فبراير 5, 2025
Dr Fadhil Sharif

فاضل حسن شريف

جاء في کتاب باب الحوائج الإمام موسى الكاظم عليه السلام للدكتور حسين الحاج حسن: صلابة موقف الامام عليه السّلام: من الواضح و المعروف مسبقا ان موقف الإمام عليه السّلام مع هارون موقف واضح و صريح لا يقبل الرد و لا يقبل المهادنة، لأنّ هارون مغتصب لمنصب الخلافة التي هي من حق علي بن أبي طالب و الأئمة المعصومين من بعده. فالعباسيون اختلسوا السلطة، و خانوا الأمانة والعهد لقد استلموا السلطة باسم العلويين، و تبنّوا شعارهم، و لما جلسوا على كرسي الحكم خانوا العهد، و اشتروا به و بأيمانهم ثمنا قليلا. قال تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَ أَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَ لا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ لا يُزَكِّيهِمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ‌” (آل عمران 77). هذه هي أهم الأسباب التي دعت هارون الرشيد إلى اعتقال الإمام عليه السّلام. و أيضا: قال الفضل بن الربيع: حج هارون الرشيد و ابتدأ بالطواف، و منعت ال عامة من ذلك لينفرد وحده، فبينما هو في ذلك إذ ابتدر اعرابي و جعل يطوف معه. فقال الحاجب: تنح يا هذا عن وجه الخليفة: فانتهره الأعرابي و قال: “إن اللّه يساوي بين الناس في هذا الموضع فقال: سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَ الْبادِ” (الحج 25). فأمر الحاجب بالكف عنه. و لما فرغ الأعرابي من صلاته استدعاه الحاجب و قال له: أجب أمير المؤمنين. فقال الأعرابي: ما لي إليه حاجة فأقوم إليه، بل إن كانت الحاجة له فهو بالقيام إلى أولى. قال: صدق. فمشى إليه هارون و سلم عليه، فرد عليه السّلام، فقال هارون: اجلس يا اعرابي. فقال الأعرابي: ما الموضع لي فتستأذني فيه بالجلوس، و إنما هو بيت اللّه نصبه لعباده، فإن أحببت فاجلس، و ان احببت ان تنصرف فانصرف. فجلس هارون و قال: ويحك يا أعرابي مثلك من يزاحم الملوك؟ قال: نعم، و في مستمع. قال هارون: فإني سائلك، فان عجزت آذيتك. قال الأعرابي: سؤالك هذا سؤال متعلم، أو سؤال متعنّت؟ قال هارون: بل سؤال متعلّم. قال الأعرابي: اجلس مكان السائل من المسئول و سل، و أنت مسئول. فقال هارون: ما فرضك؟ قال الأعرابي: إن الفرض رحمك اللّه واحد، و خمس، و سبع عشرة، و أربع و ثلاثون، و أربع و تسعون، و مائة و ثلاث و خمسون على سبع عشرة، و من اثني عشر واحد، و من أربعين واحد، و من مائتين خمس، و من الدهر كله واحد، و واحد بواحد. فضحك الرشيد و قال: ويحك أسألك عن فرضك و أنت تعد علي الحساب؟. قال الأعرابي: أ ما علمت أن الدين كله حساب، و لو لم يكن الدين كله حساب لما اتخذ اللّه الخلائق حسابا، ثم قرأ: وَ نَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَ إِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَ كَفى‌ بِنا حاسِبِينَ‌” (الأنبياء 47). قال هارون: فبين لي ما قلت و إلا أمرت بقتلك بين الصفا و المروة؟ فقال الحاجب: تهبه للّه و لهذا المقام.

ويستمر الدكتور الحاج حسن في كتابه متحدثا عن صلابة موقف الامام عليه السّلام: فضحك الأعرابي من قوله. فقال هارون: مما تضحك يا اعرابي؟ قال: تعجّبا منكما، إذ لا أدري من الأجهل منكما، الذي يستوهب أجلا قد حضر، أو الذي استعجل أجلا لم يحضر؟. فقال هارون: فسر لنا ما قلت. قال الأعرابي: أما قولي الفرض واحد فدين الإسلام كله واحد، و عليه خمس صلوات، وهي سبعة عشر ركعة، و أربع وثلاثون سجدة، وأربع و تسعون‌ تكبيرة، و مائة وثلاث وخمسون تسبيحة، و أما قولي من اثني عشر واحد: فشهر رمضان من اثني عشر شهر، و اما قولي من الأربعين واحد: فمن ملك أربعين دينارا أوجب اللّه عليه دينارا، و أما قولي من مائتي خمسة: فمن ملك مائتي درهم أوجب اللّه عليه خمسة دراهم. و أما قولي فمن الدهر كله واحد: فحجة الإسلام، و أما قولي واحد بواحد: فمن أهرق دما من غير حق، وجب اهراق دمه، قال اللّه تعالى: “وَ كَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَ الْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَ الْأُذُنَ بِالْأُذُنِ، وَ السِّنَّ بِالسِّنِّ وَ الْجُرُوحَ قِصاصٌ” (المائدة 45). فقال الرشيد: للّه درك، و أعطاه بدرة. فقال الأعرابي: فبم استوجبت منك هذه البدرة يا هارون، بالكلام أم بالمسألة؟ قال هارون: بالكلام. قال الأعرابي: فاني أسألك عن مسألة، فإن أتيت بها كانت البدرة لك، تصدّق بها في هذا الموضع الشريف، و إن لم تجبني عنها أضفت إلى البدرة بدرة أخرى لأتصدق بها على فقراء الحي من قومي. فأمر هارون بايراد أخرى و قال: سل عما بدا لك. فقال الأعرابي: أخبرني عن الخنفساء تزق أم ترضع ولدها؟ فغضب هارون و قال: ويحك من يسأل عن هذه المسألة؟ فقال الأعرابي: سمعت ممن سمع من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم يقول: من ولي أقواما وهب له من العقل كعقولهم، و أنت إمام هذه الأمة يجب أن لا تسأل عن شي‌ء من أمر دينك و من الفرائض، إلا أجبت عنها، فهل عندك جواب؟. قال هارون: رحمك اللّه لا، فبين لي ما قلته و خذ البدرتين. فقال الأعرابي: إن اللّه تعالى لما خلق الأرض خلق دبابات الأرض التي من‌ غير فرث و لا دم، خلقها من التراب، و جعل رزقها و عيشها منه، فإذا فارق الجنين أمه لم تزقه و لم ترضعه و كان عيشها من التراب. فقال هارون: و اللّه ما ابتلي أحد بمثل هذه المسألة، و أخذ الأعرابي البدرتين و خرج، فتبعه الناس و سألوا عن اسمه، فإذا هو موسى بن جعفر عليه السّلام، فاخبر هارون بذلك فقال: و اللّه لقد كان ينبغي أن تكون هذه الورقة من تلك الشجرة. و لكن هل سمح لهذه الشجرة أن تنمو و تعطي و تثمر ثمرا طيبا يتغذى منه جميع الناس؟

يقول الدكتور حسين الحاج حسن: من ظلم هارون إلى ظلّام السجن: ما العلاقة بين الظلم و الظلام؟. قال علماء اللغة: – ظلم: يعني جار و جاوز الحد، و وضع الشي‌ء في غير مكانه. جاء في المثل: (من شابه أباه فما ظلم) و قالوا أيضا: (من استرعى الذئب فقد ظلم). و هذا المثل يضرب لمن يولي غير الأمين. و يقال: ظلم فلان فلانا: غصبه حقه أو نقصه إياه. و في الحديث: لزموا الطريق فلم يظلموه. و يقال: هو ظالم. و ظلام. و هو و هي ظلوم. – و ظلم الليل: أسود فهو ظلم. وأظلم الليل أسود. و يقال: أظلم الشعر. و القوم دخلوا في الظلام. و البيت جعله مظلما. و ظالمه: مظالمة، و ظلاما: ظلمه. و تظالم القوم: ظلم بعضهم بعضا. الظلامة: ما يطلبه المظلوم. و الظلماء: الظلمة و يقال: ليلة ظلماء. و الظلمة: ذهاب النور. و المظلم: الشديد الظلمة. يقال: يوم مظلوم و أمر مظلام: لا يدرى من أين يؤتى و الجمع مظالم. فالعلاقة المشتركة بين الظلام و الظلم. ظلم هارون و ظلام السجن حتى ذهاب النور، فيفقد النظر التمييز بين الاشياء، بين السقيم و السليم. و الظلم: يعني ذهاب الحق الذي يوضح الأمور، و يجلي الحقائق حتى تظهر على حقيقتها، و لا لبس فيها. كما يعني وضع الشي‌ء في غير مكانه و المظلام هو هارون الرشيد و أشباهه من الملوك العباسيين، و من سبقهم من الأمويين. و المظلوم: هو الذي انتقص من حقه أو الذي لم يعط حقه و هو الإمام موسى الكاظم عليه السّلام و من سبقه من آبائه و أجداده الذين ضحوا بكل ما عندهم من قوى و قاوموا الظلم و الظالمين من أجل إعلاء كلمة اللّه عز و جل و المحافظة على الشريعة الاسلامية، و الدفاع عن المظلومين و المستضعفين في الأرض ليبقوا أعزة كراما محترمين. قال تعالى واصفا المؤمنين: “وَ لِلَّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ لكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ‌” (المنافقون 8). فلنتصور هذه المكانة الرفيعة التي منحها اللّه عز و جل للمؤمنين فقد أعطاهم شرفا عظيما و مكانة سامية لا يرقى إليها غيرهم في المجتمع، أعطاهم العزة بعد جلالته و بعد الرسول الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلم. فأهل البيت (عليهم السّلام) حافظوا على هذه العزة و دافعوا عنها فكانوا من المؤمنين الصادقين، و العباسيون حاولوا سلب هذه العزة منهم فكانوا ظالمين منافقين. و الإمام الكاظم عليه السّلام الذي كظم غيظه سنينا طويلة من ظلم الحكام العباسيين، حافظ على هذه العزة التي منحها ربّ العالمين للمؤمنين الصادقين 

وعن إشراف هارون على الإمام في سجنه يقول مؤلف الكتاب الدكتور حسين الحاج علي: لما امتنع حراسه و وزراؤه من القدوم على اغتياله، لم يثق بالعيون التي وضعها عليه في السجن، فأخذ يراقبه بنفسه، و يتطلع على شئونه خوفا من أن يتصل به أحد من الناس، فأطل من أعلى القصر على السجن فرأى ثوبا مطروحا في مكان خاص لم يتغير عن موضعه فقال للفضل: – ما ذاك الثوب المطروح الذي أراه كل يوم في ذلك الموضع؟ – يا أمير المؤمنين، ما ذاك ثوب، و إنما هو موسى بن جعفر، له في كل يوم سجدة بعد طلوع الشمس إلى وقت الزوال. فبهر هارون بصلابة الإمام عليه السّلام و قوة إرادته وقال للفضل: – أما هذا فانه من رهبان بني هاشم فالتفت إليه الفضل بعد ما سمع منه اعترافه بزهد الإمام قائلا له: – يا أمير المؤمنين: ما لك قد ضيّقت عليه في السجن؟ فأجابه هارون بكل لؤم و غرور قائلا: (هيهات: لا بد من ذلك). هارون الطاغية كان يعلم عزوف الإمام عن الدنيا، و يعلم إقبال الإمام على اللّه، و يعلم منزلة الإمام السامية و تقدير الناس له، لكن حبه للسلطان و الدنيا أعمى بصره و بصيرته، و ملأ قلبه غيظا و حسدا له. و هذا ما دفعه إلى ذلك. الحسد القاتل الذي يميت القلب و يضعف الروح و يخدر الايمان، و يعمي البصيرة عن رؤية الحق. بسم اللّه الرحمن الرحيم: “قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ * وَ مِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ * وَ مِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ * وَ مِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ” (الفلق 5). لم يقرأ هارون هذه السورة و لم يعلم مضامينها؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *