صباح البغدادي
قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا وَأَشْعَلَ فُؤَادُ مَايَا نيرانًا
أَصْبَحَتْ تَتَلَأْلَئِي بِالْحُبِّ أحلامًا
عِشْقَتَهُ مِثْلَمَا لَمْ تَعَشَّقَ قِبَلُهُ
فَأَصْبَحَتْ تُقِيمُ فِي عَالَمِ الْخَيَالِ لِيَرَاهَا
غَمَرَهَا بِالْحُبِّ بِنُورِهِ وَدِفْؤُهُ
فَأَضَاءَ عُمَرُهَا بِأَلْوَانِ السَّعَادَةِ
وَصُرْتُ تَقْطُنُ فِي عَالَمِ الْهَنَاءِ
وَطَرَبٌ لِحَبيبَهَا فِي ليالي الْأُنْسَ وَالطَّرَبَ
فَكَمْ هُوَ جَسِيمُ حُبِّهِ الَّذِي فَاقَ الْحَدُّ
وَأَضَاءَ لَهَا دَرْبُهَا بِنُورِ الْأَمَلِ الْمُتَجَدِّدِ
حَبَّهَ صَارَ وَهَمًّا لِيُحَيِّيهَا
وَحُبَّهَا صُرْتُ وُجُودَهَا فِي الدُّنْيَا تَحِيِّيِّهِ
فَكَمْ هُوَ عَمِيقُ ذَاكَ الْحُبِّ الَّذِي أَسِرَّ مُهْجَتِهَا
وَأَضَاءَ دَرَّبَ عِشْقُهَا مِثْلُ أَقْمَارِ النُّجُومِ وَهِي تَتَلَأْلَئِي فِي سَمِّهَا
الفصل الأول: سردية أسر الجندية وإنقاذها
في قلب الأحداث ومواجهات المعارك الشرسة التي تندلع بين الحين والاخر في مختلف مناطق قطاع غزة ، كانت جندية شابة تُدعى “مايا” جندت للجيش (وفقاً لقانون التجنيد الإجباري في إسرائيل) وبعد انتهاء تدريبها نقلت الى احدى الوحدات القتالية المتمركزة والقريبة من القطاع , في احد الأيام كلفت وحدتها بواجب لغرض البحث والتقصي ومداهمة بعض الأماكن التي يضن بانه يتواجد فيها المقاتلين الفلسطينيين واثناء تسللهم الى المكان المستهدف في احد الشوارع وبين انقاض الابنية المهدمة تم مفاجئة ضباط وجنود فصيل قوة المداهمة من قبل المقاتلين والذين اشتبكوا معم مباشرة , وفي أثناء واحتدام سير المعركة الضارية ولشدة المواجهة انسحبت القوة العسكرية المداهمة بسرعة تاركا ورائها جنود قتلى وجرحى ومن ضمهم تعرضت الجندية ” مايا ” لإصابة بالغة وسقطت على الأرض شبه مغشية عليها وبدأت تدرجيآ تفقد الشعور بما حولها ، وجراحها تنزف من شدة الإصابة ، وأصبح من المستحيل عليها الهروب أو حتى أن تبدي أية مقاومة ، اقترب منها أحد المقاتلين الفلسطنيين , وكان يُدعى “آدم” وبدلاً من أن ينقض عليها وينهي حياتها مثلما يفعل بعض الجنود عادة في المعارك أو مع الأسرى الذين اصابتهم تكون بليغة جدا بحيث يصعب انقاذهم ، شعر “آدم” بشيء غير عادي عندما نظر إلى وجهها وتلمسها لكي يتأكد هل ما تزال على قيد الحياة , اقترب ليسمع دقات قلبها هل ما يزال ينبض , وعندما تأكد من أنها متشبث بحياتها الى أخر لحظة وعلى الرغم من أصابتها البليغة حيث كان باستطاعته تركها لمصيرها , ولكن دقات قلبه لم تسمح له بان يتركها لغرض أن تموت هكذا عبثا , فبدلاً من سحبها إلى احد الأبنية أو الأنفاق بسرعة ، اتخذ قرارًا بمساعدتها أولًا وتقديم الإسعافات الأولية وهو يخاطبها ويتحدث اليها على الرغم من انه كان يعتقد بفقدانها للوعي , ولكن كان يحس لحظتها كأنما يعرفها منذ زمن طويل ومخاطبآ احد المقاتلين الذين كانوا معه الذي كان حيثه على تركها لصعوبة الوضع الميداني ولكن “أدم” رفض حديث صديقه , وبانها : “بحاجة إلى علاج وانها ما زالت على قيد الحياة ! أنتِ بحاجة إلى علاج فوري، لا يمكنني تركك تموتين هنا” قالها آدم بهدوء وهو يعالج جروحها على عجل.
وبينما كان “آدم” يعالج جروحها باستخدام ما توافر لديه من أدوات طبية بسيطة، استعادة وعيها تدريجيا ولاحظت “مايا” نظراته الجادة والرحيمة، وداخل قلبها بدأت تساورها مشاعر مختلطة , رغم أنه أسَرها وأدى دور العدو بالنسبة لها , إلا أن شيء في تعامله جعلها ترى فيه شخصًا مختلفا عما كانت تسمع وتقرأ عن مدى وحشية هؤلاء المقاتلين الفلسطينيين !؟ من خلال عائلتها أو أحاديثها مع المعارف والأصدقاء و بين ضباط وجنود وحدتها الذين يصورون المواطن الفلسطيني وبالأخص المقاتل بأنهم مجردين من انسانيتهم وأشبه بحيوانات مفترسة ضارية.
الفصل الثاني: اللقاءات الممنوعة والنظرات الخفية
أمضت “مايا ” الأشهر الأولى وهي تتنقل من مكان الى أخر، حيث كانت العناية الطبية مستمرة بفضل “آدم ” الذي كان يتابع حالتها كلما تسمح له الفرصة وعندما يعود من المعارك الى مكان انطلاقهم الأول. في البداية كانت تنظر إليه باعتباره مجرد عدو، لكن شيئًا فشيئًا بدأت ترى فيه إنسانًا يعاملها باحترام. في لحظات الهدوء بين الحراس، كانت ” مايا ” تبحث وتختلس بنظراتها بين الوجوه لتلاحظ آدم ، وتنظر إليه بنظراتها وكانا تريد ان تبوح له بشيئ يخالج قلبها ولكن بعد المسافة وانشغال آدم بالحديث مع بقية المقاتلين حال دون ذلك . “أدم” كان يحمل في عينيه شيئًا من الهموم والتساؤلات، وأحيانًا كانت نظراته تتلاقى مع نظراتها، لكنهما لم يتحدثا عما يشعران به ولكن لغة العيون فيما بينهما كانت كفيلة بأن يعرفان بأن شيئ ما يحدث ولكنه غير مفهوم لكلاهما .
كانت العلاقة بينهما تقتصر على كلمات قليلة وبسيطة حول تطور حالتها الصحية أو طعامها، لكن كليهما كان يشعر بانجذاب غير مفهوم وان هناك بدأت تتكون رابطة لشعور غريب بينهما. كان “آدم” يحاول جاهدا ألا يتدخل في صراع مع أحاسيس قلبه وتفكير عقله وأن يبقى ملتزم بأخلاقيات وتعاليم دينه وما تربى عليه، وفي المقابل لا يستطيع إنكار أنه مع كل يوم يمر، يشعر بأن اهتمامه بـ”مايا” أكبر من مجرد شخص يطمئن على مصاب.
في الأيام التي تلت ذلك، كانت “سارة” تعود إلى خيالها في لحظات السكون والهدوء ، وتدخل في صراع مع قلبها وعقلها لتحاول فهم مشاعرها تجاه “آدم” كيف يمكن لعدو أن يظهر بهذه الرحمة والعطف ؟ وكيف يمكن لشخصين من ديانتين مختلفتين أن يتشاركها هذا الشعور والأحاسيس والتفاهم الصامت ؟ ما الذي يجري لنا ؟ ولماذا كل هذه العاطفة والحنان التي أشعر بها كلما اقترب مني او سمعت همسات صوته ؟.
الفصل الثالث : لحظة الاعتراف بالمشاعر
اقترب اليوم الذي سيطلق فيه سراح ” مايا ” وكانت الأيام الأخيرة في الأسر تحمل في طياتها العديد من المشاعر والأحاسيس المتناقضة . بينما كان الوقت يمر بسرعة، كانت ” مايا ” تزداد اضطرابًا في قلبها. جراحها قد شفيت بشكل كبير ، لكن جرحًا آخر بدأ ينمو في قلبها : حبها “لآدم” .
في إحدى الليالي، عندما كانت السماء مظلمة والقمر يتسلل خلسة من بين السحب، تقدمت “مايا” نحو مكان الجلوس المعتاد “لآدم” كان يجلس بمفرده، يراقب ضوء القمر في صمت . اقتربت منه بخطوات هادئة، وجلست بجانبه دون أن تتحدث أولًا .
قالت أخيرًا وبهمسات صوت خافت، يكاد لا يُسمع: “لقد أنقذت حياتي، ليس فقط جسدي، بل أيضًا روحي.”
نظر إليها “آدم” بعينيه التي تحمل لمعة كانعكاس وتوهج ضوء القمر , لم يعرف كيف يفسرها، ثم قال بصوت خافت أيضًا:” كنت فقط أفعل ما هو صحيح.”
لكن ” مايا” شعرت أن حروف الكلمات التي قالتها لا تكفي لتوضيح ما في قلبها . فقالت بتردد: “لكنني لا أستطيع أن أذهب الآن… وأترك كل شيء خلفي . أنتَ… لا أعرف كيف أصف ما أشعر به.”
عندها، كانت نظرات “آدم”مليئة بالحيرة والمشاعر المختلطة التي لم يفصح عنها. لكن ببطء، اقترب منها وأمسك بيدها بحذر. وأنا أيضًا وبعد مضيئ كل هذه الشهور ، لا أعرف كيف سأعيش وأبدوا بعد رحيلك.
الفصل الرابع: العودة إلى الوطن والعلاقة المحرمة
وصل يوم إطلاق سراح “مايا” وقبل مغادرتها، شعرت أنها يجب أن تعبر عن مشاعرها . بينما كان الحراس يقفون على استعداد لعودتها إلى وطنها، توجهت إلى “آدم” مباشرة مرة أخرى . في لحظة وداعها ، وقبل أن تختفي من حياته ، قالت له: “لا تظن بأنني سوف انسى ما فعلته من أجلي وأترك ما شعرت به تجاهك وكأنما كان مجرد سراب أو حلم أفقت منه الآن . لقد علمتني معنى أن يكون الانسان مقاتل وفي نفس الوقت كيف يكن له كل هذا العطف والحنان والحب والاحترام.
“آدم” الذي كان قد بدأ يشعر بمشاعر وأحاسيس عميقة نحوها , أجابها: “لن أنساكِ أبدًا ما دمت حيآ.”
رغم عودتها إلى وطنها، والديانات المختلفة بينهما، ظل حب ” مايا وآدم ” يتسلل إلى قلوبهم ذكريات كتبت فصول حبهما على جدران قلوبهما لا تُنسى، تُشعل الأشواق بين الحين والآخر، لكن كل واحد منهما كان يعلم أن هذا الحب المستحيل لن يكتمل في عالم مليء بالحروب والانقسامات.
الفصل الخامس : الأمل دائما في المستقبل !
على الرغم من أن الأيام والشهور مرّت كما تمضي الرياح، تاركة وراءها أثراً من الوقت لا يمكن التراجع عنه، ظلّت “مايا”و”آدم” متباعدين، كل واحد منهما يعيش في عالمٍ متقلب، عالم مليء بالظلال التي تسكنه مشاعر الكراهية والألم. ورغم هذا التباعد، كانت هناك لحظات بينهما لا يمكن للزمن أن يمحوها. نظرات عيونها التي كانت تحمل عبير الحزن والحنين، ونظراته التي كانت تترقرق فيها مشاعر لم تستطع الكلمات يوماً أن تعبر عنها، بقيت عالقة في ذهن كلٍ منهما كأنها وعود لم تُحقق بعد.
وتلك اللمسات الخجولة التي كانت تداعب الهواء بينهما ولم تصرح بها شفتاهما ، كانت بمثابة همسات غير معلنة، كتلك اللمسات التي يخشى القلب أن يعلن عنها لكنه يترقبها بفارغ الصبر. كانت تلك اللحظات كالحلم الذي يعجز العقل عن تصديقه لكنه يبقى في القلب نبضًا لا ينقطع. قد يكون في تلك اللحظات لم يكن لديهما القدرة على بناء علاقة محبة حقيقية، أو على الالتزام بعهدٍ قد يبدو مستحيلاً في وسط هذا الصراع الداخلي والخارجي، ولكن بين ضلوعهما كان هناك شعور عميق بأن شيئًا ما أكبر من كل شيء سيحدث في يومٍ ما.
كانا يعيشان على أملٍ كبير، أملٍ لا يشوبه الشك، أمل بأن هناك عالماً آخر قد يلوح في الأفق. عالم لا تقيده حدودٌ ولا جغرافيا، عالم حيث لا يمكن لأي قوة، مهما عظمت، أن تمنع القلب من لقاء قلبٍ آخر، حتى وإن كانت المسافات بينهما طويلة. كانا يعلمان في أعماقهما أن الحب لا يعرف الحدود، وأنه كما يمكن للأرواح أن تلتقي في الحياة، فإنها ستلتقي حتمًا في يومٍ من الأيام، حتى لو كان اللقاء بينهما في عالم آخر.
كانت “مايا” تتخيل في لحظات تأملها أن هناك صباحاً جديداً سيشرق على تلك الأرض التي شهدت قداسة الأنبياء والرسل، حيث يسود فيها السلام والمحبة، حيث تكون القلوب قادرة على العيش بلا خوف من المستقبل. وكان “آدم” يتخيلها معه، تمسك بيده في ذلك العالم الذي لا يعترف بالحزن، عالم مليء بالسلام الداخلي والحب النقي. كانا يؤمنان معًا أن الأمل سيجمع بينهما في لحظة سحرية، لحظة سيتنفس فيها كل منهما الآخر من جديد، ويبدأن معًا في رحلة حبٍ وطريق لا نهاية له ، مليئه بالفرح والسكينة وفي صباح غدآ مشرق .