نوفمبر 21, 2024
FEvT7YbX0AgCT3k

اسم الكاتب : وليد يوسف عطو

( 1 ): ( ينبغي ان نعتبركتب التاريخ بمثابة كتب الخيال الصرف ,فهي عبارة عن حكايات وهمية عن وقائع لوحظت بشكل سيء , كما انها مصحوبة بتاويلات شكلت فيما بعد. ولو ان الماضي لم يورثنا كتبه الادبية والفنية والتذكارية لما عرفنا شيئا عن الواقع .فهل نعرف كلمة واحدة صحيحة عن حياة الرجال العظام الذين لعبوا دورا كبيرا في تاريخ البشرية كهرقل وبوذا والمسيح ومحمد ؟في الغالب الاعم لا . وفي نهاية المطاف فان سيرة حياتهم الحقيقية لاتهمنا كثيرا .فالاشخاص الذين اثروا على الجماهير كانوا ابطالا اسطوريين وليسوا ابطالا حقيقيين ).

العالم غوستاف لوبون :من كتابه ( سيكولوجية الجماهير).

( 2 ):ارتبط النشاط الاكاديمي في العراق في ثلاثينات واربعينات وخمسينات القرن العشرين بالتاريخ وربطوا التاريخ بعلم الاجتماع وبعلم الاثار- الاركيولوجيا- والانثروبولوجيا .
اهتم المنشغلين بدراسة التاريخ بابحاث المستشرقين سواء باتباع منهاجهم او مخالفتها او تطوير خطاب عراقي مستقل.وكان عمل المؤرخين العراقيين في حقل الاثار ( الاركيولوجيا)قد اخرج الدراسات التاريخية الى افاق اكثر رحابة.

موجة الكتابة التاريخية التي تطورت في اربعينات وخمسينات القرن العشرين سجلت انعطافةهامة في هذه الثقافة , حيث انتقل الوعي الفكري من مفهوم التمايز من خلال الفعل الفردي , الى مفهوم العلم النظري .كان عبد العزيز الدوري رائدا في مستوى الدراسات العربية التاريخية من خلال كتابه الاول :
(تاريخ العراق الاقتصادي في القرن الرابع الهجري ).فهو يكاد يكون اول مؤرخ عربي يبحث في العلاقات الاقتصادية من خلال التاريخ .

الروايات التي اعاد الدوري بنائها عن العيارين والشطار والطبقات المهمشة واصحاب المهن والمحلات البغدادية بدت وكانها مشاهد في فيلم سينمائي تجعل القاريء على مقربة من الحياة الاجتماعية والاقتصادية لعصر بعيد عن الذاكرة العراقية.
وسيحيلنا كتب فيصل السامر ( ثورة الزنج ) 1945 على الكيفية التي تعاد فيها قراءة التاريخ على نحو اكثر موضوعية.ويعود عالم الاثار العراقي طه باقر الى ماضي العراق الرافديني باحثا في تكوينه الحضاري ودارسا اساطيره وادابه وقوانينه القديمة . وستخلف ترجماته عن اللغات القديمة مادة ثرية وتصبح مرجعا في الدرس الاركيولوجي.

ويتصدى د . جواد علي لقراءة التاريخ الى زمن موغل في القدم عند العرب في شبه الجزيرة العربيةعبر كتابه الموسوعي ( المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام ) باجزاءه العشرة وهو يشير الى حكايات التكوين الثقافي لما حاول المؤرخون تجاهله , او تغريب معالمه , مثلما يصبح الاسلام منذ نشانه مادة للبحث يحاول من خلالها فصل التداخل بين الاساطير وبين الوقائع التاريخية.
وفي كتاب صالح احمد العلي (التنطيمات الاجتماعية والاقتصادية في البصرة في القرن الاول الهجري ) يربط المكان المخصص للدرس او هويته عندما حل الاسلام فيه بطابعه الحضاري ,لتتابع كتبه عن المدن ومن بينها بغداد والكوفة والبصرة والموصل . وستكون مؤلفاته عن المدينة الاسلامية من بين المصادر العربية الضرورية لمن اتى بعده من باحثين .

اما الدكتور علي الوردي فقد افضت به بصيرته النقديةالى استدلالات بدت اقرب الى النظريات عن مفاهيم تخص حاجات الافراد والجماعات . ومؤلفاته دعوة لاعادة النظر في الحدود الفاصلة بين الرواية الشفاهية وعلم الاجتماع النظري حيث تناول فترات من تاريخ العراق الاجتماعي تعود الى الحقبة العثمانيةالتي عايش نهايتها . وهو يمزج علم النفس بعلم الاجتماع وبالانثروبولوجيا وبالتاريخ , سواء في قراءة الشخصية العراقية او المجتمع العراقي .

في ذلك الوقت ظهر مجموعة من الباحثين المرموقين في ميادين شتى مثل شاكر مصطفى سليم في علم الانثروبولوجيا , وعبد الجبار عبدالله في الفيزياء والفلك , ومهدي كبة الباحث في علم الاقتصاد والقانون , وحسن سلمان الخبير العالمي بالنفط والذي لاتزال دراسته عن الاقتصاد العراقي تحتفظ بقيمتها .

او متي عقراوي وهو خبير عالمي في علم التربية حيث شهدت هذه الفترة التاريخية من اربعينات وخمسينات القرن العشرين انتقال في خطاب الثقافة من حقل التجريب الى محاولة ايجاد انساق تشكل قاعدة ينطلق منها الباحث او الطالب الجامعي نحو آ فاق اكثر مرونة ورحابة من السابق .

الانثروبولوجي شاكر مصطفى سليم

قدم شاكر مصطفى سليم اطروحته المعنونة ( الجبايش: دراسة انثروبولوجية) لنيل شهادة الدكتوراه من جامعة لندن عام 1955 , وهي اهم دراسة انثروبولوجية عراقية لسكان منطقة الجبايش في قلب الاهوار , في جنوب العراق .

ومع ان الجبايش التي درسها لاتنطبق مواصفاتهاعلى نحو دقيق مع بقية مناطق الاهوار, بسبب تغلغل السلطة فيها واحكام نوع من السيطرة عليها ,غير ان طبيعتها السكانية وعاداتها القبلية موضع الدراسةلاتختلف كثيرا عن بقية مناطق الهور .ويشير شاكر مصطفى سليم الى الاسباب التي دعته الى الذهاب الى الهور , وفي مقدمتها كونها مناطق معزولة , لايعرف طبيعتها اهل المدينة, او المثقفون , ولا تحظى بخدمات الحكومة .

يقدم شاكر مصطفى سليم كل مايتعلق بالمكان من طبيعة جغرافية واقتصادية وسياسية . وتحدث عن نظام القرابة والمعتقدات والطقوس الدينية .
بقيت هذه الدراسة نادرة الى يومنا هذا في مباحث الانثروبولوجيا العراقية .

اما محمد مكية فقد وضع مشروع دراسةالاهوار بين مفردات المنهج المقررلطلبة فرع الهندسة المعمارية فجاءت زيارة طلبة القسم الى هذه المنطقة في جنوب العراق فرصة هامة لدراسة واقعها .وتصميم مجمع قروي كنموذج استيطاني في هذه المناطق .

لم ينفذ المشروع الذي كان من المقرران يطرح كنموذج في مسابقة الاتحاد الدولي للمعماريين ,بحسب مكية ,فهو شانه شان مشاريع كثيرة طموحة انتهت في خضم تبدل الحكومات وسيطرة العسكر والعقلية الاقصائية عند المتنفذين من رجالات السلطة.

المصدر :

فاطمة المحسن – ( تمثلات الحداثة في ثقافة العراق ).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *