صباح البغدادي
*حدث لسردية تاريخية تحدث لأول مرة عندما يتم نقل مباشر المؤتمر الصحفي في البيت الأبيض ونشاهد مثل تلك المشادة والانفعال والعصبية والتي تحولت الى معركة كلامية حامية الوطيس بين ترامب وزيلينسكي والتي لم يخرج على أثرها أي منتصر إلا قيصر روسيا وبالضربة القاضية ومن أهمها عدم التوقيع على معاهدة المعادن النادرة الأوكرانية.
*البدلة الرسمية لزيلينسكي لم تكن تغير أي شيء مما جرى في المؤتمر الصحفي وكان مجرد سؤال ساذج هدفه فقط أحراج الرئيس الأوكراني أمام عدسات الكاميرة والصحافة والإعلام.
*هذا ما شاهدناه ونقلته لنا كاميرات الصحفيين ولكن ما الذي كان يحدث خلف الكاميرات والأبواب المغلقة بين الرؤساء الأمريكان وضيوفهم من الملوك والرؤساء العرب وبالأخص الحكومة العراقية الذين كانوا يحجون للعتبات البيت الأبيض لتقديم فروض الطاعة والولاء؟
سوف نبتعد ونخالف جميع التوجهات للكتاب والإعلاميين والصحفيين ونركز قدر الأماكن في هذا السياق على تعابير الوجه وما أخفته لنا لغة الجسد وتحليل الديناميكيات لهما ومن خلال شعور الرئيس زيلينسكي بالخذلان ومدى خيبة الأمل والصفعة التي تلقاها من قبل ترامب والتي لم يكن يتوقعها أن تكون بهذه الصورة والتي عكست معها هذا التوتر، ومع سيطرة ترامب على المشهد وزيلينسكي بموقف أضعف وأمام هجوم لاذع مستمر ومتواصل تطور من خلال لغة الكلام القاسية بان يقلد ترامب طريقة حديث الرئيس الأوكراني بصورة ابتعدت كثيرا عن الأعراف الدبلوماسية واللياقة اللغوية؟
المؤتمر الصحفي سجل فيه الإعلام حدث تاريخي غير مسبوق وكان مفعم بتوتر شديد ومشادات كلامية حادة، مما أدى إلى طغيان لغة العصبية والانفعال على الحوار البنّاء الذي كان متوقعًا لمناقشة طريقة وسبل إنهاء الحرب الروسية-الأوكرانية وبأقل الخسائر الممكنة للجانب الأوكراني، ويمكن لنا في سياق هذا المقام وحسب ما شاهدناه مباشرة من على شاشات التلفزة ويمكن أن يتم تلخيص ما حدث وتحليل الأسباب وبالأخص لغة الجسد وما أخفته لنا تعابير الوجوه التي ظهرت بوضح على جميع الحاضرين ونترك التعليق كذلك لإصحاب الاختصاص الأطباء النفسانيين ومن محللين لغة الجسد للتصويب والتعقيب ما سوف نطرحه بدورنا في هذا السياق وبالصورة التالية:
1ـ ما الذي حدث بالضبط؟
خلال اللقاء بالمكتب البيضاوي وبحضور جمع من الصحفيين والإعلاميين ومن مختلف القنوات الإخبارية، بدأ الحديث بعد فترة يأخذ أبعاد كلامية ولغوية وخرج عن نطاق السيطرة تدريجيا وبدا التوتر يطغي على المشهد وذلك عندما حث زيلينسكي ترامب على توخي الحذر في التعامل مع روسيا، مشددًا بالوقت نفسه على ضرورة تقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا. ولكن رد ترامب كان بلهجة حادة، ومنتقدًا بالوقت نفسه زيلينسكي بشدة ومتهمًا إياه بعدم إظهار الامتنان الكافي للدعم الأمريكي. ووجه ترامب عبارات قاسية نعتقدها خرجت عن سياق اللياقة الدبلوماسية مثل: “أنت هنا لست في موقف يسمح لك بإملاء الشروط”، “تصريحاتك تفتقر للاحترام”، و”أنت تخاطر بإشعال حرب عالمية ثالثة”، محذرًا من أن الولايات المتحدة قد تسحب دعمها إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق. من جهته، حاول زيلينسكي الدفاع عن موقفه، لكنه بدا في موقف دفاعي أكثر مما هو في رد على ما قاله اليه ترامب، ومما زاد من حدة المواجهة. وانتهى اللقاء دون توقيع اتفاقية متوقعة حول الثروات المعدنية الأوكرانية، وبدا لنا صورة المشهد بأنه تاريخي وغير مسبوق بسبب الإهانة العلنية التي تعرض لها زيلينسكي والتي لم يكن يتوقعها أن يسمع مثل هذا الكلام علنا وأمام جميع إنظار الري العام.
2ــ لماذا طغت لغة العصبية الحادة والانفعال على لغة الحوار والتفاهم؟
أن تباين الأهداف الاستراتيجية والتي يبدو من خلالها بأن الرئيس ترامب يسعى لفرض تسوية سريعة لإنهاء الحرب بالسرعة الممكنة والمتاحة له لغرض التفرغ والتركيز على مصالح أمريكا الاقتصادية والسياسية، وبما يتماشى مع رؤيته لإنهاء الصراع بأقل تكلفة ممكنة على دافعي الضرائب الأمريكيين لان مبلغ 350 مليار دولار أنفقته أمريكا لغاية الإن لدعم أوكرانيا في حربها مبلغ طائل لا يستهان به ولكن في المقابل، يصر زيلينسكي على حصوله على ضمانات أمنية تكون طويلة الأمد، رافضًا بالوقت نفسه تقديم أي تنازلات ومهما كان نوعها لروسيا وكذلك الإصرار من قبله على أن يكون لهم دور ومشاركة فعالة وراي في المفاوضات. وان لا تقرر مصيرهم دول أخرى على حساب مصالهم القومية وهذا التباين أحد الأسباب الرئيسية والذي أدى بدوره إلى احتدام الخلاف.
3ــ الضغوط التي يواجها الرئيس الأوكراني على جميع الجبهات القتالية:
أوكرانيا تواجه وضعًا عسكريًا صعبًا مع تقدم روسيا على كافة المحاور واحتلالها مدن وبلدات استراتيجية يصعب إعادتها حاليا من قبل الجيش الأوكراني ومع ضعف الإمدادات بالمعدات العسكرية الوسائل القتالية القادمة سواء أكانت من قبل أمريكا أو من دول الاتحاد الأوربي، مما يضع زيلينسكي تحت ضغط داخلي وخارجي لتحقيق مكاسب عسكرية ودبلوماسية وكان يأمل بدوره، وعلى الأرجح، في هذه الزيارة على إدامة وتعزيز الدعم الأمريكي لأوكرانيا في مواجهة روسيا، وخاصة في ظل الوضع العسكري الصعب الذي تمر به بلاده. بدلاً من ذلك، واجه توبيخًا علنيًا وصريحا من ترامب، بما في ذلك اتهامات بعدم الامتنان والشكر لأمريكا وتهديدات بسحب الدعم. وهذا التحول والذي كان يتمن أن يستمر ومن دعم متوقع اليه ولكن تفاجئ بصورة بان على وجه زلينسكي الذهول والصدمة حتى وان حاول إخفاءها إلى انتقاد لاذع وعلني ومن المؤكد أنه أثار صدمة وخيبة أمل كبيرة له.
4ــ لغة الجسد خلال اللقاء عكست مدى التوتر ومن له الغلبة والسيطرة فيما بينهما:
*الرئيس ترامب أصبح معروف لنا وواضح لجميع الري العام باتخاذه دائما أسلوب الصدمة والترويع والمواجه المباشرة مع الخصم سواء أكان يعتبره حليف أو عدوا، وأظهر هيمنة واضحة من خلال نبرة صوته العالية وحركات يديه القوية وبالأخص طريقة لمس كتف زيلينسكي أثناء التحذير، ونعتقده بانه تصرف غير معتاد في البروتوكول الدبلوماسي، ويشير لنا هذا التصرف إلى محاولة فرض السيطرة أو التأكيد على التوبيخ.
*بينما زيلينسكي، رغم مرونته السابقة، بدا مصرًا على موقفه هذه المرة على غير العادة، مما أشعل فتيل الصدام لكثر في المؤتمر الصحفي. تصرفات ترامب غير المتوقعة، مثل التوبيخ علنًا، وعكست رغبته في فرض الهيمنة، بينما ردود زيلينسكي بدت محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه للحفاظ على كرامة بلاده ولو بالحد الأدنى والخروج من هذا المأزق بأقل الخسائر الممكنة لأنه بدا لنا انه كان في وضعية دفاعية طوال فترة اللقاء الصحفي، حيث لوحظت يداه متقاطعتان أحيانًا أو قريبتان من صدره، وهي إشارة إلى التوتر أو محاولة حماية النفس نفسيًا. وتعابير وجهه ربما عكست الإحباط أو الاستياء، لكنه حاول باستمرار الحفاظ على رباطة جأشه أمام الكاميرات.
صحيح قد يكون زيلينسكي قد توقع بعض التوترات بناءً على تعاملات سابقة بين رؤساء الدول أو من خلال تصريحات ترامب السابقة حول الحرب ووصفه بالدكتاتور، لكن حدة الهجوم العلني والتهديدات المباشرة ربما فاقت توقعاته ووضعته في حيرة من الأمر هذا ما شاهدناه من خلال لغة الجسد وما ارتسم على وجهه. كما أن شخصيته كممثل مسرحي سابق إعناد معها نوع من المرونة ومعتاد على الضغوط قد ساعدته على امتصاص الصدمة ولو جزئيًا، لكن هذا لا ينفي شعوره بالخذلان والصدمة وبخيبة الأمل على المستوى الشخصي والسياسي.
أن ديناميكية مجريات التي كان عليها الرئيسيين خلال المؤتمر الصحفي والمسافة بينهما، وتوجيه ترامب للحديث مباشرة نحو زيلينسكي بينما نلاحظ بدوره بانه كان يجلس في وضعية أقل هجومية وبطرف الكرسي ولم نشاهده ابدأ من وضعية جلوسه بانه كان مرتاح في قرارة نفسه لهذا اللقاء ونعتقد جليا بانه قد تورط بعد أن اتخذ المؤتمر الصحفي بعدا أخر وخرج عن نطاق السيطرة، مما عززت لنا بصورة أكثر واقعية انطباع الاختلال في موازين القوة فيما بينهما والعبارات والجمل التي استخدمت خلال اللقاء.
لقد كشف لنا هذا اللقاء بصورة واضحة وجلية وغير قابلة للشك أو التأويل والتي حاول رؤساء الاتحاد الأوربي مجتمعين ومعهم الرؤساء الأمريكان السابقين لغرض إخفاءها عن إنظار الراي العام، عن مدى ما وصل اليه الانقسام العميق والتخبط والعشوائية في الرؤى الاستراتيجية وتابعاتها السياسية واتخاذ القرارات الصحيحة التي تضمن معها مستقبل أوكرانيا، حيث شاهدنا كيف غلبت لغة الانفعال والعصبية على لغة الحوار والتفاهم بسبب الضغوط السياسية والعسكرية والاختلافات الشخصية. لغة الجسد عكست هذا التوتر، وبدلاً من تقديم حلول نحو حل نهائي للحرب وتجنب المزيد من الضحايا المدنيين والتدمير البنى التحتية، أبرز لنا هذا المؤتمر الصحفي التحديات الكبيرة والشرخ العميق التي تواجه أي تسوية مستقبلية. لان بالمقابل، يواجه ترامب ضغوطًا داخلية لتحقيق وعوده الانتخابية بإنهاء الحرب بسرعة، مما جعله يتبنى موقفًا صلبًا وحاد وقاسي وغير مرن.
سجّل التاريخ يوم الجمعة، الثامن والعشرين من شباط 2025، لحظة فارقة قد تعيد معها صياغة مسار الحرب الروسية الأوكرانية، حين عُقد مؤتمر صحفي استمر 53 دقيقة، كشف لنا عن تحولات عميقة في المشهد السياسي والعسكري. لقد بدا أن الاتحاد الأوروبي، بوعوده المغرية للرئيس الأوكراني زيلينسكي بالانضمام إلى صفوفه، قد نصَبَ فخًا محكمًا، مستغلاً اندلاع الصراع مع روسيا كورقة ضغط. كانت الصفقة غير المعلنة واضحة وجلية لنا: “نحن ندعمكم بالمال والسلاح، وعيكم الرجال”، لكن ما لم يدركه زيلينسكي هو أن الأدوار الهزلية التي اعتاد تقديمها على خشبة المسرح لإمتاع الجماهير لا تشبه بأي حال من الأحوال تلك العروض التي يقدمها من على خشبة المسرح السياسي التي يؤديها اليوم.
ففي دهاليز السياسة المعتمة، تحولت ضحكات الجمهور له إلى دموع واحزن لشعبه، وأضحت عروضه التراجيدية المأساوية المستمرة مسرحية دامية تُزهق فيها الأرواح وتُدمر الأوطان. وعلى الرغم من ذلك، يواصل زيلينسكي أداءه المسرحي دون أن يلوح في الأفق أي حل لإسدال الستار على هذا العرض المميت. ويبدو لنا بأن المخرج الأمريكي، الذي يمسك بزمام السيناريو، لن يسمح بانتهاء الفصل الأخير إلا بعد أن يضمن حصته الكاملة من غنائم الثروات الأوكرانية، تلك المعادن النادرة التي تُعد الجائزة الحقيقية في هذا العرض المرير. على خشبة مسرح السياسة، تتكشف الحقائق بتحليل دقيق، لتظهر أن الصراع الروسي الأوكراني ليس سوى لعبة مصالح دولية، تُدفع ثمنها بدماء الأبرياء. لان على خشبة مسرح السياسة، وحيث تتشابك الأدوار وتتعدد الأقنعة، يتجلى الحدث بكل عمقه وتعقيده، ليكشف عن ديناميات السلطة والتأثير التي تحرك المشهد بعناية موزونة وتحليل دقيق وفي النهاية لم يخرج من هذا المؤتمر الصحفي بالبيت الأبيض رابح إلا قيصر روسيا وبالضربة القاضية.