الكاتب : فاضل حسن شريف
من تطبيقات الوسطية: الانسان العالم يتخذ المسير الوسط كما جاء في الاثر (على أرض الجهل ينبت الغلو، وعلى أرض الهوى ينبت الإرجاء، وعلى أرض العلم والتجرّد يثبت التوسّط) كما قال الله سبحانه “وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا” (البقرة 143).على الفلاح المؤمن أن يكون وسطا في استخدام المياه كما جاء اهمية التربية الاسلامية في المحافظة على المال العام للكاتب عبد الرحمن صالح عبد الله: الوسطية: وسط الشيء أعدله وأفضله، لقوله سبحانه تعالى: “وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً” (البقرة 143). فالوسطية خاصية من خصائص الأمة الإسلامية التي تدل على حسن التصرف في كل موقف من المواقف. والأمة الوسط تبتعد عن التبذير والإسراف وتحافظ على المال العام ولا تنفقه إلا في الأوجه المشروعة. على الدولة ان تقرض المستثمر الداخلي بشروط تسهيلية وبالتدريج لا دفعة واحدة والوسطية في الاقراض”وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً” (البقرة 143). والقرآن يدعو الى الوسطية “وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً” (البقرة 143) فالحرية بدون ضوابط تصبح فوضى.
جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله عز من قائل “وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ” ﴿البقرة 143﴾ والحاصل أن هذه الشهادة ليست هي كون الأمة على دين جامع للكمال الجسماني والروحاني فإن ذلك على أنه ليس معنى الشهادة خلاف ظاهر الآيات الشريفة. بل هي تحمل حقائق أعمال الناس في الدنيا من سعادة أو شقاء ورد وقبول، وانقياد وتمرد، وأداء ذلك في الآخرة يوم يستشهد الله من كل شيء، حتى من أعضاء الإنسان، يوم يقول الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا. ومن المعلوم أن هذه الكرامة ليست تنالها جميع الأمة، إذ ليست إلا كرامة خاصة للأولياء الطاهرين منهم، وأما من دونهم من المتوسطين في السعادة، والعدول من أهل الإيمان فليس لهم ذلك، فضلا عن الأجلاف الجافية، والفراعنة الطاغية من الأمة، وستعرف في قوله تعالى “وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ” (النساء 69)، إن أقل ما يتصف به الشهداء – وهم شهداء الأعمال – أنهم تحت ولاية الله ونعمته وأصحاب الصراط المستقيم، وقد مر إجمالا في قوله تعالى “صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ” (الفاتحة 7). فالمراد بكون الأمة شهيدة أن هذه الشهادة فيهم، كما أن المراد بكون بني إسرائيل فضلوا على العالمين، أن هذه الفضيلة فيهم من غير أن يتصف به كل واحد منهم، بل نسب وصف البعض إلى الكل لكون البعض فيه ومنه، فكون الأمة شهيدة هو أن فيهم من يشهد على الناس ويشهد الرسول عليهم. فإن قلت: قوله تعالى “وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ” (الحديد 19)، يدل على كون عامة المؤمنين شهداء. قلت: قوله “عند ربهم”، يدل على أنه تعالى سيلحقهم بالشهداء يوم القيامة، ولم ينالوه في الدنيا، نظير ذلك قوله تعالى “وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ” (الطور 21)، على أن الآية مطلقة تدل على كون جميع المؤمنين من جميع الأمم شهداء عند الله من غير اختصاص بهذه الأمة فلا ينفع المستدل شيئا. فإن قلت: جعل هذه الأمة أمة وسطا بهذا المعنى لا يستتبع كونهم أو كون بعضهم شهداء على الأعمال ولا كون الرسول شهيدا على هؤلاء الشهداء فالإشكال وارد على هذا التقريب كما كان واردا على التقريب السابق. قلت: معنى الشهادة غاية متفرعة في الآية على جعل الأمة وسطا فلا محالة تكون الوسطية معنى يستتبع الشهادة والشهداء، وقد قال الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ” (الحج 77-78)، جعل تعالى كون الرسول شهيدا عليهم وكونهم شهداء على الناس غاية متفرعة على الاجتباء ونفي الحرج عنهم في الدين ثم عرف الدين بأنه هو الملة التي كانت لأبيكم إبراهيم الذي هو سماكم المسلمين من قبل، وذلك حين دعا لكم ربه وقال: “ومن ذريتنا أمة مسلمة لك” فاستجاب الله دعوته وجعلكم مسلمين، تسلمون له الحكم والأمر من غير عصيان واستنكاف، ولذلك ارتفع الحرج عنكم في الدين، فلا يشق عليكم شيء منه ولا يحرج، فأنتم المجتبون المهديون إلى الصراط، المسلمون لربهم الحكم والأمر، وقد جعلناكم كذلك ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس، أي تتوسطوا بين الرسول وبين الناس فتتصلوا من جهة إليهم، وعند ذلك يتحقق مصداق دعائه عليه السلام فيكم وفي الرسول حيث قال “رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ” (البقرة 129)، فتكونون أمة مسلمة أودع الرسول في قلوبكم علم الكتاب والحكمة، ومزكين بتزكيته، والتزكية التطهير من قذرات القلوب، وتخليصها للعبودية، وهو معنى الإسلام كما مر بيانه، فتكونون مسلمين خالصين في عبوديتكم، وللرسول في ذلك القدم الأول والهداية والتربية، فله التقدم على الجميع، ولكم التوسط باللحوق به، والناس في جانب، وفي أول الآية وآخرها قرائن تدل على المعنى الذي استفدناه منها غير خفية على المتدبر فيها سنبينها في محله إن شاء الله.
عن موقع سماحة السيد منير الخباز عن الشهادة في رحاب القرآن وَالحديث: في قوله عز وجل: “وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا” (البقرة 143)، أي أن الله اختار لكم موقعًا تكونون فيه حجةً على جميع الأمم، ويكون الرسول حجةً عليكم، فالأمة الإسلامية بما تملك من مقوّمات ومواصفات حجةٌ على جميع الأمم، أمةٌ يقتدى بها، أمةٌ يتحذى بها، كما في قوله عز وجل: “كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ” (ال عمران 110)، والرسول الأعظم محمد حجةٌ عليكم، مقتدى لكم، قدوة لكم. الشهادة هنا بمعنى الحضور، لكن الحضور ليس حضورًا حسيًا، وإنما هو حضور معنوي، أي أن الأمة الإسلامية إذا التزمت بالإسلام وطبقت مبادئ الإسلام كان لها حضور معنوي جذّاب بين الأمم، وهذا الحضور المعنوي الجذّاب عبّر عنه القرآن بالشهادة. وقد يكون الحضور حضورًا ذكريًا علميًا، كما في الشاهد الذي يشهد واقعة معينة، ثم يتحملها في عقله، ثم يدلي بها أمام القضاء، فإن الشهادة هنا بمعنى الحضور، إلا أن الحضور هنا حضور ذهني، حضور علمي، الشهادة بمعنى واحد وهو الحضور، مصاديق الحضور، أمثلة الحضور، تجليات الحضور، تختلف من مقام إلى آخر، ومن موقع إلى آخر.
جاء في موقع الجزيرة عن الوسطية والاعتدال الطريق لفهم معاني الإسلام للكاتبة خديجة مستعد: الوسطية حق وعدل وخير ومطلب شرعي أصيل ومقصد أسمى ومظهر حضاري رفيع، فهي أفضل الأمور وأنفعها للناس، كما أنها الاعتدال في كل أمور الحياة ومنهجها. وهي الاستواء والاستقامة والتوسط بين حالتين، بين مجاوزة الحد المشروع والقصور عنه. والوسط لغة بين طرفي الشيء. وجاء في الحديث”خير الأمور أوسطها” وواسطة القلادة الجوهر الذي في وسطها وهو أجودها. الوسطية، توسط بين الطرفين وهو ما يعبر عنه لغة بالاقتصاد، أي موقف الوسط والاتزان، فلا إفراط ولا تفريط. قال الله تعالى: ” ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ۖ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ” (فاطر 32)، ولا شك أن دين الإسلام دين توسط واعتدال، دين حق وعدل، دين رحمة وسماحة، دين محبة وإخاء قال الله تعالى: “وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ” (البقرة 143)، فالوسطية اختيار من الله لهذه الأمة ومنهج الله فيهم تكريم منه سبحانه لتحقيق الأمن والسلام بين الأفراد وزرع الثقة والطمأنينة والإحساس بالآخرين وتحقيق التعاون والتكافل بين الأغنياء والفقراء. إن الحياة الهادئة لا تصلح بغير توسط في الأمور وإن التوفيق بين متطلبات الدين وشؤون الدنيا والمصالح العامة والخاصة أمر مرهون بتوافر القدرة على إنجاز المهام كلها. الوسطية تعني أيضا الاعتراف بحرية الآخرين ولا سيما الحرية الدينية، وذلك ما شرعه الإسلام في قوله تعالى ” لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ” (البقرة 256). والوسطية جمع بين المادي والروحي وتلك ميزة الإسلام، ذلك أن للإنسان جسد وروح لقول الله تعالى ” وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ” (القصص 77).