نوفمبر 22, 2024
نننن-sm

اسم الكاتب : رياض سعد

العنصرية داء مستشري في اغلب دول العالم ؛ وكل شعارات المساواة والانسانية ونبذ العنف والتمييز والطائفية … الخ ؛ مجرد شعارات كاذبة وغير حقيقية , يرددها العنصريون انفسهم احيانا , وذلك للاستهلاك الاعلامي وللتمويه والخداع   وللتغطية على الحقائق الواقعية  المرة والجرائم العنصرية البشعة … .

و تُجمع كل الديانات والشرائع السماوية والقيم النبيلة للمجتمعات  البشرية على مقت العنصرية كسلوك إنساني غير سوي، بل قد تصنف العنصرية من ضمن دائرة الأمراض النفسية التي تحتاج إلى معالجة للعودة للنهج الإنساني القويم … 

والعنصرية اوجدها الانسان المريض – نفسيا –  منذ مئات السنين , فهي ليست وليدة اليوم  او الامس القريب , وان انتشار  العنصرية وتصاعد وتيرتها يرهق بني البشر , ويسبب الالام النفسية والازمات الاجتماعية والتوترات السياسية ويقضي على الروح الانسانية ويدمر الحضارة البشرية   … ؛ فالعنصرية أشدُّ من القتل وافتك من السرطان . 

والعنصرية التي انتشرت في العالم مهولة وتكفي لإعلان فشل الأمم المتحدة بقيادة الغرب في بناء نموذج أخلاقي موحد للبشر... ؛ ونحن في العراق العظيم محاطون من كل الجهات بالعنصريات المقيتة والعصبيات الحقيرة ؛  وعلى الرغم من ذلك لم نصاب بالعدوى ؛ اذ تعد بلاد الرافدين الرمز الانساني الفريد قديما وحديثا , وسلوك الاغلبية والامة العراقية الاصيلة  تجاه الاجانب والغرباء والدخلاء والسياح والزوار والضيوف من الشواهد على ذلك  ؛  وهو الذي يدعونا للفخر والاعتزاز , ولعل النزعة الانسانية والاممية – ان جاز التعبير – تعتبر فطرة في الشعب العراقي الاصيل وسجية قديمة من سجاياه الحميدة , لذا اصبح العراق مأوى للغريب والطريد والدخيل والمستجير  … الخ ؛ خلال تاريخه الطويل .

نعم هنالك نعرات عنصرية وطائفية وعصبيات قومية ومناطقية في العراق ؛ الا انها لا قيمة تاريخية و جوهرية   لها  ؛ على الرغم من ضررها العظيم خلال التاريخ العراقي المعاصر والحاضر ؛ لأنها لا تمثل صوت الاغلبية والامة العراقية الاصيلة ؛ فهي تصدر من الدخلاء والغرباء من ابناء الفئة الهجينة والانفصاليين من بقايا العثمنة والعجم ورعايا الاحتلال البريطاني والغرباء المهاجرين حديثا الى العراق  , والمرتبطين بالأجندات الخارجية المنكوسة … .

 ورب منقبة تجر الويلات على اصحابها ؛ اذ ان هذا الخلق العراقي الكريم القديم ؛ ساهم في تغييب الهوية الوطنية الحقيقية , واضمحلال العصبية العراقية الايجابية , والذوبان في الهويات الفرعية والوافدة , وسيطرة الغرباء والدخلاء على مقدرات البلاد وحرمان سكان العراق الاصلاء منها , مما سبب التشرذم والضياع والشتات والتخبط والضبابية … الخ . 

واليوم سنسلط الاضواء على ظاهرة معاداة العروبة , والعنصرية والغطرسة التركية الحقيرة ؛ فالعنصرية متجذرة في نفوس الهمج الاتراك , وقد غرسها وغذاها في نفوس الاتراك حكام وساسة تركيا ؛ من خلال الدعايات الكاذبة والاشاعات المفبركة والاعلام المسيس . 

وتشير معاداة العروبة في تركيا إلى المعارضة والعداء والبغضاء وعدم الثقة والأمان والخوف والكراهية العامة للعرب أو الثقافة العربيّة في تركيا ؛ و تركيا لديها تاريخ  طويل معادٍ للعروبة يعود تاريخه إلى مصطفى كمال أتاتورك , لا بل الى الاتراك العثمانيين ؛ فالعداء التي تكنه تركيا للعرب  ليس وليد اليوم ، بل هو حقد قديم، يرجع إلى قيام الدولة العثمانية …  ، وقد زادت  وتيرة العنصرية الحقيرة التركية تجاه العرب بشكل كبير في السنوات الأخيرة بسبب أزمة اللاجئين السوريين … ؛ وهنالك توجه سياسي قديم الا انه مستمر ؛ تمثله بعض الاحزاب السياسية التركية المتعصبة والتي تميل للثقافة الغربية ؛ فهذه الاحزاب : تعتبر أي تقارب مع كل ما هو عربي عودة إلى التخلّف ، بمنطق أن العرب يُعيدون إلى أذهان هؤلاء العنصريين فكرة الإسلام السياسي الذي قامت عليه الخلافة العثمانية ؛ علما ان العرب قد ذاقوا الامرين في عهود السيطرة العثمانية الغاشمة ؛ فالتركي يقدس الغرب ويقلده في كل شيء، والغرب لا يعترف به أصلا، وهكذا ظل المجتمع التركي منعزلا أو متجمدا نتيجة الانفصام، ويذكر أحد الكتاب العرب بعد زيارته تركيا ابان عقد الثمانينات  من القرن المنصرم  : أن حقد الأتراك على العرب ينبع من مصدرين، الأول أن العرب يذكرونهم بتاريخهم المطموس، والثاني شعورهم بأن العرب – والإسلام – أثروا في تكوينهم الثقافي الحضاري، وهم يريدون اجتثاث أية علاقة بذلك.

 و للتاريخ أوجه عديدة يسرد فيها كل طرف جانب من الرواية التي يفضلها، ومن الواضح أن هناك الكثير من المعلومات التاريخية الخاطئة والمزورة … ؛  والسبب الرئيسي في هذه الفوضى التاريخية أن السياسيين  والمنتصرين هم غالبًا من يكتبون التاريخ بينما يقف الباحثون والمؤرخون في المؤخرة وأصواتهم بالكاد تكون مسموعة … ؛ والامثلة على ذلك كثيرة , ومنها اكاذيب وافتراءات الاتراك بخصوص هزيمتهم  النكراء في الحرب العالمية الاولى ؛ فقد اشاع الساسة  العملاء والعسكر الضعفاء من الاتراك دعاية مفادها : ان سبب هزيمة وانكسار وسقوط الدولة العثمانية هم العرب , وانتشرت بينهم عبارة : (( العربي خائن )) وقد تم تدريس هذه الاكاذيب في المدارس التركية – في مادة التاريخ – ؛ ففي تركيا درس الأتراك : أن العربي خائن بحكم ثورة الشريف حسين ضد الدولة العثمانية ؛ اذ كان كلّ شابّ تركي، فترة تعلّمه في المدرسة والجامعة يتلقى معلومات مكرّرة، ويتشربّها منذ نعومة أظافره مفادها  : “أنّ العرب خذلونا في الحرب العالمية الأولى” …!! .

واستمعوا لما يقوله  المؤرخ والكاتب في صحيفة “حريّت” التّـركية مراد بارداقجي أوغلي متسائلاً  : “لماذا انهارت الدّولة العثمانية بسبب الدّين الّذي زُعم طويلاً أنّه العنصر الموحّد والجامع؟ ولماذا تلقّى الأتراك طعنة موجعة من العرب والمسلمين الذين كانوا يشكلون العُنصر الأكبر في الدّولة في فترة تفكك الدّولة وتشرذمها”؟  وهو بذلك ينتقد الرأي الذي عاد للظّهور بقوة في السّاحة التركية في الوقت الحاضر، عند الكثير من الكتاب والسّياسيين من أن الدّين كان عاملاً مهمّا في قوة الدولة العثمانية واستمرارها لمدة ما يقرب من ستمائة عام، وسوف يظل كذلك حسب رأيهم … . 

 في الواقع بارداقجي أوغلي لم يأت بشيء جديد، فهو يكرّر القصة القديمة التي ظلت تُلقّن للناس لأكثر من ثمانين عاما وتبدأ بالقول “إن إخوانَكم العرب والمسلمين الآخرين قد باعوكُم في الحرب العالمية الأولى”، وتنتهي بالقول “لا صديقَ حميمًا للتّركي غير التّركي”.

وبعد قيام الجمهورية التركية الحديثة على يد مصطفى كمال أتارتوك حدثت تغييرات جذريّة في الكثير من المجالات، وأُريد للشّعب التّركي أن تنقطع صلته تماما بكل ما يمت بصلة إلى العرب واللّغة العربيّة … ؛  ومن أجل تنفير النّاس من العرب ؛ دأب عدد كبير من المؤرخين الأتراك على ترويج فكرة أن العرب طعنوا الأتراك من الخلف وخانوهم بتحالفهم مع أعدائهم أثناء الحرب العالمية الأولى … .

علما ان  الشيعة العرب في  العراق وعلى الرغم من الجرائم والمظالم التركية  التي تعرضوا لها في عهد الدولة العثمانية , قاتلوا معها ضد الانكليز , واصدر رجال الدين الشيعة فتاوى دينية بوجوب جهاد وقتال الانكليز ومناصرة الاتراك العثمانيين , ومع ذلك تعرض العرب الشيعة كعادتهم للغدر من قبل الاتراك في بعض المعارك …  , ومع كل هذه الجرائر والاخطاء الفادحة التركية لم تتخذ  جماهير الشيعة العرب الانكليز اولياء من دون الأتراك العثمانيين .

وقد أصدر المؤرخ والكاتب التركي أنس دمير، كتابا جمع في صفحاته أسماء شهداء معركة “جناق قلعة”، التي حقق فيها الأتراك والعرب  انتصارا ساحقا على جيوش الحلفاء عام 1915، واحتوت قائمة الشهداء أسماء من مختلف مناطق العالم الإسلامي، على رأسها مدينتا حلب والباب … ؛ فقد دافعت حلب العربية السورية عن الدولة العثمانية , و قدمت خلال الحرب العالمية الأولى  العديد   من الشهداء  ؛  ووفقا لمعلومات الكتاب ، فقد قدمت مدينة حلب   551 شهيدا، في أكبر انتصار ساحق للدولة العثمانية على الحلفاء الذين سعوا إلى احتلال عاصمة الدولة (إسطنبول)، فيما قدمت مدينة الباب 96 شهيدا، سقطوا خلال دفاعهم عن عاصمة الدولة  المريضة  , كما تضمن الكتاب الذي حمل اسم “شهداء من العالم الإسلامي في ملحمة الدفاع الأخيرة  : جناق قلعة، معلومات وافية عن شهداء المعركة، وقصصهم، وبداية الحرب العالمية الأولى وملحمة جناق قلعة، وجبهاتهما، ومعلومات إحصائية عن الشهداء الذين شاركوا من مختلف مناطق العالم الإسلامي … ؛ وتابع : “في الحرب العالمية الأولى توحدت الجيوش الصليبية لمهاجمة الدولة الممثلة للعالم الإسلامي والحاملة لرايته، فيما توافد شباب المسلمين من داخل مناطق الدولة العثمانية وجميع أصقاع العالم الإسلامي … ؛ وفي تلك الأثناء، أعلنت الدولة العثمانية حالة التعبئة العامة (السفر برلك)، فيما نشرت مؤسسة الخلافة فتوى الجهاد، التي لقيت تأييدا كبيرا من قبل المسلمين، حيث بدأ شبابهم ورجالهم بالتوافد إلى الدوائر العسكرية في البلقان والشرق الأوسط والقوقاز و دول شمال إفريقيا العربية  وشبه الجزيرة العربية والعراق والشام واليمن … الخ ؛ وأضاف : لم تبقَ منطقة داخل الدولة العثمانية إلا وشارك أبناؤها في حماية إسطنبول من زحف جحافل الحلفاء … ,  لقد كانت جبهة جناق قلعة تختلف عن سائر الجبهات، فهي خط الدفاع الأول، والأخير أيضا، عن دار الخلافة  إسطنبول … ؛  وأشار دمير إلى أن مدينة حلب قدمت خلال معارك حماية الدولة العثمانية  في الحرب العالمية الأولى ، ما مجموعه 972 شهيدا، سقطوا في مختلف جبهات القتال … ؛  551 منهم استشهدوا في معركة الذود عن حياض الحاضرة في جناق قلعة ، وأن مدينة حلب قدمت  شهداء خلال الحرب العالمية الأولى  يفوق عددهم ما قدمته   41 ولاية عثمانية موجودة في يومنا هذا ضمن أراضي الجمهورية التركية …!ّ . 

يشار إلى أن الدولة العثمانية خاضت معركة جناق قلعة عام 1915 ضد الحلفاء (قوات بريطانية وفرنسية ونيوزلندية وأسترالية)، الذين كانوا يهدفون إلى احتلال إسطنبول العاصمة السياسية للدولة، وحاضرة الخلافة العثمانية … ؛ و حققت القوات العثمانية التي تكونت من جنود أتراك  و عرب ومتطوعين من مختلف أنحاء العالم الإسلامي انتصارا مؤزرا، وألحقت بالقوات الغازية هزيمة نكراء، وقد كلفت المعركة الدولة العثمانية أكثر من 250 ألف شهيد، فيما تكبدت القوات الغازية نفس العدد المذكور تقريبا . 

للحديث بقية …

……………………………………………………………

المصادر :

  • 1-ماذا درس الأتراك عن العرب في حصة التاريخ؟ / نور علوان .
  • 2-مؤرخ تركي: حلب دافعت عن حاضرة الخلافة العثمانية ببسالة وتصدرت قائمة الشهداء / يلديز كوندغمش / بتصرف .
  • 3-الأتراك وقصة “خيانة العرب” في الحرب العالميّة الأولى / د مصطفى الستيتي . 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *