نوفمبر 22, 2024
images (4)

اسم الكاتب : د. غانم المحبوبي

بعد قرائة ألجزء ألأول وألثاني من هذا ألموضوع وألذي سبق لنا نشره في “ألأخبار” شباط ١٧، ٢٠٢٠، هناك من يسأل، على عاتق مَن تقع مسؤلية ألثورة ألتنويرية في ألعراق، وألتي تناولناها في ألجزء ألثاني، وما نوع ألتحضر ألمنشود؟ أهيَ مسؤلية سياسيي ألعراق وألسلطة ألقائمة ليتبنوا إصلاح ألمجتمع وبناء ألدولة ألمتحضرة أم على ألشعب ألذي هو مصدر ألسلطة وألتشريع في دولة ألعراق ألديموقراطية؟ ألإجابة ألصحيحة على هذا ألسؤال ألمركزي وبما له علاقة خاصة بألعراق تكمن في ضرورة ألتفاعل ألثنائي ألمتبادل من كلا ألطرفين، ألشعب والسلطة. ولنبدأ بألشعب، إن سلسلة ألدمار وألتدهور في ألدولة وألمجتمع ألعراقي وفي جميع ألمجالات ألسياسية وألإقتصادية وألإجتماعية وألثقافية وألعلمية بدأت وبشكلها ألحاد منذ أكثر من أربعين سنة وتحديداً بعد إندلاع ألحرب ألعراقية ألإيرانية في أيلول ١٩٨٠ وليس كما يتصور ألكثيرون بعد نيسان ٢٠٠٣. وكما أشرنا لهُ سابقاً، هذا يعني أن هناك على ألأقل جيلان من شعب ألعراق من شباب وكهول، وأللذين من ألمفروض أن تقع على عاتقهم مسؤلية ألعمل وألإنتاج وألقيادة، لم تتح لهم ألفرص ألسليمة وألملائمة للتعليم وألتثقيف وألإطلاع وألعمل وألإنتاج وألحصول على ألتجربة ألعملية وألمهنية وعلى طول هذه ألفترة ألقاسية ولحد ألآن. وإذا إتفقنا إن قيادات ألشعوب ومفكريها مصدرها ألشعب فكيف يمكن لمثل هذا ألشعب في ألداخل ألعراقي ومنهم ٤٠٪ من ألأميين أن ينتجوا ألقيادات ألحكومية ألرائدة؟ نعم، ألعراقيون فيهم ألكثيرون ممن يستطيعوا أن يشاركوا في عملية ألتطور وألتحضر وذلك بمساعدة ودعم ألكوادر ألرائدة، وألتي يُناط لها مسؤلية مسيرة ألتطور، ولكن ومع ألأسف يصعب تواجد هذه ألكوادر ألرائدة في ألداخل ألعراقي ألحالي. إن مثل هذا ألإستنتاج ألمتشائم قد يثير ألسؤال، هل هذا يعني أن لا حلَ أو سبيل لتطور ألعراق وتحضره؟ وحتى يكون ألجواب بألنفي علينا إذن أن نبحث عن ما هو إيجابي في ألعراق وألذي يساعدنا للوصول إلى بَرِ ألتفائل بألخير. أقول، إن لم يكسب ألعراقيون أيَ مكسباً إيجابياً منذ ٢٠٠٣ ولحد ألآن، فإن ألتغير ألجذري ألذي حصل في طبيعة ألحكم من نظام دكتاتوري دموي يقوم على ألإنقلابات ألعسكرية ألتآمرية إلى نظام ديموقراطي تعددي يتم فيه تداول ألسلطة عن طريق ألإنتخابات ألشعبية لهوَ أسلم وأنجح ألسُبل للعراقيين نحو ألتحضر، لذلك يستحق أن يُعطى ألأولوية في ألحفاض على هذا ألنظام وسلامة مصداقيته. لا خيار للعراقيين إن كانوا شعباً أو سلطة منتخبة إلا في ألتعايش ألسلمي فيما بينهم وألعمل ألجاد في إصلاح ذات ألبين، في ألوقت ألذي يقوم فيه ألشعب بألدعم ألجاد للنُخب ألكفوءة وألنزيهة منه، وإن كانت قليلة نسبياً، للوصول إلى دائرة صُنعِ ألقرار بألطريقة ألإنتخابية ألسلمية ألمتحضرة وعلى مدى عدة دورات إنتخابية وبما يتيح بهِ ألزمن وإن طال. في مقال له بعنوان “صناعة مرشح ألبديل ألسياسي” ألمنشور على صفحته ألأليكترونية (mhalnajafi.org)، يقول ألأستاذ محمد حسين ألنجفي “إن على ألشباب ألغاضب على ألفساد وألمحاصصة وإنعدام ألخدمات وفرص ألعمل، … أن يَتْقِنوا لُعبةَ ألإنتخابات. … وأن يحولوا ألعمل في ألوقت ألمناسب من ألتظاهر في ألشوارع وألساحات، إلى ورشات عمل لصنع ألبديل ألنيابي كي يحل محل ألفاسدين.” بهذا ألشكل، تتراكم ألكفائات ألقيادية في مجلس ألشعب ثم في ألسلطة ألتنفيذية مع ألزمن وتقوم هي بدورها ألقيادي وبألإتجاه ألآخر في توعية ألشعب وهكذا يتم ألتفاعل ألثنائي بين ألشعب وألسلطة كما أشرنا أعلاه. على ألعرب وألعراقيين أن يدركوا أن ألتحضر ليس بسلعة تُستورَد من خارج ألحدود ولا برج شاهق يُبنى بخبرات ألغُرَباء عن ألوطن مقابل مبالغ طائلة، لكنه ثمرة فكرية وعملية تُولَدُ من رحم ألشعب وإلى ألشعب بعد عناء وتضحيات.

أوضحنا وبإختصار في ألجزء ألثاني ألفرق بين ألتحضر وألتمدن، ولمعرفة ما هو شكل ألتحضر ألمنشود وألمناسب للعراق علينا أن نفهم هذا ألموضوع بشيء من ألإهتمام. ألعراق ألحالي ومع ألأسف لا يعتبر حتى من ألدول ألمتمدنة حيث ألأمية وألفقر وبدائية ألعيش هي ألغالبة في حياة شريحة واسعة من ألشعب. بينما نجد بعض ألدول ألتي تتميز بمعالم ألتمدن وفي بعض ألأحيان بشكله ألمفرط ألغير مُبَرَر كما هو ألحال في ألدول ألعربية ألخليجية، نجدها أيضاً ومع ألأسف ليست بدول متحضرة وحسب ألمقياس ألموضح سابقاً. من جهة أخرى، هناك ألصنف ألثالث من دول ألعالم ألمتحضرة وألتي تنعم بطبيعة ألحال بمعالم ألحياة ألمتمدنة كألكثير من دول أوروبا ألشرقية وألآسيوية كسنغافور وكوريا وغيرها. هذه ألدول وإن كانت متحضرة لكنها ليست بألدرجة ألعالية جداً من ألتحضر ليمكنها أن ترتقي إلى قمة ألهرم من ألصنف ألرابع كدولٍ منتجةٍ للحضارة كأليابان ودول أوروبا ألغربية وأمريكا وربما أستراليا وكندا. بناءاً على ضروف ألعراق ألحالية يجب أن يسعى ألعراقيون وبدون إضاعة للوقت وألفرص ألمتاحة إلى عملية ألتحضر مباشرة (ألصنف ألثاني)، وما حالة ألتمدن إلا تغيير يتحقق تلقائياً من خلال ألسير على طريق ألتحضر. هذا ألخيار ليس بألخيار ألسهل وبعكس ما حصل في بعض ألدول ألريعية ألمستهلِكة للحضارة نتيجة لإمتلاكها ألمال فقط وذلك عن طريق “شراء” وإستيراد معالم ألتمدن ألجاهزة. ألعراق على ألعكس يمتلك مقومات ألتحضر وقادر أن يستعمل قدراته ألطبيعية وألإقتصادية وألبشرية وألتأريخية لإقامة حضارة متميزة كما حدث فيهِ في ألسابق ولكن مثل هذا ألطريق صعب ويحتاج إلى وقت وتضحيات وإصرار من قبل ألشعب وهذا هو ثمن ألتحضر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *