البُعد الآخر لسردية وجع وخوف السوريين من سرقة ثورتهم!

الكاتب : صباح البغدادي

صدق الثائر الفرنسي الشهير “جورج جاك دانتون” عندما صرخ في وجه جلاديه بمقولته الشهيرة وهو أمام مقصلة الإعدام: “إن الثورة تأكل أبناءها”، مستكملاً في الوقت نفسه المثل الفرنسي الذي مفاده “من السهل أن تبدأ الثورات، ولكن من الصعب أن تنهيها بسلام“.

الثورة يصنعها الشرفاء، ويرثها ويستغلها الأوغاد” – الثائر تشي جيفارا.

مبدأ تحقيق أهداف الدولة المدنية ينعكس عندما يتم تغليب هوية المواطنة على الهوية الطائفية. عندها يتم تحقيق الأهداف من خلال التنمية الاقتصادية والبشرية والسياسية.

أسئلة كثيرة يتداولها المجتمع السوري في تفكيرهم ومخيلتهم وخوفهم من المستقبل المجهول الذي ينتظرهم، مفادها: “أن الثورة التي أنهوا فيها حكم نظام استبدادي وطاغية قد تختطف وتسرق منهم في غفلة من الزمن، من قبل بعض السياسيين وقادة الأحزاب الطارئين، تحت ستار الرأي والرأي الآخر، الذي يتخفى بثوب الديمقراطية وحقوق الإنسان والتعددية الحزبية”. هؤلاء الطارئون سيسعون جاهدين، ومن ورائهم بعض الدول الغربية والإقليمية، لتنفيذ أجندتهم السياسية والاجتماعية والعقائدية، بحيث سيكون من الصعوبة في المستقبل مواجهتهم بعد أن تم ترسيخ وجودهم وحضورهم داخل بعض أطياف المجتمع. وقد ينفذون كذلك من خلال استغلال الانتخابات النيابية وحتى الرئاسية، من خلال دعم شخصيات بعينها دون أخرى، وتكون غير مؤهلة للحكم من الأساس، لكنها في الوقت نفسه تكون مسنودة من جهات خارجية بالدعم الإعلامي والمالي لغرض فرض رأيها وتصوراتها على بقية أطياف المجتمع، حتى ولو اضطرت إلى استخدام السلاح أو شراء الذمم.

السوريون الآن يتخوفون من المجهول القادم ويواجهون امتحانًا عسيرًا وصعبًا في كيفية إدارة بلدهم، وكيف سيكون شكل الحكم ونظامه. البعض يتخوف من أن يمتطي القادة السياسيون للوصول إلى الحكم بالاستفادة من العملية الانتخابية الديمقراطية، وعند وصولهم إلى كرسي الرئاسة، يتحولون إلى نظام استبدادي. وقد يجد المجتمع نفسه مُرعَبًا مرة أخرى بنشر الإشاعات المغرضة والفوضى لتحقيق أهدافهم. ولكن يجب على السوريين أن يبتعدوا قدر الإمكان، وبالأخص في هذه المرحلة، عن الطائفية والمذهبية والتحزبات الدينية والعقائدية. الأهم لهم حاليًا هو فرض هيبة الدولة على الجميع من أجل الأمن والأمان، والتمسك بالوحدة الوطنية، ورفض أي محاولات خارجية أو داخلية قد تنتج من البعض لإشعال الفتنة بين أبناء الشعب الواحد. التخوفات المشروعة تتطلب معالجتها سريعًا من قبل الجهات ذات العلاقة، وإذا ظهرت لدى المجتمع، فنحن نرى بوادرها في الأفق حاليًا. ومن خلال ما يمكن أن نلخص هذه المراجعة بنقاط مقارنة بين ما كانت عليه الأمور في الماضي، وما ستكون عليه في الحاضر والمستقبل، عسى أن تأتي بنتيجة وأن تكون سوريا قد تحولت فعلًا من النظام الشمولي الاستبدادي العائلي إلى نظام الديمقراطية الحقيقية والتعددية الحزبية، وعلى أساس مبدأ الوطن الواحد وهوية المواطنة والرفاهية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بعيدًا عن الإملاءات الخارجية:


1) يجب أن يكون هناك دور مشهود للمرأة من خلال إعطائها فرصتها الحقيقية للمساهمة الجدية في البناء والتنمية، وألا يكون دورها مجرد شكليات لغرض الاستهلاك الإعلامي المحلي والخارجي. ولكن يجب أن يكون الدور حقيقيًا ويُطبق على أرض الواقع من خلال فتح أبواب وظائف المؤسسات الحكومية لها، دون أي تمييز بينها وبين الرجل.


2)بما أن البعض سوف ينادي بعلو صوته ويجادل سياسيًا لغرض أن يكون نظام الحكم بالتعددية الحزبية وإنشاء منظمات المجتمع المدني، وكذلك مختلف مراكز الدراسات والبحوث الاستراتيجية التي قد تتخفى كلها تحت ستار شعارات براقة ومقولات مثل: “ضمان الحكم الديمقراطي الفعال، إبداء الرأي والمشورة، وأن يكون للمواطن الحق في اختيار الحزب الذي سوف يمثله”، وغيرها الكثير. ولكن يجب أن يُنشأ الأحزاب والمراكز والبحوث وفق أسس الحفاظ على الوطن من التدخلات الخارجية، وإيجاد قوانين وتشريعات صارمة مبنية على الشفافية والنزاهة، وبالأخص في قضية التمويل المادي لهذه الأحزاب، وأن يكون هناك إشراف قضائي على عملها وتقديم كشوفات دورية للجهات الرقابية. لأن بعض الدول الإقليمية أو الغربية ستجد لديها منفذًا لمحاولة تنفيذ أجندتها من خلال بث الأفكار سواء كانت سياسية أو عقائدية أو دينية أو مذهبية، تحت ستار حقوق الإنسان وحق إبداء الرأي الآخر المعارض.


3)بداية الثورة عام 2011 شهدت الساحة السياسية تحولات متسارعة ومتنوعة في كثرة وتعدد المجموعات والتنظيمات والحركات المسلحة وغير المسلحة. وطغت فيما بينها بعد ذلك انقسامات حادة ورؤية غير واضحة المعالم وضبابية، وكلها كانت تنطق بأنها سوف تحقق مطالب الثورة من خلال رفع شعارات الحرية، كرامة الإنسان، العدالة الاجتماعية. بعض هذه التنظيمات استفادت من الدعم الخارجي، وبالأخص قادتها الذين قدموا أنفسهم كممثلين شرعيين وحيدين للثورة السورية. بعض من هؤلاء القادة كانوا شخصيات غير معروفة سابقًا أو طارئين على العمل السياسي، مما أثار الكثير من التساؤلات حول دوافعهم الحقيقية وراء ركوب موجة الثورة ودعوتهم للتغيير دون أن يكون لديهم أي خلفية اجتماعية أو سياسية معروفة.


4)بعد عدة أشهر من بداية الثورة، أيقنت بعض الدول الإقليمية والغربية أنه يجب أن يكون لها دور في المعادلة الجديدة التي أظهرتها الثورة السورية للعالم. فقامت بتقديم الدعم وتبني فصائل وأحزاب وحركات مسلحة ومنظمات مجتمع مدني كانت تدعو جميعها لتغيير نظام الحكم. الهدف من هذا الدعم كان محاولة مسبقة لتثبيت أركان مصالحها الاستراتيجية الخاصة. هذه التدخلات وما صاحبها من شكوك وقلق لدى الرأي العام السوري أجبرت بعض قوى المعارضة على الدخول في تحالفات سرية والتفاوض على شروط قد أعدتها مسبقًا لضمان مصالحها في المستقبل. ومع مرور الوقت، ساهمت هذه التدخلات في تحجيم وتبديد الأمل في وحدة الكلمة بين أطياف المعارضة، وتحويل القضية من قضية شعب مضطهد تحت حكم استبدادي إلى صراع إقليمي ودولي.


5)خلال السنوات الأولى للثورة، ظهرت بعض الحركات والتشكيلات العسكرية والسياسية مستغلة الفوضى التي حدثت في بعض المحافظات والمدن الرئيسية التي زعمت في حينها أنها تمثل الثورة. ولكن تبين أن العديد منها كان يعاني من فساد مالي وإداري، واستغلت الوضع للحصول على تمويلات خارجية وامتيازات ومكاسب شخصية على حساب القضية الرئيسية. مما أدى إلى تراجع الثقة بين صفوف الثوار في هذه القيادات، وبالتالي خلق انطباعًا لدى الرأي العام بأن هناك محاولة مشبوهة للسيطرة على الثورة من قبل بعض الأفراد الذين أسهمت أعمالهم في تقويض مصداقيتهم.


6)تنوع الأيديولوجيات والعقائد بين فصائل وحركات وتنظيمات المعارضة التي شملت القوى الإسلامية والليبرالية والقومية واليسارية والعلمانية كان أمرًا طبيعيًا في سياق العمل الثوري. لكن بمرور الوقت، ظهرت انقسامات حادة داخل بعض من أطياف المعارضة، وصلت إلى مرحلة التخوين والصدام المسلح، مما أساء للثورة نفسها. المجتمع بدأ يشعر حقيقيًا بأن ثورتهم قد تفرقت بين تيارات متنازعة تسعى لتحقيق أجندات خاصة بها، على حساب مصلحة المواطن والوطن.


أخيرًا، من المهم أن تكون السلطة الانتقالية الجديدة على بينة وحذر مما يحيط بها من تحديات خارجية وداخلية. يجب العمل بكل جهد لضمان ألا يشعر السوريون بأن الثورة تتحول إلى صراع على السلطة وكرسي الوزارة والمحسوبية الحزبية والعائلية والشخصية في التعين بالوظائف والمؤسسات الحكومية وبالأخص وزارة الدفاع والداخلية بجميع تشكيلاتها ومؤسساتها ومراكزها وهيئاتها الأمنية والاستخبارية والمخابراتية وأن تكون بالتحديد لأصحاب الكفاءة والنزاهة والدرجة العلمية وبغض النظر عن الثوب الذي يلبسه والذي يتمثل , الطائفة أو القومية أو العقيدة التي يؤمن بها , فمن أراد أن يتقدم لغرض أشغال هذه المناصب فعليه أن ينزع عنه هذه الثوب وأن يحقق الأمن والأمان والعدالة للجميع . يجب أن تكون هناك قيادة تتمتع بالمصداقية وتستطيع بناء مستقبل يتوافق مع تطلعات المجتمع السوري في تحقيق الحرية والكرامة الإنسانية وظروف معيشية واقتصادية أفضل.

sabahalbaghdadi@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *