مفهوم البلد في القرآن الكريم (رب اجعل هذا بلدا آمنا) (ح 1)

الكاتب : د. فاضل حسن شريف
—————————————
عن تفسير الميسر: قوله تعالى عن بلد “وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ النَّارِ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ” ﴿البقرة 126﴾ بلدا اسم، واذكر أيها النبي حين قال إبراهيم داعيًا: ربِّ اجعل “مكة” بلدًا آمنًا من الخوف، وارزق أهله من أنواع الثمرات، وخُصَّ بهذا الرزق مَن آمن منهم بالله واليوم الآخر. قال الله: ومن كفر منهم فأرزقه في الدنيا وأُمتعه متاعًا قليلا ثم أُلجئُه مرغمًا إلى عذاب النار. وبئس المرجع والمقام هذا المصير. وجاء في تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله تعالى عن بلد “وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ” (البقرة 126) “وإذا قال إبراهيم رب اجعل هذا” المكان “بلدا آمنا” ذا أمن وقد أجاب الله دعاءه فجعله حرما لا يسفك فيه دم إنسان ولا يظلم فيه أحد ولا يصاد صيده ولا يختلي خلاه، “وارزق أهله من الثمرات” وقد فعل بنقل الطائف من الشام إليه وكان أقفر لا زرع فيه ولا ماء “من آمن منهم بالله واليوم الآخر” بدل من أهله وخصهم بالدعاء لهم موافقة لقوله لا ينال عهدي الظالمين. “قال” تعالى “و” ارزق “من كفر فَأُمَتِّعُهُ” بالتشديد والتخفيف في الدنيا بالرزق “قليلا” مدة حياته “ثم أضطره” ألجئه في الآخرة “إلى عذاب النار” فلا يجد عنها محيص “وبئس المصير” المرجع هي.

جاء في تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله تعالى عن بلد “وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ النَّارِ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ” ﴿البقرة 126﴾ “و” اذكر “إذ قال إبراهيم رب اجعل هذا” أي هذا البلد يعني مكة “بلدا آمنا” أي ذا أمن كما يقال بلد آهل أي ذو أهل وقيل معناه يأمنون فيه كما يقال ليل نائم أي ينام فيه قال ابن عباس يريد حراما محرما لا يصاد طيره ولا يقطع شجرة ولا يختلى خلاؤه وإلى هذا المعنى يؤول ما روي عن الصادق عليه السلام من قوله من دخل الحرم مستجيرا به فهو آمن من سخط الله عز وجل ومن دخله من الوحش والطير كان آمنا من أن يهاج أو يؤذى حتى يخرج من الحرم. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم يوم فتح مكة أن الله تعالى حرم مكة يوم خلق السموات والأرض فهي حرام إلى أن تقوم الساعة لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد من بعدي ولم تحل لي إلا ساعة من النهار فهذا الخبر وأمثاله المشهورة في روايات أصحابنا تدل على أن الحرم كان آمنا قبل دعوة إبراهيم عليه السلام وإنما تأكدت حرمته بدعائه عليه السلام وقيل إنما صار حرما بدعائه عليه السلام وقبل ذلك كان كسائر البلاد واستدل عليه بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلّم إن إبراهيم حرم مكة وإني حرمت المدينة وقيل كانت مكة حراما قبل الدعوة بوجه غير الوجه الذي صارت به حراما بعد الدعوة فالأول بمنع الله إياها من الاصطلام والائتفاك كما لحق ذلك غيرها من البلاد وبما جعل ذلك في النفوس من تعظيمها والهيبة لها و( الثاني ) بالأمر بتعظيمه على ألسنة الرسل فأجابه الله تعالى إلى ما سأل وإنما سأله أن يجعلها آمنة من الجدب والقحط لأنه أسكن أهله بواد غير ذي زرع ولا ضرع ولم يسأله أمنها من الائتفاك والخسف الذي كان حاصلا لها وقيل أنهعليه السلام سأله الأمرين على أن يديمهما وإن كان أحدهما مستأنفا والآخر قد كان قبل وقوله “وارزق أهله من الثمرات” أي أعط من أنواع الرزق والثمرات “من آمن منهم بالله واليوم الآخر” سأل لهم الثمرات ليجتمع لهم الأمن والخصب فيكونوا في رغد من العيش وروي عن أبي جعفرعليه السلام أن المراد بذلك أن الثمرات تحمل إليهم من الآفاق وروي عن الصادقعليه السلام قال هي ثمرات القلوب أي حببهم إلى الناس ليثوبوا إليهم وإنما خص بذلك من آمن بالله لأن الله تعالى قد أعلمه أنه يكون في ذريته الظالمون في جواب مسألته إياه لذريته الإمامة بقوله “لا ينال عهدي الظالمين” فخص بالدعاء في الرزق المؤمنين تأدبا بأدب الله تعالى وقيل أنه عليه السلام ظن أنه إذا دعا للكفار بالرزق أنهم يكثرون بمكة ويفسدون فربما يصدون الناس عن الحج فخص بالدعاء أهل الإيمان. وقوله “قال ومن كفر فأمتعه قليلا” أي قال الله سبحانه قد استجبت دعوتك فيمن آمن منهم ومن كفر فأمتعه بالرزق الذي أرزقه إلى وقت مماته وقيل فأمتعه بالبقاء في الدنيا وقيل أمتعه بالأمن والرزق إلى خروج محمد صلى الله عليه وآله وسلّم فيقتله إن أقام على كفره أو ذيجليه عن مكة عن الحسن “ثم أضطره إلى عذاب النار” أي أدفعه إلى النار وأسوقه إليها في الآخرة “وبئس المصير” أي المرجع والمأوى والمال.

وعن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله تعالى عن بلد “وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ النَّارِ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ” ﴿البقرة 126﴾ ” وإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً”. هذا دعاء ورجاء من إبراهيم إلى اللَّه أن يجعل مكة المكرمة من الأمكنة الآمنة، أي يأمن أهلها من الغزاة والجبابرة، ومن الزلازل والعواصف، ونحو ذلك.. وقال جماعة من المفسرين: ان اللَّه قد استجاب دعاء إبراهيم، حيث لم يقصد أحد مكة بسوء إلا قصم اللَّه ظهره، ومن تعدى عليها لم يطل زمن تعديه. “وارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ”. لما بنى إبراهيم البيت في أرض مقفرة لا ماء فيها ولا كلأ دعا اللَّه سبحانه لهذه الأرض بالأمن والأمان، وبأن تجبى إليها الأرزاق، ولم يعين نوعها، ولا أرضها، إذ المهم وصول الرزق كيف كان، ومن أين كان. وقد استجاب اللَّه دعوة إبراهيم، فجبي الرزق إلى مكة من شتى الأنواع والأقطار، وكانت ممرا للقوافل، ومقرا للتجارة.. وإلى هذا أشارت الآية 57 من القصص: “أَولَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ”. وانما خص إبراهيم طلب الرزق للمؤمنين فقط، لأن اللَّه كان قد أعلمه ان في ذريته قوما ظالمين، وانه سبحانه لا يعهد بالإمامة إلى من ظلم. ” قالَ ومَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً”. أي قال اللَّه لإبراهيم: اني أرزق أيضا الكافرين، وبالأولى الفاسقين، لأن الرزق شيء، والإمامة شيء آخر، فان الإمامة سلطة دينية وزمنية، وهذه تستدعي الإيمان والعدالة، بل العصمة: أما الرزق فيكون للبر والفاجر، تماما كالماء والهواء.. والذنوب والمعاصي لا تأثير لها في الأعمار والأرزاق في هذه الحياة، وانما يظهر تأثيرها غدا يوم القيامة، حيث يلاقي العصاة جزاء أعمالهم.

عمارة المسجد الحرام أو سدانته و رعايته، كان لها أهميته الخاصّة، لأنّ المسجد الحرام حتى في زمن الجاهلية كان يعدّ مركزا دينيا، فكان المتصدي لعمارة المسجد أو سدانته محترما. قوله تعالى “وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً” (البقرة 126) استجاب اللّه لدعاء إبراهيم عليه السلام، و جعل هذه الأرض المقدسة مركزا آمنا بالمعنى الواسع لكلمة الأمن. من انواع الامن عدم حصول مجاعة كما قال الله تعالى ” وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ” (البقرة 126). الدعاء عند الاقامة في بلد” رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ” (البقرة 126).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *