اسم الكاتب : وليد يوسف عطو
ارتبطت الحداثة في الغرب بتطور الفكر والفلسفة والصناعة في ظل الراسمالية والثورة الرقمية لاحقا , وبالانتقال من العقل الجماعي الدائري الى العقل الفردي .ادركت الدول المتخلفة في العالم العربي والاسلامي والتي تسميها الناقدة والباحثة فاطمة المحسن في كتابها( تمثلات الحداثة في ثقافة العراق )ب( البلدان الطرفية ) التمدين العمراني واستيراد التكنولوجيا من الغرب دون الحداثة الفكرية .
تطرح فاطمة المحسن السؤال التالي 🙁 هل يمكن ان نطلق على الزمن الذي بدا فيه التحديث المديني في هذه البلدان بانه زمن حداثي ؟ ).اجيب بقولي : كلا . الحداثة ارتبطت بالغرب بظهور الراسمالية والصناعة والفلسفة وبالعقل الفردي وبتحرر العقل من وصاية الكنيسة والاقطاع والقبيلة والى اعلان ولادة الانسان – الفرد , وانا اتكلم خارج نظام العولمة النيوليبرالية الاقتصادية التي اعادت عبودية الانسان بطرق حديثة حيث يتم اليوم تهميش الحريات والديمقراطية في الغرب وفي الولايات المتحدة الامريكية
تستخدم فاطمة المحسن المصطلحات بحذر وهي تقول ان التمدين وفق ارتباطه بالحداثة يعني الجغرافيا الثقافية التي تتجاوز مفهوم المكان الى مفهوم الفضاء .واضيف الى قولها انه الفضاء الرقمي الذي تجاوز الفضاء الحقيقي الى الفضاء الافتراضي والمعولم والذي يقوم على الهوية المركبة وليس على الهوية البسيطة .
رافق تشكل الدولة العراقية في العام 1921 الاهتمام بالعاصمة بغداد . بدات النهضة باعادة الاعتبار الى بغداد عاصمة الخلافة العباسية والتطلع الىى هوية جامعة لكل العراقيين .ظهرت ثمار هذا المشروع في ثلاثينات القرن الماضي واكتملت ملامح التطور في اربعينات وخمسينات القرن العشرين .
سكن الهندس المعماري محمد مكية في حي الكرادة بعد انتقاله من احياء بغداد القديمة . لفت انتباهه كثافة اشجار النخيل مع نخلات مستوردة تسمى بنخيل الواشنطونيا .انحدر مكية من عائلة شيعية سكنت محلة ( صبابيغ الال )حيث جاورهم في السكن المسيحيون . وفي الكرادة بقيت الكرادة حيا شيعيا بمشاركة المسيحيين .لقد ظهر من محلة صبابيغ الال الزعيم الوطني جعفر ابو التمن مؤسس الحزب الوطني الديمقراطي .
لم يكن محمد مكية يملك مشروعا سياسيا قدر ايمانه بالجغرافيا الثقافية . عند عودة الفنانين والمعماريين من خارج العراق خلقوا مجتمعا ينتج حداثته الخاصة به ويطمح ان يكون حلقة الوصل بين الثقافة الغربية في احياء بغداد الحديثة وبين الاكثرية التي تسكن بيوت الطين .وسيكون ذلك التفاوت الطبقي والاجتماعي وخصوصا بين الريف والمدينة احد اسباب الصراعات وحركات الاحتجاج التي سادت خلال حقبة الاربعينات والخمسينات من القرن الماضي
لاترتبط الحداثة بالرخاء الاقتصادي
يكتب حامد عبد الصمد في كتابه (سقوط العالم الاسلامي : نظرة في مستقبل امة تحتضر )ان الانفتاح والحداثة لاعلاقة لهما بالرخاء الاقتصادي .فقد لاحظ خلال زياراته الى مدينة دبي وجود تمييز عنصري ضد المهاجرين الاسيويين .يكتب حامد عبد الصمد :
(على الرغم من الثراء الذي جلبه البترول لدول الخليج ,لم تنجح دولة منها في خلق مجتمع ديمقراطي يكون قدوة لباقي الدول العربية . لم تخلق واحدة منها مجتمعا مدنيا يحترم كل مواطنيه ويعاملهم بالتساوي مهما كانت اصولهم او اعراقهم . بل على العكس تماما ,فقد ادى هذا الثراء الى توطيد فكر القبيلة والى الغرور الثقافي ..فما ان فرغت المدينة من بناء برج الخليفة العملاق الذي يعد اعلى بناء في العالم حتى اكتشف الجميع ان المدينة مفلسة تماما .
ولم تكن نتيجة هذا الافلاس ان توقف اثرياء المدينةعن شراء السيارات الفارهة والاسلحة المتطورة وقضاء العطلات في سويسرا وفي لبنان , بل قرر اولوا الامر الغاء المشاريع الثقافية كافة بلا استثناء وطرد جميع الخبراء القائمين عليها فورا .ولم يكن افلاس دبي درسا لدول الخليج الاخرى للتقليل من البذخ , بل اعلن احد الامراء السعوديين بعد افتتاح برج الخليفة مباشرة انه يعتزم بناء برج اعلى منه ).
والحديث ذو شجون ..