نوفمبر 22, 2024
58ea225ab80d6

اسم الكاتب : عبد الخالق حسين

بعد نشر مقالي الأخير الموسوم (العشائر والدولة)(1)، استلمتُ العديد من التعليقات الإيجابية المؤيدة للمضمون، من بينها رسالة من صديق إعلامي قال فيها: ((أحسنت في مناقشة هذا الموضوع الآن رغم إعتقادي أن العراقيين بصورة عامة يفتخرون بانتماءاتهم العشائرية. أنظر حولك واستعرض أسماء من الأصدقاء والمعارف تجدهم يعرّفون أنفسهم باللقب العشائري من باب (أن عشيرتي معروفة!). والتبجح أن ابن عمه وابن خالته المعروفين بنفس اللقب يشغلون المنصب الفلاني هنا وهناك.)) انتهى

أتفق مع الصديق العزيز في تعليقه القيِّم، وكان بودي الإشارة إلى هذه المسألة في مقالي الأخير المشار إليه أعلاه، حيث نلاحظ موجة تصاعد أعداد غفيرة من العراقيين يستخدمون القابهم العشائرية بشكل غير مسبوق. ولكني تجنبت ذلك لتفادي الإطالة، إضافة إلى أن الموضوع كان يخص العشائرية التي هي منظومة حكم في مرحلة تاريخية معينة ما قبل نشوء الدولة والشعب، و يتم إحياءها فيما بعد في مراحل ضعف الدولة و عجزها عن حماية مواطنيها من العدوان. وأشكر الصديق على إثارة هذا الجانب لكي أخصص له مقالاً قصيراً لإلقاء الضوء عليه للتوضيح.

بدءً أود التوكيد أنه ليس معيباً أن يعتز الإنسان بانتمائه العشائري، كما يعتز بانتمائه العائلي أو الديني أو المذهبي أو الوطني، ولسنا ضد العشيرة كعلاقة اجتماعية أساسها رابطة الدم والرحم، على أساس أنهم من جد واحد، ولكننا ضد العشائرية والطائفية والشوفينية والفاشية والعنصرية. فالعشائرية نظام حكم خارج نطاق الدولة، تريد منافسة الدولة، وفرض أعرافها القديمة البالية في حل المنازعات بدلاً من القوانين المدنية الحكومية. إضافة إلى ما يحصل من صدامات بين العشائر أنفسها تؤدي إلى زهق الأرواح، وتفتيت النسيج الاجتماعي، وتؤدي إلى أهوال يندى لها الجبين كما نقرأ في الأخبار من معارك عشائرية في محافظة البصرة في السنوات الأخيرة.

هناك قول مأثور منسوب للإمام جعفر الصادق، جاء فيه: “ليس من العصبية ان تحب قومك، ولكن من العصبية ان تجعل اشرار قومك خيرا من أخيار غيرهم.” والقوم في ذلك الوقت كان يطلق على الأقارب وأبناء العشيرة والقبيلة، وليس بمعنى القومية (Nationalism) بمعناها الحاضر.
هذا الكلام ينطبق على من يعتز بدينه، ومذهبه ووطنه وقوميته وحتى عشيرته، على أن لا يفضل أشرار قومه على أخيار الآخرين. وإلا تتحول هذه الانتماءات والغلو في التفاخر بها نوعاً من الطائفية والعشائرية والعنصرية والتي تعني فاشية.

على إنه هناك سبب آخر لاستخدام اسم العشيرة لقباً عند العراقيين ما بعد 2003، وهو كإجراء احترازي لحماية أنسفهم من العدوان، ليعرف المعتدي المحتمل أن هذا الشخص (ظهره قوي)، يعني وراءه عشيرة “قوية” تحميه، وترد له الصاع صاعين!!، لأن الحكومة ضعيفة لا تستطيع حماية مواطنيها من المجرمين.
وهكذا نجد في العراق، معظم الناس الذين كنا نعرفهم بأسمائهم الثنائية أو الثلاثية (الاسم الأول واسم الأب والجد)، راحوا يستخدمون القابهم العشائرية. وهذه ردة حضارية ناتجة عن ضعف الدولة، وعلى الأغلب ستنتهي في المستقبل عندما تسترجع الدول هيبتها، ويشعر الناس بأمان دون الاستقواء بالعشيرة.

على أية حال، هناك كثير من العراقيين الأعلام، وشخصيات تاريخية مرموقة اشتهروا بألقابهم العشائرية أو المدينة التي ينتسبون لها، مثل المؤرخ عباس العزاوي، والممثل الراحل يوسف العاني، والخبير في التغذية الدكتور حقي التميمي، والطبيب الجراح المعروف كمال السامرائي، والسياسي المعروف حامد الجبوري، ورئيس مجلس السيادة في عهد ثورة 14 تموز الفريق نجيب الربيعي، والألوف غيرهم كانوا ومازالوا يستخدمون العشيرة لقباً لهم وبنوايا حسنة، وهم ضد العشائرية، قبل صعود موجة العشائرية التي شجعها صدام حسين بعد فشله في عدوانه على الكويت.
فالعشائرية تؤدي إلى تفتيت النسيج الاجتماعي، أما اللقب العشائري فلا نرى منه ضيراً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *