سامي الموسوي

تحت حكم خميني ثم خليفته خامنئي، استحدثت إيران سياسة خارجية قائمة على تصدير الثورة الإيرانية (الإسلامية) الى الشعوب الإسلامية الأخرى، حيث سعى النظام إلى تعزيز نفوذه في دول المنطقة من خلال دعم الجماعات المسلحة وتدخلاته العسكرية واثارة النعرات والفتن الطائفية. إلا أن هذه السياسة تتعارض مع المبادئ والقيم الأساسية التي دعا إليها الإسلام، كما هو موضح في القرآن الكريم.

يؤكد القرآن الكريم على أهمية السلم والتسامح والعدل في التعامل مع الآخرين. يقول الله تعالى في سورة الممتحنة (الآية 8):

“لَا يَنْهَاكَ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ.”

هذه الآية تبرز أهمية التعامل الإنساني مع الآخرين، حتى مع من لا يشتركون في الدين، مما يدل على ضرورة الابتعاد عن العنف والتدخلات السلبية مهما كان نوعها.

نجد أن السياسة الإيرانية، من خلال دعمها للمليشيات في العراق وسوريا ولبنان واليمن، ساهمت وتساهم في زعزعة الاستقرار والنعرات الطائفية في هذه الدول. ويعاني المدنيون من آثار هذه الصراعات معاناة مختلفة الجوانب كالهدم والحروب والتهجير وزهق الأرواح والاحتلال المباشر وغير المباشر بدءً من حرب الخليج الأولى حتى الان. وفي هذا السياق، نجد أن القرآن يؤكد على أهمية الحفاظ على أرواح الناس والحفاظ على ممتلكاتهم وتعزيز السلام، حيث جاء في سورة البقرة (الآية 195):

“وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ.”

هذا التحذير من الانغماس في الصراعات يشير إلى أهمية استخدام الجهود في سبيل الله لأغراض إيجابية، بدلاً من تدمير الدول وإدخالها في أتون الحروب والصراعات وهذا ما لا ينسجم مع الرسالة المحمدية السمحاء ولا مع قيم السماء لا سيما اذا كان ذلك باسم الدين.

تعاني الحكومة الإيرانية من حالة من العزلة المحلية والدولية بسبب سياساتها وممارساتها، والتي جعلت الكثيرين ينفرون منها، سواء داخل إيران أو خارجها من المجتمعات الشيعية وغيرها. حيث يعاني العديد من الأقليات العرقية والدينية في إيران، مثل الأكراد والعرب، والبلوش، والآذريين، من التمييز والملاحقة. سياسات الحكومة تميز بين الفرس والأقليات الأخرى، مما يسبب نزاعات مستمرة وتوترات اجتماعية خاصة ضد الشعوب العربية وبالذات شعب الاحواز العربي.

فعلى مر السنوات، شهدت إيران احتجاجات واسعة النطاق تعكس استياء الناس من الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. هذه الاحتجاجات غالبًا ما تنطلق من شعور بالظلم والانعدام، وتأتي نتيجة للفساد وسوء الإدارة.

تدخلات إيران في شؤون الدول الأخرى والسياسات الإقليمية العدوانية أدت إلى توتر العلاقات مع العديد من الدول، بما في ذلك الدول العربية والاسلامية والغربية. كما أسفرت عن فرض عقوبات اقتصادية شديدة على البلاد، مما زاد من تبعات العزلة.

تسجل تقارير منظمات حقوق الإنسان انتهاكات مستمرة لحقوق الإنسان في إيران، مثل قمع المعارضة، وتقييد حرية التعبير، وزيادة استخدام العنف ضد المحتجين. وهذا يقلل من فرص إيران في تطوير علاقات دولية إيجابية.

ان إيران تعاني من أزمة اقتصادية خانقة، مع ارتفاع معدلات البطالة والتضخم. هذا، مع عدم كفاءة الإدارة، جعل الحياة اليومية للمواطنين أكثر صعوبة. الناس يشعرون بأن النظام لا يهتم بمصالحهم خصوصا ان تصريحاته تناقض افعاله وهو لا يقدر على مواجهة من يسميهم الاعداء. وإن الفساد مستشرٍ في المؤسسات الحكومية، مما يزيد من عدم الثقة بين الشعب والنظام.

دعم إيران لجماعات مسلحة في العراق وسوريا ولبنان واليمن وغيرها يثير مخاوف العديد من الدول ويعتبر عملًا عدوانيًا، مما يساهم في افتقارها للتأييد الإقليمي والدولي. ويستند النظام الإيراني بذلك على ما هو اكثر شمولية من الشاهنشاهية الا وهي ولاية الفقيه التي ابتدعها خميني وجعلت من خامنئي دكتاتورا بعيدا عن القيم الإنسانية والدينية.

ونظام ولاية الفقيه هو نظام سياسي في إيران يستند إلى مفهوم ولاية الفقيه، حيث يُعتبر الفقيه الأعلى هو الذي يملك السلطة الدينية والسياسية وهذا يتعارض مع مبادئ أهل البيت والإسلام لعدة أسباب. يعتمد الإسلام على مبادئ الشورى، بحيث يجب أن تكون هناك مشاركة جماعية في اتخاذ القرارات، بينما ولاية الفقيه تقتصر السلطة في يد فرد واحد. وقد كان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يشرك أصحابه الرأي قبل ان يتخذ قرارا اذا لم يكن يتعلق ذلك بالرسالة والوحي. قال تعالى: “وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ” (الشورى: ٣٨) وقال: “إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى” (النساء: ٥٨) أي يشمل ذلك الحكم بالعدل والإحسان وقال: “لا إكراه في الدين” (البقرة: 256)، وقال: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴿١١٨ -١١٩ هود﴾ (ولذلك خلقهم – أي حتى تكون لهم حرية الاختيار فمن شاء يؤمن ومن شاء يكفر – فهم لايزالون وسيبقون مختلفين) وقد استثنى الأنبياء لانهم لا فرق بينهم في الرسالات الإلهية. أي الناس وكلهم عباد الرحمن يمنحهم الحياة والرزق ويستجيب دعائهم اذا دعوه مهما كانوا وهو الذي يقول: وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ. وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ. رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَٰلِكَ الْخُرُوجُ ﴿٩-١١ ق﴾ – ورزقا للعباد معناها جميع الناس سماهم الله عباده. فهم عباد الرحمن وذلك هو معنى الربوبية. ان الرسول محمد (صلى الله عليه واله وسلم) ختم الرسالات الإلهية وختم عصر القرى الأحادية الفكر والمتعددة الالهة وفتح عصر السرعة والمدنية والتقدم وعصر تعدد الأفكار ولذلك اطلق على (يثرب) المدينة وعلى (مكة) ام القرى لان مكة أحادية الفكر والمدينة تعددية. وعليه كتب وثيقة المدينة واسس للوطنية فكل من في المدينة يعيشون في وطن واحد ويدافعون عن وطنيتهم ووطنهم وحتى في معركة الأحزاب كان الدفاع عن الوطن وليس الإسلام فقط والوطن يضم اهل الكتاب والمنافقين والمسلمين من طوائف شتى.

وعليه رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) أسس دولة مدنية وفصل فيها الدين عن السياسة. وأنه يجب أن لا يُستخدم الدين كوسيلة للسيطرة السياسية او الدكتاتورية.

يُعتبر نظام ولاية الفقيه نظامًا يحتكر السلطة ويقضي على التنافسية السياسية، مما يؤدي إلى تهميش الشخصيات السياسية الأخرى والآراء المختلفة. مما يؤدي الى تفسير معين للنصوص الدينية بما يتوافق مع مصالحه السياسية، مما قد يُفقد الدين جوهره ويسيء اليه. ولم تكن اهزوجة (باسم الدين باكونا الحرامية) قد أتت عن فراغ. وهي تعني ان الذين استخدموا الدين كوسيلة للسياسة قد اساءوا اليه – وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ . أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـٰكِن لَّا يَشْعُرُونَ.-

إن هذه العوامل وغيرها تجعل النظام الإيراني في حالة من النفور لا فقط من قبل الدول الأخرى، بل أيضًا من قبل الكثير من الأفراد داخل إيران. تتزايد الجهود من قبل الشعب الإيراني للتعبير عن رفضهم للظلم والتمييز، مما يشير إلى أن هناك دعوات للنهوض بالتغيير والإصلاح. وفي خضم كل هذا، يبقى الأمل معقودًا على مستقبل أفضل يحقق العدالة والمساواة للجميع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *