ديسمبر 12, 2024

الكاتب : اسامة القاضي

“نحمد الله ان الشيعة والسنة يذبحون بعضهم البعض. تخيل لو كانوا موحدين. تخيل الشرق الاوسط فيه ايران والسعودية اصدقاء، ايران والسعودية متعاونتان، تخيل كيف سيكون عليه حالنا؟. “اسرائيل” لم تكن لتوجد في هذا العالم، هذا الصراع (بين الشيعة والسنة) لا يجب ان ينتهي”. هذا الكلام هو للمدعو إيدي كوهين، الإعلامي الصهيوني، المعروف بكلامه البعيد عن الدبلوماسية، فهو يتحدت عن سياسة كيانه، ونظرة الكيان للعرب، بشكل واضح وصريح، وكثيرا ما يفضح المطبعين العرب، عبر الكشف عن مساهماتهم في تنفيذ مخططات كيانه ضد الفلسطينيين ومحور المقاومة، لاسيما بعد معركة “طوفان الاقصى”.

قد يسأل سائل ما الذي دفعنا الى استحضار كلام كوهين هذا عن الشيعة والسنة، وهو حديث قاله قبل عام من الان في قناة عبرية، بينما منطقتنا تشهد احداثا خطيرة في غزة ولبنان واخيرا في سوريا؟. الجواب على هذا السؤال هو ان ما جرى في منطقتنا منذ اكثر من عام في غزة ولبنان وما يجري في سوريا تحديدا، هو الذي دفعنا الى العودة الى هذا التصريح الذي ادلى به كوهين، والذي يكشف عن استراتيجية “اسرائيلية امريكية” ثابتة لم ولن تتغير يوما، لان هدفها جعل الكيان الاسرائيلي القوة الوحيدة في منطقتنا، بينما تستنزف باقي القوى الاخرى فيها في صراعات مصطنعة، ضحيتها العرب والمسلمون حصرا.

صحيح ان ما يجري في سوريا اليوم، خاصة الهجوم الذي شنته الجماعات الارهابية التكفيرية على حلب، تم بتخطيط واعداد امريكي اسرائيلي مع بعض الانظمة العربية والاسلامية الدائرة في فلك هذا الثنائي. كما ان كل ما قيل عن محاولات السيطرة على سوريا من قبل الجماعات التكفيرية، بهدف عزل لبنان وسوريا عن باقي محور المقاومة والاستفراد بهما، صحيح ايضا، وهذا ما كشف عنه زعماء هذه الجماعات انفسهم خلال استضافتهم في وسائل اعلام صهيونية، في اليومين الماضيين، وتحدثوا بكل وضوح وصراحة عن تلاقيهم مع كيان الاحتلال على العداء للرئيس السوري بشار الأسد وحزب الله وإيران، معلنين الاستعداد لتولي الحرب على هذه الجبهة بالنيابة عن الكيان!!.

وهذا الكلام لـ”ثوار الثورة السورية”!!، تلاقى مع كلام رئيس حكومة كيان الاحتلال بنيامين نتنياهو الذي قال إن “الحرب تمر عبر محور فيلادلفيا ولن ننسحب من هناك»، وعلّق بالأمس المسؤولِ السابق في شعبة التخطيط بالجيش الصهيوني الجنرال عميت ياغور، على عملية حلب فقال، «إنَ السيطرةَ على فيلادلفيا كانت لمنعِ ايصال السلاحِ إلى المقاومة الفلسطينية، وكذلك الحال بسيطرة المسلحينَ في سورية لمنعِ وصول السلاحِ إلى المقاومة اللبنانية”!!. كل ذلك صحيح، ولكن الصحيح ايضا والذي غفل عنه الكثير من المحللين الذين تناولوا خفايا الهجوم التكفيري الارهابي على حلب، هو وجود ارادة مصممة على بعث الحياة مرة اخرى الى الجسد المتهالك للفتنة “السنية الشيعية”، والتي كادت معركة “انتفاضة الاقصى”، ان تدفنها والى الابد.

ان ترك الانظمة العربية والاسلامية، الشعب الفلسطيني في غزة، لقمة سائغة للوحش الصهيوني، المدعوم امريكيا وغربيا بل وحتى من قبل بعض الانظمة العربية والاسلامية، التي مدت هذا الوحش بلك اسباب القوة لمواصلة ابادته للشعب الفلسطيني، ترك جرحا نازفا في عقل ووجدان الانسان االعربي والمسلم، المغلوب على امره، امام بطش انظمته المطبعة والدائرة بالفلك الامريكي، لكن ما ضمد بعض الجرح النزف لدى الانسان العربي والمسلم، وهم في الاغلب الاعم من السنة، (مع الاعتذار لاستخدام هذه اللغة التي لا نحبذها الا اننا مضطرون) هو وقوف محور المقاومة في ايران ولبنان والعراق واليمن وسوريا، وهم في الغالب من الشيعة، (مع الاعتذار مرة اخرى على استخدام هذه اللغة)، الى جنب اخواتهم السنة في غزة وفي فلسطين، وقدموا الغالي والنفيس على مدى اكثر من عام، وفي مقدمة التضحيات التي قدموها، قادة اجلاء في محور المقاومة، وفي مقدمتهم شهيد الامة الاكبر سماحة السيد حسن نصرالله (ره)، كما تم تسوية مناطق سكنية بالكامل مع الارض في بيروت والجنوب والبقاع في لبنان، وقصفت موانىء ومدن اليمن، وكذلك في سوريا والعراق، كما حصل في غزة. هذه المواقف البطولية لاتباع اهل البيت من فلسطين، الذين جادوا بانفسهم من اجل فلسطين والقدس والاقصى وغزة، والجود بالنفس اقصى غاية الجود. كان لها تاثير كبير على الشعوب العربية والاسلامية السنية، التي ادركت حقيقة الكذبة الكبرى التي روج لها الاعداء بين ابناء الامة الواحدة على مدى عقود طويلة وخاصة خلال العقود الاربع الماضية، وهي كذبة “الصراع السني الشيعي”، فهي اليوم تلمس لمسا حجم هذه الكذبة التي مزقت الامة، ووقفت على الجهات التي تقف وراءها، والجهات التي تغذيها وتنفخ فيها. المسلمون لم يعيشوا فترة كالتي عاشوها بعد معركة طوفان الاقصى، فالمسلمون السنة اخذوا ينظرون الى اخوتهم الشيعة كنظرة بعضهم لبعض، ووجدوا ان الاختلافات الموجوة بين الفريقين، هي اختلافات طبيعية موجودة حتى بين فرق اهل السنة، ولا يجب ان تتحول الى “صراع” كما يريد الاعداء. لذلك تم تنشيط وتفعيل وتشغيل الجماعات التكفيرية في سوريا، من اجل وأد هذا الشعور الاخوي الذي اخذ يتعزز ويتوثق بين ابناء الامة من مختلف طوائفها وخاصة بين السنة والشيعة، وهو امر وجد فيه اعداء الامة، خاصة الثنائي الامريكي الاسرائيلي، خطرا محدقا عليها، فحركوا عصاباتهم، التي خرجت من جحورها، وهي ترفع ذات الشعارات الطائفية المقززة، التي سادت في مرحلة “داعش” وما قبل طوفان الاقصى، كما رآها العالم في الافلام والصور التي تنشرها الجماعات التكفيرية في ادلب وحلب.

العدو الصهيوني الذي لا يرى مستقبلا لكيانه في المنطقة، كما يرى ايدي كوهين وجميع الصهاينة، دون الابقاء على “الصراع السني الشيعي” المصطنع مستعرا، نسي وتناسوا، ان ما جرى قبل عشر سنوات في سوريا، لن يتكرر اليوم، كما يرى اغلب المراقبين، فلم نعد نرى اليوم ذلك الدعم لهذه الجماعات التكفيرية حتى بين السذج والمخدوعين، بعد ان انكشفت حقيقة مشروع هذه الجماعات وثقافتها ونظرتها للتعدد الاجتماعي السوري، وفي المقابل زاد دعم الشعب السوري بمختلف طوائفه وانتماءاته للجيش السوري والحكومة السورية، وبحلفاء بلدهم في المنطقة، الامر الذي سيقبر التكفيريين، المنفذين للمشروع التفتيتي الصهيوني الامريكي، والى الابد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *