الكاتب : فاضل حسن شريف
عن تفسير الميسر: قوله عز وعلا “وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَىٰ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ ۗ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ” ﴿هود 8﴾ أمة اسم، أمّة معدودة: طائفة من الأيّام قليلة. إلى أُمَّةٍ مَعْدودةٍ: طائفة من الزمن قليلة. ولئن أخَّرنا عن هؤلاء المشركين العذاب إلى أجل معلوم فاستبطؤوه، ليقولُنَّ استهزاء وتكذيبًا: أي شيء يمنع هذا العذاب من الوقوع إن كان حقًا؟ ألا يوم يأتيهم ذلك العذاب لا يستطيع أن يصرفه عنهم صارف، ولا يدفعه دافع، وأحاط بهم من كل جانب عذاب ما كانوا يستهزئون به قبل وقوعه بهم.
وعن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله عز وعلا “وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَىٰ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ ۗ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ” ﴿هود 8﴾ معناه:ولئن أخرنا عن هؤلاء الكفار عذاب الاستئصال إلى أجل مسمى ووقت معلوم.والأمة:الحين كما قال سبحانه وادكر بعد أمة وهو قول ابن عباس ومجاهد وقيل: “إلى أمة” أي: إلى جماعة يتعاقبون فيصرون على الكفر ولا يكون فيهم من يؤمن كما فعلنا بقوم نوح عن علي بن عيسى وقيل:معناه إلى أمة بعد هؤلاء نكلفهم فيعصون فتقتضي الحكمة إهلاكهم وإقامة القيامة عن الجبائي وقيل إن الأمة المعدودة هم أصحاب المهدي عليه السلام في آخر الزمان ثلثمائة وبضعة عشر رجلا كعدة أهل بدر يجتمعون في ساعة واحدة كما يجتمع قزع الخريف وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه السلام “ليقولن” على وجه الاستهزاء “ما يحبسه” أي:أي شيء يؤخر هذا العذاب عنا إن كان حقا ” أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ” أي: إن هذا العذاب الذي يستبطنونه إذا نزل بهم في الوقت المقدور لا يقدر أحد على صرفه عنهم إذا أراد الله أن يأتيهم به ولا يتمكن من إذهابه عنهم إذا أراد الله أن يأتيهم به ” وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ” أي: ونزل بهم الذي كانوا يسخرون به من نزول العذاب و يحققونه.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله عز وعلا “وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَىٰ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ ۗ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ” ﴿هود 8﴾ و (الأُمّة) مشتقّة من مادة (أمّ) وهي بمعنى الوالدة، ومعناها في الأصل انضمام الأشياء بعضها إِلى بعض، ولذلك يقال لكل مجموعة على هدف معين، أو زمان أو مكان واحد (أمة). وقد جاءت هذه الكلمة بمعنى الوقت والزمان أيضاً، لأنّ أجزاء الزمان مرتبطة بعضها ببعض، أو لأنّ المجموعة أو الجماعة تعيش في عصر وزمان معين، فنحن نقرأ في سورة يوسف عليه السلام الآية (45) مثلا “وادّكر بعد أُمّة”. ففي الآية محل البحث كلمة (الأُمّة) جاءت بهذا المعنى، ولذلك وصفت بكلمة “معدودة” فمعنى الآية هو: إِذا أخرنا عن هؤلاء العذاب والمجازاة لمدّة قصيرة قالوا: أي شيء يمنعه؟ وعلى كل حال، فهذه عادة الجاهلين والمغترين، فكلّما وجدوا شيئاً لا ينسجم مع ميولهم وطباعهم عدّوه سخرية، لذلك يتخذون التهديدات والنذر التي توقظ أصحاب الحق وتهزهم.. يتخذونها هزواً ويسخرون منها شأنهم شأن من يلعب بالنّار. لكن القرآن يحذرهُم وينذرهم بصراحة في ردّه على كلامهم، ويبين لهم أن لا دافع لعذاب الله إِذا جاءهم “ألا يوم يأتيهم ليس مصروفاً عنهم” وأن الذين يسخرون منه واقع بهم ومدمّرهم “وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ”. أجل، ستصعد صرخاتهم إِلى السماء في ذلك الحين، ويندمون على كلماتهم المخجلة، لكن لا صرخاتهم تغنيهم وتنقذهم، ولا هذا الندم ينفعهم، ولات حين مندم.
جاء في موقع طريق الإسلام وحدة الأمة في القرآن الكريم للكاتب عبد الله بن علي بصفر: وحدة المسلمين واجتماعهم أن يلتقي المسلمون وينضم بعضهم إلى بعض ولا يتفرقوا، والأمر الذي يجتمعون حوله هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. قال القرطبي رحمه الله في قوله تعالى: “وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا” (آل عمران 103): “إن الله تعالى يأمر بالألفة وينهى عن الفُرقَةَ، لأن الفُرقَةَ هَلَكَةٌ، والجماعة نجاةٌ، روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في الآية الكريمة: أن حبل الله هو الجماعة “. وقال ابن كثير رحمه الله: “أمرهم الله عز وجل في الآية الكريمة بالجماعة، ونهاهم عن الفرقة، وقد وردت الأحاديث المتعددة بالنهي عن التفرق والأمر بالاجتماع والائتلاف، وقد ضمن الله لهم (أي للمسلمين) العصمة من الخطأ عند اتفاقهم (واجتماعهم) وخيف عليهم (الخطأ) عند الافتراق والاختلاف، فقد وقع ذلك في هذه الأمة فافترقوا على ثلاثٍ وسبعين فرقةً، ومنها فرقة ناجية إلى الجنة، ومُسَلَّمةٌ من النار، وهم الذين على ما كان عليه محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه “. وقال أبو حيَّان رحمه الله: “نُهي المسلمون (في هذه الآية الكريمة) عن التفرق في الدين والاختلاف فيه كما اختلف اليهود والنصارى، وقيل: عن إحداث ما يُوجِبُ التفرُّق، ويزُولُ معه الاجتماع”. وقال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله: “وأول مقصد للإسلام، ثم أَجَلُّهُ وأخطره: توحيد كلمة المسلمين، وجمع قلوبهم على غايةٍ واحدة، هي إعلاء كلمة الله، وتوحيد صفوفهم في العمل لهذه الغاية، والمعنى الروحي في هذا: اجتماعهم على الصلاة وتسوية صفوفهم فيها أولًا، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لتسونَّ صفوفَكُم أو ليخالفنَّ الله بين وجوهكم)، وهذا شيءٌ لا يدركه إلا من أنار الله بصيرته للفقه في الدين، والغوص على دُرره، والسمو إلى مداركه”. عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر، مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله! إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير شر؟، قال: (نعم) فقلت: هل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: (نعم، وفيه دَخَنٌ). قلت: وما دَخَنُهُ؟ قال: (قوم يستنون بغير سنتي، ويهدون بغير هديي، تعرِفُ منهم وتُنكِر). فقلتُ: هل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: (نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها). فقلت: يا رسول الله! صفهم لنا. قال: (نعم. قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا). قلت: يا رسول الله! فما ترى إن أدركني ذلك؟ قال: (تلزم جماعة المسلمينَ وإمامَهم). فقلت: فإن لم تكن لهم جماعة، ولا إمام ؟، قال: (فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك) (رواه مسلم).
تكملة للحلقة السابقة عن علاقة المواطنة بالأمة جاء في المركز الاسترتيجي للدراسات الاسلامية التحديد المفاهيمي لمصطلحيّ الأمّة والمُواطَنة للسيد صادق عباس الموسوي: لو تعارض التعلُّقُ بالوطن والتمسُّك به مع الإلتزام بالدِّين والإنتماء إليه فمن هو المُقدّم؟ وبحبل من يلتزم المكلّف والمواطن؟ هذا السؤال يُفيضُ علينا إجابة قد تكون شافيةً وافيةً عن موقف الإسلام من المواطنة التي تجعل من الإنتماء للوطن أولوية ً يجب أن لا يتقدّمُ عليها إنتماء وأساساً طليعيَّاً يتفرعُ غنه كلُّ انتساب. يُجيب (القرضاويّ) عن هذا السؤال مُستذكِراً مقاصد الشريعة التي رتّبها الله مراتب، أوّلها الدِّين ثمَّ النفس، ويليها النسل ويتَّبعها العقل والمال، فالإنسان يُضّحي بأي شيء لأجل دينه حتَّى لو كان الوطن هو الأضحية، فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته كانوا يُحبّون مكّة حتّى قال صلى الله عليه وآله وسلم: (والله إنَّكِ لأحبُّ بلاد الله إلى الله وأحبُّ بلاد الله إلَي). ولكن عندما اصطدمَ الوطن والدِّين ضحّى بالوطن من أجل الدِّين، وقد قال الله تعالى: “قُل إن كانَ آباؤكُم وأبناؤكُم وإخوانكُم وأزواجُكُم وعشيرتكُم وأموالٌ اقترفتموها وتجارةٌ تخشَون كسادها ومساكن تردونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهادٍ في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره” (التوبة 24)، فلو كانت كلُّ هذه الأشياء ومنها الوطن ـ ومساكن ترضونها ـ في مقابل الدِّين قُدِّم هو وتراجعت وتخلَّفت هي عنه. كما يؤكِّد (السيِّد مُحمَّد باقر الصدر) أنّ أسّ انتماء الراعي والرعيّة هو للإسلام، الذي يمثل المبدأ الكامل، فيتكوَّن من عقيدة (لمعرفة الخالق) وشريعة (القوانين والأنظمة) في الكون، ينبثق عنها نظام اجتماعيّ شالٍ لأوجه الحياة. ولا يمكن لأي نظامٍ أن يحكم بدلاً عن الإسلام، كما أنّ المسلم لا ينتسب إلى نظام لا يتأسَّس وفقاً للإسلام، وإلا وجب أن تكون دعوته للإسلام تغييريّة إنقلابية لأنّه المبدأ والارتكاز الذي يعيش فيه الفرد وينتسب إليه.