اسم الكاتب : حاوره : احمد حيدري
تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب في مشاغلهم وأحوال الترجمة إلى اللغة العربية اليوم. “أميل إلى ترجمة الأعمال التي تؤكِّد الهوية العراقية ووحدة الشعب، والتي ترفض أيِّ اعتداءٍ على البلاد”، يقول المترجم العراقي في حديثه إلى “العربي الجديد”.
■ كيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟
– يعودُ شَغفي بالترجمة إلى فترة دراستي في المدرسة الثانوية؛ إذ بَدأت أُولى محاولاتي في الترجمة العِلميّة، وتحديداً في موضوعَي: الزراعة والهندسة. اثنان من أصدقائي، وهما جاران لي وأكبر مني سناً، حصلا على مقعدين في كلية الزراعة والهندسة في “جامعة بغداد”، ولأنَّهما كانا يعرفان أنَّ لغتي الإنكليزية جيدة، كانا دائماً ما يَطلبان مني ترجمة مَناهِجهما الدراسية، وكذلك بعض المقالات من الإنكليزية إلى اللغة العربية. وحينما التحقتُ بِقسم اللغة الإنكليزية في كُليَّة الآداب عام 1984، ازداد تَعلُّقي بالترجمة وشجَّعني عليها المرحوم الأستاذ عبد الوهاب النجم، وهو من أبرز أساتذة اللغة الإنكليزية في العراق، الذي رآى فيَّ مُترجماً. وكان أول كتاب ترجمته هو “مغامرات شارلوك هولمز” (1986).
■ ما هي آخر الترجمات التي نشرتَها، وماذا تترجم الآن؟
– آخرُ عملٍ هو “موسوعة ثورة 1920 الكُبرى في بلاد الرافدين بأقلامٍ أجنبية”، نَشرتْه “مؤسسة أبجد للترجمة والنشر” نهاية العام الماضي. ما يُميّز هذه المَوسوعة بأجزائها الستّة، عن كلّ ما كُتب عن ثورة العشرين، هو أنَّها تَتحدَّثُ عن ثورة العشرين العراقية بأقلامٍ أجنبيةٍ خالصة، اعتُمِدتْ فيها مصادر أجنبيّة، أهمّها: “الأرشيف البريطاني”، والتقارير الاستخباراتية للإنكليز، فضلاً عن مُذكِّرات الحُكّام السياسيين، وكذلك ما كَتبه الغَربيّون عنها. حالياً أعكفُ على ترجمةِ عملٍ غاية في الأهميّة يحمل عنوان “الغزو الأميركي – البريطاني للعراق وتعمُّد تدمير حضارة بلاد الرافدين القديمة”، ويتحدَّث عن تَعمُّدِ الأميركان والإنكليز تَدمير المتاحف العراقيّة والمواقع الأثرية المُهمّة وتغيير معالمها.
■ ما هي، برأيك، أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟
– بكلِّ تأكيدٍ يبقى عامل حقوق النشر من أهمّ العقبات التي تقِفُ في وجهِ المُترجِم العربي. فدُور النشر الأجنبية تَرفض منْح حقوق النشر للمُترجم بِشخصهِ، بل تُفضّل التفاوض مباشرةً مع الناشر الذي يَرغبُ في نشر العمل المُتَرجَم، وغالباً ما تَستغرق عملية التفاوض وقتاً طويلاً، رُبّما لا تُفضي إلى نتيجةٍ، لأن الناشر الأصلي يطلب أحياناً مبالغَ خيالية. الجانب المادّي أيضاً يَقفُ حائلاً أمام الكَثير من المُترجمين، فضلاً عن عوامل أُخرى، مثلَ غياب آليّة اختيار العَمل الذي تُراد تَرجمته، وغياب الجهات الدّاعمة وتسويق العمل المُتَرجم.
■ هناك قول بأن المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل ثمة من يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟
– لا ترجمة بلا مُراجعٍ ومُحرّر: هذه قاعدة. إمّا أن يقوم المُترجم ذاته بدور المُحرِّر، أو يتولّى شخصٌ آخر مُتخصِّصٌ تحريرٍ النص وتدقيقه. عملية الانغماس في الترجمة وفي عالم النص المُتَرجَم قد تجعل المُتَرجِم يسهو عن التركيز على دقّة اللغة التي يُترجِمُ إليها. ومن هنا تأتي أهميّة المُحرّر والمُراجع اللغوي. وبكلِّ تأكيد، أقومُ بإرسال ترجماتي إلى مُدقِّقٍ لغويٍ قبل إرسالها إلى الناشر. حقيقةً، كلّ كُتب “مَشروع ترجمة المئة كتاب” من لغات العالم إلى العربية، والذي تبنَّته جمعيَّتنا (“جمعيّة المترجمين العراقيّين”)، نُرسلها إلى مُحرِّرٍ أو مُدقِّقٍ لغويٍ قَبل طباعتها.
من الضروري إنشاء مركز قومي للترجمة في العراق
■ كيف هي علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟
– من المؤكَّدِ أنَّ للنّاشر رأياً في العنوان المُتَرجَم، لأنّه هو من يقوم بتسويق الكتاب في نهاية الأمر. فهناك اعتباراتٌ ماديّة فضلاً عن الاعتبارات الأُخرى التي تتعلَّقُ بجودة الكِتاب المُتَرجم. غالباً ما أختار العناوين التي أقومُ بترجمتها، وأحياناً يَعرض النّاشرون عليَّ عملاً من اختيارِهم للتَّرجمة. علاقتي بالناشرين جيدة، وفي الغالب يكون للناشر رأيٌ محترم في تحديد عنوان العمل المُتَرجم، وكذلك هو من يمنحُ الكِتاب رونقه الخارجيّ من طريقة تصميم الغِلاف والألوان المُستخدمة، وطبعاً رأي المُترجم هو الذي يُؤخَذ به، ولكن بعد التشاور والاتفاق مع الناشر.
■ هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي تترجمها، وإلى أي درجة تتوقف عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟
– شخصيّاً أُحبُّ الترجمة الأدبية: الشِّعرِ والمَسرح والفَلسفة والآداب عموماً؛ ولكنَّني أميلُ إلى ترجمة الأعمال التي تؤكِّد هويَّة الأمّة العراقيّة ووحدة الشَّعب العراقي، وتلك الأعمال التي رَفضت وتَرفضُ أيَّ اعتداءٍ على العراقِ وشعبه. لذلك سعيتُ لترجمة مجموعةٍ من الأعمال، منها: “قصائد مناهضة للحرب على العراق”، و”إنخيدوانا: شاعرة سومر. مقالات مترجمة حول أول شاعرة في التاريخ”، و”نصوص دينيّة سومرية”، و”الغزو الأميركي وتَعمُّد تدمير حضارة وادي الرّافدين القديمة”، فضلاً عن الأعمال التي تُعزِّز وحدة العراق وهويَّته الثقافية والحضارية. أسعى من خلال ترجمة هذه الأعمال إلى حثّ القارئ العراقي على الاعتزاز ببلده وحضارته وتراثه وتاريخه.
■ كيف هي علاقتك مع الكاتب الذي تترجم له؟
– يرتبطُ المُترجمون غالباً بعلاقةٍ وثيقةٍ بالكُتّاب المَعروفين، من أمثال: تولستوي وبوشكين، تشيخوف وروسو ومونتيسكيو، نيتشه وبرنارد شو وشكسبير، وغيرهم من الكُتّاب والفلاسفة. لكنْ قد تَنشأُ علاقةٌ بين المُتَرجم والمؤلّف، أو الكاتب الحديث، في أثناء قراءَته للكتاب وشروعِه في ترجمته. حينما قمت بترجمة كتاب “أدب العجائب في اللغة السريانيّة”، حصل تقارب كبير جداً بيني وبين مؤلف الكتاب سيرغي مينوف، وخاصةً أنه يتحدَّثُ عن أماكنَ أعرِفُها معرفةً شخصيَّة، مثل بغداد والبصرة والقوش والموصل وسورية، فكنتُ أرى نفسي رفيقاً له وهو يَجوبُ هذه المناطق، ويتحدَّثُ عن العَجائِب الموجودةِ في المُدن الكُبرى والبحار والجزر التي نعرفها نحن، أو تُشكِّلُ جزءاً من تُراثنا وحضارتنا. أسعى جاهداً لتقمُّص شخص الكاتب أو المؤلِّف وأكتُب بالأسلوب ذاته وباللغة التي يتبنّاها لأجلِ نقل رسالته بأمانة ودقّة.
■ كثيراً ما يكون المترجم العربي كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟
– المُترجم كاتب، أو يتحتَّم عليه أن يتبنّى أسلوبَ كاتب. فحينما يتصدَّى المُترجم إلى ترجمة نصٍ ما، وبخاصةٍ النصوص الأدبيّة، يَتحتَّم عليه الحفاظ على أسلوب الكاتب الأصلي قدر الإمكان؛ بهدف الحفاظ على جماليّة النص. شخصيّاً، لديّ محاولات بسيطة في الكتابة، وأحبّ ترجمة الشِّعرِ كثيراً. سبق أن قُمت بترجمة “قصائد مختارة ساخرة” للشّاعر العراقي أحمد مطر، نشرته “دار ومكتبة عدنان” في بغداد، والكثير مِمَّن اطَّلعوا على الكِتاب وجدوا أنَّ أسلوب التّرجمة يَرقى إلى أسلوب شاعر، وهذا كلّه يتأتّى من العلاقة الوطيدة بيني كمترجمٍ وككاتب. فالمترجم النّاجح هو الكاتب الناجح، وليس مجرَّد شخصٍ ينقلُ جملاً وعبارات من لغةٍ إلى أخرى.
المُترجم كاتب في جوهره، وليس مجرّد ناقلٍ للنصّ
■ كيف تنظر إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟
– دَور جوائز الترجمة مهمّ جداً في تَشجيعِ وتَحفيز المُتَرجمين على الاستمرار في النِتاجات الترجمية، لِما لها من اعتباراتٍ معنويةٍ وماديةٍ على حدٍّ سواء. وأنا مع استحداث كلِّ بلدٍ عربيٍّ لجائزةٍ في الترجمة، شرط أن تكون هناك لجان تخصّصية في اللغات التي يُترجَم عنها، توخّياً للدقّة والإنصاف. أي أن تكون هناك لجنة لجائزة اللغة الإنكليزية، ولجنة للغة الألمانية والفرنسية والإسبانية والروسية وغيرها من اللغات الحيّة. شخصيّاً، تبنَّيتُ مشروعاً في “جمعيّة المترجمين العراقيين” سميته “مسابقة ترجمة الشعر والقصة القَصيرة”، وهو مشروع سنويّ، وصلنا إلى دورته الرابعة هذا العام، وبإشرافِ لجانٍ متخصِّصةٍ، لكلّ لغةٍ على حدة، ويتمُّ تكريم الفائزين في حفلٍ تُنظِّمه الجمعية، بهدف تشجيع المترجمين، وبخاصّة الشباب منهم.
■ الترجمة عربياً في الغالب مشاريع مترجمين أفراد، كيف تنظر إلى مشاريع الترجمة المؤسساتية وما الذي ينقصها برأيك؟
– نعم، أتَّفقُ معكم بأن الترجمة عربيّاً هي مشاريع أفراد. لا زال دورُ المؤسسات المُشرفةِ على الترجمة ضَعيفاً، وتَقِفُ وراءَ ذلك عواملُ كثيرة، منها الجانب الماديّ والروتين وسلسلة المَراجع، فضلاً عن غياب آليّة التنسيق بين المؤسسات الترجمية التي تُعنى بالترجمة. الأمر يختلفُ معنا في “جمعيّة المُترجمين العراقيين”، لأنَّنا مؤسسة مُستقلّة وتمويلنا ذاتيّ. لذلك أرى أنَّ مشروعَنا في الترجمة يَسيرُ بشكلٍ جيّد. فهناك لجانٌ علميّة من داخل الهَيئة الإداريّة تَختار العناوينَ المُترجمة وتوافِقُ عليها، ثم تأخذُ هذهِ الأعمال طريقها للنَّشر. في العراق، أرى ضرورةَ التفات الحُكومة إلى أهمّية الترجمة، والعمل على تعزيزِ دَور المؤسسات الترجميّة، ويا حبَّذا لو يُصار إلى تأسيس مركزٍ قوميٍّ للتَّرجمة، تموّله الدولة للنهوض بالواقع التَّرجمي.
■ ما هي المبادئ أو القواعد التي تسير وفقها كمترجم، وهل لك عادات معينة في الترجمة؟
– أُحبُّ اختيار النص الذي أُترجمه والذي أرى أنه يعود بفائدةٍ كُبرى على القارئ. وبعد اختياري للنص، أبدأُ بقراءَتهِ والقراءة عنه، وهو أمرَ مُهمٌّ جداً، يَمنحني فُرصة التعرّف إلى العَمل بعمق أكبر. كما أنني أميلُ إلى العَملِ ليلاً، ولساعاتٍ متأخّرة. رحم الله أستاذي، شيخ المترجمين العرب إبراهيم المُميَّز (1941 – 2011)، كان هو من عرّفني بطريقةٍ أرى أنَّها المُثلى في الترجمة. قال لي إنه كان ينام ليلةً ويسهرُ للترجمة طوال الليلة التي تَليها، فيما يُخصِّصُ عطلة الأسبوع للبحث والقراءة. نعم، أتَّبعُ نصحية أستاذي، أسهرُ ليلةً وأنام الأُخرى، وهي طريقة ناجحة رغم كونها مُتعبة جدّاً. أضيفُ أن العمل ليلاً يمنحك فرصة الولوج إلى عالم النص والتعرّف إلى خفاياه دون صخبٍ أو ضَوضاء.
■ كتاب أو نص ندمت على ترجمته ولماذا؟
– أعتزُّ بِكلِّ ما تَرجمته لغاية الآن. كلُّ ما ترجمته نال رضا واستحسان القارئ، ولعبَ دوراً في إثراء المكتبة العراقيّة والعربيّة، ولذلك أعمالي المُترجَمة محل اعتزازٍ كبيرٍ بالنسبة لي.
■ ما الذي تتمناه للترجمة إلى اللغة العربية وما هو حلمك كمترجم؟
– لدينا في العراق طاقاتٌ ترجميَّةٌ غير مُستغلّة، أتمنى أن يَحين الوقت لاستغلالها في تعزيز الواقع الترجمي في العراق والعالم العربي. وهناك أسبابٌ كثيرة تقف وراء غياب هذه الطاقات، على رأسها غياب الدعم اللازم من الدولة، وثانيها هو الشخص نفسه الذي يجيد لغةً أو لُغتين وفي داخله مَلكةٌ للترجمة، لكنه لا يكلّف نفسه استغلال مَلكتهِ ودخول عالم الترجمة لأسبابٍ متعددِّة، قد يكون من بينها غياب الحافز وقلّة الوقت، وغياب الرغبة في العَمل أو الخَوف من التجربة. وأنا من هنا، أناشد جميع مَن يمتلكون القُدرة على الترجمة على العمل بجدٍ من أجل تعزيز الواقعَين، الترجمي والثّقافي، في العراق والعالم العربي… وما أحوجنا لذلك.
بطاقة
مُترجم وكاتب عراقي من مواليد بغداد عام 1965، حاصل على شهادتي دكتوراه: واحدة في الأدب الإنكليزي، وأُخرى في الأدب الروسي. يرأس “جمعية المترجمين العراقيين” منذ عام 2017.
له في الترجمة إصدارت عديدة، منها: “قصائد مناهضة للحرب على العراق” (2019) لمجموعة كتّاب عالميِّين مناهضِين للحرب؛ و”إنخيدوانا شاعرة سومر: مقالات مترجمة حول أول شاعرة في التاريخ” (2019)؛ و”مسرح الكابوكي الياباني: نشأته وتطوّره وأهم تقنياته ومسرحياته” (2020) لجيفري هيز؛ و”لويز غليك: حياتها وأسلوبها وأهم قصائدها” (2020) لمجموعة مؤلّفين؛ و”العجائب الموجودة في المدن الكبرى والبحار والجزر: نماذج من أدب العجائب في اللغة السريانية” (2022) لسيرغي مينوف؛ و”موسوعة ثورة العشرين الكبرى” ستة أجزاء (2022) لمجموعة مؤلّفين.
ومن مؤلّفاته: “رحلة في عالم الترجمة والأدب” (2019)، و”نصائح في الترجمة التعاقبية” (2020)، و”عبد الرزاق قرنح: قراءة نقدية في أبرز رواياته” (2021).