اسم الكاتب : طه العاني
منذ اندلاعها قبل أكثر من قرن من الزمان، شكلت ثورة العشرين العراقية عام 1920 المطالبة بالاستقلال ضد الاحتلال البريطاني ملحمة كبرى، ونقطة لافتة في تاريخ البلاد الحديث، ويوما وطنيا أدى إلى انبثاق الدولة العراقية الحديثة وألهم الأجيال ولا يزال.
وقد أصدرت جمعية المترجمين العراقيين حديثا “موسوعة ثورة العشرين الكبرى بأقلام أجنبية”، وذلك ضمن مشروعها لترجمة 100 كتاب بهدف تعزيز واقع الترجمة والثقافة في البلاد، إذ تتميّز الموسوعة بأجزائها الستة عن جميع المؤلفات السابقة التي تناولت ثورة العشرين أنها اعتمدت على أقلام أجنبية كتبت عن الثورة مع ما وثقه الأرشيف البريطاني ومذكرات الحكام السياسيين آنذاك حول هذه الثورة التي شهدها العراق مطلع عشرينيات القرن الماضي.
وللوقوف على أهمية هذه الموسوعة وأبرز جوانبها التاريخية، حاورت الجزيرة نت معدّ هذه الموسوعة ومترجمها رئيس جمعية المترجمين العراقيين قاسم الأسدي.
- كيف تشكلت فكرة إعداد هذه الموسوعة ومتى بدأتم بإعدادها؟
لا تزال ثورة العشرين تحظى باهتمام كبير من الباحثين في العراق والعالم العربي وفي الغرب على حد سواء، ولأني من المهتمين بالتراث والتاريخ العراقي القديم والحديث طالعت مجموعة كبيرة من الكتب التي تتحدث عن ثورة العشرين بأقلام عراقية.
ونتيجة لذلك، ولدت فكرة هذه الموسوعة، إذ رُبَّ ضارة نافعة كما يقال، حيث كانت فترة الإغلاق التي شهدها العالم والعراق قبل 3 سنوات إثر جائحة كورونا هي البداية التي انطلقتُ فيها للإعداد والتحضير لهذا العمل الضخم الذي أسميناه “موسوعة”، حيث يقدم فعليا أفكارا جديدة عن ثورة العشرين بعيون الغربيين من الكتاب والباحثين.
- ما الذي يميّز هذه الموسوعة عن غيرها من الكتب التي تناولت ثورة العشرين؟
ما يميزها أنها تتحدث عن ثورة العشرين بأقلام أجنبية صرفة، أي إن الموسوعة تقدم للقارئ والباحث ترجمة لأفكار الكتّاب والباحثين الأجانب، وأهم أحداثها وأبرز قادتها ونتائجها من منظور أجنبي، من دون أن يكون للمترجم أو لأي طرف عراقي تدخل بما تقدمه هذه الموسوعة من معلومات.
- كم الوقت الذي استغرقه إعداد هذه الموسوعة؟
بدأنا العمل على هذه الموسوعة منذ 3 سنوات تقريبا، توزعت بين جمع المصادر وتبويبها وترتيبها، ومن ثم القراءة والتحليل واستبعاد المباحث المكررة منها، ثم الشروع بالترجمة والتدقيق اللغوي وصولا إلى تسليمها إلى الناشر، حيث استغرقت عملية التنضيد والتدقيق مع الناشر قرابة 6 أشهر من العمل.
- ما الهدف من هذه الموسوعة؟
تكمن الأهداف في الحياد والموضوعية في نقل أحداث الثورة وتدوينها، وتعريف القرّاء بالكيفية التي يفكر وينظر بها الغرب إلى أبناء وادي الرافدين بعد مرور أكثر من 100 عام على اندلاع تلك الثورة. صحيح أن المؤلفين العراقيين لم يدخروا جهدا في تدوين وقائع الثورة، وهو ما يدين به العراقيون لهم، لكن ربما يُتهم البعض منهم بعدم الحيادية في نقل وتدوين أحداث تلك الثورة.
- حدثنا بشكل عام عن الموسوعة وأهميتها.
تضم الموسوعة سلسلة متكونة من 6 أجزاء تسلط بتسلسلها الضوء على الاحتلال البريطاني لبلاد ما بين النهرين، والسياسة التي انتهجتها بريطانيا لحماية مصالحها الخاصة، فضلا عن الإدارة المدنية آنذاك وفترة الانتداب وما قبله وصولا إلى ثورة العشائر الكبرى التي انطلقت شرارتها في منطقة الفرات الأوسط رفضا للاحتلال والغزو البريطاني لبلاد ما بين النهرين.
وتكمن أهمية الموسوعة في أنها تسلط الضوء على ثورة العشرين ضمن السياق العالمي في الفترة التي سبقت اندلاعها، وتحديدا إبان الحرب العالمية الأولى عام 1914 وما بعدها. فمع اكتشاف النفط في إيران في بداية القرن الـ20، أصبح لبريطانيا العظمى مصالح أقوى في المنطقة، حيث يرى الباحثون الأجانب أن الثورة العراقية الكبرى عام 1920 أجبرت البريطانيين على تغيير أساليب إدارتهم في العراق.
- كيف تسهم هذه الموسوعة في توثيق تاريخ العراق الحديث؟
الموسوعة تتناول التاريخ المعقد للاحتلال البريطاني لمنطقة الفرات الأوسط بالعراق مع قرب نهاية الحرب العالمية الأولى، وتحديدا في صيف عام 1920 والثورة العراقية، حيث واجهت بريطانيا مزيجا من تعطيل مساعيها التجارية في منطقة الخليج، والمخاوف من التوسع الروسي في بلاد فارس وآسيا الوسطى، والتوسع الألماني في العراق.
كذلك تتحدث الموسوعة عن الإدارة المدنية البريطانية في منطقة الفرات الأوسط وسعي المستعمر البريطاني، بعد الاستيلاء على بغداد، لفرض الإدارة المدنية بهدف استخراج الموارد المحلية وتأمين الأفراد لضمّهم إلى الجيش الهندي، وإنشاء وجود إداري بأهداف تخضع لطموحات إمبريالية بريطانية أوسع في العراق، كما ترسم الموسوعة بمجملها صورة للمجتمع العراقي، لا سيما المجتمع المحلي في منطقة الفرات الأوسط، مع توصيف للمشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
المسؤولون البريطانيون في العراق بالغوا في تصوير الانقسام الطائفي واستثمروه وفسروا الاختلافات بين الطائفتين السنية والشيعية من خلال عدسة ملوثة بتجارب المسؤولين مع المسيحية في أوروبا.
- ما أبرز الحقائق الجديدة التي كشفت عنها هذه الموسوعة وما مضامينها؟
تقدم الموسوعة حقائق كثيرة، في مقدمتها أن المسؤولين البريطانيين بالعراق بالغوا في تصوير الانقسام الطائفي واستثمروه وفسروا الاختلافات بين الطائفتين السنية والشيعية من خلال عدسة ملوثة بتجارب المسؤولين مع المسيحية في أوروبا.
جاءت الموسوعة في 6 أجزاء، حمل الجزء الأول عنوان “بلاد ما بين النهرين المفتاح إلى المستقبل”، ويمثل هذا الجزء انعكاسا لرغبة المستعمر البريطاني بالسيطرة على العراق، كونه يمثل “المفتاح نحو المستقبل” لدى الأوروبيين عموما وبريطانيا على وجه الخصوص.
أما الجزء الثاني فقد جاء تحت عنوان “الصراع البريطاني العثماني الألماني على المصالح النفطية وخطوط المواصلات في بلاد الرافدين 1914-1918” ويسلط الضوء على صراع القوى الثلاث على النفط وخطوط المواصلات، بينما يتحدث الجزء الثالث عن “الخطاب البريطاني والسياسة البريطانية تجاه الشيعة بالعراق”، أما الجزء الرابع فتناول “سياسة بريطانيا لنزع سلاح عشائر الفرات الأوسط قبل وبعد ثورة 1920 الكبرى”.
وتحت عنوان “الإدارة البريطانية في العراق وتأثيرها على ثورة العشرين”، ناقش الجزء الخامس الإدارة البريطانية المدنية والعسكرية للبلاد، وكيف أثرت تلك الإدارة في اندلاع ثورة العشرين، أما الجزء السادس والأخير من الموسوعة فقد حمل عنوان “الاحتلال البريطاني والثورة الكبرى في جنوب العراق” ويتحدث بالتفصيل على الثورة العراقية الكبرى التي اندلعت في الفرات الأوسط وعن دور مراجع الدين في إشعال فتيلها.
- كيف اتسم سرد وقائع ثورة العشرين من وجهة نظر الكتاب الأجانب؟
يرى الكتّاب الأجانب بوجه عام أن هناك ثروة من الأدبيات المخصصة لدراسة بريطانيا العظمى والعراق في الحرب العالمية الأولى وما بعدها، فهناك دراسات بارزة مخصصة لدراسة التاريخ الذي يستكشف بريطانيا والعراق.
قرابة 130 ألف عراقي من القبائل شاركوا في القتال ضد البريطانيين الذي استمر منذ يونيو/حزيران 1920 إلى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني من العام ذاته، والثورة نجحت في القضاء على كثير من السلطات المدنية البريطانية، مع تعليق تحصيل الضرائب والرقابة الإدارية المباشرة، وتوقف ممارسات العمل القسري.
ويوضح هؤلاء المؤلفون كيف أثّر التفاعل بين المحتلين البريطانيين والمجتمع العراقي في الأهداف الإمبراطورية الأوسع لبريطانيا خارج المقاطعات العثمانية السابقة والعكس صحيح. ومن ناحية أخرى، وكنتيجة لنطاقها المحدود، فإن هذه الدراسات التاريخية في بعض الأحيان لا تأخذ بالاعتبار التعقيدات الكبيرة السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتنوعة في العراق، والتفاعلات المشحونة بين بريطانيا ومختلف المناطق والمجتمعات العراقية.
- ما أبرز الخسائر الناجمة عن ثورة العشرين وفق المصادر الأجنبية؟
إن مؤلف الجزء السادس من الموسوعة “سكوت جونز” يقول إن قرابة 130 ألف عراقي من القبائل شاركوا في القتال ضد البريطانيين الذي استمر منذ يونيو/حزيران 1920 إلى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني من العام ذاته.
والثورة نجحت في القضاء على كثير من السلطات المدنية البريطانية، مع تعليق تحصيل الضرائب والرقابة الإدارية المباشرة، وتوقف ممارسات العمل القسري.
أما من الناحية المادية، فقد كلفت الثورة العراقية بريطانيا نحو 40 مليون جنيه إسترليني، وهذا الرقم ضعف الميزانية السنوية المخصصة للعراق و3 أضعاف المبلغ الإجمالي للإعانات التي دفعتها بريطانيا للثورة العربية.
أما عن الضحايا، فقد قتل خلال الثورة 8450 عراقيا، أغلبهم من القبائل في منطقة الفرات الأوسط، بينما بلغ عدد القتلى من الجنود البريطانيين 312 جنديا مع فقدان نحو 451 منهم، وبلغ عدد الجرحى 1228 من الجنود البريطانيين.
- هل يمكن لهذه الموسوعة تغيير بعض المفاهيم السائدة حول ثورة العشرين؟
إن المتتبع لأحداث الثورة العراقية الكبرى وتفاصيلها -كما يرويها الكتاب الأجانب في الموسوعة الحالية- يتيقن أن ثورة العشرين ورغم سيطرة الإنجليز عليها عسكريا، نجحت في تحقيق أهدافها التي انطلقت من أجلها، بعكس المفهوم السائد من أن الثورة فشلت في تحقيق أهدافها واستسلام قادتها وهروب آخرين خارج العراق.