.

> لذا أسست البيت الشيعي؟

– نعم، أنا طرحت الفكرة واستجابوا لها.

> من استجاب؟

– كل أطراف مجلس الحكم الشيعة، حتى الحزب الشيوعي حضر الاجتماعات، و «حركة الوفاق» كانت حاضرة أيضاً.

> أليست لإيران علاقة بهذه الفكرة؟

– أبداً، كانت مسألة عراقية وقسم كبير من أعضاء البيت الشيعي لم يكن على وئام مع إيران. المواقف التي حصلت واتخذها البيت الشيعي أجبرت بريمر على التفكير ملياً بما يجري في العراق.

كان هدف الأميركيين في العراق هو أن يضعوا دستوراً تحت الاحتلال ويجرون انتخابات تحت الاحتلال. ذهبت الى السيستاني، فقال لي ان الاميركيين كتبوا دستور اليابان في ستة أيام، فهل سيكتبون دستور العراق؟ قلت له لا يستطيعون ذلك إذا تعاونا. يجب أن تقوم بكتابة دستور العراق جمعية منتخبة، فقال لي إنه يؤيد هذه الفكرة. فعملنا معاً وحققنا السيادة ثم الانتخابات ثم الدستور.

نهاية الحلقة الثالثة وسيليها الحلقة الرابعة

الحلقة الرابعة

…………………..

باجتياحه الكويت في آب (اغسطس) 1990 قدم صدّام حسين للمعارضة العراقية هدية لم تحلم بمثلها. دخل نظامه في مواجهة مع الشرعية الدولية فكانت حرب تحرير الكويت وما تلاها من عقوبات.

قبل ذلك التاريخ كان الدكتور أحمد الجلبي بدأ نسج خيوط في أميركا مع الدوائر المؤثرة في صناعة القرار وسعى إلى عرقلة تسهيلات مالية كان النظام العراقي يحصل عليها لتمويل عمليات الاستيراد. بعد الغزو راح الجلبي يعمل على جبهتين، الأولى انضاج الموقف الأميركي من المعارضة العراقية، والثانية بلورة أرضية مشتركة بين اطراف المعارضة تكون مقبولة أميركياً ودولياً واقليمياً. وكانت المحطة الأبرز موافقة جيمس بيكر وزير الخارجية في عهد جورج بوش الأب على استقبال وفد عراقي معارض. لكن النقلة النوعية حصلت في عهد الرئيس بيل كلينتون، وهنا نص الحلقة الرابعة:

> دكتور جلبي، بعد انتخاب بيل كلينتون رئيسا للولايات المتحدة، كيف تابعتم الملف العراقي في عهده، وكيف تشكلت القناعة لدى الأميركيين بإسقاط نظام صدام حسين؟

– حصلت الانتخابات الأميركية بعد أقل من أسبوعين من انعقاد مؤتمر صلاح الدين. خسر بوش الأب الانتخابات لولاية ثانية اواخر عام 1992، وفاز كلينتون. وركز برنامجه في الفترة الأولى من رئاسته على الشؤون الداخلية، وكان هناك برنامج للضمان الصحي يركز عليه مع زوجته هيلاري. وكان كلينتون يعتبر أن مشاكل العراق موروثة من عهد الرئيس بوش الأب وكان يريد أن يتخلص منها. في تلك الفترة، أدلى كلينتون بتصريح، اعتبرته زلة لسان واستفدنا منه، قال: «إذا اهتدى الانسان فنحن نصفح عنه». كلينتون كان يتحدث هنا عن صدام، وقال: «الإنسان يمكن أن يهتدي وهو على فراش الموت». وفسر كلامه بأنه كان يريد أن يتفاهم مع صدام. بالنسبة لي، كان المدخل الى كلينتون هو مارتن انديك (مستشاره لشؤون الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي) وهو يهودي صهيوني واسترالي جاء الى أميركا عام 1984، وأسس معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى. وفي أواسط الثمانينات بينما كان انديك يؤسس المعهد، قام بجولات في الشرق الأوسط للقاء مجموعات من المتبرعين لمعهده. وكان مهتما بلقاء مسؤولين وأشخاص عندهم أفكار وآراء حول منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً من العرب. في تلك الفترة كنت في عمان، رئيسا لمجلس إدارة بنك البتراء، وكنت مدعواً لحضور حفلة زفاف في واشنطن، جاء انديك، فعرفوني به. أنا احترمته واحترمت الأشخاص الذين كانوا برفقته، وعندما زار المنطقة ساعدناه وسهلنا أمره. هكذا بدأت العلاقة معه. التقينا في عمان وتوالت اللقاءات. هو كان مستشار كلينتون في الانتخابات، ولما صار كلينتون رئيساً عين انديك مستشاره لشؤون الشرق الاوسط في مجلس الامن القومي. وعندما جاء بوش عين زلماي خليل زاد مكانه. في مجلس الأمن القومي هناك مستشارون للرئيس لمناطق مختلفة، لكن الأهم كان المسؤول عن الشرق الاوسط، وتضمنت أجندته عملية السلام.

كلينتون لم يكن مهتماً بالسياسة. أنا اتصلت به مرة وسألته عن العرض بالعفو عمن يهتدي. قلت: «هل تريدون أن تتصالحوا مع صدام»؟، أجاب: «لا». قلت له: «حسنا، يجب اذن ان تفعل لنا شيئاً بسرعة». فقال: «ماذا تريدون؟». قلت: «نحن قمنا بزيارة لجيمس بيكر، ونريد أن يلتقي وفد من المؤتمر الوطني العراقي مع مسؤولين اميركيين، على الأقل مع الوزير وارن كريستوفر». قال: «حسنا». فقلت: «اريد ان تتم في اول مئة يوم من تسلمك رئاسة الجمهورية». فاتفقنا وقمنا بزيارة لأميركا في الشهر الرابع من العام 1993. أنا لم أكن ضمن الوفد، لكنني رتبت للزيارة. استفدنا من الزيارة لجمع الناس. جمعنا ستة أشخاص: السيد محمد بحر العلوم ومسعود بارزاني وحسن النقيب وجلال طالباني وصلاح الشيخلي وشخص آخر لا أذكر اسمه. وضعنا برنامج الزيارة. وسافرت الى واشنطن قبل سفر اعضاء الوفد.

كنت قلت لأعضاء المؤتمر: «أريد منكم موضوع محاكمة صدام. بين أيديكم تقرير للمدعي العام في الجيش الأميركي عن جرائم حرب قد يكون صدام ارتكبها في الكويت، انشروه». غبت عنهم يومين، قالوا بعدهما إنه نشر. فقلت أريد شيئا آخر، أن تقول أميركا أنها مهتمة بمحاكمة صدام. فقالوا حسنا. جاء الوفد الى واشنطن، وقابلوا كريستوفر. وخلال المقابلة مع كريستوفر، قال لهم إن الولايات المتحدة تؤيد تشكيل لجنة في الأمم المتحدة للنظر في جرائم ضد الإنسانية قد يكون صدام ارتكبها، وإنها تنظر في الأدلة. عندها عرفت أن ما طلبته تم.

كان هذا في الشهر الرابع عام 1993، وكان تطورا خطيرا توقعت أن بإمكاننا أن نبني عليه مدخلا مع إدارة كلينتون، وأن نجعلهم يلتزمون بهذه القضية. وفعلا هذا الشيء ساعدنا.

بعد ذلك، قابل الوفد مستشار الأمن القومي للرئيس كلينتون انتوني ليك ثم زار نائب الرئيس آل غور. كنا وضعنا برنامجا للوفد ليطرح مع آل غور التدمير البيئي الذي قام به صدام في أهوار العراق في منطقة الجنوب، وذلك على اعتبار أن آل غور مهتم بالبيئة. وتم هذا الأمر.

> أنت لم تكن مشاركا في هذه اللقاءات؟

– أنا لم اكن أشارك في هذا اللقاءات، لكنني كنت موجوداً في واشنطن.

> وتحمس آل غور ضد صدام؟

– طبعا.ً هو لم يتحمس فقط، بل قام بشيء كبير جداً، وقّع رسالة وأرسلها إلينا، بعدما كنا اقترحنا عليه أمراً. في ذلك الوقت كان صدام ألغى ورقة العملة من فئة الـ25 ديناراً، وتسبب هذا الأمر بضجة، إذا تسبب بخسارة الكثيرين لمدخراتهم. فاقترحنا عليه أن نؤسس مجلس نقد عراقي يصدر عملة عراقية تغطيها أرصدة الحكومة العراقية التي كانت محجوزة في العالم. وقلنا له إن هذه العملة ستكون العملة المتداولة في العراق، وصدام سيحتار. طبعاً كانت خطة عظيمة، لكنهم لم يأخذوا بها. وبدلاً من ذلك كتب آل غور رسالة وجهها لي بتاريخ 4 آب 1993، يقول فيها إن الولايات المتحدة اهتمت بالمستوى العالي من البحث الذي حصل مع المؤتمر الوطني العراقي، وإن الرئيس كلفه بأن ينقل إلينا أن الولايات المتحدة ستقوم بما في وسعها لمساعدتنا على مواجهة صدام وتغيير النظام.

> هذه كانت المرة الأولى التي يذكر فيها موضوع تغيير النظام؟

– أجل، والنص موجود عندي. لا اعتقد انهم قدروا حجم الالتزامات التي ترتبها هذه الرسالة عليهم. فاكتسبنا أمرين من هذه الزيارة، الأول موضوع المحاكمة، والثاني حصلنا على انطباع جيد من آل غور عن اهتمامنا بالبيئة، وبنتيجة الامرين كانت الرسالة التي ساعدتنا في اصدار قانون تحرير العراق.

في هذه الفترة طلبنا ايضاً من الإدارة الأميركية أن تسهل لنا الاتصال بالدول العربية، فحصل اجتماع مع سفير المملكة العربية السعودية لدى واشنطن الأمير بندر بن سلطان، وكان الاجتماع معه جيداً جداً. ثم طلبنا منهم أن يساعدونا على زيارة المملكة العربية السعودية، كي نكسر الطوق من حولنا الذي كان يشبه المقاطعة، فوافقوا. عاد الوفد الى لندن، ومن هناك تم ترتيب الزيارة الى المملكة العربية السعودية، وأرسل لنا المغفور له الملك فهد طائرة خاصة نقلت 14 من أعضاء المعارضة في قيادة المؤتمر الوطني مباشرة الى السعودية.

> في أي عام حصل ذلك؟

– في الشهر السادس عام 1993. قبل موسم الحج، وأدينا فريضة الحج ضيوفا على الملك فهد.

ذهبت الى واشنطن وشرحت الوضع، قالوا: هذه بداية عظيمة ونحن يمكننا أن نبني على ذلك.

كنا في بداية الشهر السابع من عام 1993، وقال الاميركيون: المرحلة التالية هي الكويت. رجعنا الى كردستان وبقينا هناك وبدأت في بناء مؤسسات المؤتمر الوطني العراقي، كنا بدأنا بإصدار جريدة في الشهر الرابع من ذلك العام ونحن في أميركا وأسسنا إذاعة وتلفزيون ومركزاً للإعلام الخارجي ومركز اتصالات مع الجيش العراقي داخل مناطق صدام وخطوطاً لشرح الوضع للداخل. كما بدأنا بتأليف كتاب عن محاكمة صدام باللغة الإنكليزية. سميناه «العدالة والمصالحة». وضمناه قرارات عدة، أولها مشروع قرار في مجلس الأمن حول تأليف محكمة لمحاكمة صدام ونظامه. أعدته مجموعة من المحامين بينهم الأستاذ كنعان مكية، ويتضمن أيضا 12 لائحة اتهام بحق كل المتهمين الرئيسيين: صدام حسين وأولاده وعلي حسن المجيد وعبد حمود وعزيز صالح وطارق عزيز وطه ياسين رمضان ومحمد حمزة الزبيدي وحسين كامل و35 شخصاً آخرين. وهم قيد الاعتقال وتجري محاكمة بعضهم.

بعدها ذهبنا الى كردستان وبدأنا العمل من هناك، وعقدنا اجتماعات للمجلس التنفيذي للمؤتمر الوطني في كردستان.

> نحن الآن نتحدث عن المؤتمر الوطني العراقي كمظلة للمعارضة؟

– نعم، في كردستان.

> من كان يضم؟

– الإسلاميين والأكراد وكل الأطراف.

> والمرحلة التالية؟

– كان علينا أن نقيم نشاطاً مهماً. وحصلت رحلة الكويت.

> ماذا حصل في تلك الرحلة؟

– كنت آنذاك في كردستان وذهبت الى طهران ومنها جاء معي الشيخ همام حمودي ممثل المجلس الأعلى لينضم الى وفد المؤتمر الوطني لزيارة الكويت. وجاء من لندن بقية اعضاء الوفد، وكانوا ستة. لطيف رشيد (وزير الموارد المائية الحالي) عن الاتحاد الوطني الكردستاني وهوشيار زيباري من الحزب الديموقراطي الكردستاني وصلاح الشيخلي من حركة الوفاق الوطني والشيخ همام وأنا. كان هذا في شهر 11. في الكويت استقبلونا استقبالاً كبيراً، وقابلنا وزير الخارجية آنذاك الأمير الحالي الشيخ صباح الأحمد.

> وكيف كان اللقاء؟

– كان اللقاء جيداً، وقلنا إن هذه خطوة مهمة علينا أن نقوم بها واننا نحترمكم. ثم قابلنا رئيس الوزراء المرحوم الشيخ سعد العبدالله وكذلك الأمير المرحوم الشيخ جابر الأحمد، ووعدونا بالمساعدة.

> أي نوع من المساعدة؟

– قالوا إنهم سيعطوننا مبلغاً من المال للمؤتمر للإنفاق على الأوضاع، ويساعدوننا لكنهم لم يساعدونا.

> إذن لم تساعدكم السعودية ولا الكويت؟

– لم يساعدونا. ساعدوا بعض أطراف المعارضة. لكنهم لم يساعدوا المؤتمر الوطني الذي كان مجموعة سياسية تمثل البديل لنظام صدام. و90 في المئة من اركان النظام الحالي هم ممن كانوا أعضاء في المؤتمر الوطني العراقي.

كانوا وعدونا بمبلغ من المال لم يصلنا. أنا أنهيت الاجتماع وذهبت الى فرنسا. كان عندي اجتماعات هناك. وفي ذلك الحين، كانت وكالة الاستخبارات الأميركية منشغلة بقضية اعتبرتها خطيرة: أحضرت سفيري العراق في تونس وكندا وقالت انهما سيلجآن إليها واعطتهما ضمانات بتوفير الاقامة لهما في بريطانيا بشرط أن يعلنا التحاقهما بالمعارضة.

> حدث هذا الشيء؟

– نعم. حامد الجبوري (الذي كان وزير دولة للشؤون الخارجية ومدير مكتب البكر وصدام) سفير العراق في تونس، أخذوه الى إيطاليا في زورق مع أهله ثم نقلوا أغراضه الى بريطانيا. والدكتور هشام الشاوي سفير العراق في كندا، أحضروهما الى بريطانيا، وطلبوا منا أن نساعد في ترتيب مؤتمر صحافي لهما. اعتبرت الوكالة هذا الأمر إنجازا على طريقتها. أعجبهم الكلام عن أن سفراء عراقيين ينشقون عن صدام. لكن الشاوي ما لبث أن تركهم بعدما أخلوا باتفاقهم معه ورحل الى السعودية حيث لا يزال. والجبوري بقي في بريطانيا.

الأميركيون يعتقدون دائما انهم إذا فعلوا هذا الأمر، فسيصلون الى الحلقة المحيطة بصدام وسيؤثرون عليه. هذا كان هاجسهم. بعد ذلك رجعت الى كردستان. وبينما كنت في الطريق بدأ القتال بين الاتحاد الوطني الكردستاني والحركة الإسلامية في مناطق مختلفة من كردستان العراق، وعندما عدت كان القتال مستعرا. أرسل بارزاني أشخاصاً ليستقبلوني، وكان خائفاً أن يحصل لي شيء في الطريق. كان الوضع متوتراً جداً. رجعنا من إيران الى كردستان. الحركة الإسلامية كانت ضمن المؤتمر الوطني وجلال كان في زيارة خارج العراق عندما بدأ القتال، وبسرعة استطاع الاتحاد الوطني أن ينهي الوجود العسكري للحركة الإسلامية. كان رئيس الوزراء في كردستان الأستاذ كوسرت رسول علي (نائب رئيس الاقليم) وهو مقاتل شجاع، قاموا بحملة إعلامية شرسة ضد الإسلاميين وأعطوا انطباعا بأن أميركا تريد القضاء على الإسلاميين. فكرت حينها بأننا في كردستان والإسلاميون جزء من المؤتمر العراقي، فكيف نسكت عن هذا الموضوع. فانتصرت لهم.

> هل أيدت الإسلاميين؟

– لم أؤيدهم، بل طلبت منهم أن لا يقوموا بأعمال مخلة باحترام قيادة الحركة الإسلامية. هم كانوا سيذهبون الى إيران، فأقنعت كوسرت بأن يطلق سراح مرشد الحركة الإسلامية الشيخ عثمان عبدالعزيز وأحد أولاده ومجموعة أخرى منهم، وأن يحضرهم الى كردستان، إلى منطقة مسعود حيث مقرنا في صلاح الدين. اقتنع كوسرت، وأرسلهم. وسألت الأستاذ مسعود، هل تستقبلهم؟ قال: طبعا، لكنني اخجل من مقابلة الشيخ. أنت استقبلهم، وخذ معك أخي. استقبلتهم وبقوا أياما في مقر ضيافة الحزب الديموقراطي الكردستاني ثم استأجرنا لهم بيوتا في صلاح الدين وفتحنا لهم مجال الاتصال بالخارج للإعلان عن بقائهم في كردستان. لم يكن عندنا موبايل بل تليفونات ساتيلايت. ثم حتى انفي لهم أن الأميركيين يريدون ضرب الحركة الإسلامية، رتبت لهم لقاء مع مندوبة وزارة الخارجية الأميركية في قاعدة انجرليك اسمها بربارة شيل التي قتلت بعد اسابيع في تحطم طائرة هيليكوبتر ضربها الأميركيون. قلت لها: أبلغيهم أن اميركا لم تطلب من احد ان يضربهم وان لا شيء ضدهم. انتعشوا. في شهر آذار 1994 زارنا وفد مؤلف من بروس رايدل نائب انديك والين لايبسن (ضابط استخبارات) وديفيد ليت (الذي صار لاحقا مدير مكتب شمال الخليج في وزارة الخارجية الاميركية ثم سفيراً في الامارات) زارنا الوفد واطلع على الإمكانات الموجودة عندنا وأعرب عن اهتمامه ثم تم ترتيب اجتماع للوفد الأميركي مع مسعود بارزاني في حضوري. قالوا له: نحن فرحون بالتقدم الكبير الذي أحرزه المؤتمر الوطني. مسعود بارزاني كان عضواً في مجلس الرئاسة في المؤتمر، وقالوا: نحن نريد ان نقوم بشيء لنرفع قيمة المؤتمر الوطني. قال بارزاني: اذا اردتم ان تساعدوا المؤتمر الوطني في شكل جدي في العراق، ساعدوا المؤتمر الوطني للسيطرة على الموصل، وهذا ممكن. عندها ساد الصمت وكأن على رؤوسهم الطير وانتهى الاجتماع.

التفت مسعود نحوي وقال: لقد كذبوا علينا عام 1975 (على والده في اتفاقية الجزائر) وسيكذبون علينا الآن. في هذه الدقائق اتضح وضع الأميركيين تماما. عاد الوفد الى أميركا. بعدها اتى وفد من وكالة الاستخبارات الاميركية في الشهر الرابع من عام 1994. الأوضاع كان تسير نحو التوتر بين الاتحاد الوطني والحزب الديموقراطي أي بين جماعتي جلال ومسعود. خلال هذه الزيارة لوفد وكالة الاستخبارات الأميركية تنبهنا أيضا إلى انهم لم يكونوا يعرفون ماذا يجري في كردستان وكانت مفاجأتهم كبيرة بعدما رأوا وضع المؤتمر وقيمتنا ووجودنا وإمكانياتنا في كردستان، ولم يكونوا يتوقعون هذا. وبدأوا يخافون من أن يخرج هذا الأمر عن سيطرتهم. ومنذ ذلك الحين توقعت أن تحصل مشاكل مع الـ «سي آي أي». في بداية الشهر الخامس من عام 1994 بدأت المعارك بين الاتحاد والحزب وكانت هذه الطامة الكبرى بالنسبة لي وللمؤتمر وللمعارضة العراقية. تصديت فورا لهذا الامر، ونجحت في وقف القتال. عندها اتصل بي ضابط مسؤول من الـ «سي آي أي». سألني: ماذا تفعل؟، فأجبت: اعمل على وقف القتال. قال: هذا ليس من شأنك. قلت له: هذا شأني. نحن في كردستان وهذا مقر العمل السياسي والعسكري لإسقاط صدام، وإذا حصلت حالة حرب بين القوى الكبرى المنتمية الى المؤتمر الوطني في كردستان فنحن لن نفلح. هذه قضية مصيرية بالنسبة إلينا أن يتوقف القتال لنتمكن من استئناف أعمالنا.

> وأقفلت الهاتف؟

يتبع

وأقفلت الهاتف؟

– نعم. وبعد أسبوع نجحنا. طلبت الأطراف الكردية منا أن نقيم نقاط سيطرة للمؤتمر الوطني على الطرق، وأعدوا وثيقة في ما بينهم في مقر مسعود بارزاني. وطلب الطرفان رسمياً من المؤتمر أن يقوم بهذا الدور. سمع الأميركيون بالأمر، واتصل بي من وزارة الخارجية رونالد نيومان (الذي صار لاحقاً سفيراً في أفغانستان). قال لي: هناك رسالة لك من بيتر تارنوف وكيل وزير الخارجية الأميركية للشؤون السياسية. سألت: ما هو القرار. قال: أريد أن أرسل إليك الرسالة، فأجبته: لا يمكنك أن ترسلها الى هنا، أرسلها الى مكتبنا في لندن وهم يرسلونها لي. وصلت الرسالة وفيها: نحن نثمن دور المؤتمر الوطني العراقي، ونكلفه بنقل وجهة النظر الأميركية الى الأطراف الكردية لمنع القتال بينها.

> هل هذا يعني أن موقف الاستخبارات كان مختلفاً عن موقف الخارجية؟

– نعم. ارادوا أن يشعروا الأكراد بأن القضية مهمة لأميركا. أخذت الرسالة الى الأستاذ مسعود، وقلت له هذه الرسالة، فقال: أنا مستعد أن أتعاون معك بالكامل. ثم ذهبت الى كوسرت، فقال كذلك نتعاون معك بالكامل. ماذا تريد؟ في 13 من الشهر الخامس، انهينا الاشتباك بين الطرفين. بعد هذا عاد جلال طالباني من الخارج، ورتب المؤتمر الوطني العراقي أول اجتماع بين مسعود بارزاني وجلال طالباني في اربيل بعد الاشتباكات بينهما في الشهر السادس عام 1994. بعد ذلك، دعاهم الأتراك للاجتماع بهم، ولم يهتموا بالمؤتمر.

> يعني أن الأتراك لم يكونوا يريدون الحديث مع المؤتمر الوطني؟

– لأن المؤتمر الوطني كان يطالب بإسقاط صدام. كما أنهم كانوا يتعاملون مع الأكراد كأكراد وليس كطرف رئيسي في المعارضة العراقية لإسقاط صدام.

> تركيا كانت تريد أن تتحاور معهم بصفتهم أكراداً؟

– بالضبط، وليس كقياديين في حرب عراقية لإسقاط صدام. وطبعا الأتراك كانوا يتعاملون معهم ويساعدون الحزب الديموقراطي الكردستاني بالسلاح والمال والرجال لمقاتلة حزب العمال الكردستاني في العراق. صرفنا الوقت في هذا المجال.

أريد أن أشير إلى شيء أغفلته سابقا. في خريف عام 1993 ذهبت الى واشنطن. حصل اجتماع معي حضره 15 مسؤولاً أميركياً من وزارة الخارجية ووزارة الدفاع ومجلس الأمن القومي والـ «سي آي أي». طلبوا مني أن اعرض خطة لإسقاط صدام. كنت وحدي وقدمت لهم خطة المدن الثلاث: الموصل – البصرة – بغداد. تحرك عسكري – سياسي – إعلامي تقوم به قوى المعارضة بالاشتراك مع قوات موالية لنا داخل الجيش العراقي بمساعدة الغرب لإسقاط صدام.

> ماذا تعني بمساعدة الغرب هنا؟

– مساعدات عسكرية ومالية وتوسيع منطقة الحظر الجوي لحماية خطة المدن الثلاث. اخذوا الخطة ولم نسمع شيئا في ذلك الحين.

كان الأميركيون يصرون علي أن آتي الى واشنطن. ذهبت الى لندن في آب 1994 ومن هناك الى واشنطن، بقيت ستة أيام في واشنطن اجتمعت خلالها بـ37 موظف أميركي من جميع أقسام الإدارة المتعلقة بالسياسة الخارجية. كانوا يستغربون كيف نجحنا في وقف القتال في كردستان.

زارني المسؤول الخاص بالعراق في الـ «سي آي أي» في واشنطن، قال: «نريد أن نحرك الأمور، ونريدك أن تعود الآن الى العراق، لأن وفدا من الكونغرس من لجنة الاستخبارات ومجلس الشيوخ الأميركي سيزور المنطقة ليطلع على ما نفعله». قلت: «حسناً»، فأضاف: «سأعرفك على نائبي وهو يستطيع أن يحرك الأمور، وعندي ثقة كاملة به. تعرفنا إليه وكان اسمه بوب بير. رجعت الى كردستان في أول الشهر التاسع، ووصل وفدان، أحدهما من وزارة الخارجية بقيادة ديفيد ليت، ومعه سفير تركي مسؤول عن العلاقات الاميركية – التركية في وزارة الخارجية التركية، والآخر من الـ «سي آي أي».

> هل جاؤوا دفعة واحدة؟

– كلا، كل مجموعة لوحدها، وجاؤوا في أوقات مختلفة، لكنهم وصلوا جميعا في خلال 48 ساعة.

> هل اجتمعتم كلكم في وقت واحد؟

– كلا، لم يجتمعوا مع بعضهم. في البداية كان الاجتماع مع وفد الكونغرس، ثم اجتماع مع الـ «سي آي أي». الأتراك لم يكونوا مرتاحين للـ «سي آي أي».

وفد الكونغرس جاء بالطائرة وبوب بير جاء مع فريقه بالسيارة من تركيا. اهتم وفد الكونغرس بالوضع جدا. وذهب بير (من الـ «سي آي أي») الى جلال ومسعود، وكنت معه. عقد اجتماعا منفردا مع كل منهما. قال لهما إن حكومة الولايات المتحدة قررت أن تسقط نظام صدام.

> في أي شهر كان هذا؟

– في بداية أيلول 1994. اجتمع مع جلال ومسعود في حضوري، وسألهما: «هل انتما مستعدان للتعاون مع احمد الجلبي في هذا المجال»، فأجابا: «نعم. نحن نرحب بذلك». فرح الاميركيون بذلك. ثم طلب وفد الكونغرس أن نذهب الى منطقة الحدود مع الجيش العراقي. كانت لنا نقاط أمامية مع الجيش العراقي الذي كان في حالة معيشية سيئة، حتى الطعام لم يكن متوفراً لديهم. كنا على علاقات طيبة مع المواقع الأمامية للجيش العراقي. وصلنا الى منطقة النهر الفاصل بيننا. الجماعة في الطرف الثاني من النهر أصحابنا. فسألت الأميركيين: «هل تحبون أن تعبروا الى الطرف الثاني من النهر؟»، فأجابوا: «كيف يعني؟». قلت: «أن تعبروا وتروا الناس»، فسألوا: «بهذه السهولة؟». أجبتهم: «نعم». فقالوا: «فلتعبروا أنتم ونحن سنتفرج». قال أحدهم وكان مسؤولاً عن لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ اسمه كما اذكر كريس براود: «هذا ليس مهماً». أجبته: «يمكننا أن نعبر حتى ستين كيلومتر من دون مشاكل كبيرة». اهتموا كثيرا بهذا الموضوع، وكتب لي وفد الكونغرس رسالة بعد ذلك.

براود قال: «أنا تابعت العمليات الأميركية منذ سنوات، لم أشهد شيئا بهذا الحجم وبهذه الإمكانيات المتواضعة». الإذاعة عندنا كان ارسالها 25 واط في السابق، أحضرنا المهندسين وطورناها. أنشأنا مقرا للتلفزيون على جبل كوراك، وصار البث يصل حتى الموصل. صار حجمنا اكبر بكثير مما توقعه الاميركيون.

غادر وفد الكونغرس ومعه وفد الـ «سي آي أي». قالوا إنهم سيرسلون وفداً ليبقى في شكل دائم في كردستان. في هذه الأثناء حصل وقف لإطلاق النار في كردستان. لم يكن عندنا امكانية أن نترك 1200 مراقباً على الطريق، فانسحبنا. لم يساعدنا الأميركيون، ولاحقاً عرفت أن من لم يساعدنا كان جورج تينيت الذي صار لاحقاً مدير الـ «سي آي أي»، وكان آنذاك مسؤول التنسيق بين البيت الأبيض والاستخبارات. قال إن القانون لا يسمح لهم بمساعدة المؤتمر الوطني العراقي بهذه الطريقة، وأن ليس من مهمتنا نحن وقف القتال بين الأكراد. كانوا خائفين أن يصبح وضعنا قوياً ويعطينا شرعية، وأيضا كانوا خائفين من صدام. إدارة كلينتون لم تكن تريد أي اشتباك مع صدام.

في هذه الفترة، كنا بنينا جهاز اتصالات كامل، وكانت تصلنا تقارير عن أن صدام يسحب الدبابات والوحدات العسكرية من الشمال في اتجاه الكويت، وبقينا نقول للأميركيين إن صدام يتجه الى الكويت، لكنهم لم يهتموا.

في يوم من الأيام أصدرنا بيانا نشرته وكالة «رويترز». وفيه قلنا إن صدام يتجه نحو الكويت، وإن قوات مدرعة من الحرس الجمهوري صارت على مسافة 30 كلم من الحدود الكويتية. في اليوم نفسه اتصلوا بنا من وزارتي الدفاع الأميركية والبريطانية ومن الحكومة الكويتية، ليهزأوا مما قلناه. ثم بعد 12 ساعة أعلن كلينتون انه سيرسل 50 ألف جندي أميركي الى الكويت لأن صدام يهدد بغزوها. وزار الكويت وزير الدفاع الأميركي آنذاك وليام بيري، أراد أن يقيم منطقة آمنة في جنوب العراق بمحاذاة الكويت حيث كنا نتمنى أن يكون لنا مقر، لكن توني لايك (مستشار الأمن القومي) لم يوافق على ذلك. وصدر قرار من مجلس الأمن يفرض المنطقة الآمنة في جنوب العراق.

> هل أشار إلى مسألة الدبابات؟

– لم يتضمن شيئاً عن الدبابات أو عن القوات البرية. نحن طبعاً كنا على اتصال مع المعارضة المقاتلة في جنوب العراق، وكانوا يطلعوننا على مجريات الأمور، وكنا نساعدهم وننقل أخبارهم، ونريد أن ننقل العمل الى كل أنحاء العراق. كان لدينا اتصال مع بغداد وكنا نرسل أشخاصا من كردستان. عقدنا اجتماعات وحضرنا أنفسنا لنستولي على المناطق القريبة منا بسب سهولة ذلك وفي اتجاه إسقاط صدام.

أرسلت الـ «سي آي أي» وفداً الى كردستان. بقي فترة بسيطة ثم غادر في فترة عيد الشكر الى أميركا، وبعد اقل من شهر عادت الاشتباكات مرة جديدة بين الحزب الديموقراطي والاتحاد الوطني الكردستاني. كانت اشتباكات واسعة، ونحن انسحبنا من التوسط بينهما. احتدمت المعارك في شكل كبير وأعلنت إيران أنها سترسل وفدا للتوسط بين الطرفين. عندها قلت لديفيد ليت: «كلموني عبر الهاتف»، قال لي: «هل يوقف الأكراد القتال بحيث أنني عندما أصل يكون القتال انتهى؟». قلت له: «ماذا تريد؟». فأجاب: «أريد منهم إعلانا بذلك فقط». كتبت الى مسعود وجلال منفردين، وكل منهما رد خطيا بأنه مستعد لوقف القتال. اتصلت بديفيد ليت وأخبرته بذلك، فأجابني بأنه سيصل خلال 24 ساعة. جاء مع وفد الـ «سي آي أي» ومعه بوب بير والسفير التركي المسؤول. صار ليت يجول بين منطقتي الطرفين حتى يتحدث معهما وطلب مني أن أضع حراسا على طول الطريق. تحدث معهما، وعاد يقول: «نحن مقتنعون بأن تضع أنت خطة لوقف القتال وحكومة الولايات المتحدة تلتزم معك بتأييد هذه الخطة». سألته كيف؟، فأجاب: «لك كل ثقة الولايات المتحدة ورصيدها، واعتبر هذه الشهادة رصيدا في حسابك». وقال انه ابلغ مسعود وجلال انه سيتصل بهما من خلالي. كان هذا في نهاية الشهر الأول من العام 1995. عاد الى واشنطن وعقد اجتماعاً في شباط 1995 في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، حضره ديفيد ليت. تحدث عن أشياء كثيرة وأشاد بدور المؤتمر ولم يذكر شيئا عن الالتزام (بدعم الولايات المتحدة لخطته) في الاجتماع، وبعدها لم نسمع شيئا منه.

نهاية الحلقة الرابعة ويليها الحلقة الخامسة

الحلقة الخامسة

…………………..

يروي الدكتور أحمد الجلبي رئيس «المؤتمر الوطني العراقي» في هذه الحلقة قصة العلاقة الصعبة مع وكالة الاستخبارات الأميركية الـ «سي اي اي» التي كانت تحاول ضبط حركة المعارضة العراقية لإطاحة صدام والتي كادت أن تتعثر بسبب الاقتتال بين الفصائل الكردية. كما يكشف قصة المرأة التي استقبلها صدام حسين، بناء على طلب نجله قصي، وكلفها اغتيال الجلبي بالسمّ وهنا نص الحلقة الخامسة:

> هل تغير الموقف الأميركي في اتجاه إسقاط صدام؟

– في نهاية الشهر الأول من العام 1995، جاء وفد الـ «سي آي أي» وأقام في مقر كردستان. في تلك الفترة كنا في المؤتمر الوطني أسسنا مجموعات من القوات وأجرينا الاتصالات بضباط عراقيين من الفيلق الخامس الموجود في الموصل والذي كانت وحداته منتشرة في منطقتي اربيل ودهوك. وكان التحق بنا في تشرين الثاني (نوفمبر) 1994 اللواء الركن وفيق السامرائي الذي كان مدير الاستخبارات العسكرية العراقية. اجتمعت به ووضعنا الخطة التي تحدث عنها بوب بير في أيلول، حين قال للأكراد إن أميركا تريد إسقاط صدام وتريد أن تتعاون مع أحمد الجلبي. واجتمعت مع مسعود وجلال في بيت جلال في 13 أيلول (سبتمبر) عام 1994، وأخبرتهما عن هذه الخطة. وحضرت ورقة فيها جزء سياسي وإعلامي وعسكري وأرسلت نسخة منها الى السيد محمد باقر الحكيم في طهران.

> وهل كانت تقوم على انقلاب عسكري؟

– كلا. كانت تقوم على حركة سياسية.

> هل كانت هذه خطة المدن الثلاث؟

– تقريباَ، لكن مطوّرة، على أساس أن يصير تحرك في الجنوب أيضا. أرسلت الخطة الى السيد الحكيم، وأرسل الدكتور عادل عبدالمهدي نائب رئيس الجمهورية الحالي مندوباً عنه وبحثنا الخطة معه في كردستان في شهر أيلول أيضاً. ولما جاء وفيق السامرائي طوّرنا الحديث عن الخطة. هو كان يعرف الضباط من الاستخبارات العسكرية. أرسلوا الرسائل وأجروا اتصالات مع مجموعات كانت في منطقة سامراء.

> هل كان هناك دعم من الـ «سي آي أي»؟

– أبداً. حصلت حادثة في 12 شباط (فبراير) 1995. إذ هاجمت مجموعة من «فيلق بدر» فوجاً عراقياً في منطقة العمارة. أسروا 320 شخصاً ثم تركوهم. أحدثت هذه العملية ضجة كبيرة. جاء بوب بير، فسألته عن الموقف الأميركي من العملية. فسألني: «هل سمعت أن أميركا ادانت العملية؟»، قلت: لا. فقال: «هذا يعني أننا موافقون». كنت أريد فرصة لنا للقيام بشيء. إذ أنه كانت مضت ثلاث سنوات على تأسيس المؤتمر، ومنذ ذلك الوقت كان عملنا مقتصراً على الكلام والدعاية والاعلام، ولم نكن قمنا بعد بأي حركة حقيقية ضد صدام. أردت أن أقوم بشيء لأن الناس صارت تتململ والأحزاب السياسية لم تر أي نتيجة. وكلما أعلن بير أن أميركا تريد هذا، لم اكن أناقشه. مع علمي أن الكثير من كلامه مبالغ فيه، وان ليس عنده القدرة على الوفاء بما يقول. لكنني لم أكن أناقشه.

> ماذا كان منصبه؟

– كان ممثل الـ «سي آي أي» في كردستان. كان يتكلم بهذه الطريقة، ورئيسه كان قال لي أن اعتمد عليه. فكان يتردد علي كثيرا، الى أن حضّرنا أنفسنا. الأكراد كانوا يقاتلون. طلبت من بير أن يذهب معي للقاء جلال ومسعود لنقول لهما إن أميركا تؤيد هذه الحركة. وبالفعل ذهبنا. لم يقبل جلال المجيء الى اربيل. وكان القتال دائراً، ولم يرد أن يبدو أنه جاء ليسجل موقفا. فذهبنا نحن إليه، وكان ذلك خلال شهر رمضان وجلال كان صائما. قال بوب بير إن «أميركا تريد أن تقوم بعملية وقواتكم يجب أن تشارك وهذا احمد الجلبي المسؤول عن الموضوع». اتسم الموقف بالشدة. قلت له: «جلال افطر واطلب منهم أن يعدوا لنا الغداء». أجابني جلال: «وأنت تتحمل الذنب؟». قلت له: «اتحمل الذنب»، فقال: «أحضروا الغداء». تناولنا الغداء ووقعنا على الاتفاق. وقع جلال عن الاتحاد الوطني وأنا عن المؤتمر الوطني، وتقرر بموجبه أن توضع القوات كافة تحت تصرف المؤتمر في العمليات العسكرية لإسقاط صدام.

بوب بير قال: «أنا اشهد على الاتفاق، لكنني لن أوقعه». قلت: «لا أريد منك أن توقع. هذا ليس شأنكم، هذه مهمتنا، وانتم عليكم أن تساعدونا». طبعاً لم تكن هناك مساعدات، وكنت اعرف أن لا شيء بيده، ولو كانت أميركا تريد أن تقوم بشيء جدي، لكانت تصرفت بطريقة مختلفة عن هذه الطريقة.

بعدها ذهبنا إلى مسعود، وكان يوجه الأسئلة لبير، وبدا أنه منزعج منا، لأنه عندما كانت تصير مناوشات، كان بير يشتم الطرفين ويصدر اليهما الأوامر. انزعج منه مسعود. كان يسأل أسئلة محددة، وبير يرد عليه بقسوة، فيجيبه مسعود بحدة، لكنه قال: أنا التزم. قلت لمسعود: إننا سنضع اتفاقا. فجاء المرحوم سامي عبدالرحمن، واحضر مسودة بخط يده بصيغة مشابهة لتلك التي وقعناها مع جلال.

> وعليها توقيع مسعود؟

– لم يكن مسعود وقع عليها بعد. هذا كان في نهاية شباط 1995. اتصلت بالسيد محمد باقر الحكيم في طهران، وقلت أريد أن ترسل لي مندوبين رفيعي المستوى من عندك. فسألني عن الذي يحصل. وأجبته بأنني لن أتحدث عبر الهاتف، فالقضية خطيرة. جاء مندوبان من عنده، أذكر انهما كانا الشيخ همام حمودي والشيخ أبو علي المولى، واجتمعا ببوب بير وبالوفد الذي كان معه. دام أول اجتماع سبع ساعات. همام بقي، وقال: «اقتنعنا ونحن سنتحرك». اصدروا توصية الى السيد الحكيم بأنهم سيتحركون عندما نتحرك نحن. الإيرانيون صاروا يتراسلون في ما بينهم بأن هناك خطة يتم تنفيذها، أسموها خطة بوب. هذا ما عرفناه لاحقا.

الإيرانيون كانوا يتبادلون الرسائل في ما بينهم من دون تشفير. عرف الأميركيون بالاتصالات، وقال لنا انتوني ليك مستشار الأمن القومي: «انتم تخططون للقيام بعملية ضد صدام؟ لماذا لم تخبرونا لنحضر أنفسنا عسكريا؟».

> من هي الجهات التي كانت تجري بينها المراسلات الإيرانية؟

– بين إيران وكردستان، وداخل إيران. انتوني ليك طلب مسؤول الـ «سي آي أي»، وكان اسمه رختر، ووبّخه، وقال له: «ماذا تفعلون؟» أجابه الأخير: «نحن عندنا توجيه». فرد ليك: «ليس عندكم شيء. أوقفوا الموضوع».

كنا نريد أن نبدأ العمليات مساء 4 آذار (مارس). قبل يوم من هذا التاريخ أخذت وفيق وذهبنا إلى كوسرت في اربيل، وأعلنا عبر التلفزيون أننا مستعدون للانقضاض على صدام. كان صدام يسمع هذه الأمور فتخيفه وتخيف جماعته، لكنه لم يكن قادراً على القيام بشيء. نحن كنا نعلن هذا في التلفزيون والراديو وكانت هناك حركة للسيارات والجيش وفي اربيل. جمعنا 16 ألف مقاتل، والأحزاب العراقية الأخرى. صدام كان عنده الكثير من الأخبار التي تأتيه عبر جواسيسه الكثر، لكنه لم يقدر أن يفعل شيئاً.

في التاسعة صباحاً وقبل أن نبدأ التحرك، جاء بوب بير ومعه شخص الى بيتي وكان وفيق حاضرا. دخل بير فسألته: «هل جاءتك الرسالة؟». قال: «أي رسالة، وكيف عرفت؟». قلت له: «أتوقع أن تأتيك رسالة». فأجاب: «وصلت الرسالة».

> بوقف كل شيء؟

– لم تقل وقف. الرسالة كانت من مستشار الأمن القومي الأميركي الى احمد الجلبي ومسعود بارزاني وجلال طالباني. وفيها أولاً: أن «العمل الذي تنوون القيام به خلال نهاية الأسبوع اصبح مكشوفاً وهناك خطر الفشل. ثانياً: إذا قررتم القيام به فأنتم تقومون به على مسؤوليتكم كعراقيين». فقلت لبير: «شكراً، هيا اذهب الله معك». قال: «إلى أين أذهب؟». قلت له: «أنت لا دخل لك». قال: «نريد أن نعرف». قلت له: «هذا الأمر نحن مسؤولون عنه كعراقيين». قال لي وفيق: «كيف تحدثه هكذا». فرددت على بير: «ارحل، وسأبلغك بما سيحصل».

خرج بير، واتصلت بجلال وقال لي: «هل جاءتك الرسالة من الأميركيين؟». قلت له: أجل. فسألني: وماذا سنفعل؟. أجبته: نحن عراقيون، وهم قالوا إن الأمر على مسؤوليتنا. وفعلاً صار الاميركيون يبثون إشاعات عنّا. الـ «سي آي أي» وزعت اخباراً في الصحافة الأميركية ان احمد الجلبي قام بمحاولة انقلاب فاشلة. وحركوا ضدنا جماعات أخرى ممن يعملون معهم. كان عندهم العميد عدنان محمد نوري ممثل حركة الوفاق في كردستان. صار يتحرك ضدنا، وكانوا يكلفونه بقضايا ويشترون الرشاشات من الجنود.

> وماذا فعلتم أنتم؟

– نحن هجمنا على الفرقة 38، أخذنا مقر كل فوج من كل لواء من الفرقة.

> وأين كانت هذه الفرقة؟

– بين الموصل واربيل. الأفواج من اللواء 848 واللواء 847 واللواء 130. كل الأفواج أخذناها وأخذنا مقر اللواء 847. سأروي حادثة حصلت، في منطقة بير داود كان يحصل إطلاق نار لمدة ربع ساعة، وبعدها يستسلمون. صار عندنا 780 شخصاً، ولجأ الينا قسم من أمراء الأفواج، كما قتل أحد أمراء الألوية. أتينا بمدافع ميدان عيار 122 ميلليمتراً و800 قذيفة. وأتينا بـ4 آلاف رشاش بندقية و130 رشاشاً ثقيلاً ومتوسطاً وأكثر من 150 مدفع هاون. الفرقة راحت كلها، الى أن بدأ القتال من جديد بين الأكراد، فتوقفت العملية. استمرينا 12 يوماً وهذا سبّب قلقاً حقيقياً لديهم. الأميركيون صاروا يبثون الإشاعات، وأبلغوا صدام بأن هناك مؤامرة لاغتياله.

> الأميركيون هم الذين ابلغوه؟

– نعم.

> بواسطة من؟

– بواسطة دولة عربية. قالوا هناك محاولة لاغتيالك. سحبوا بوب بير بعد أداء العملية وصاروا يحققون معه، ويسألونه: هل أعددت مؤامرة لاغتيال صدام؟ الـ «اف بي آي» حققت معه بواسطة جهاز كشف الكذب. وعندما شعر صدام بأن لا دخل للأميركيين بهذه العملية ارتاح.

وقع الاشتباك بين الأكراد وتوقف القتال بيننا وبين صدام. حصل هذا في نهاية الشهر الثالث من عام 1995. في هذه الأثناء كانت العلاقات توترت بيننا وبين الـ «سي آي أي» والإدارة الاميركية. وبقيت أنا في كردستان أعالج تبعات هذا الأمر. كان هناك 780 شخصاً من الضباط العراقيين الذين كنا نؤمّن معيشتهم، كانت مسؤولية كبيرة. قسم كبير منهم لم يعودوا واتصلنا بالصليب الأحمر. في النتيجة صار هناك تبادل وحصل لهم الصليب الأحمر على ضمانات وأعادوهم الى العراق.

دعانا الأميركيون الى اجتماع. في 21 أيار (مايو) ذهبت الى لندن. وجاء وفد من واشنطن، كان ضمنه شخص اسمه مارك باريس وبروس ريدل وشخص من الخارجية وضابط من الـ «سي آي أي» ومسؤول في مجلس الأمن القومي. قالوا: نريد أن نتفاوض على تحركنا في المستقبل.

قام انتوني ليك بإبلاغ كلينتون بأنني أريد أن أجرّ أميركا قسراً الى حرب. فقلت له: أنا تصرفت بحسب ما أراه في مصلحة العراق بإسقاط صدام، واستعملت القوة الموجودة وأنتم على علم بذلك. شرحت لهم بعض القضايا. كان ضابط الـ «سي آي أي» خائفاً أن ينكشف أمرهم. قال باريس الذي كان رئيس الوفد: نحن كنا قررنا أن نقطع العلاقة معك، لكن الآن يجب أن تستمر العلاقة. قلت له: انتم خذلتمونا في كردستان، وأنا الآن سأبقى هنا ولن أعود الى كردستان. قالوا: عليك أن ترجع. قلت: لا أنا سأبقى هنا. رجعوا الى أميركا وظلوا يتصلون بي. واشتدت المشاكل في كردستان بين الأطراف الكردية وأنا في لندن. ثم عينوا شخصاً اسمه بوب دودج الذي صار مدير مكتب شمال الخليج في وزارة الخارجية الأميركية. وأول مهمة له كانت التوصل الى اتفاق سلام بين الأكراد. اتصلوا بي وقالوا لي إن دودج سيذهب الى كردستان ويجب أن أكون حاضرا لأنني أعرف كيف تجري المفاوضات. قلت لهم لن اذهب، فقالوا: يجب أن يراك. قلت لهم: فليأت الى لندن، وسأراه. وبالفعل ذهب الى كردستان وبقي ثلاثة أيام ولم يفهم شيئا فرجع على أساس أن يبقى أسبوعين. جاء إلى لندن، واجتمعت به في المطار في لندن، ثم خرجنا وتناولنا الغداء. قال: «نريد أن نعقد اجتماعاً بين الأطراف الكردية، أين تقترح؟»، قلت له: «في أميركا». قال: لا، في أوروبا. لكن كل الدول الأوروبية فيها أكراد وكان هناك تخوف أن تحصل تظاهرات. قلت له: «في البرتغال لا يوجد أكراد». قال: «والله فكرة جيدة». غادر ثم ارسل برقية جاء فيها ان البرتغال لم توافق، وأن الاجتماع سيكون في ايرلندا. فقلت له إن وفداً من المؤتمر الوطني سيشارك. هذا الكلام كان في شهر آب (أغسطس) 1995. شكلنا وفدا من المؤتمر ضم المرحوم هاني الفكيكي وتوفيق الياسري وأنا. ذهبنا الى بلدة صغيرة اسمها دروغيدا في ايرلندا. في هذه الفترة ظهر ضابط كبير في الاستخبارات التركية اسمه محمد ايمور. كان رجلاً محترماً، لاحقاً حصلت له مشكلة سياسية في تركيا وسافر الى أميركا، واعتقد أنه رجع الآن. هذا كان الشخص الثاني في الاستخبارات التركية. جاء الى كردستان، واطلع على وضعنا، وقال: يجب أن نتعاون ودعاني. كنت دائما اذهب الى كردستان عن طريق إيران، ولما صارت العلاقة مع هذا الشخص صرنا نذهب عن طريق تركيا ويستقبلوننا ويسهلون أمورنا. وكان له الفضل لاحقاً عندما أنقذ جماعتنا سنة 1996 من سجن صدام.

اتصلت به ليشارك في الاجتماع. لكنه قال إنه لا يشارك اذا لم يتلق دعوة. قلت له: أنا أدعوك. ولما وصل فوجئ الحاضرون من وزارة الخارجية التركية، ومنعه الأميركيون من الدخول الى الاجتماع. غضب وقال: كيف تأتي بي الى هنا؟ ذهبت الى مسؤول الـ «سي آي أي» وقلت له: اخبرهم في مجلس الامن القومي أن يرفعوا الاعتراض عن الضابط التركي وإلا فالاجتماع سينهار، وسيتأثر وضعنا هناك وعلاقتكم انتم بتركيا. فقال: «هذا يخيف الأكراد». قلت: «هذا هو المسؤول عن المنطقة فعليا، وهو الذي يدير الوضع مع التركمان ووضع تركيا معنا. ما الذي تريده أنت». قال: «يجب أن ننتظر حتى يستيقظوا من النوم». فقلت: «هذا لا يهمني». اتصل بهم الساعة 10 صباحاً، وأخذ الموافقة وحضر الضابط التركي اجتماع العصر وساعدنا. ووقعنا وثيقة بالإنكليزية بين الطرفين الكرديين. كان هناك هوشيار زيباري وفؤاد معصوم وسامي عبدالرحمن ووقّعها بوب دويتش عن الخارجية الأميركية، ومندوب الخارجية التركية ووقعتها أنا عن المؤتمر الوطني. هذه الوثيقة حملت تواقيع خمسة أطراف. وفي اليوم الذي وقعناها فيه هرب حسين كامل الى الأردن في 8 آب 1995.

بقية الحلقة الخامسة

هروب حسين كامل كان بالتنسيق مع من؟

– أبداً. حصل خلاف بين حسين كامل وعدي على الأموال وتهريب السيكار.

> كيف حصل خروج حسين كامل؟

– حسين كامل تعارك مع عدي. ومن يتعارك مع عدي يخاف منه، فأخذ عائلته وهرب الى الأردن. حسين كامل اعتقد أن بمقدوره أن يلجأ الى الأميركيين ويقود الوضع، لكن لم يكن هناك تنسيق. أنا الذي أبلغت مسؤول العراق في الـ «سي آي أي» عن ذلك. وخلال وجودهم في الاجتماع دخلت عليهم وقلت لهم: يا إخوان حسين كامل هرب الى الأردن. وقف مسؤول العراق في مكانه، ثم خرج واتصل بعمان، عاد بعدها ليقول: صحيح، وعلي أن أغادر في الحال. قلت له: الله معك اذهب.

لتنفيذ الاتفاق بين الاكراد كان يجب أن يحصل اجتماع ثان، قرروا أن يعقدوه في ايرلندا أيضاً، لكن هذه المرة في دبلن في الشهر التاسع. وصار شيء دراماتيكي. اخي حسن كان عنده بيت في لندن، وبيت أختي رحمها الله (جدة السيد مجيد الخوئي) وأنا كنت معهم وكان يوم سبت. رن الهاتف في السيارة. وكان المتصل فؤاد أيوب سفير الأردن. في منزل أيوب، التقيت الملك حسين وكان يعتقد ان اسقاط صدام بانقلاب امر متعذر (…).

بعد الاجتماع بيوم واحد، ذهبنا الى ايرلندا. هناك كان الاجتماع فشل بعد خلاف الأتراك مع الاتحاد الوطني. أخذ ممثل الاتحاد شروان مصطفى موقفا شديدا من الأتراك، والأتراك اخذوا موقفا على خلفية حزب العمال. اتصلت بالأستاذ جلال الذي كان في سورية، وكان موقفه متشددا في ذلك الحين. وفشل الاجتماع.

رجعنا الى لندن واتصل الأميركيون، وقالوا: عليك أن تذهب الى كردستان، ثمة مشاكل وبوب دويتش ذاهب الى هناك. أبلغتهم أنني سألاقيه في كردستان. وبالفعل ذهبنا، وحصلت اجتماعات مع دويتش مدير دائرة شمال الخليج في وزارة الخارجية الأميركية (العراق وإيران) في الشهر العاشر. وكان في اليوم الأول من الشهر العاشر وقع انفجار دبرته المخابرات العراقية على مقر الأمن للمؤتمر الوطني العراقي، قتل فيه 28 شخصاً. كان من المفترض أن أعود الى كردستان في ذلك اليوم (قبل وقوع الانفجار)، لكنني تأخرت.

> هل كنت أنت المستهدف في هذا التفجير؟

– اعتقد ذلك. حصل الانفجار، وقتل عندنا ضابط شرطة كردي مهم في بغداد اسمه سيف سندي. هو كان في بغداد والتحق بنا وصار مدير أمن، وكانت لديه معرفة واسعة بوضع بغداد.

هو كان كشف مرة محاولة لاغتيالي بالسم في الشهر التاسع من عام 1994. في أحد الأيام أحضر امرأة وقال لي إنه سيجندها للعمل معنا، فوافقت. كانت شقيقة زوجة ضابط استخبارات في كركوك، وقال إنها ستأتينا بمعلومات. وصار يبلغني أخباراً عن نشاطها. ثم أحس زوج اختها بشيء، فسألها: هل تعرفين المؤتمر العراقي؟ فقالت: نعم. فطلب منها أن تأتي إلينا وتجلب له أخبارنا، ووعدها بأن يتحسن وضعها.

جاءت الى سيف، وصار يعطيها بعض المعلومات التي أعجبتها، فأرسلها الى مدير المخابرات في تكريت الذي طلب منها معلومات اخرى. قلت لهم: أعطوها ما تريد. فبدأ وضعها بالتحسن، الى أن وصلت الى شخص اسمه الحاج عبد علي المجيد شقيق علي حسن المجيد وابن عم صدام. كان معاون مدير المخابرات في بغداد. ذهبت إليه، فكلفها بقضية، وطلب منها أن تعمل الى جانبي، وقال لها: «جيبي لنا شريط عن مؤتمر صلاح الدين». أعطيناها الشريط، وأوصلته إليه، فدب فيهم القلق. وفي النتيجة عرفوا أنها قريبة مني. وطبعا أنا لم أكن أعرفها. أرسلوها الى قصي. وذات يوم جاء سيف، وقال لي: جاءت هذه المرأة ومعها هدية لك، وأريدك أن تراها. وافقت. جلست معها في المكتب في حضور سيف. سألتني إذا كنت أعرف قصتها، فقلت: اعرف. ثم روت لي ما حصل معها. قالت: قصي أخذني الى صدام. عندما سمعت بذلك جفلت، وصرت أسألها عما كان يرتديه صدام، فترد فوراً. لم تكن تتردد وتجيب عن أشياء لم أتوقعها، صارت عندي ثقة بصحة كلامها. سألتها عما قاله صدام. قالت: قال لي عندي صداع اسمه احمد الجلبي خلصيني منه، وسأجعلك تختارين الشاب الذي تريدين لأزوجك إياه وأعطيك بيتاً وسيارة مرسيدس ومليون دولار. سألتها: وبماذا أجبته؟ قالت: «قلت له انت تأمر سيادة الرئيس. فأجابني: حسناً هناك طريقتان، الأولى أن تأخذي متفجرة في حقيبة وتتركيها بقربه، والثانية أن تدسي له السم. هذا السم يقتل فيلاً، لكن مفعوله لا يظهر فوراً، بل يتطلب وقتاً». قالت له: «سيادة الرئيس، أنا لا أفهم بالقنابل، اعطني الثانية»، أضافت: «أعطوني خمس قناني». وأخرجت أمامي خمس زجاجات تشبه تلك الخاصة بالإبر القديمة. زجاجات صغيرة فيها مادة تشبه الملح الأبيض يغطي رأسها المطاط. تركت الزجاجات عندي، وقالت: أرجوك انتبهوا أن تؤذوني. قلت لها: طيب. وغادرت.

أنا استغربت، ولم آخذ القضية على محمل الجد، أتيت بواحدة من هذه الزجاجات، وأعطيتها الى مسؤولي الـ «سي آي أي» عندنا وطلبت منهم أن يحللوها لنعرف ماذا يوجد فيها. أخذوها ومضى أسبوعان من دون أن يردوا علي بجواب. كان عندي صديق بريطاني، زميلي من أيام المدرسة في بريطانيا ويعمل ضابطاً برتبة عالية في شرطة سكوتلنديارد. اتصلت به من التليفون المشفر، وأخبرته عن القصة، وقلت له: «سأرسل الزجاجة إليك وأنت تخبرني ماذا تحتوي». قال: «حسنا، لكن أبلغونا قبل أن تصل الزجاجة، لأن نقل السم في بريطانيا جريمة، ويجب أن يتم تحت رقابة الشرطة». أرسلت المادة مع أحد الإخوان الى بريطانيا، واستقبله الضابط بنفسه في المطار. سلّمه الزجاجة، وبعد 48 ساعة اتصل بي، وقال: «هذا أخطر سم موجود. يتراكم في الجسد وتدريجياً يقتل الإنسان. والدواء المضاد له استعماله صعب جداً. هناك أشخاص من جماعتنا ماتوا بهذا السم. وعرفت أن القصة كانت صحيحة فعلاً». سيف قُتل في الانفجار، وهو كان يدير العملية. بعد ذلك حمّلتنا الـ «سي آي أي» المسؤولية. وصاروا يقولون إن التفجير صار بسبب إهمالنا، وبثوا الإشاعات.

ذات يوم جاء إلى بيتي وفيق السامرائي صباحاً. دخل الى البيت ثم خرج فوراً. ودخل ولد صغير وراءه، وقال: «دكتور. اللواء وفيق يريد أن يكلمك»، قلت له: «اخبره أن يدخل». فرد: «هو يريد أن يكلمك في الخارج، اخرج أنت». فخرجت.

سألني وفيق: «أليس هذا فلان (من الـ «سي آي أي») عندك؟» قلت له نعم. قال: أنا اعرفه. كان يمضي أشهراً في العراق، يزودنا بمعلومات أثناء الحرب على إيران عن التجمعات الإيرانية. قلت له: كيف؟ قال كان هناك تعاون بيننا وبين الـ «سي آي أي» بتشجيع من الأردن، وطبعاً كان صدام موافقاً. هذا الرجل كان في بغداد.

كانت الاستخبارات الاميركية تحضر للعراقيين صوراً من الأقمار الاصطناعية. وكان وفيق السامرائي في الاستخبارات العراقية مسؤولاً عن شعبة إيران وكانوا يسمونه العميد علي. هذا الرجل من الـ «سي آي أي» هو الذي جاء في تلك الفترة الى كردستان بعد سنة من الحادث. قالوا: ستنفجر المفاوضات بين الأكراد. وطلبوا مني أن أتدخل، فوافقت وقلت: اذهبوا الى جلال ومسعود. كانت العقدة عند مسعود. تحدثت معهم، وكان هوشيار موجوداً، وصار هناك تفاهم بين الأطراف عام 1995. أيضا قالوا: نحن نريد أن تؤسس قوة من المؤتمر الوطني لفك الارتباط بينهم، ونحن لا نقدر على القيام بذلك، يجب أن يبدو أن هناك نشاطاً عراقياً، سألت: كيف؟ قال: «الأكراد يجب أن يمولوا الموضوع». فأجبت: «الأكراد ليست عندهم الإمكانات، وحالهم صعبة». قال: نحن سنعطيهم الأموال.

> لماذا سيعطونهم النقود؟

– مساعدة، لكنهم طلبوا أن أسأل أنا الأكراد إذا تلقوا الأموال. فسألتهم: «ما القصة؟». قالوا: «نحن لا نستطيع أن نسجل عندنا أننا سنستعمل الأموال لتمويل قوة لفض الاشتباك لأسباب قانونية في أميركا».

ذهبت الى الأطراف الكردية، فوافقوا. وكتبوا رسائل. جلال كتب رسالة وجهها الي، فيها انهم مستعدون للمساهمة بما قيمته نصف مليون دولار في هذه العملية. الأستاذ مسعود كتب رسالة الى الأميركيين وأعطاني نسخة منها، وفيها أنه مستعد للمساهمة بنصيبه. أرسلنا الرسائل، ولم يحصل شيء. بعدها جاء ضابط مخابرات يعمل لدى مسؤول المخابرات عندنا اراس حبيب كريم، وقال له: «هناك مؤامرة يدبرها الأميركيون بالتعاون مع محمد عبدالله الشهواني واياد علاوي وتدار من الاردن للقيام بانقلاب في العراق، وهذه العملية نحن مسيطرون عليها، لا تقتربوا منها».

> من كان الضابط؟

– ضابط يعمل في المخابرات العراقية، أُرسل في مهمة سرية من المخابرات الى اربيل، لكنه كان على اتصال سري مع مدير مخابراتنا اراس حبيب.

عندما رأينا الملك حسين في الشهر الثالث من عام 1996، قال: «لو كنت اعرف أن صدام سيفعل هذا بحسين كامل، ما كنت تركته يرحل».

بعد هذا بدأت الأمور تتفاقم في كردستان. كنت موجوداً في بريطانيا اعمل على الدعاية والإعلام والاتصالات. والإدارة الأميركية لم تكن مهتمة بالأوضاع.

> لم يكن قانون تحرير العراق صدر بعد؟

– صدر بعد سنتين من ذلك. دعاني الأميركيون الى واشنطن في الشهر السادس من عام 1996. ذهبت واجتمعت بالأمن القومي والخارجية والـ «سي آي أي»، قالوا: «نريد أن نؤسس قوة تحت لواء المؤتمر الوطني لفك الاشتباك، ونريد منك التزاما بأن لا تستعمل هذه القوة لإسقاط صدام من دون التنسيق معنا». ضحكت. قالوا: «نحن خفنا مما حدث سنة 1995». بعد كل القلق والمشاكل التي حدثت عادوا بعد سنة ليعرضوا تشكيل قوة. وافقت، لكنني قلت لهم: «في المرحلة الأولى يهمني وقف القتال في كردستان، ونحن ننسق معكم في أي عمل لاحق». قالوا: «بناء على هذا سنؤسس قوة».

رجعت الى لندن وتفاقم الوضع في كردستان. وصارت تدخلات ودخل صدام الى كردستان. وصارت المعركة والاتحاد الوطني صار على الحدود الإيرانية، وسيطر الحزب الديموقراطي على كل مناطق كردستان. وجاءت الاستخبارات العسكرية العراقية وقتلوا من عندنا نحو 34 شخصاً. والجيش العراقي قتل 96 شخصاً.

أنا كنت في واشنطن. دعاني جون دويتش مدير الـ «سي آي أي»، اجتمعت به وكان جورج تينت حاضراً. وكان جماعتنا موجودين في منطقة صلاح الدين تحت الخطر. سألني: «ماذا تنصحنا أن نفعل؟». قلت له: «أنصحكم أن تمنعوا حصول اتفاق سياسي بين مسعود بارزاني وصدام بعد العملية. ما حصل عابر، لكن الاتفاق السياسي ينهي القضية». سألني: كيف؟ قلت: «يجب أن تحتضنوه. افضل المصلحة العامة في العراق على ما صار، ولو أن وضع علاقتنا صارت صعبة معه الآن، لكن المهم أن يبقى الوضع على ما هو عليه». قال: «هذا الكلام مهم». وأضاف: «وماذا أيضا؟»، قلت: «أريد أن اخرج جماعتي». قال: «أين هم؟»، قلت: «في صلاح الدين»، قال: «هذه تبعد 250 كليومتراً عن الحدود التركية ولا نستطيع أن نخرجهم». قلت: «إذا وصلوا الى زاخور على الحدود التركية هل تخرجهم؟»، قال: «نحاول».

لاحقاً، استدعى الكونغرس جون دويتش لسؤاله عما حصل، وهل ان صدام اصبح أقوى او اضعف بعد الذي حصل في اربيل. كنت انا اخبرته في وقت سابق ان صدام اقوى، فقال لهم الآن صدام أقوى. هذا الكلام اغضب توني ليك الذي بدوره حرض كلينتون على جون دويتش الذي كان مرشحاً ان يصير وزير دفاع بعد الانتخابات الاميركية التي ترشح فيها كلينتون لولاية ثانية عام 1996. لم ينتظروا استقالته بل عزلوه من الـ «سي آي أي». همشوه وتسلم مكانه تينت. في تلك الفترة، انكشفت قضايا كثيرة، وكيف أن الـ «سي آي أي» تآمرت مع أعضاء الكونغرس الذين كانوا مسؤولين عن لجنة العلاقات الدولية حول موضوع تأسيس قوة من المؤتمر الوطني للفصل بين الأطراف.

نهاية الحلقة الخامسة ويليها الحلقة السادسة

الحلقة السادسة

يقول الدكتور أحمد الجلبي رئيس «المؤتمر الوطني العراقي» إن الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون كان مهتماً بإيجاد حل مع صدام حسين وتوقع أن تسفر محادثات الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان ومبعوثه الأخضر الابراهيمي مع صدام عن صفقة.

ويروي الجلبي كيف تحرّك لإحباط الصفقة واستخدم تقريراً حصل عليه من المفتش سكوت ريتر لتأليب الكونغرس الأميركي ضد نظام صدام. في هذا المناخ وخلافاً لرغبة كلينتون الفعلية أقر الكونغرس «قانون تحرير العراق» الذي سيسهل لاحقاً لجورج بوش غزو العراق بعد هجمات 11 أيلول (سبتمبر). وهنا نص الحلقة السادسة:

> ماذا عن قانون تحرير العراق؟

– ذهبنا الى كردستان، بعد عودة الاتحاد من طريق إيران. الإيرانيون سمحوا لفريق إعلامي أميركي من محطة «أي بي سي» مؤلف من مراسل ومصورين أن يعبروا من إيران الى السليمانية بطلب مني لطرح موضوع العراق. اتصلنا بأحد مراسليهم وهو بيتر جينينغز الذي كان يعرفني من بيروت، جاء الي عام 1974 وساعدته ليذهب الى كردستان، لكنه لم يذهب.

صوّر بيتر قصة تلفزيونية مهمة وفيها صور للدبابات العراقية تهجم علينا. وقاموا ببث البرنامج بعد ستة اشهر أي في الشهر السادس من عام 1997، بالاشتراك مع الـ «واشنطن بوست» التي نشرت مقالا حوله وصار للبرنامج اثر كبير، وكان اسم الحلقة: «مهمة لم تكتمل»، وشكلت بداية عملنا نحو قانون تحرير العراق.

تلك الأيام كانت صعبة علينا، وكان هناك اتجاه في إدارة كلينتون يدعو إلى إغلاق ملف العراق والتفاهم مع صدام. بدأنا نبني علاقات واتصالات في الكونغرس مع الجمهوريين والديموقراطيين.

> كنت أنت رئيس المؤتمر الوطني العراقي؟

– نعم. وجاء اتصال من الـ «سي آي إي» الى مكتبي نهاية عام 1996، يطلبون مني أن لا أذهب الى كردستان، ويحذرونني من أنني إذا ذهبت فإن ذلك سيكون على مسؤوليتي وليس على مسؤولية الأميركيين. لكني لم أجبهم وذهبت. وعندما عدت الى لندن طلبوا الاجتماع بي وقالوا: «خلص، علينا أن ننهي علاقتنا»، فقلت: مع السلامة وأشكركم. انتهت العلاقة معهم في بداية عام 1997. وبدأنا نعمل وحدنا في أميركا.

> هل كان هذا من دون مساعدة منهم، مالية أو غيرها؟

– أبدا.

> قبل ذلك تلقيتم المساعدات؟

– طبعا، أخذنا مساعدات من الـ «سي آي إي».

> في أية سنة بدأت مساعدات الـ «سي آي إي»؟

– منذ عام 1992 حتى 1996.

> هل كانت المبالغ كبيرة؟

– أقصاها وصل الى 320 ألف دولار شهريا للمؤتمر. كان عندنا نشاطات ومكاتب في لندن. هذا الرقم كان الأكبر، وعادة كانت المبالغ اقل. وأعلنّا هذا الأمر من دون خجل في الإعلام.

عام 1997 انقطعت العلاقة، فبدأنا نعمل وحدنا. وكانت علاقاتي في الكونغرس سبقت علاقاتي بالـ «سي أي إي»، وأكملنا وحدنا بعد الذي حصل عام 1996 وتخلي كلينتون عن المعارضة على رغم الرسالة من آل غور.

> تخلى كلينتون عنكم؟

– طبعا تركنا. ودخل صدام وضربنا وهم صاروا يؤذون جماعتنا هناك. حبسوهم وصاروا يبثون الإشاعات، ويقلبون كل الأطراف ضدنا. أنا قلت إن لا حماية لنا، وأعدت الى ذهني ما أنا مقتنع به وهو أن الأميركيين لا يفون بوعودهم. وإذا أردت أن تلزمهم بشيء اجعلهم يلتزمون بقضية تخصك أمام بعضهم بعضا.

> أمام الأميركيين؟

– نعم، احضر مجموعة من الأميركيين المهمين واجعلهم يلتزمون أمام بعضهم، فالعمل السري في السياسة الخارجية مع أميركا غير مفيد. ونحن قمنا بعمل علني، لكنه في النتيجة كان عملا سريا، على اعتبار أن الـ «سي أي إي» جهاز سري. في تلك كان حاضراً في ذهني كلام كيسنجر سنة 1975، بعدما خانوا الملا مصطفى البارزاني والقضية الكردية، وكان يدلي بشهادة أمام إحدى اللجان في مجلس النواب الأميركي. سألوه كيف تركتم الأكراد؟ فأجابهم أن العمل السري ليس مساعدات إنسانية. ما معناه أن ليس هناك أي التزام أخلاقي.

كانوا يساعدون بعض الأطراف العراقية مثل الوفاق الوطني والأكراد وبعض الأشخاص، لكنهم رأوا أن منظمة سياسية على مستوى المؤتمر الوطني مشكلة بالنسبة اليهم. فاعتبروا أن القضية انتهت. وهكذا صرنا نعمل وحدنا في الكونغرس. وفي عام 1998 تفاقمت قضية أسلحة الدمار الشامل والمفتشين وسائر المشاكل.

> هل زودتم الاميركيين بمعلومات خاطئة؟

– لا، هم أصلاً كان عندهم مفتشون، ولم يكونوا بحاجة الينا. كانوا يأتون ويسألوننا عن معلومات، فنعطيهم معلومات عن قضية ما، مثلا: تجسس صدام على المفتشين. كانت عندنا معلومات عن ضباط يجندون مفتشين ليعملوا مع فرق التفتيش عن طريق بنات أو أموال فيبلغون الحكومة عن امكنة التفتيش ليذهبوا اليها. كنا نبلغ الاميركيين أن هناك عمليات تجسس عليهم.

> ألم تكونوا أنتم أصحاب نظرية أسلحة الدمار الشامل؟

– أبدا، هم أصلا عندهم مفتشون كانوا يزورون المواقع. وانا لم أرد أن يكون اتصالي برولف ايكيوس عن طريق الأميركيين. ذهبت إليه مباشرة، وفي احدى المرات أبلغناه عن مؤامرة لتسميمه في بغداد في شباط 1996.

> وهل كانت المعلومة صحيحة؟

– نعم، واعتقد انه لم يذهب في تلك الفترة الى بغداد. وصار عندهم مشاكل مع فرق التفتيش. تفاقم الوضع في الشهر 12 من عام 1997، ثم كانت مبادرة من كوفي انان بالتنسيق مع مادلين اولبرايت وزيرة الخارجية في ذلك الحين والأخضر الإبراهيمي. ذهب الأخضر الإبراهيمي الى بغداد وكذلك كوفي انان ونحن كنا في نيويورك في شهر شباط 98. كانت أياما صعبة علي، أخي الكبير رشدي كان مريضا جدا وتوفي في المستشفى في لندن وأنا كنت بعيدا عنه في أميركا أتابع وضعه. صارت حالتي سيئة جدا. ذهبنا الى نيويورك، فقالوا لنا إن انان ذهب الى بغداد. وأعلن من بغداد أنه دخن 6 سيكارات مع صدام وأن صدام شخص يستطيعون العمل معه. وتوصل معه الى اتفاق. وبينما كان في الطائرة وقبل أن يصل (أنان) الى أميركا، أعلن كلينتون انه يؤيد أي اتفاق يحصل بين انان وصدام.

إذاً صدام اتفق مع الأميركيين. صديقي بوب دويتش في وزارة الخارجية كان دعاني الى الفطور في واشنطن، رحت واجتمعت به وقال لي: «الموضوع انتهى، اهتم بعائلتك». قلت له: شكرا. هو كان يقول لي ذلك من منطلق الصداقة.

توفي أخي في اليوم الذي وصلت فيه الى لندن، دفناه ورجعت في اليوم نفسه. عندما عدت كنا في حيرة من امرنا، ماذا نفعل. رحت الى أصدقائنا في واشنطن، واتصلت بمعهد المقاربات الأميركية الذي كان think tank للمحافظين الجدد.

> مع من التقيت هناك؟

– أنا اعرفهم هناك. وأخبرتهم بما حصل، فعقدوا لنا اجتماعا واحضروا الـ «سي أن أن» وقلت في الاجتماع إن صدام سيرفض برنامج التفتيش inspection regime ويعود لتهديد الشعب العراقي. مباشرة بعد الاجتماع دعوني الى الكونغرس. اجتمعت بقادة الحزب الجمهوري الذي كان يمثل الأكثرية في الكونغرس ومع رؤساء اللجان في مجلس النواب. كان رئيس مجلس النواب نيوت غينغرتش. ولم يحضر الاجتماع رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الذي صار لاحقا مدير الـ «سي أي إي» بورتر غوس. لم يحضر وكذلك غينغرتش الذي كان يريد أن يراقب الموضوع من خارج الغرفة، وكان مدير مكتبه شخصاً على علاقة بالـ «سي أي إي». لم يكونوا مرتاحين. حكيت القصة امام اللجنة، وسألني رئيسها ليفينغستون: «ما الذي يمكننا القيام به». كان كل هدفي في تلك الفترة هو إدخال الشك إلى ذهن صدام حول نيات الأميركيين تجاهه. الأميركيون كانت نيتهم أن يتفاهموا معه، لكنه كان يشك في ذلك، وأردت أن أتصرف بطريقة تُظهر أن الأميركيين غير صادقين معه. طبعا هذا الكلام كان فيه جزء صحيح، لأن بعض إدارة كلينتون كان يريد ان يتفاهم معه، لكن الكونغرس كان ضد ذلك. وأنا كنت أريد أن ابرز هذه النقطة. صدام ليست عنده قابلية للتحليل. فأميركا عنده يعني أميركا. كان عنده شخص يفهم بأمور أميركا هو نزار حمدون الذي توفي لاحقا. لكن نزار حمدون لم يكن يلتقي صدام الا قليلا ولم يكن يحترمه، كان يعرف أميركا. وصار وزيرا للخارجية ومندوبا للعراق في الامم المتحدة.

كلام نزار الذي كانت أيضا تجمعه علاقة طيبة بطارق عزيز لم يكن له الأثر الكافي عند صدام. كنا نريد أن نبث في ذهن صدام أن حمدون طرف أميركي مهم ضده. فاستعملنا هذه الاستراتيجية. سألني ليفينغستون: ماذا تريدون؟ قلت أريد إذاعة تمولها الإدارة الأميركية علنا على نمط إذاعة أوروبا الحرة. قال: يصير. اتخذوا القرار في لجنة السياسة بأنهم يؤيدون تخصيص 5 ملايين دولار لتأسيس إذاعة العراق الحرة.

> من براغ؟

– هم وقتها أخذوا القرار (وتأسست لاحقا في براغ)، وأعلنا القرار. خرجنا من الاجتماع، وحصل اجتماع آخر في مجلس الشيوخ. الجمهوريون كانوا بأكثريتهم معنا والديموقراطيون ضدنا. نشرنا إعلانا عن تأسيس إذاعة «صوت العراق الحر» بتمويل من الكونغرس. من جهة كان الأميركيون يريدون أن يتفاهموا مع صدام ومن جهة يؤسسون هذه الاذاعة. زاروني وطلبوا مني أن التقي رئيس مكتب السيناتور ترنت لوت زعيم الأكثرية في مجلس الشيوخ، وأهم شخص في الحزب الجمهوري في عهد كلينتون. مدير مكتب لوت كان صديقنا اسمه راندي شونمن، وكان أيضا مستشار الأمن القومي لديه وصار لاحقا مستشار ماكين، وتعرفنا على سيدة اسمها داني (دانييل) بليتكا التي كانت مسؤولة الشرق الأوسط في مكتب السيناتور جيسي هلمز رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ. زوجها اسمه ستيف رادامايكر وهو محام، وكان المستشار القانوني للجنة العلاقات الدولية في مجلس النواب.

ذهبت الى راندي شونمن، وصار يسألني أسئلة، وأجيبه. قال لي: مسؤوليتي أن احمي السيناتور لوت، لا أريد أن أسمح له بلقائك إذا كان هذا الأمر سيسبب له الإحراج في المستقبل. قلت حسنا. قال أنا سأسأل عنك. قلت: اسأل تفضل.

اتصل بي بعد يومين، فذهبت للقائه. قال لي: «انا أنصفتك»، قلت: «لماذا»؟ قال: طلبت تقريرا عنك من الـ «سي آي إي، أحضروا لي واحدا يصف شخصا آخر غيرك. سألته: كيف؟ قال: في التقرير انك تتحرك في واشنطن ومعك 20 مرافقاً. وأنا اعرف انك تتحرك وحدك إما سيرا أو بالتاكسي. وهناك كلام غير قابل للتصديق، وأنا استدعيتهم وطلبت منهم أن يبرروا كل نقطة من النقاط السلبية التي كتبوها عنك. وأضاف: لذلك قررت أن أنصح السيناتور بأن يراك.

هكذا التقيت السيناتور لوت الذي رحب بي، وقال: عندك مانع أن تتحدث في مجلس الشيوخ في شكل رسمي. قلت: لا. داني رتبت مع السيناتور هلمز أن أحضر أمام اللجنة الفرعية لشؤون الشرق الأوسط المتفرعة من لجنة الشؤون الخارجية والتي يرأسها السيناتور سام براونباغ والعضو الديموقراطي فيها هو السيناتور تشارلز روب (زوج ابنة الرئيس ليندون جونسون) من فيرجينيا. الجمهوريون رتبوها، وقلت حسنا. كان ذلك في 2 آذار 1998، ذهبت الى الكونغرس وطلبت مساعدة أميركا علناً لإسقاط نظام صدام وقلت إن الشعب العراقي ضد صدام ونحن نطالب بإسقاطه، لكن أميركا ساعدته.

كان الخطاب طويلا، وقلت فيه إن على أميركا مسؤولية أخلاقية لإسقاط صدام، وأنها وعدتنا بحماية المعارضة ثم أخلّت بوعدها. وقال روب: انت قلت إن أميركا وعدتكم بالدفاع عنكم وأخلت بالوعد، هل لديكم وعد من رئيس الجمهورية لأنه هو الوحيد الذي يستطيع إلزامنا، أم عندكم كلام من أحد موظفي وزارة الخارجية؟. فقلت له: عندي رسالة من نائب الرئيس آل غور يقول فيها: إننا سنقوم بما نستطيع لحمايتكم ومساعدتكم على إسقاط صدام أو إقامة الديموقراطية في العراق. سألني إذا كانت معي نسخة من الرسالة. قلت: لا أنا لم أحضرها معي. راندي شونمن سلم النسخة الى براونباغ، فقال براونباغ عندها: أنا عندي نسخة. قرأها، وقال: فهمت لماذا يشعر هؤلاء أن أميركا خذلتهم. وسكت.

ثم سألني: ما هي علاقتك بالاردن؟ قلت له إن الاردنيين عندهم مشاكل معي، وهناك قضية قضائية مالية. في نهاية الحديث كانت قراءة الرسالة وعلقت الجلسة بعدها.

في ذلك اليوم بثت أربع محطات تلفزيونية أميركية شهادتي امام مجلس الشيوخ في مقدمة نشراتها. هذا الأمر دفع صدام الى الجنون. اعتبر أن اميركا تلعب عليه، يعني يسمحون بظهور احمد الجلبي في مجلس الشيوخ وعلى التلفزيونات الاميركية ليطالب بمساعدة اميركية لاسقاطه وهو يسمح لهم بالتفتيش.

كان طارق عزيز في نيويورك اثناء انعقاد جلسة الكونغرس. بعدها حاولت الإدارة أن تقلل من أهمية ما حصل، لكنهم كانوا غير قادرين على أن يقللوا في شكل رسمي من أهمية الكونغرس. بعد الجلسة عدنا الى العمل. وجعلنا صدام يشك أكثر ويشعر أنه أخطأ بالاتفاق مع كوفي أنان.

المفتش سكوت ريتر (الذي صار لاحقا يكتب كتبا ويشتمنا. وكنا تعرفنا عليه في نيويورك، وهو ليس ودياً جداً) جاء إلينا في واشنطن، وقال: «الإدارة ستقوم بأمر وصدام عنده قضايا كبيرة لازم يعرفها، أريد أن ترسلوني الى الكونغرس كي اشرح ذلك». زارنا وأمضى ليلته في بيتي في واشنطن. قلنا له: طيب. أعطاني نسخة من تقرير أعده مختبر الأسلحة في الجيش الأميركي في ميريلاند.

بعدما اتفق صدام مع انان والإبراهيمي، سلم رؤوس صواريخ الى الأمم المتحدة التي لم تجد مكانا تفحصها فيه، فأحضرتها الى اميركا، وطلبوا من هذا المختبر أن يفحصها. بعد الفحص قدم تقريرا الى الأمم المتحدة فيه ما يلي: إن هذه الرؤوس فيها آثار من غاز الـ vx الذي هو غاز كيماوي خطر، كما وجدوا آثار مسحوق لتنظيف آثار الـ «في اكس». يعني صدام ليس فقط عنده «في اكس»، بل حاول أن يخفي آثاره أيضا.

يتبع

تقرير المختبر كان مهما، لكنه لم يكن سريا، لأنه كان سيقدم الى الأمم المتحدة، وليس الى الجهات الأميركية. أعطانا المفتش التقرير، ثم التقى السيناتور وغادر. أخذت التقرير وذهبت الى أصدقائنا في الكونغرس. قرأوه، وقالوا: هل تستطيعون نشره في الصحافة الأميركية؟ قلت نعم، فأخذوا التقرير ووجهوا رسالة الى كلينتون، وقّعها السيناتور لوت رئيس الأكثرية في مجلس الشيوخ والسيناتور جيسي هيلمز رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، ونيوت غينغريتش رئيس مجلس النواب وعضو الكونغرس بنيامين غيلمان رئيس لجنة العلاقات الدولية في مجلس النواب. وكانوا يوجهون اسئلة الى كلينتون، إجاباتها موجودة في التقرير، مثل: هل عندكم أدلة على أن صدام يملك الـ «في اكس»؟ اخذنا نسخة من الرسالة وأعطيناها الـ «واشنطن بوست» التي نشرتها ونشرت تقرير الأمم المتحدة، وقالوا أن المؤتمر الوطني العراقي هو الذي زودهم بهذه المعلومات. أحدث الأمر ضجة كبيرة. وكي تتأكد الصحيفة من صحة التقرير، اتصلوا بالشخص الذي وقعه، وسألوه: هل وجدتم شيئا بهذا المعنى؟ فأجابهم: المفروض أنه ليس عليكم أن تعرفوا بهذا الأمر. اتصلوا بالسفارة الفرنسية، فغضب السفير الفرنسي غضبا شديدا، وسألهم: كيف حصلتهم عليه؟ فقالوا من المؤتمر الوطني.

> لماذا اتصلوا بالسفير الفرنسي؟

– حتى يتأكدوا من أن هذا الموضوع وصل الى الأمم المتحدة. بعد تأكدها من الوقائع قامت «الواشنطن بوست» بنشرها. واتصل لاحقا مارتن انديك (الذي صار فيما بعد سفير أميركا في إسرائيل ثم مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى) بي، فذهبت للقائه. سألني: كيف تنشر هذا التقرير من دون أن تنسق معنا؟ سألته عن السبب. فقال: «نحن متهمون من فرنسا وروسيا بأننا سلمناك التقرير». فأجبته: «وهل أنت أو أي شخص آخر في الحكومة الأميركية سلمني التقرير؟». قال: لا. قلت: «إذاً أنت بريء من هذه التهمة، اخبرهم بذلك».

سألني: «وكيف حصلت على التقرير»؟ فرفضت أن أخبره. عندها سألني: «لماذا لم تخبرنا قبل نشر التقرير؟» فأجبته: «لو كنت أخبرتك بذلك، هل كنت ستمنعني من نشره؟». قال نعم. قلت: «عندها لو كنت نشرته لكنت اعتبرت ذلك تحديا لكلامك ومخالفة لنصيحتك، وكنت ستغضب. الآن أنا نشرته من دون أن أخبرك، على أساس انك ستغضب لاحقا، لكنني على رغم ذلك لم أخالف كلامك». قال: وماذا سنفعل؟ قلت: الشعب العراقي لن تقوم له قائمة ما لم يسقط صدام، علينا أن نعجل في سقوطه. قال: ما خططكم؟ قلت: أن نجعل الكونغرس يدعمنا في إسقاط صدام. قال: لكن السياسة تقررها. قلت له: أنا اعمل مع الكونغرس، انتم في الإدارة لا تريدون شيئا.

صاروا يرسلون الي أخباراً من جماعة تعمل في الحقل الخارجي ويقولون: كيف ستتغلب على إدارة كلينتون. وكلينتون محبوب وقضية العراق ثانوية بالنسبة إلى أميركا. فقلت لهم: أنا أريد أن اعمل ولا مصلحة لي في أن أقيم علاقات، الاساس عندي مصلحة العراق. هذا الكلام كان في الشهر السادس من عام 1998.

بعدها حصل ما يسمى «رأي الكونغرس» الذي هو قرار غير ملزم للإدارة، القرار يبدأ: بما أن صدام قام بغزو الكويت وبما أنه قمع انتفاضة الشعب العراقي وسبق أن استعمل الأسلحة الكيماوية ضد الأكراد في حلبجة سنة 1988، وبما أنه استعمل الأسلحة الكيماوية ضد إيران وخالف قرارات مجلس الأمن، لذلك نعتبر أن صدام يهدد الأمن القومي للولايات المتحدة وقام بخرق فاضح لقرار وقف النار 687.

كلينتون حارَ قبل التوقيع على القرار، لكنه كان قبل ذلك أجاب عن الأسئلة التي وجهت إليه عن غاز «في اكس» بالايجاب، فوقّع على القرار. وجن صدام وطرد المفتشين.

عندها عدنا الى الكونغرس وعملت على قانون تحرير العراق مع راندي شونمن وستيف رادامايكر الذي كتب نصه.

> متى صدر القانون؟

– في شهر تشرين الاول 1998. في البداية، وافق مجلس الشيوخ عليه بالإجماع، لذلك لم تكن هناك حاجة للتصويت عليه. وجو بايدن نائب الرئيس اوباما وافق عليه. وفي مجلس النواب حصل القانون على 360 صوتا مقابل 38، وتزامن ذلك مع قضية مونيكا لوينسكي.

> ومن أمن له التغطية؟

– الجميع صوتوا لمصلحة القانون: الجمهوريون والديموقراطيون صوتوا عليه. كلينتون وصله القانون في 6 أكتوبر ولم يوقع عليه إلا في 31 أكتوبر 98، صار قانونا ملزما لأميركا. وصار تنفيذه من مسؤولية الإدارة. القانون تضمن الأموال للإعلام بقيمة 3 ملايين دولار لتأسيس «صوت العراق الحر» و97 مليون دولار لا تقدم نقدا، لكنها قيمة لمعدات فائضة من وزارة الدفاع الأميركية تقدمها الى قوى المعارضة العراقية. والإدارة مكلفة أن تقدم جدولا بأسماء المنظمات المؤهلة لاستلام مساعدات من هذا النوع.

انا ألححت على أن تشمل المساعدات الأطراف الكردية والمجلس الاعلى بقيادة السيد الحكيم وحركة الوفاق بقيادة اياد علاوي، وكل الاطراف الموجودة. هذا صار قانونا وكلينتون بعد توقيعه ارسل في 13 نوفمبر طائرات لقصف العراق، لكنها عادت في اليوم نفسه ولم تقصف. وليبرر هذا الامر، دعا أعضاء مجلس النواب ومجلس الشيوخ الذين وقعوا على قانون تحرير العراق الى البيت الابيض وابلغهم ان سياسة الادارة تقتضي تنفيذ القانون، واستعملوا تعبير: PIVOT AND STRIKE” الذي لم اعرف ما كانوا يقصدون به.

> لماذا أرسل الطائرات الى العراق ثم أعادها؟

– ربما وجد أن الأمر غير مناسب. لم يدل بتصريحات في حينه لنفهم الأمر. ربما اعتبروا أن هذا الأمر سيجلب لهم دعاية سيئة ولن يحققوا من ورائه شيئا. في الوقت نفسه، بينما كان الكونغرس يعد الميزانية لسنة 1999 ضمّنوا فيها مساعدات للعراق بقيمة 25 مليون دولار للمعارضة العراقية.

عينت الإدارة الأميركية منسقا خاصا للمعارضة العراقية اسمه فرانك ريتشاردوني (الذي صار فيما بعد سفيرا في الفيليبين ثم القاهرة) وهو رجل قدير وذكي.

> هل قمت وحدك بكل هذه التحركات؟

– كعراقي نعم، كان عندي مساعدان، احدهما أميركي اسمه فرنسيس بروك وآخر باكستاني – أميركي اسمه بهزاد سفنا، كانا يساعدانني ولم أتعامل مع أحد من العراقيين. منذ صدور قانون العراق، تقريبا معظم قادة المعارضة العراقية اجمعوا على انتقادي.

> لماذا؟

– لا اعرف، ولم افهم السبب. أنا استغربت موقفهم، أصدروا بيانات وكتبوا مقالات لكنها لحسن الحظ لم تحدث صدى في أميركا. بعد ذلك عينت الادارة ريتشاردوني للتنسيق مع المعارضة. أرسلوا إليه مستشار الأمن القومي في ذلك الحين ساندي بيرغر الذي قال له: أنت مهمتك أن تزيح اسم احمد الجلبي من الواجهة الإعلامية.

جاء ريتشاردوني وكان يريد أن يزيحني من الطريق، هذا كان عام 1999. أعلنت عندها أننا نريد أن نعقد اجتماعا للمعارضة العراقية في واشنطن. ريتشاردوني غضب، ودعاني الى اجتماع في واشنطن، وقال: من سيمول هذا الاجتماع، ومن سيقبل به ومن سيعطيكم تأشيرات الدخول؟ قلت: انتم. قال كيف، وأنت لم تنسق معنا؟ قلت له: ارفض إذن، وقل إنك لا تريد أن تدعو الى اجتماع للمعارضة.

> وهل كان بمقدوره الرفض؟

– كلا، هناك قرار الكونغرس. ثم صاروا يسألوننا. السيناتور من ولاية نبراسكا بوب كيري والذي كان مؤيدا قويا لنا تبنى موضوع متابعة وزارة الخارجية. طلب اجتماعاً مع ريتشاردوني ومعي. أعطانا موعدا الساعة الرابعة. ثم قبل نصف ساعة من الموعد، اتصلوا بنا من مكتب كيري وقالوا إن الاجتماع تأجل. انتقدناهم، وقلنا كيف لا يرد موظف في وزارة الخارجية على سيناتور. تكلم موظفو كيري مع ريتشاردوني بشدة فجاء. بوب كيري كان يريد أن يمزح، فسألنا: «هل تشاجرتم أم لم تفعلوا حتى الآن؟»، قال ريتشاردوني: ليس بيننا أي خلاف. ثم قلت: أنا مستعد أن اعمل مع كل أطراف المعارضة لنوحد صفوفنا. ريتشاردوني قال: أنت نظم مؤتمرا للمعارضة في لندن لاحياء المؤتمر الوطني حتى نعيد الدعم. قلت: عليك أيضا أن تبلغ الأطراف المهمة في المعارضة وتخبرهم بأن عليهم أن ينشطوا المؤتمر، ثم نعقد اجتماعا يحضره الجميع في حضوركم، خصوصا الأطراف الكردية، إذ كانت علاقتنا متوترة بالحزب الديموقراطي.

وافق. وخرجنا من الاجتماع مع كيري وتمشيت مع ريتشاردوني. قال: لا تعلن أنك انتصرت علينا وتؤذي الآخرين. قلت لا، نحن نسيّر العمل. قال: غدا اجتماع في المكتب عندي سأدعو هوشيار زيباري وبرهم صالح وابلغهما بالقرار. ذهبنا الى المكتب، وجاء هوشيار وبرهم. سلمنا على بعض وجلسنا. أخبرهم كيري عن اجتماع المؤتمر الوطني في لندن، فحصل تململ بسيط ثم أيدا الموضوع. عدت الى لندن وطلب مني ريتشاردوني أن لا أوجه الدعوة كرئيس المؤتمر الوطني، فوافقت على أن أترك لنائب رئيس المؤتمر لطيف رشيد توجيه الدعوة. وجه لطيف الدعوة وحصل اجتماع المؤتمر في ويندسور خارج لندن. حضر بوب كيري ودانييل بليتكا لمراقبة حسن تصرف وزارة الخارجية.

نهاية الحلقة السادسة وتليها الحلقة السابعة

الحلقة السابعة

نفى الدكتور أحمد الجلبي رئيس «المؤتمر الوطني العراقي» ان يكون «المؤتمر» ضلل الأميركيين في ملف أسلحة الدمار الشامل أو المختبرات الجوالة. وانتقد المدير السابق للاستخبارات المركزية الأميركية الـ «سي آي أي» جورج تنيت ووصفه بأنه كاذب وفاشل.

وتحدث الجلبي عن علاقته بـ «المحافظين الجدد» قائلاً: «الأفكار التي طرحوها لم يكن لها مجال للتنفيذ. نحن أعطيناهم قضية هي العراق…». وهنا نص الحلقة السابعة:

> ما قصة المختبرات النقالة للأسلحة البيولوجية؟

– في العام 2002، جاء شخص ادعى أن عنده معلومات عن مختبرات متنقلة للأسلحة البيولوجية. رتب أراس حبيب لهم مقابلة معه في عمان. أخضعوا هذا الشخص لجهاز كشف الكذب، فتبين انه يكذب. مع ذلك أخذوا معلوماته وادعوا لاحقاً بأنهم لم يبلغوا بأنه لم ينجح في اختبار كشف الكذب.

الآخر كان شاباً ادعى أنه يعرف عن برنامج نووي للتخصيب في العراق. وقابلته الاستخبارات الأميركية في كردستان في شباط (فبراير) 2003 مرة واحدة، ثم قالوا لا نريده، وذهب. هذا هو كل ما لدينا. هذا الموضوع صارت حوله مسألة كبيرة جداً. وخرج تقرير رسمي أميركي هو تقرير روب سيلفرمان الذي قال إن علاقة «المؤتمر الوطني العراقي» بقرار أميركا دخول الحرب «ضعيف وغير موجود». ثم خرج تقرير لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأميركي التي كلفت التحقيق في الموضوع. وقالت في تحقيقها الأول إن لا علاقة لنا، ثم تساءلت: هل دخلت معلومات استخباراتية إلى الإدارة مباشرة من دون المرور عبر أجهزة الاستخبارات؟ وما هو دور المؤتمر الوطني فيها؟

أرسلت إليّ لجنة الاستخبارات في الكونغرس اثنين من موظفي الحزب الجمهوري، صاحب الغالبية آنذاك، في نهاية العام 2005. كانا رجلاً وامرأة التقيتهما في زوريخ لمدة ست ساعات، وطلبا مني معلومات كاملة عن هذا الموضوع، ثم كتبا تقريراً قدمه رئيس لجنة الاستخبارات السيناتور بات روبرتس. في اللجنة تحرك الديموقراطيون، باعتبارهم خصوم بوش، مع الجمهوري الذي كان يكره المؤتمر الوطني كثيراً السيناتور تشاك هيغل، والسيناتور أوليمبيا سنو، وهي ليبرالية تنتمي إلى الحزب الجمهوري أيضاً. قال هيغل: مستحيل أن نبرئ المؤتمر الوطني وأحمد الجلبي، فكتبوا في التقرير مسائل ضدنا. وأصدر روبرتس بعدها تقريراً خاصاً، استخدم عبارات قوية جداً، وقال: لم أر تصميماً سياسياً على تغيير الحقيقة مثلما حدث في هذه القضية.

نحن لا علاقة لنا بقرار أميركا دخول الحرب. الشيء المهم جداً هو أن الاستخبارات الأميركية فشلت. تينيت قال لبوش إن معلومات أسلحة الدمار الشامل مؤكدة. كيف تستطيع فئة معارضة تعمل في الخارج وهدفها الرئيسي إسقاط صدام أن تقنع الإدارة الأميركية بدخول حرب ضد صدام بهذه الطريقة؟ هذا خيال.

> ماذا عن قصة المختبرات المتنقلة؟

– ظهر شخص أطلق عليه الأميركيون لقب «كرفبول» Curveball، وكان اسمه الحقيقي رافد أحمد علوان. جاء إلى ألمانيا التي أبلغت استخباراتها الاستخبارات الأميركية أن لديه معلومات. وأعطاهم معلومات عن المختبرات البيولوجية. وكان الشخص الذي التقاهم في عمّان وفشل في جهاز كشف الكذب أعطاهم المعلومة نفسها، فاعتقدوا أن هذا تأكيد للمعلومة.

قال روبرتس إن 97 في المئة من معلومات الولايات المتحدة عن الأسلحة البيولوجية في العراق من هذا الشخص (علوان). أبلغت الاستخبارات الأميركية الإعلام أن شقيق علوان يعمل في المؤتمر الوطني، وخرج هذا في الصحف، على رغم نفينا. وكتبنا رسالة إلى «نيويورك تايمز» التي قالت إن مصادر الاستخبارات التي كانت تؤكد علاقة علوان بالمؤتمر الوطني تنفي ذلك الآن. لم نكن نعرف هذا الشخص.

> هل يمكن أن تكون إيران ضللت الأميركيين؟

– لا. علاقتنا بالأميركيين وبالإيرانيين كانت واضحة للطرفين. في العقد بين المؤتمر الوطني ووزارة الخارجية الأميركية العام 2000، كان هناك اتفاق على فتح مكتب في طهران وفي دمشق. جاءنا محام من وزارة الخارجية اسمه توم ووريك، وقال: كيف تريدون فتح مكتب في طهران؟ هناك قرار رئاسي يمنع على الحكومة الأميركية إنفاق أي أموال في إيران. وهذا سيتطلب استثناء من دائرة التحكم بالأصول الأجنبية في وزارة الخزانة. وبالفعل، حصل لنا على موافقة أخذناها وذهبنا إلى طهران.

> هل تعتقد أن الأميركيين أساؤوا التصرف؟

– قطعاً.

> من منهم؟

– المسؤول الأول عن هذا الموضوع هو الرئيس بوش الذي استمع في نهاية المطاف إلى من قالوا له إن العراقيين غير قادرين على حكم أنفسهم، واستمع إلى نصائح بعض حلفائه كبريطانيا وبعض الدول العربية التي كانت متخوفة من نوع التغيير الذي يحدث في العراق، فأعلن الاحتلال بدلاً من أن يسير في الخط الذي كنا اتفقنا عليه، وهو إعلان حكومة عراقية موقتة تلتزم بموعد للانتخابات بقرار من مجلس الأمن، وتتصرف كحكومة ذات سيادة في العراق. لو حدث هذا، لتفادينا الكثير الكثير من الأخطاء.

> هل قرأت مذكرات جورج تينيت؟

– قرأت جزءاً منها.

> وما رأيك فيها؟

– أول صفحة فيها كذب. في أول مقاطع الكتاب يقول إن ريتشارد بيرل التقاه وهو خارج من البيت الأبيض في 12 أيلول 2001. في ذلك الحين، كان بيرل في جنوب فرنسا. القضايا والوقائع التي ذكرها كانت خطأ.

> تقصد أنه كاذب؟

– نعم.

> تحدث عنك في مذكراته؟

– نعم. ذكر مسائل سلبية كثيرة. كل واحدة منها عليها رد. لكنها في شكل عام، قضايا ليست لها أهمية. جورج تينيت لم تكن له علاقة بالاستخبارات. بدأ حياته السياسية مساعداً في لجنة الاستخبارات في الكونغرس، ثم صار رئيساً للاستخبارات في عهد كلينتون، لأن الأخير لم يكن مهتماً بالوكالة. ومرشح كلينتون توني ليك فشل في الحصول على تأييد الكونغرس. وكان ترشيح تينيت الخيار الأسهل.

> هل تعتقد أنه كان غير كفوء؟

– نعم. تينيت شخص غير كفوء. كان مسؤولاً عن تدبير عملية الانقلاب التي كشفت في العراق العام 1996. ولم يكترث بالتحذيرات التي وصلته مباشرة مني عن طريق بعض الساسة الأميركيين الذين أعرفهم. وحدثت مصيبة، إذ شهدت أكبر خسائر لـ «سي آي اي». والفشل الكبير كان في المعلومات الخطأ المختلقة التي جاء بها تينيت لبوش لتبرير الحرب عن طريق أسلحة الدمار الشامل.

> إذن أنت تقول إن تينيت هو من أتى بالمعلومات الخطأ. هل كان يعرف أنها خطأ؟

– إذا لم يكن يعرف، فهذه مصيبة أكبر. هناك أدلة كثيرة جداً على خطأ هذه المعلومات. الأميركيون التقوا «كرفبول» (رافد علوان) مرة واحدة فقط واعتمدوا على الألمان، رغم أن السيناتور روبرتس قال إن «كرفبول» كان مصدر 97 في المئة من المعلومات عن أسلحة الدمار الشامل.

> هل قرأت ما كتبه عنك بول بريمر؟

– نعم.

> ما رأيك فيه؟

– سأذكر لك شيئاً واحداً عن بريمر. يقول بريمر إنني الشخص الوحيد الذي يفهم في الاقتصاد بين من قابلهم في العراق.

> لكنه قال أشياء أخرى.

– نعم. اختلفت معه على 4 قضايا، الأولى إنفاقه للمال العراقي. والثانية محاولة اعتقال مقتدى الصدر وسقوط قتلى، وقلت له: كفى قتلاً لأبنائنا. الأمر الثالث هو موضوع اجتثاث البعث وحل الجيش. أما الشيء الرابع، فهو موضوع السيادة، وهذا هو الأهم.

> ألم تشارك في تضليل وسائل الإعلام الأميركية؟

– أبداً. هدفنا كان إسقاط صدام وكنا نعبئ الرأي العام العالمي ضده، ولم نعط أي معلومات كاذبة عن الوضع في العراق. لم نقل شيئاً عن مختبرات متنقلة أو غيره. إذا كان من السهل تضليل أميركا بهذا المستوى، فلماذا لم يضللها آخرون؟ هل براعتنا بالتضليل وصلت إلى هذا الحد من الدقة، لنقنعهم بالهجوم على صدام اعتماداً فقط على معلوماتنا؟

> لماذا إذن أسقطت إدارة بوش نظام صدام؟

– خافت بعد 11 أيلول أن يفعل شيئاً. اتضح أن من السهل فعل هذا. لا تنسّ رسائل الأنثراكس التي استهدفت مجلس الشيوخ، ولم يعرف حتى الآن من أين جاءت. أغلقت بناية كبيرة سبعة شهور. ما فعلناه نحن أننا أسسنا شرعية العمل الأميركي ضد صدام في قانون تحرير العراق. وهذه مسألة مهمة.

> هل قابلت الرئيس بوش؟

– ثلاث مرات. الأولى في حفلة استقبال في نيويورك لمناسبة اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة. سلمت عليه، وكنت أنا وابنتي. القيت وقتها كلمة العراق أمام الجمعية العامة العام 2003 بعد إسقاط صدام، حين كنت رئيس مجلس الحكم.

وفي الرحلة نفسها، رأيته في واشنطن خلال إلقائه خطاب حال الاتحاد. كنت أقف خلف زوجته. وحين أنهى خطابه، صافحته وتحدثنا لثلاث دقائق. أما المرة الثالثة، فكانت في المكتب البيضاوي في البيت الأبيض ضمن وفد عراقي ضم الدكتور عدنان الباجه جي رئيس مجلس الحكم آنذاك ورئيس الوفد، والسيد عبدالعزيز الحكيم وأنا. كان ذلك في كانون الثاني (يناير) 2004.

> وغضب منك بعد ذلك؟

– نعم. غضب من هذا الاجتماع. لأنني كنت أطالب بإجراء انتخابات، لذلك ذهبت إلى المسؤولين عن البطاقة التموينية وطلبت منهم معلومات عن المواطنين للخروج بقائمة ناخبين. وهذا ما حصل لاحقاً، ويحدث إلى اليوم. واعتقدت وقتها أنني قادر على إجراء انتخابات خلال ثلاثة شهور. وذهبت إلى واشنطن وأعلنت ذلك. وكان الأميركيون يريدون تأخير الانتخابات. ويوم إعلاني ذلك في واشنطن، خرجت تظاهرة كبيرة جداً في بغداد تطالب بالانتخابات، فاعتبر الرئيس بوش هذا ليّاً لذراعه.

الأمر الثاني، هو تحريض بريمر بوش عليّ، وهو ذكر هذا في مذكراته. قال له إنني أصبحت شوكة في خاصرة الأميركيين. وفي نيسان (أبريل) 2004، أصدر بوش مذكرة لم أطلع عليها، بصفته رئيساً لمجلس الأمن القومي، تدعو إلى تهميشي. وهذا كان الأساس الذي اعتمد عليه بريمر للهجوم علي في بغداد بعد ذلك بشهر عقب زيارة بلاكويل.

> ما قصة الهجوم الأميركي على منزلك في بغداد؟

– تم هذا بسبب ثلاث قضايا. الأولى هي العمليات التي قاموا بها ضد التيار الصدري في بغداد والنجف. أنا وقفت في مجلس الحكم في نيسان (أبريل) 2004.

الأمر الثاني هو قضية الأخضر الإبراهيمي الذي أرسلته الأمم المتحدة مبعوثاً لها إلى بغداد. وفي أول زيارة له كتب تقريراً إلى الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك كوفي أنان الذي أرسله بدوره إلى مجلس الحكم. وتضمن هذا التقرير هجوماً شديداً على الأكراد والشيعة. وتُلي هذا التقرير في المجلس، وأثار ضجة. واقترحنا تشكيل لجنة للرد على أنان. كانت اللجنة تضم الدكتور محمود عثمان وحميد مجيد موسى والدكتور إبراهيم الجعفري وأنا. اجتمعنا وأعددنا رداً لأنان، لم نذكر فيه الإبراهيمي، لكن اتضح من ردنا أننا لا نرحب بعودته. وقع الرد رئيس مجلس الحكم السيد محمد بحر العلوم لإرساله إلى أنان. وحين رآه بريمر، منع إرساله. بعد ذلك بـ48 ساعة، وصل إلى بغداد المستشار الخاص لبوش حول العراق السفير روبرت بلاكويل. اتصل بي بريمر وطلب عقد اجتماع. وعندما ذهبت إلى القصر، وجدت معه بلاكويل الذي سألني: لماذا تقف ضد الإبراهيمي؟، فأجبت بأنني أعتقد أن الإبراهيمي يريد إعادة شيء مشابه لوضع العراق في زمن صدام من ناحية علاقاته بالدول العربية ومن يسيطر على الحكم في بغداد. وأوضحت أن كل ما عملنا عليه كان هدفه تغيير ذلك، واعتقد بأن الإبراهيمي سيسبب لنا مشاكل. رد بلاكويل قائلاً إن الإبراهيمي يحظى بثقة أنان، وبتأييد الرئيس بوش الذي التقاه مرتين. قلت له: مع كامل الاحترام لهذا الشخص المهم وتاريخه، أريد أن أذكرك بأنه دبر زيارة لعنان للقاء صدام في شباط (فبراير) 1998، بهدف إنقاذه من قضية المفتشين.

بعد نصف ساعة من الحديث. طلب بلاكويل من بريمر أن يغادر غرفة الاجتماع. وباغتني بلاكويل بالقول: هل تعرف من أنا؟ أنا الممثل الشخصي للرئيس بوش. ووضعك مرتبك في البيت الأبيض. فقلت له: وماذا بعد؟ قال: إذا كنت ستقف في وجه سياسة الرئيس بوش، سنلقي بكامل ثقل الولايات المتحدة للضغط عليك. فرددت بأن هذه الحجة لا تقنعني وتركت الاجتماع.

النقطة الثالثة التي أزعجت بريمر كثيراً، هي أنني كنت أقول له في مجلس الحكم إنك صاحب التوقيع الوحيد على أموال العراق، فانتبه كيف تنفقها. هناك مشاكل في المحاسبة. وهذا كان يضايقه. حذرني أحد أصدقائي في مجلس الحكم من أن بريمر سيؤذيني إذا استمر طرحي للمسائل المالية. بعدها خرجت الاستخبارات المركزية الأميركية بقضية إرسال معلومات إلى إيران.

> وهل أرسلت معلومات إلى إيران؟

– لا طبعاً. هذا اتهام سخيف جداً. قالوا إنني أبلغت الإيرانيين بأن الولايات المتحدة تمكنت من فك شفرة اتصالاتهم. فقام ضابط استخبارات إيراني بإرسال هذه المعلومة بنفس الشفرة إلى طهران. أي شخص لديه معرفة بسيطة بعمل الاستخبارات، يدرك أن هذا مستحيل.

جرت تحقيقات كبيرة. ولم يعرف الأميركيون كيف حصلت على هذه المعلومة. اتهموا كثيرين، لكن لم يحصلوا على شيء. ودعيت بعد ذلك إلى الولايات المتحدة في تشرين الثاني (نوفمبر) 2005 للقاء مسؤولين بينهم نائب الرئيس ووزيرة الخارجية ووزير الدفاع ووزير التجارة ووزير الخزانة ومستشار الأمن القومي.

> متى كان أول اتصال بينك وبين «سي آي أي»؟

– في العام 1991 في لندن.

> هل بادروا هم الى هذا الاتصال؟

– كانت لي علاقات مع وزارة الخارجية الأميركية بدأت في بيروت عام 1971. تم أول اتصال بين الأكراد والأميركيين في منزلي في بيروت.

> مع الـ «سي آي أي»؟

– جاء مندوب من قبل الملا مصطفى بارزاني هو سكرتير المكتب السياسي لـ «الحزب الديموقراطي الكردستاني» حبيب محمد كريم. اتصلت وقتها بعادل عسيران، فاتصل بلبناني يعمل في السفارة الأميركية طلب منه أن يبعث شخصاً لمقابلة مهمة. وأرسل ديبلوماسياً أميركياً في القسم السياسي في السفارة إلى منزلنا في بيروت.

وفي عمّان تعرفت إلى السفير الأميركي في الأردن ريتشارد فيتس في مطلع الحرب العراقية – الإيرانية، وشرحت له ما أتوقع أن يحدث. وأحضر فيتس لاحقاً إلى عمّان مسؤول قسم رعاية المصالح الأميركية في بغداد آنذاك توماس ايغلتون الذي صار سفيراً في دمشق لاحقاً، وعقدنا اجتماعاً استمر ثلاث ساعات للبحث في الوضع.

بعد ذلك، اجتمعت بنواب أميركيين في عمّان في الثمانينات. كانوا كلهم يؤيدون صدام، وخضنا نقاشات حادة حول ذلك. استمرت العلاقات معهم. وفي نهاية الثمانينات قبل أن أغادر عمّان، تعرفت إلى رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأميركي كليبورن بيل عن طريق صديقي بيتر غالبريث الذي أصبح بعد ذلك سفيراً للولايات المتحدة في كرواتيا، وعمل مع كليبورن على مشروع قانون بعدما أبلغته أن صدام يحصل على بليون دولار سنوياً في صورة تسهيلات مالية عن طريق وزارة الزراعة الأميركية. وصدر بعدها قرار بمنع صدام، ما أثار حفيظة إدارة رونالد ريغان التي ردت بمشروع قانون يمنح الرئيس صلاحية منح هذه المساعدات.

> متى بدأت علاقتك مع إيران؟

– من زمن بعيد. كانت لوالدي علاقات معها، وبعده أنا في العام 1969. وحين قامت الثورة الإسلامية، ساهمت في تنظيم العلاقات بين الإيرانيين والحركة الكردية في العراق. وسهلت عملية نقل جثمان المرحوم الملا مصطفى بارزاني من أميركا إلى إيران لدفنه عام 1979، قبل نقل رفاته إلى العراق عام 1993.

> إذن، كانت علاقتك بإيران تسير بالتوازي مع علاقتك بالأميركيين؟

– نعم، طبعاً. كنت مقتنعاً أن عمليتنا لن تنجح إلا إذا حدث نوع من التفاهم الضمني على إنجاحها بين أميركا وإيران.

> وهذا ما حصل؟

– هذا ما حصل طبعاً.

> وما قصة جمعك الأكراد مع المجلس الأعلى في العام 1979؟

يتبع

وما قصة جمعك الأكراد مع المجلس الأعلى في العام 1979؟

– كان الأكراد ممتنين للمرجع السيد محسن الحكيم لإصداره فتوى في العام 1966 تحرم قتال الأكراد. وفي العام 1969، عقد اجتماع بين الملا مصطفى بارزاني والسيد مهدي الحكيم الذي شارك معنا في طهران في الحركة ضد نظام «البعث».

بعد ذلك توقفت العلاقات، حتى حدثت تحركات كردية في إيران العام 1979 ضد الثورة الإسلامية. كان ولدا الملا مصطفى، وهما المرحوم إدريس ومسعود، موجودين في طهران. وكان وضعهما قلقاً بسبب اتصالاتهما السابقة بالشاه. فبادرت الى الاتصال بمسعود هاتفياً. وقلت له إن عليهم اتخاذ موقف من الوضع الكردستاني في إيران، فرد قائلاً: لن نسمح لأعداء الجمهورية الإسلامية بالوصول إلى الحدود العراقية – الإيرانية، طالما بيدنا شيء. سألته إن كان يمانع في إجراء اتصال بالثورة، فرحب. واتصلت بالسيد محمد باقر الحكيم الذي كان في طهران، وقلت له: قابل مسعود وإدريس بارزاني لإنشاء علاقة معهما، فقال: على الرحب والسعة. اعطيتهما هاتفه وحصلت الاجتماعات من جديد. وبعد ذلك، خطط الطرفان في طهران للانتفاضة الشعبانية بعد حرب الخليج.

> أليس «المؤتمر الوطني العراقي» هو مصدر معلومات ادارة بوش عن أسلحة الدمار الشامل؟

– هذا غير صحيح. فقد بادر البيت الأبيض الى الاتصال بنا في تشرين الأول (أكتوبر) 2001، وسُئلنا إذا كنا نعرف أشخاصاً لهم علاقة ببرنامج أسلحة الدمار الشامل. فقلنا إن لا علاقة لنا بهذا الامر. وفي هذه الفترة، جاءنا بالصدفة شخص اسمه عدنان الحيدري قال إنه متجه إلى دمشق، وإنه كان يبني غرفاً ضد الإشعاع في العراق ولديه معلومات وخائف. سهلنا سفره إلى تايلاند. ورتب هذا الأمر من لندن مسؤول الاستخبارات في «المؤتمر الوطني العراقي» اراس حبيب. اتصلنا بمراسلة «نيويورك تايمز» جوديث ميلر، وقلنا لها إن هذا الشخص لديه معلومات، إذا رغبت في مقابلته. وبالفعل، سافرت إلى تايلاند والتقته ونشرت المقال. أبلغنا واشنطن بمكانه، فأرسلت ضباطاً من استخبارات وزارة الدفاع للقائه. قالوا إن لديه معلومات كاملة واصطحبوه إلى أميركا، لكنهم أعربوا عن انزعاجهم من نشر المعلومات في «نيويورك تايمز».

> هل كان «البيت الشيعي» ردك على الأميركيين؟

– لا. نظمنا البيت الشيعي لأن الأميركيين شكلوا مجلس الحكم على أساس طائفي. ورأيت أنه إذا ترك الوضع على الغارب للأطراف العراقية الموجودة في مجلس الحكم، فمن الممكن أن تصير شرذمة في الوضع السياسي، ويسهل على الأميركيين التحكم في الوضع في ظل عجرفة بريمر. لذلك، أسسنا البيت الشيعي لجمع كلمة الأعضاء الشيعة وتكوين كتلة داخل مجلس الحكم تلتزم بقرارات لمصلحة العراق والحصول على السيادة ومجابهة بريمر.

> بقراءتك المتأخرة، من دفع باتجاه المغامرة الأميركية في العراق، نائب الرئيس أم مدير الاستخبارات؟

– أعتقد أنه صار هناك وضع سياسي في واشنطن. واقتنع الرئيس بضرورة التحرك ضد العراق، وأيد نائب الرئيس هذه القضية، كما أيدتها بشدة وزارة الدفاع وأعضاء في الكونغرس.

> هل كانت علاقتك جيدة برامسفيلد؟

– لم تكن عميقة. لكن كان هناك احترام متبادل.

> مع من من مساعدي رامسفيلد كانت علاقتك جيدة؟

– كانت علاقتي جيدة مع بول وولفويتز. ساعدناه كي يصبح شخصية بارزة حين كان خارج السلطة في عهد كلينتون. أصبح وكيل وزارة الدفاع في عهد بوش، ثم عميداً لكلية الشؤون الدولية في جامعة جون هوبكنز في واشنطن. وهناك ساعدناه كثيراً.

> كيف؟

– كنا نعطيه معلومات تمكنه من كتابة مقالات عن مسائل حقيقية تجري في العراق ولم تطلع عليها الإدارة، فاكتسب صدقية وصار يدعى للشهادة أمام الكونغرس الأميركي، وكنا نزوده معلومات حقيقية لاستخدامها في هذا المجال. وأصبح شخصية معروفة في واشنطن في شأن العراق.

> هل ما زالت علاقتك به مستمرة؟

– لم أتحدث إليه بعدما هاجمني الأميركيون في العراق، ولم يتصل هو بي.

> وعلاقتك بريتشارد بيرل؟

– قوية.

> حتى اليوم؟

– نعم.

> يعني علاقتك كانت بالمحافظين الجدد؟

– الأفكار التي طرحها المحافظون الجدد لم يكن لها مجال للتنفيذ. نحن أعطيناهم قضية هي العراق. هم استفادوا كثيراً من وجودنا وتكويننا السياسي في طرح موضوع قابل للتنفيذ. باقي المواضيع التي طرحوها لم تنفذ. كانت فاشلة، مثل قضايا سورية وإيران و «حزب الله» و «حماس» والشرق الأوسط الجديد. كان هذا كله فاشلاً. ونحن استفدنا منهم كثيراً.

> هل صحيح أنك أقنعت الأميركيين بأن ديموقراطية حديثة ستقوم في العراق إذا أسقطوا صدام؟

– نعم. وصارت هناك ديموقراطية. العراق الآن دولة ديموقراطية.

> من كان يحرض عليك في الاستخبارات الأميركية غير جورج تينيت؟

– كثيرون. المسؤولون عن دائرة الشرق الأدنى في «سي آي اي» منذ العام 1995 كانوا ضدي. كلهم.

> هل كانت علاقاتك غير طيبة مع وزراء الخارجية؟

– علاقتنا معهم كانت هامشية. لكن كولن باول كان ضدنا وكذلك نائب وزير الخارجية ريتشارد أرميتاج.

> لماذا لك أعداء كثيرون؟

– لأنني جئت لتغيير واقع حقيقي في الشرق الأوسط وفي السياسة الأميركية إزاء المنطقة. هناك مصالح هائلة كانت تدعم الحال السياسي الموجود. وجئت أنا وعملت على تغيير هذا الواقع في أميركا. أنظمة عربية كثيرة تعتمد على جماعات في أميركا لدعمها وإبقائها في السلطة. جئت أنا وغيرت هذا الواقع من خارج الإطار المعتمد. وأدخلت في واقع السياسة الأميركية أشخاصاً جدداً غير الأشخاص المعهودين، وأصبحت لهم أصوات مسموعة في الشأن العراقي.

> هل لك علاقات مع الإدارة الأميركية الحالية؟

– لا.

> ألست بحاجة إلى هذه العلاقات؟

– أميركا دولة عظمى لها وجود في المنطقة. لكن لا أعتقد أن لنا مصلحة في علاقة وثيقة أو قوية معهم.

> ألا تخشى عودة الحرب الأهلية في العراق بعد خروج الأميركيين؟

– لا. أنا واثق أن العراقيين يستطيعون السيطرة على الوضع. أنا تقريباً الوحيد بين قلة من السياسيين خارج المنطقة الخضراء في مناطق تعتبر ساخنة. ولم تكن لي حماية أميركية أبداً.

> هل تعرضت لمحاولة اغتيال؟

– مرات عدة.

> من كان وراءها؟

– كثيرون. «القاعدة»، ثم بعض البعثيين. آخر عملية استهدفت موكباً لي لم أكن فيه في أيلول الماضي. البعثيون أرسلوا لنا سيارة مفخخة قبل ذلك، فككناها قبل أن تنفجر.

> أين عزت الدوري باعتقادك؟

– لا أعرف.

> غير معقول. أنت شخص في موقع ولديك معلومات؟

– صحيح لا أعرف. نسمع مرات أنه في العراق.

> وهل يمكن أن يكون خارج العراق؟

– محتمل. لكن ليس عندي أساس لأي معلومات.

> ماذا تحمل غير الجنسية العراقية؟

– أحمل الجنسيتين اللبنانية والبريطانية.

> كيف حصلت على اللبنانية؟

– والد زوجتي المرحوم عادل بك عسيران في العام 1982. اتصل بي قائلاً إنه حصل لي على الجنسية من الرئيس إلياس سركيس.

استعملت جواز سفري العراقي حتى رفضوا تجديده، فاستعملت جواز السفر اللبناني. وحين حاولت السفر إلى أوروبا حدثت مشاكل، فحصلت على جواز السفر البريطاني.

> بأي صفة شاركت في مؤتمر جنيف للحوار اللبناني؟

– كان هناك تسعة قادة مدعوين، بينهم المرحوم عادل عسيران. كنت في الأردن، فاتصل بي وقال لا بد أن تأتي معي إلى جنيف. فسألته: بأي صفة؟ فرد: ولماذا حصلنا لك على الجنسية اللبنانية؟

كان لكل شخص مرافقان يدخلان معه في القاعة. أخذ ابنه علي بك النائب الحالي وأنا، في مؤتمر جنيف وبعده مؤتمر لوزان.

سأروي لك قصة من مؤتمر جنيف. حين عقدت المعاهدة اللبنانية – الإسرائيلية (اتفاق 17 أيار) التي سعى من أجلها الأميركيون، انزعجت كثيراً. فذهبت إلى مؤتمر جنيف، وقلت لعمي إن هذا الاتفاق أسوأ من الاحتلال لأنه يشرعن دخول الجيش الإسرائيلي إلى لبنان متى يشاء، فتصبح له صفات المحتل من دون أن يتحمل تكاليف الاحتلال. وقلت له إن هذا الاتفاق اتفاق سلام، والدولة اللبنانية ليست معنية بالحرب، رغم أنه يتم على أرضها. واتفاق السلام لا بد أن يكون بين المتحاربين. عندما تعقد اتفاق سلام من دون أن تسيطر على الأطراف المتحاربة على أرضك، يتم هذا على حسابك. فاقتنع بهذا الرأي.

> على من تعرفت في جنيف؟

– كثيرون. الرئيس كميل شمعون كنت أعرفه من صغري وتحدثت معه، وكان يعرف والدي وشقيقي طلال.

> هل تعرفت على رفيق الحريري هناك؟

– رأيته هناك. كان عادل بك يزور الرئيس رشيد كرامي، فذهبنا إلى جناحه. وكان نبيه برّي وعبدالحليم خدّام هناك، ودخل الحريري وأشار إلى الرئيس برّي وتحدثا على انفراد، فصرخ خدّام: انتبه يا نبيه.

بدأت العلاقة مع الحريري في عمّان. أسست مدرسة بالتعاون مع الأمير حسن وأنفقنا عليها من البنك. وكان الأمير قلقاً على مستقبل المدرسة. وحين جاء الحريري، دعاني الأمير للقائه على أمل دعمه المدرسة. وحين تكلمت معه، قلت له: نحن نأمل في دعمك المعنوي. قال: المعنوي فقط؟ قلت له: نعم.

نهاية الحلقة السابعة ويليها الحلقة الثامنة والاخيرة

الحلقة الاخيرة

قال أحمد الجلبي إنه لا يشعر بالخوف عندما يتجول بين الناس في شوارع بغداد، وإنه نادم على ترك عائلته أكثر من اللازم للاهتمام بالمسائل العامة.

ونفى ان يكون واحداً من رجال الأعمال قائلاً إن المال لا يعنيه إلا بالقدر الذي يغنيه عن الناس والحاجة. وأبدى إعجابه بالجنرال ديغول لأنه دافع عن فرنسا من دون ان يكون لديه شيء. وهنا نص الحلقة الأخيرة:

> دكتور الجلبي. متى ولدت؟

– في 30/10/1944 في حي الأعظمية في بغداد. والدي هو عبدالهادي عبدالحسين الجلبي، ووالدتي بيبي حسن البصام.

> وكم أخ لك؟

– خمسة هم رشدي وحسن وجواد وطلال وحازم. وثلاث شقيقات هن ثمينة ورئيفة ونجلا. ورشدي هو أكبرنا وولد عام 1917.

> أين درست؟

– درست في مدرسة عادل الابتدائية في بغداد. ثم في كلية بغداد للآباء اليسوعيين، وبعدها لثلاث سنوات في كلية «سيفورد كولدج» في بريطانيا، ومنها إلى «معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا» في العام 1961. وحصلت على درجة بكالوريوس العلوم في الرياضيات. والتحقت بجامعة شيكاغو في العام 1965، وحصلت منها على دكتوراه في الرياضيات بعد ذلك بأربع سنوات.

> هل لك انجاز علمي في مجال الرياضيات؟

– نعم. أنجزت نظرية في الجبر على شيء من الأهمية.

> كانت عائلة الجلبي تتعاطى في السياسة، وهي من رجال المال؟

– نحن من قبيلة طي العربية التي تسكن شمال سورية، ودخلت إلى العراق في آخر حملة عثمانية لاحتلال العراق من الصفويين بقيادة السلطان مراد الرابع في العام 1637. سكنوا في منطقة الكاظمية وفي مدينة بلد شمال بغداد. وعينهم العثمانيون حكاماً للعاصمة، وكانوا على علاقات واسعة بالعشائر العربية التي وفدت إلى العراق من الجزيرة العربية وسورية، مثل تميم وزوبع. وشاركوا في العمل السياسي وكانوا يملكون أراض، ووالدي دخل في التجارة بشكل واسع. وكان جدي عضواً في الجمعية التأسيسية العراقية التي انتخبت العام 1922، ثم عضواً في مجلس الأعيان. واصبح وزيراً للمرة الأولى في حكومة عبدالمحسن السعدون في العام نفسه، حين تولى حقيبة المعارف. ودخل الحكومة ثماني مرات حتى وفاته عام 1939.

في العام 1930، فاز والدي بالانتخابات في الكاظمية، واصبح وزيراً في العام 1944 في وزارة أرشد العمري وبعدها في إحدى وزارات نوري السعيد. وفي العام 1948 عضواً في مجلس الأعيان، ثم نائباً لرئيس المجلس، وشغل رئاسته لفترة. وبعد ذلك أصبح شقيقي الأكبر رشدي نائباً عن الكاظمية في 1948، ثم وزيراً في عام 1954 في إحدى وزارات نوري السعيد وبقي حتى 14 تموز (يوليو) 1958.

> هل كانت تربط عائلتكم علاقة خاصة مع نوري السعيد؟

– نعم. كانت هناك صداقة. وحين حاول السعيد الفرار، أخذته أختي ثمينة وزوجها وشقيقه من منطقة كرادة مريم التي أصبحت الآن المنطقة الخضراء، إلى بيت عم أمي في الكاظمية. وبعدها ذهب بطلب منا إلى بيت الحاج محمود الاسترباضي في الكاظمية. وكانت زوجة الحاج محمود المرحومة السيدة بيبي، وهي من عائلة معروفة إيرانية الأصل، صديقة والدتي منذ الصغر. وجاءت يوم 15 تموز (يوليو) 1958، وكان عندهم نوري السعيد، لتطلب من والدتي أن تساعدها في إخراجه من دائرة الخطر في بغداد. كنت صغيراً واتفقتا أمامي على خطة. وبعد 5 ساعات، سمعنا أنها قتلت مع نوري السعيد في الكرادة.

> هل انت حاقد على الثورة؟

– لا. لست حاقداً على الثورة. لكنني كنت في العهد الملكي معجباً بالوضع في العراق. كنت مهتماً بالأوضاع السياسية منذ صغري، وحضرت تشكيل وزارات ومناقشات سياسية في منزلنا. كان هناك إعمار ومشاريع. وبعد 14 تموز، تضررت عائلتنا جداً. كان والدي خارج البلاد، ودخل شقيقي رشدي السجن. ثم خرج بعد فترة. وسافرت إلى بريطانيا بعد ذلك بثلاثة شهور، ثم انتقل أهلي إلى بيروت عام 1959. وكنت أزورهم دائماً في الإجازة الصيفية، وأتابع الوضع من الخارج.

> ماذا فعلت بعد إنهاء دراستك في شيكاغو؟

– ذهبت إلى طهران بعد أسبوع من إنهاء الدكتوراه، للعمل على إسقاط نظام البعث مع السيد مهدي الحكيم وسعد صالح جبر وعبدالغني الراوي وعبدالرزاق النايف. كان ذلك في العام 1969. كان هناك تعاون مع الحركة الكردية بقيادة الملا مصطفى بارزاني.

> كانت السافاك (الاستخبارات الايرانية) تدعم هذه الحركة؟

– نعم. وفشلت بسبب غباء السافاك. تجمعت عندي معلومات أن المحاولة ستفشل، وحذرتهم من ذلك. كان معي شقيقي حسن، وبعد عودتنا من طهران إلى بيروت بشهر كشفت المحاولة. وأُعدم عشرات الأشخاص. هذه التجربة علمتني أن نظام البعث لا يمكن الخلاص منه بانقلاب. صدام كان خير المتآمرين. كان يعرف ما معنى التآمر، وعمل على إهانة بعض ضباط الجيش العراقي ورشوة بعضهم للسيطرة عليهم. قام بأعمال فظيعة تجاه الجيش.

بقيت هذه المحاولة في ذهني مع محاولات الانقلابات المخترقة في السبعينات، دليلاً على أن البعث لن يتغير عن طريق الانقلاب. في إحدى هذه المحاولات، قُتل ضابط اسمه صالح مهدي السامرائي على يد الاستخبارات العراقية في بيروت العام 1974. وهو كان يعمل على تحويل الثورة الكردية آنذاك إلى حركة عراقية. وكان يمثل الحزب الديموقراطي الكردستاني، وأرسله الملا مصطفى بارزاني إلى بيروت لهذا الغرض.

كنت أعمل وقتها على هذه الخطة مع السامرائي ومندوب الحزب عزيز رضا، وهو في أوروبا الآن. دعاني السامرائي إلى حضور اجتماع مع ضابط عراقي يدعى عدنان شريف قُتل في بداية الحرب مع إيران العام 1980، وهو كان نسيب حماد شهاب وزير الدفاع. وبعد الاجتماع، عُثر على جثة صالح السامرائي في صندوق سيارة في منطقة عاليه.

رغم ذلك استمرت محاولات الانقلاب. في العام 1982 حدثت محاولة اخرى. كان مرشحاً لقيادتها مدير في الاستخبارات العسكرية اسمه شفيق الدرّاجي، وتولى سكرتارية مجلس قيادة الثورة طوال عهد البكر. وبعدها، عُين سفيراً في السعودية. وحدث هجوم المحمرة على الجيش العراقي في أيار (مايو) 1982، فاستدعي الدراجي إلى بغداد، وتُوفي.

> إذن. أنت ذهبت الى ايران في العام 1969؟

– نعم. ومكثت هناك من أيلول (سبتمبر) حتى كانون الأول (ديسمبر)، وغادرت خلال هذه الفترة إلى لندن في تشرين الأول لإقناع عبدالرزاق النايف. بعد ذلك، ذهبت إلى بيروت وعينت أستاذاً في الجامعة الأميركية، حيث مكثت ست سنوات حتى غادرت في العام 1976 إلى عمان لتأسيس «بنك البتراء»، وأدخلت بطاقات الائتمان إلى المنطقة وأول نظام كومبيوتر في العمل المصرفي في الشرق الأوسط.

> ما هي التهمة الموجهة اليك في الاردن؟ وهل طلبوا منك وضع مبلغ في البنك المركزي؟

– لم يطلب مني شيئ كهذا. وكل الذين وجهت إليهم تهمة مشابهة لتهمتي في الأردن حصلوا على البراءة. لم يدن أحد سوى أفراد عائلتي، على رغم أن لا علاقة لهم بعمل البنك. كان شقيقي رشدي عضو مجلس إدارة يأتي إلى عمّان ست أو سبع مرات سنوياً، ويبقى ثلاثة أو أربعة أيام، ثم يسافر. كيف أدانوه فيما حصل باقي أعضاء مجلس الإدارة على البراءة وصار أحدهم وزيراً وآخر رئيس حكومة؟

> وما رأيك انت في هذه القصة؟

– هذه باختصار قضية سياسية. صدام كان يرتكز الى ثلاثة أمور: الإرهاب والدعم الخارجي والمال. أنا عملت على قضية مهمة جداً في أواخر الحرب العراقية هي منع الائتمان عن صدام. كان ممثلو البنوك العالمية الكبرى يمرون عليّ في الأردن قبل زيارة العراق ليسمعوا رأيي. فكنت أشرح لهم وضع صدام لإغلاق أبواب الائتمان في وجهه.

من جهة أخرى، عملت على قضية البنك الإيطالي «بي ان ال» الذي وجد صدام مخرجاً لنفسه عن طريق أحد فروعه الصغيرة في ولاية جورجيا الأميركية، لينجز من خلاله معاملات لاستيراد القمح من الولايات المتحدة. وأغلقت هذا عليه.

> هناك كتابات كثيرة تقول إنك تمزج بين العائلة والمؤسسة في مشاريعك المصرفية، وانك تحول أموالك الى «جنات ضريبية». هل قرأت كتاب «الرجل الذي دفع أميركا إلى الحرب»؟

– نعم. لكن هذا الكلام تافه. لم يجدوا أي توقيع لي على ورقة مخالفة للقانون. اقرأ قرار المحكمة. يقول القاضي: لم أجد رجلاً مخلصاً لهذه المؤسسة مثل هذا الرجل، ومع ذلك صدر حكم ضدي.

> هل جرت محاولات لحل المشكلة عندما كنت مسؤولاً في الحكم في العراق؟

– عندما وصلنا إلى بغداد في 14 نيسان (أبريل) 2003، جاءتني ابنتي لتقول إن مراسل تلفزيون أبوظبي وهو مصري، يقول: الشيخ محمد بن زايد يريد أن يكلمك. لم أكن أعرفه، قال لي على الهاتف: أولاً، أهنئك على النجاح الباهر الذي حققتموه. ثانياً، لدينا بعثة للحاجات الإنسانية في الأردن والعراق ستكون بتصرفك. وثالثاً، القضية مع الاردن منتهية وأي شيء تتفقون عليه أنا مسؤول عنه. شكرته وقلت انه ليست لدي مشكلة. لكن لم يحدث أي اتصال آخر.

> هل تشعر بطمأنينة في بغداد، أم بالقلق؟

– لا. لست قلقاً. أنا أمشي بين الناس كثيراً في بغداد.

> هل ما زال لك مستقبل؟

– لي ماض. والمستقبل مرآة للماضي.

> وكيف تصف ماضيك؟

– مهم. جيد.

> في الكتب التي تنتقدك، وهي كثيرة، كلام عن أنك كنت تتمنى أن تصبح رئيساً للعراق. هل راودك هذا الحلم؟

– أبداً.

> ولا حتى رئاسة الحكومة الانتقالية؟

– أبداً.

> وماذا كان ينقصك؟

– لا شيء. أنا أكره السلطة. لا أحبها.

> وماذا تحب؟ البيزنس؟

– لا. ولا البيزنس أحبه. أحب العلم والمعرفة والاطلاع على الدنيا ومساعدة الناس. في السلطة، ستظلم طرفاً مهما كنت عادلاً. لم يكن حلمي أبداً السلطة. لو كان هذا حلمي، لكان سهلاً أن أجاري بريمر والأميركيين وأقيم علاقات. كان عندي من الإمكانات في تلك الفترة في العراق ما يمكنني من أن أكون في قلب الأميركيين. إذا قرأت أي كتاب، ستجد أنني كنت أشاكس بريمر وأتدخل في تفاصيل عمله وأنتقده. لو كنت أريد أن أصبح رئيساً، كيف كنت افعل هذا والقرار بيد الأميركيين؟

> لكنك توليت رئاسة مجلس الحكم مرة؟

– نعم. كل شخص تولاها شهراً.

> ماذا تقرأ؟

– أقرأ كثيراً في الرياضيات والتاريخ والفلسفة والسير والأدب والقصص.

> بمن أعجبت في شبابك؟ من أثر فيك؟

– النبي محمد صلى الله عليه وسلم والإمام علي رضي الله عنه لأنه فضل الحق على السلطة، والإمام الحسين لأنه انتصر بموته. والاسكندر المقدوني لأنه وحد الحضارات في العالم.

في التاريخ الحديث، أثر عليّ الفيلسوف هيغل لأنه أسس حركة في التفكير، واكتشفت أن هذا الموضوع موجود في الفلسفة الإسلامية عند صدر الدين الشيرازي الذي أثر فيّ تأثيراً كبيراً جداً، كما فعل الشيخ محيي الدين بن عربي بكتبه وأفكاره. وعالم الرياضيات الألماني بيرنهارد ريمان، وعالم الرياضيات الفرنسي ايفريست غالوا الذي توفي وعمره 21 عاماً. وكثيرون غيرهم.

> ومن من السياسيين؟

– الجنرال ديغول لأنه وقف يدافع عن فرنسا عندما لم يكن لديه شيء. وقف أمام القوى التي لها الإمكانات المادية الهائلة، وهي بريطانيا وأميركا وأصر على مواقف وطنية.

> وماذا عن السياسيين العرب؟

– في العراق أحترم الملك فيصل الأول ونوري السعيد.

> هل تخاف عندما تتذكر أن التاريخ العراقي كله سحل واغتيالات؟

– التاريخ العراقي فيه كثير من العنف. لكنني أعتقد أن الشعب العراقي حي يستطيع أن ينهض بالعراق.

> هل يعني لك الشعر شيئاًَ؟

– قليلاً.

> ألا تقرأ روايات؟

– أقرأ روايات وشعراً بالعربية والانكليزية.

> هل أنت رجل ثري أم ثري جداً؟

– أنا رجل مرتاح.

> تعرض العراق لعملية نهب غير مسبوقة. ما هي حدود استفادتك من هذا الوضع؟

– أنا من كشف النهب. أنا مسؤول عن كشف هذا النهب بالتفصيل، لكن مع الأسف لم تكن هناك استجابة. ولم أحصل على أي منفعة من أي موضوع أو مشروع يتعلق بالحكومة في العراق.

> هل تتهم الأميركيين بنهب العراق؟

– هم خلقوا ثقافة النهب المبرمج في العراق.

> ونهبه عراقيون؟

– أكثرهم عراقيون، وبعض الأميركيين. لكن كثيراً من النهب الحقيقي قام به عراقيون.

> وأنت لا علاقة لك بهذا؟

– أبداً. أنا توليت لمدة سنة من أيار (مايو) 2005 رئاسة لجنة العقود الحكومية. كل عقد في العراق بأكثر من ثلاثة ملايين دولار كان يمر على هذه اللجنة التي اجتمعت خلال هذه السنة 75 مرة، أي بمعدل ثلاث مرات كل أسبوعين. هذه اللجنة أتحدى أن يقول أحد إنها تورطت بأي شكل في سوء استخدام الموارد. قضينا على الفساد الكبير في تلك المرحلة. وفي الوقت نفسه، كشفت النهب الذي حدث في وزارتي الدفاع والكهرباء، واهتمت به الصحف الأجنبية أكثر من الصحف العربية.

> ما هي برامجك للمرحلة المقبلة؟

– أنا باق في منزلي في العراق. أنا مهتم بالفن والثقافة والآثار في العراق. طرحت موضوع توحيد المناهج العراقية.

> على ماذا تندم؟

– انا نادم على ترك عائلتي أكثر من اللازم. واهتميت أكثر بالمسائل العامة. أنا نادم على هذا. كان عليّ أن أهتم بهذا الموضوع أكثر.

> ماذا حدث خلال الهجوم على منزلك؟

يتبع

تتمة

ماذا حدث خلال الهجوم على منزلك؟

– في 20 أيار (مايو) 2004، كنت نائماً في منزلي. جاءني أحد العمال وقال إن الشرطة العراقية والجيش الأميركي على الباب، فطلبت منه إدخالهم. وفوجئت بثلاثة ضباط شرطة يشهرون أسلحتهم وهم في حالة متوترة ويرتدون قمصاناً واقية. ثم التقيت قائدهم وكان ضابطاً برتبة عقيد كان يرتجف. سألته: ماذا تريد؟ فأجاب: معنا أمر بإلقاء القبض على ثمانية أشخاص، وأعطاني ورقة بالانكليزية. قرأتها فوجدت أسماء غير كاملة، فقلت له إن لا أحد من هؤلاء موجود هنا. كان قسم منهم من أعضاء المؤتمر الوطني، وآخرون من أصدقائي. رد قائلاً: سأسحب قواتي وأرحل. وعند الباب، اشتبك الحرس مع الشرطة. وكادت تحدث كارثة لأن الأميركيين أعدوا سرية كاملة كانت ستحرقنا. هدأ الحرس، وطلبت منهم الهدوء والانسحاب. وخرج الضابط، ثم عاد ومعه 10 عناصر. قيل لي إنه حين خرج، جاءه مترجم مع أميركيين بملابس مدنية، أهانوه، وقالوا له: كيف تخرج من دون أن تعتقل أحداً؟

حين عاد الضابط، قال: نريد اعتقال شخص يدعى كامران، فقلت له لا يوجد هنا سوى سائقي واسمه كامران، فقال سنأخذه. كان ردي أن يدي في يد كامران وخذني معه إذا شئت، فخرج. وذهب الأميركيون إلى مكتبي في بناية اسمها «البيت الصيني» كانت تابعة للمخابرات السابقة. كسروا الصور والماكينات ونثروا الطعام. كانت فوضى حقيقية. وفي اليوم نفسه، عقدت مؤتمراً صحافياً وشرحت القضية ونقلت الأخبار إلى العالم كله، واتصلت بي محطات إخبارية أميركية. ووجهت الاتهام إلى رئيس وكالة الاستخبارات المركزية جورج تينيت، وقلت إنه وراء هذه العملية، رغم تسلمي رسالة عبر أحد الأصدقاء تشدد على ضرورة أن لا أهاجم الاستخبارات الأميركية. وعندما أُخرج تينيت بعد هذا الحادث بنحو عشرة أيام، قالت هيلاري كلينتون، وكانت عضو مجلس الشيوخ، إن أحمد الجلبي له علاقة بإخراج تينيت. وحين سُئلت، أجبت: أنا في النجف، فكيف أخرجه؟

> كم تبلغ المساعدات التي حصل عليها «المؤتمر الوطني العراقي» من «سي آي أي»؟ هناك كتب تقول إنها قدرت بنحو 33 مليون دولار.

– هذا كله كذب. «المؤتمر الوطني العراقي» بدأ يأخذ مساعدات من «سي آي أي» منذ عام 1992، بعد مؤتمر صلاح الدين، لإدارة الأعمال في كردستان وأيضاً العلاقات الدولية. بدأت بمئة وثمانين ألف دولار شهرياً، وانتهت بثلاثمئة وعشرين ألف دولار شهرياً، أي بمعدل ربع مليون دولار شهرياً على مدى أربع سنوات.

> أي 12 مليون دولار تقريباً.

– نعم. وبعدها توقفت العلاقة بيننا في العام 1996 وبقينا لمدة أربع سنوات نعمل من دون أي مساعدات. وأصبحت بعد ذلك مسألة معلنة عن طريق تخصيصات الكونغرس، فخصص للعراق في بند المساعدات الخارجية 25 مليون دولار صرف معظمها على الإعلام وبرنامج جمع المعلومات الذي كان هدفه الحصول على معلومات قابلة للنشر من العراق.

لم أكن مسؤولاً عن الأموال التي تلقاها «المؤتمر الوطني» بعد عام 2000. اشترطت وزارة الخارجية الأميركية إبعادي، وشُكلت قيادة جماعية من سبعة أشخاص كنت أحدهم. أنفق أكثر المساعدات على تلفزيون وجريدة ومكتب في لندن.

> هل تلقيتم مساعدات من وزارة الدفاع الأميركية؟

– في العام 2002، خافت وزارة الخارجية من تحمل المسؤولية، فأحيلت العملية على وزارة الدفاع بالشروط نفسها. كان برنامجاً مشتركاً بيننا.

> ممن تتألف عائلتك؟

– من زوجتي وبنتين وولدين قسم منهم يعيش في العراق. لكن كلهم زاروني هناك.

> هل كنت تتمنى تحقيق نتائج أفضل في الانتخابات؟ هل تشعر بخيبة؟

– لا. أنا أعرف مسألة الانتخابات في العراق. يجب أن تكون هناك ائتلافات، ولا يمكن أن يفوز أحد بالانتخابات بمفرده. رفضنا المشاركة في الائتلاف بالشكل الذي تم. أنا ساهمت مساهمة حقيقية في تأسيس الائتلاف الأول، وكنت أول من دعا إليه في أيار (مايو) 2004. كنا نريده أن يكون نواة. الآن يجري البحث في ائتلاف عراقي غير طائفي نساهم فيه.

> كيف كانت علاقتك بديك تشيني؟

– ودية. لكنها غير عميقة.

> لماذا كانت علاقتك بوزارة الدفاع الأميركية أفضل منها بوزارة الخارجية والاستخبارات؟

– الذين أصبحوا مسؤولين في وزارة الدفاع كانوا أصدقاء لنا. رغم انزعاج الاستخبارات منا، لم يؤثر هذا على وجودنا في أميركا. ومررنا قانون تحرير العراق رغم رفضهم له.

> ما علاقتك بفؤاد عجمي؟

– صديقي من زمان وأحترمه واحترم اراءه.

> وعدنان مكية؟

– صديقي من زمان أيضاً.

> هل لعبا دوراً في التحضير لاسقاط صدام؟

– لعبا دوراً فكرياً في هذا الموضوع لدى الإدارة وفي خلق رأي عام.

> هل يداك ملطختان بالدم؟

– أبداً. الحمد لله. على العكس، أنا خلصت كثيرين من القتل. ولم اتعرض لأي شخص. طوال فترة عملي في السياسة، كان أي شخص يؤذيني اطرده.

> لاحظت أن موقفك غير ودي تجاه الأخضر الإبراهيمي؟

– ليست قضية عدم ود. الإبراهيمي تفكيره السياسي يختلف تماماً عن منهج التغيير. لم يكن يعارض نظام صدام، وحاول إنقاذه في العام 1998. كان شباط (فبراير) من هذا العام، من أحلك الأوقات بالنسبة إلينا، لأن إدارة كلينتون قررت أن تتفاهم مع صدام. وساهم الأخضر الإبراهيمي في هذا عندما أخذ كوفي أنان إلى بغداد. مواقفه مختلفة تماماً عنا. كان يفضل بقاء صدام على سقوطه. قد ينتقده، لكنه يفضل بقاءه.

> وكوفي أنان؟

– قابلته مرتين. كان خائفاً من قضية النفط مقابل الغذاء التي اكتشفنا الفساد الكبير فيها. تحدثت عنها قبل عودتي إلى العراق. ساهمنا إلى حد كبير في تقرير فولكر الذي فتح النقاش في هذا الموضوع. كان ملف النفط مقابل الغذاء إحدى نقاط الخلاف مع بريمر في مجلس الحكم. لم يكن يريد أن نكشف هذا الوضع.

> من أكثر من استفاد من برنامج النفط مقابل الغذاء؟

– روسيا. هيئات روسية. وكثيرون في الهند التي أُقيل وزير خارجيتها أو استقال على خلفية الموضوع. كذلك، استفادت شخصيات عربية كثيرة، من بينها سياسيون في لبنان وأفراد عائلات حاكمة في الخليج ومصريون وأردنيون وسوريون ولبنانيون، وأحزاب سياسية في أوروبا الغربية.

عندما كشفنا هذه القضية اكتشفنا عمق المشكلة. خرجت القضية عن صحف عراقية وعالمية مثل «وول ستريت جورنال». وتم التركيز وقتها على شخصي، وقيل إنني أكره الأمم المتحدة وأريد أن اختلق لها مشكلة.

> هل كان ابن كوفي أنان بين المستفيدين؟

– نعم. كان اسمه موجوداً. مشكلة أنان هي مشكلة الأمم المتحدة. الأشخاص المسؤولون عن البرنامج كانوا يحصلون على رشاوى من صدام.

> يعني أنت سربت قضية النفط مقابل الغذاء؟

– طبعاً. أول تقرير كان في جريدة «المدى»، وأعطيته لبعض أعضاء اللجنة المالية وأنا أعرف أنه سينشر. تضايق بعض أعضاء مجلس الحكم بعد نشر الموضوع، فطلبوا تقرير وزارة النفط الذي سلم إلى رئيس مجلس الحكم. وطلب بعض أعضاء مجلس الحكم نسخة من التقرير، فقرأته. وعندما كشفت أسماء بعض العراقيين الذين انتخبوا في مجلس النواب تراجعوا.

عندما كشفت القضية، شكرني بريمر في البداية. لكن عندما اكتشفوا حجم المشكلة التي ستسببها لهم مع الأمم المتحدة، قرر عدم التعاون معي في كشف القضية. فنشرتها في صحف عالمية، وأثيرت ضجة كبيرة. وقال أنان إن الأمم المتحدة ستجري تحقيقاً داخلياً، فلم يكن ذلك كافياً. وطلبوا ذلك من بول فولكر رئيس الاحتياط الفيديرالي (البنك المركزي في اميركا)، فشعرت بارتياح. وخرج تقرير فولكر الذي كانت له صدقية كبيرة. هوجمت كثيراً، لكن ما قلت لم يختلف عما ذكره فولكر. لكن إلى الآن لم يتناول العراق هذا الموضوع في شكل جدي. في نيويورك، رفعت قضايا وفرضت غرامات على أشخاص ساهموا في المشروع، لكن في العراق، هناك مستفيدون من هذا الوضع الذي سبب أضراراً للشعب العراقي. وللأسف عاد بعض الشركات التي ساهمت في النفط مقابل الغذاء للعمل في العراق من دون أي تعويض للشعب العراقي.

> كيف هي علاقتك بنوري المالكي؟

– جيدة. هو صديق. وعملنا سوياً على اجتثاث البعث. كان نائب رئيس لجنة اجتثاث البعث قبل ان يصبح رئيساً للوزراء. علاقتي به جيدة جداً.

> من هو أكثر سياسي عراقي تكرهه؟

– لا أحد. لا أكره أحداً أبداً. كلهم أصدقائي.

> يعني إياد علاوي صديق لك؟

– طبعاً. صديق جداً.

> في أي سنة تزوجت؟

– 1972.

> من زوّجك؟

– السيد موسى الصدر.

> كانت لك علاقة به؟

– علاقة قوية جداً.

> هل كان زواجك في بيروت؟

– عقدنا القران في صيدا. وقبل اليوم المقرر لحفل الزواج بـ48 ساعة، اغتيل شقيق زوجتي المرحوم عبدالله عسيران، فألغي الحفل.

> هل يمكن القول انك رجل أعمال؟

– لا. ليست لدي أعمال. لا شركات ولا مؤسسات.

> كيف تعيش إذن؟

– لدي رأسمال. كتبوا في الصحف أن عندي شركة برامج كومبيوتر، لكنني بعتها. في الأردن أسسنا شركة لتكنولوجيا بطاقات الائتمان. كانت باسم زوجتي وبعناها بمبلغ كبير.

> ألا تهتم بالمال؟

– بالقدر الذي يغنيني عن الناس والحاجة. لكن ليس لدي اهتمام كبير بجمع الاموال. ماذا سأفعل بها؟الملبس والسيارة والسفر والبيوت، كل هذا موجود.

> أليست لديك طموحات مالية؟

– أبداً.

> لماذا إذن تركز الحملات عليك على تأسيسك شركات ومصارف وسحب أموال منها؟

– أنا أسست شركات في الأردن. وأحب إقامة مؤسسات حقيقية.

> لكنك أدنت بالاختلاس في الأردن؟

– أنا خرجت من الأردن وثروتي أقل مما كانت عليه حين دخلته.

> وفي هونغ كونغ؟

– رفعت شكوى إلى المحكمة لاسترداد أموال عائلتنا. كنا أسسنا شركة وأرادوا الحجز على أموالها. وربحنا الدعوى. هذه الدعوى الوحيدة التي أقيمت ضدي في الخارج ولها علاقة بالمال، وربحناها.

> ماذا تقول لجورج بوش إذا التقيته في حفلة مثلاً؟

– أقول له شكراً على إسقاط صدام، لكنني غير مرتاح مما فعلته بعد إسقاطه.

> هل ترى ان من المعقول أن ترتكب دولة كبرى هذه الأخطاء الفظيعة؟

– طبعاً. معقول جداً.

> إذا أردت أن تصف جورج بوش، فبماذا تصفه؟

– شخص غير كفؤ وقليل المعرفة.

>أدى خدمة كبيرة لإيران بإسقاط صدام؟

– إيران استفادت من إسقاط صدام. لم يقصد بوش أن يسدي لها خدمة، لكن كان واضحاً أن إيران ستستفيد من إسقاط صدام. أنا مقتنع أنه لم يكن ممكناً أن يتم إسقاط صدام من دون تفاهم ضمني بين أميركا وإيران.

> وحدث هذا؟

– طبعاً حدث.

> عبر من؟

– نحن عملنا عليه، وكذلك فعل المجلس الأعلى وجلال طالباني.

> ما هو دور طالباني في إسقاط صدام؟

– مهم جداً. وفر لنا قاعدة أساسية في أرض العراق في كردستان لننطلق منها للعمل ضد نظام صدام. وهذا شيء مهم.

> هل كان مسعود متردداً؟

– يكفي هذا.

> قيل إنك اجتمعت مع إسرائيليين قبل إسقاط صدام؟

– نعم. في أميركا. كانوا موجودين في مراكز الدراسات، واجتمعنا معهم. أساتذة وبعض الساسة الإسرائيليين. أجريت مقابلة مع جريدة إسرائيلية نُشرت على صفحة كاملة.

> يعني هذا أنه ليست لديك مشكلة في هذا الموضوع؟

– لا. تحدثنا معهم طبعاً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *