رائحة الحمير

جمال الناصري

مثلما للورود رائحة ومثلما للدجاج رائحة وللأنسان رائحة، كذلك للحمير رائحة !!

أسلك يوميا الطريق الى وسط المدينة، الذي يمر عبر حديقة كبيرة، فأشم فيها رائحة مميزة، كنت قد شممتها من قبل ..

الحديقة الجميلة تحوي حيوانات وطيور متنوعة ومن تلك الحيوانات هي الحمير، لكن الحمير هنا مختلفة، فهي نظيفة، جميلة ، مترفة، تعيش حرة بلا قيود ولا حبال، مؤدبة، محترمة، ومثقفة فلاتنهق بلاداع ولا اسباب، لايركبها احد، ولايضربها كائن من كان وان كان سيد البلاد، ولايجرؤ احد على اغتصابها، فأغتصابها جريمة لاتغتفر ، فهي مدللة تعيش عيشة الملوك ، فلاتعرف طعم الضرب بالسياط، ولا تجر عربة اكبر من حجمها وسط الصيف الحارق وتحت اشعة الشمس اللاهبة!

لا أحد يسخر منها او يتعمد أهانتها، او يضعها موضع مقارنة مع الأغبياء من البشر، فلها منظمات ومؤسسات تحميها من الأضطهاد و ظلم البشر!

فالحمير وضعتها سلطة البلدية للفرجة والعرض، كي تثير المتعة في نفوس الأطفال..

الرائحة هذه تعيد بي الزمن الى الوراء حيث سنين الطفولة في الريف، فكان عند أبي نخلة في بستان يقع خلف سوق الناحية القديم ، منحها أياه صاحبه هدية، اعتقادا منه ان البركة سوف تعم في البستان كله ،

تحيط بالبستان بيوت اهلها يربون الحمير و الحصن ، يعتاشون عليها في نقل المواد والأغراض لتجار السوق مقابل اجور زهيدة !

عند العصر ما قبل الغروب وبين يوم وآخر ، نذهب الى نخلتنا لجني الرطب منها، يكون طالع النخل بأنتظارنا وهو من اهل القرية ايضا ، يعمل ذلك طوعا ، ويرفض ان يأخذ من الرطب حاجته !

في الأثناء تهب الرياح حاملة معها رائحة عبقة هي ذات الرائحة التي اشمها اليوم وهي رائحة الحمير !!

كلما اتذكرها ، اشتاق الى وطني البعيد !!

و الى الماضي الذي كان به الناس غير الناس هذا اليوم !!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *