الكاتب : سليم الحسني
مضت سنوات المعارضة الطويلة في حماس ثوري غلب على الجو العام، وكان التفكير في بناء الدولة غائباً الى حد كبير. كان الهمّ الأكبر يتركز على إسقاط نظام صدام، فلقد شغلت تلك الفكرة العقل السياسي المعارض، ولم تترك له إلا بعض الخلايا الخاملة في التفكير بشأن مستقبل ما بعد زوال النظام.
كانت القناعة السائدة في المعارضة الإسلامية أن شكل الدولة بعد إسقاط نظام الحكم في العراق، يجب أن تعقبه تشكيل حكومة إسلامية على النمط الإيراني. وكانت كتابات المنظرين والمفكرين السياسيين لا تخرج عن هذا الإطار. حتى أن الكيانات السياسية الإسلامية كانت تتراشق الاتهامات مع بعضها البعض، في مزايدة مزعجة على تبني ولاية الفقيه كأساس للدولة الجديدة.
وقد كان التنظير في هذه القضية ينطلق ويتجول في الشكل القيادي للنظام المنتظر، دون الدخول في تفاصيل الحكم وإدارة الدولة. لقد كنا نتصور أن إدارة الدولة مسألة بسيطة، يزول نظام صدام حسين، وتقود الحركات الإسلامية الدولة، وهكذا تنتهي معاناة الشعب العراقي، وتبدأ مرحلة الجنة التي سيعيشها بعد سنوات العذاب الطويلة.
وقد بلغ بنا التفاؤل حداً أننا في أحاديثنا، كنا نتوقف على السلبيات الموجودة في مؤسسات الدولة في إيران. لدرجة أن قسماً غير قليل من الإسلاميين كانوا يقولون عندما نتولى الحكم بعد إسقاط صدام حسين، سيرى الإيرانيون كيف ندير الدولة؟ وستكون إدارتنا مفاجأة لهم من حيث دقتها ورقيها وانتظامها.
كانت هذه القناعة هي السائدة طوال سنوات الحرب العراقية ـ الايرانية، فقد كان الشعور العام بأن الحرب هي التي ستؤدي بنظام صدام الى الضعف ومن ثم الانهيار.
ولم تكن هذه النظرة مقصورة على الإسلاميين وحدهم، بل أن الكيانات العلمانية كانت تتعامل على أن مستقبل العراق رهن نتائج الحرب، وأن الحركات الإسلامية هي الأقوى وهي صاحبة الرتبة العالية في مرحلة ما بعد صدام حسين. ولذلك حاول العلمانيون تجميع أنفسهم في جبهات سياسية لمعادلة القوة السياسية للإسلاميين.
وقد حاولت الأحزاب العلمانية التقرب من الإسلاميين، لكن الحماس الثوري كان متصاعداً لدرجة كبيرة، تعيق التفكير في الدخول معهم في تحالفات سياسية.
لقد أعمى الحماس الثوري العيون عن النظر الى التفاصيل الضرورية والى النظرة الواقعية، فقد كانت العين لا تنظر إلا للمنطقة القيادية من القضية العراقية، ولشكل الحكم القادم، وما عدا ذلك لم يأخذ المستوى الأدنى من الإهتمام.
قرأتُ مرة خطاب نهرو في مؤتمر عدم الانحياز الذي انعقد في باندونغ عام ١٩٥٥، وهو الخطاب الذي أظهر كل الزعماء المشاركين إنبهارهم به، فقد كان واقعياً ومتنبئاً، وكان مما قاله:
(سوف تجدون لأنفسكم سلطة على رعاياكم ولكنكم لن تجدوا لأنفسكم سلطة على غيرهم. رعاياكم سوف يطلبون منكم جوائز الاستقلال. من حقهم أن يتوقعوا تحسن أحوالهم بعد الاستقلال، فهل لديكم ما تعطونه لهم؟).
أجد كلمة نهرو وكأنها موجهة لأحزاب السلطة بعد سقوط نظام صدام. كانت النتائج مخيبة الى حد كبير. فلم تكن هناك فكرة عن تفاصيل الحكم وجزئيات المجتمع، وشكل الإدارة.
للكلام تتمة