اسم الكاتب : سليم مطر
بادرت بعض اطراف اليسار العراقي، الى الدعوة من اجل كتابة مشروع برنامج مشترك لليسار العراقي. باعتقادنا ان الخطوة الهامة المطلوبة من النخب اليسارية، القيام بمراجعة نقدية لكل شعاراتها وبرامجها السابقة. ان اهم مسألتين يتوجب اعادة النظر بالموقف منهما، هما (المسألة الاقوامية ـ القومية) و(المسألة الدينية). ضرورة التخلص بصورة جذرية وجريئة من تلك الطروحات التبسيطية المكررة والمستنسخة من ايام (المغفور لهما!): (ستالين) و(ماو طزي طونق).
المسألة الاقوامية
ان اهمية المسألة الاقوامية، معروفة بالنسبة للوضع العراقي منذ تكون الدولة العراقية في اوائل القرن الماضي. هنالك مشكلة حقوق الاكراد والتركمان والسريان، ومخاطر الصراعات الاقوامية المتصاعدة. ومنها مسألة كركوك وعموم شمال العراق. للأسف الشديد فأن اليسار قد تعامل مع هذه المسألة بصورة لم تحترم حقيقة الواقع العراقي ومصالح الوطن، بل حسبما إقتضته التحالفات السوفيتية مع القيادات القومية الكردية. آن الاوان لكي يتم التخلص من ذلك الشعار السوفيتي العتيق عن (حق تقرير المصير)، حيث اثبتت تجارب العراق والمنطقة انه غير مناسب ابدا وغير واقعي، للأسباب التالية:
اولا، لأنه غير عادل، ولا يطبق الا على الشعوب التعبانة. فليس هنالك امريكي واحد يطالب به بالنسبة للسود مثلا، ولا بريطاني يطالب به بالنسبة للايرلنديين او الاسكلنديين. ولا فرنسي يطالب به بالنسبة للكورس والباسك والالزاس والبروتون.. فلماذا نصر نحن على تكراره من ايام ذلك الخروشوف وحتى الآن؟!!
ثانيا، لأنه ايضا غير عادل وغير عملي بالنسبة لباقي الفئات العراقية. فلماذا فقط الاكراد وحدهم يحق لهم التحدث عن حق تقرير المصير.. لماذا لا التركمان ايضا، والسريان كذلك.. بل يمكن ايضا للشيعة والسنة كذلك. ثم لماذ لا نطالب به ايضا بالنسبة للفئات الاخرى التي تعيش في داخل المحافظات الكردية الثلاثة، حيث يقطن حوالي مليون تركماني وسرياني الى جانب الاكراد!! وهذا يعني ان العراق سيصبح (يوغسلافيات) عديدة، والف مبروك لاسرائيل ولامريكا لوحدتهما الابدية.
ثالثا، ان هذا الشعار غير عملي، لأنه يجلب لنا المشاكل مع دول الجوار ويجعلها تدخل وتتآمر على بلادنا، خوفا من ان يشيع (حق تقرير المصير) بين شعوبها، وهذا هو الحاصل..
ان التأكيد المبدأي والحقيقي على وحدة الشعب العراقي، مع احترام حقوق الجميع واشراكهم الفعلي بادارة الدولة، لهو المطلب المعقول والعملي والواقعي والعادل المفروض تبنيه من قبل اليسار العراقي.
المسألةالدينية
ان سر عزلة اليسار العراقي وفشله بكسب الشارع في الاعوام الاخيرة، يكمن اساسا بتخليه عن عن طروحاته المعادية للامبريالية، وتوجيه كل طاقته لمحاربة الدين. ان اليسار العراقي تبني بصورة طفولية ساذجة الصورة الدعائية العنصرية الغربية عن الاسلام: (ارهاب وتعصب)؟!
من الضروري جدا ان يغير اليسار العراقي موقفه المتعصب والمغلق والتابع :
ـ ان يتم التمييز بين التيارات الاسلامية المختلفة. فهنالك التيارات المتفتحة التي تستحق التقارب والتحالف، وهنالك التيارات المغلقة المتعصبة التي تستحق الادانة والرفض.
ـ ليكف اليسار العراقي عن تبجحه التلميذي المتعنت بالالحاد واحتقار الميراث الديني ومشاعر الناس. والكف عن ذلك الطرح العنصري ضد التاريخ الاسلامي باعتباره تاريخ تعصب وعبودية ومجازر واغتيالات للمبدعين. بينما يتم بنفس الوقت، تقديس الميراث الاوربي والتغاضي عن حروبه القومية ومجازره االعنصرية والطائفية، ثم التباهي بمعرفة اعلامه وتقديمه على انه افضل من التاريخ الاسلامي؟! انها (عقدة الخواجة) بأبشع اشكالها.
اما من الناحية العملية المتعلقة بالشعارت المطلوبة إزاء هذه المسألة الدينية، فأنه من الضروري التخلي عن ذلك الشعار السوفيتي العتيق عن(العلمانية وفصل الدين عن الدولة والمجتمع)، للأسباب التالية:
اولا، لأن شعار العلمانية وفصل الدين عن الدولة، هو شعار خاص بالفرنسيين وحدهم، ولا احد يتبناه في غالبية دساتير العالم الغربي. يكفينا ان نطلع على الحوارات والخلافات الكبيرة المندلعة في الاوساط السياسية الاوربية حول تسجيل (الهوية المسيحية) في الدستور الاوربي المقترح. ان شعار(الديمقراطية والتعددية) كاف تمام التمام لللاستغناء عن تلك العبارات الجوفاء عن(العلمانية وفصل الدين عن الدولة).
ثانيا، لنأخذ مثال اسرائيل، مدللة العالم الغربي و(نموذجه الديمقراطي !!)في صحراء التخلف العربي. هل هنالك حقا كلمة (علمانية) وفصل للدين عن الدولة؟!
ثالثا، ان (المعتقد الديني) مثل أي معتقد، له الحق بالتواجد في المجتمع وفي الدولة حسب وزنه السياسي وتأثيره في الثقافة والمجتمع. لنعتبر الدين حاله حال أي فكر آخر، اشتراكي او ليبرالي او قومي. لماذا لا نطالب ايضا بفصل كل فكر سياسي عن الدولة؟! ان شعار (فصل الدين عن الدولة) يمكن ان يعني (فصل كل عقيدة عن الدولة)؟!
باختصار نقول، يتوجب اتخاذ مواقف اكثر انفتاحا ازاء الدين والمتدينين والتأكيد على مطلب التعددية والديمقراطية في الحديث عن علاقة الدولة والمجتمع بالدين، بدلا من هذه (لعلمانية وفصل الدين عن الدولة). وعلى الله والضمير ليتوكل المتوكلون..