فاضل حسن شريف
عن سماعة بن مهران، عن أبي الحسن عليه السلام أنه قال: “حوبا كبيرا” (النساء 7)، قال: هو مما تخرج الأرض من أثقالها. وجاء في کتاب باب الحوائج الإمام موسى الكاظم عليه السلام للدكتور حسين الحاج حسن: عن مراقبة النفس يقول الدكتور حسين الحاج حسن: ينبغي على العبد أن يراقب نفسه في جميع أعماله، و يلاحظها بالعين الخالصة لأنها إن تركت بلا مراقبة فسدت و أفسدت. ثم عليه أن يراقب اللّه في كل حركة و سكون، و ذلك بان يعلم بان اللّه مطلع عليه و على ضميره، خبير بسرائره، رقيب على أعماله، قائم على كل نفس بما كسبت، و ان سر القلب عنده مكشوف كما ان ظاهر البشرة للخلق مكشوف، بل أشد من ذلك قال اللّه تعالى: “إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً” (النساء 1). و قال تعالى أيضا: “أَ لَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى” (العلق 14). و قال النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلم: (الاحسان أن تعبد اللّه كأنّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك). و يروى أن زليخا لما خلت بيوسف قامت فغطّت وجه صنمها، فقال يوسف: ما لك تستحين من مراقبة جماد و لا أستحي من مراقبة الملك الجبار؟). قال الفقهاء: إن العبد لا يخلو إما أن يكون في طاعة أو معصية أو مباح. فمراقبته في الطاعة بالاخلاص و الاكمال و مراعاة الأدب و حراستها من الآفات. و مراقبته في المعصية بالتوبة والندم و الاقلاع و الحياء و الاشتغال بالتفكير. و مراقبته في المباح بمراعاة الأدب، بأن يقعد مستقبل القبلة و ينام على اليد اليمنى مستقبلا إلى غير ذلك. فكل ذلك داخل في المراقبة. و بشهود المنعم في النعمة و بالشكر عليها، و بالصبر على البلاء فإن لكل واحد منها حدودا لا بد من مراعاتها بدوام المراقبة. قال تعالى: وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ” (الطلاق 1). و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلم: (رحم اللّه امرئ عرف حدّه فوقف عنده).
وكان عليه السلام فقيه يشار له في العلوم الدينية وهو القائل (تفقّهوا في دين الله، فإنّ الفقه مفتاح البصيرة). وكان عليه السلام رغم صغر سنه فإن ابي حنيفة امام الأحناف يسأله عن أمور الدين فيجيبه. لذلك فان الامام عليه السلام هو من اولي الامر الذين يسنبطون العلم كما ذكرهم الله تعالى “وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ” (النساء 83). ومن ادعيته عليه السلام عن الاستغفار (وَاغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تَرُدُّ الدُّعاءَ، وَاغْفِرْ لِي الذُّنُوبَ الَّتِي يُسْتَحَقُّ بِها نُزُولُ البَلاِء، وَاغْفِرْ لِي الذُّنُوبَ الَّتِي تَحْبِسُ غَيْثَ السَّماء).
في وصية الامام موسى الكاظم عليه السلام الى هشام بن الحكم: هِشَامُ مَنْ كَفَّ نَفْسَهُ عَنْ أَعْرَاضِ النَّاسِ أَقَالَهُ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَ مَنْ كَفَّ غَضَبَهُ عَنِ النَّاسِ كَفَّ اللَّهُ عَنْهُ غَضَبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ” (الحجرات 12)، و “وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ” (ال عمران 134). 37- يَا هِشَامُ إِنَّ الْعَاقِلَ لَا يَكْذِبُ وَ إِنْ كَانَ فِيهِ هَوَاهُ “وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ” (العنكبوت 68). 38- يا هِشَامُ وُجِدَ فِي ذُؤَابَةِ سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه واله وسلم إِنَّ أَعْتَى النَّاسِ عَلَى اللَّهِ مَنْ ضَرَبَ غَيْرَ ضَارِبِهِ وَ قَتَلَ غَيْرَ قَاتِلِهِ وَ مَنْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ فَهُوَ كَافِرٌ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه واله وسلم وَ مَنْ أَحْدَثَ حَدَثاً أَوْ آوَى مُحْدِثاً لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفاً وَ لَا عَدْلًا.”اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ” (البقرة 87)، و “وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ” (النساء 92)، و “وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا” (النساء 92). 39- يا هِشَامُ أَفْضَلُ مَا يَتَقَرَّبُ بِهِ الْعَبْدُ إِلَى اللَّهِ بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ بِهِ الصَّلَاةُ وَ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ وَ تَرْكُ الْحَسَدِ وَ الْعُجْبِ وَ الْفَخْرِ “إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا” (النساء 103)، و “وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا” (الاسراء 23)، و “وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ” (الفلق 5)، و “وَمَن يَستَنكِف عَن عِبَادِتِهِ وَيِستَكبِر فَسَيَحشُرُهُم إِليهِ جميِعاً” (النساء 172).
جاء في کتاب باب الحوائج الإمام موسى الكاظم عليه السلام للدكتور حسين الحاج حسن: معنى العقل السليم: العاقل في اصطلاح القرآن الكريم و عند الناس هو الذي يضع الشيء في مكانه و يملك إرادة قوية فيحبس نفسه عما يشين بها و لا يستجيب لهواها إن يك مخالفا للعقل و حكمه. قال تعالى: “وَ لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ وَ مَنْ فِيهِنَّ” (المؤمنون 71) و قال عز و جل: “يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَ لا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّه” (ص 51). و قال سبحانه: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ۚ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا ۖ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا ۚ وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا” (النساء 135). و قال سبحانه و تعالى: “وَ أَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَ نَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى” (النازعات 40-41). يتضح من هذه الآيات الكريمات ان العاقل هو الذي ينقاد الى حكم العقل، و يؤثره على هواه. و عليه يكون المراد بالعقل السليم: الإدراك النابع من العقل بالذات، العقل المستنير بالمعرفة و الحق و الإيمان، و ليس من الجهل و التعصب و الأهواء الشخصية. و ما نراه ان الرجل الواقعي الواعي لا يجزم بالفكرة الخاطفة العابرة، و لا ينطلق مع رغبته و إرادته قبل أن يتدبر و يتأمل، بل يتريّث و يملك نفسه و يبحث، حتى يهتدي الى الرأي الناضج الأصيل. على العكس من الرجل العاطفي الذي يبتّ في الأمور برغبته و هواه قبل أن يفكر مليا، و بتعبير أدق: يصدّق قبل أن يتصوّر.
تذكر القصص القرآنية اخبار عن هجرة الانبياء منها مريم وابنها عيسى عليهما السلام “وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَة ” (المؤمنون 50)، و عيسى عليه السلام هاجر الى السماء”بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ” (النساء 158). الوقائع التاريخية في القرآن الكريم تبين ان انبياء هاجروا قسرا منهم إبراهيم وإسماعيل ولوط ويوسف وموسى وهارون وشعيب وعيسى ومحمد عليهم السلام الى مكة والمدينة والأرض المقدسة ومصر. وكذلك هجرة أئمة اهل البيت عليهم السلام منهم الكاظم والرضا والهادي والعسكري عليهم السلام الى بغداد وطوس وسامراء.