الكاتب : د. فاضل حسن شريف
—————————————
عن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله تبارك وتعالى “لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ” ﴿الذاريات 33﴾ هذا مفسر في سورة هود “للمسرفين” أي للمكثرين من المعاصي المتجاوزين الحد فيها وقيل أرسلت الحجارة على الغائبين وقلبت القرية بالحاضرين “فأخرجنا من كان فيها” أي في قرى قوم لوط “من المؤمنين”.
وعن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تبارك وتعالى “لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ” ﴿الذاريات 33﴾ والتعبير بـ (حجارة من طين) هوما أشارت إليه الآية 82 من سورة هود بالقول من (سجّيل) وسجّيل كلمة فارسية الأصل مأخوذك من (سنك + گل) ثمّ صارت في العرب سجّيل، فهي ليست صلبة كالحجر ولا رخواً كالورد، ولعلّها في المجموع إشارة إلى هذا المعنى وهو أنّ هلاك قوم لوط المجرمين لم يكن يستلزم إنزال أحجار عظيمة وصخور وجلاميد من السماء، بل كان يكفي أن يمطروا بأحجار صغيرة ليست صلبة جدّاً كأنّها حبّات (المطر). ثمّ أضاف الملائكة قائلين: “مسوّمة عند ربّك للمسرفين” كلمة مسوّمة تطلق على ما فيه علامة ووسم، وهناك أقوال بين المفسّرين في كيفية أنّها (مسوّمة)؟ قال بعضهم إنّها كانت في شكل خاصّ يدلّ على أنّها ليست أحجاراً كسائر الأحجار الطبيعية، بل كانت وسيلة للعذاب. وقال جماعة كان لكلّ واحدة منها علامة وكانت لشخص معيّن وعلامتها في نقطة خاصّة ليعلم الناس أنّ عقاب الله في منتهى الدقّة بحيث يُعلم من هذه الأحجار المسوّمة أنّ أيّ مجرم ينال واحدةً منها فيهلك بها. كلمة (المسرفين) إشارة إلى كثرة ذنوبهم بحيث تجاوزت الحدّ وخرقوا ستار الحياء والخجل، ولو قدّر لبعض الدارسين أن يتفحّص حالات قوم لوط وأنواع ذنوبهم للاحظ أنّ هذا التعبير في حقّهم ذو مغزى كبير. وكلّ إنسان من الممكن أن يقع في الذنب أحياناً، فلو تيقّظ بسرعة وأصلح نفسه يرتفع الخطر، وإنّما يكون خطيراً حين يبلغ حدّ الإسراف. ويكشف هذا التعبير عن مطلب مهمّ آخر، وهو أنّ هذه الحجارة السماوية التي اُعدت لتنزل على قوم لوط لا تختّص بهؤلاء القوم، بل معدّة لجميع المسرفين والعصاة المجرمين.
جاء في كتاب التبيان في تفسير القرآن للشيخ الطوسي: قوله تعالى “وأمطرنا عليهم حجارة ” (الحجر 74) اي أرسلنا الحجارة، كمايرسل المطر”من سجيل” (الحجر 74) وقيل في معناه قولان: احدهما انها من طين وهومعرب. وقيل هومن السجل، لانه كان عليها أمثال الخواتيم بدلالة قوله”حجارة من طين * مسومة عند ربك” (الذاريات 33-34). والثاني انها حجارة معدة عند الله تعالى للمجرمين، وأصله (سجين) فابدلت النون لاما. فان قيل مامعنى امطار الحجارة عليهم مع انقلاب مدينتهم؟ قلنا فيه قولان: احدهما أنه أمطرت الحجارة أولا ثم انقلبت بهم المدينة. الثاني ان الحجارة أخذت قوما منهم خرجوا من المدينة بحوائجهم قبل الفجر في قول الحسن ثم اخبر تعالى ان فيما حكاه آيات ودلالات للمتوسمين. قال مجاهد يعنى المتفرسين. وقال قتادة: يعنى المعتبرين. وقال ابن زيد: المتفكرين. وقال الضحاك: الناظرين. وقال ابوعبيدة: المتبصرين. والمتوسم الناظر في السمة الدالة. وقوله”انها لبسبيل مقيم” (الحجر 76) معناه إن الاعتبار بها ممكن لان الآيات التي يستدل بها مقيمة ثابتة بها وهي مدينة سدوم، والهاء كناية عن المدينة التي أهلكها الله، وهي مؤنثة. ثم قال ان ان فيما قص من حكاية هذا المدينة “لآية للمؤمنين” (الحجر 77) ودلالة لهم. وقيل في وجه إضافة الآية إلى المؤمنين قولان: احدهما انه يصلح ان يستدل بها. والآخر انه يفعل الاستدلال بها. وتضاف الآية إلى الكافر بشرط واحد، وهو أنه يمكنه الاستدلال بها.
قال الله سبحانه وتعالى عن الحجرة ومشتقاتها “قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا” ﴿الإسراء 50﴾، و “وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَـٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَـٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَّحْجُورًا” ﴿الفرقان 53﴾، و “إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ” ﴿الحجرات 4﴾، و “لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ” ﴿الذاريات 33﴾، و “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴿التحريم 6﴾، و “هَلْ فِي ذَٰلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ” ﴿الفجر 5﴾، و “تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ” ﴿الفيل 4﴾.
جاء في موقع اسلام ويب عن أنزال الله الحجارة من سجّيل على قوم لوط بعد قلْب قُراهم: ومما يؤكد أن الحجارة أمطرت عليهم جميعًا، أن أكثر مواضع القرآن التي تذكر عذاب قوم لوط لا تذكر إلا إمطارهم بالحجارة، كقوله تعالى: “وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ” (الاعراف 84)، وقوله: “وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ” (الشعراء 173) (النمل 58)، وقوله: “لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ” (الذاريات 33-34)، وقوله: “إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ” (القمر 34)، وقوله: “وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا” (الفرقان 40). وقد جمع القرآن بين نوعي العذاب، وقدم ذكر الخسف والقلب على ذكر الإمطار، وذلك في ثلاثة مواضع: الأول: قوله تعالى: “وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى * فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى” (النجم 53-54)، قال الواحدي في الوجيز: “وَالْمُؤْتَفِكَةَ” قرى قوم لوط “أَهْوَى” أسقطها إلى الأرض بعد رفعها “فغشَّاها ما غشَّى” ألبسها العذاب والحجارة. وقال ابن كثير في تفسيره: “وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى” (النجم 53) يعني: مدائن لوط، قلبها عليهم، فجعل عاليها سافلها، وأمطر عليهم حجارة من سجيل منضود، ولهذا قال: “فغشاها ما غشى” يعني: من الحجارة التي أرسلها عليهم. اهـ. والثاني: قوله تعالى: “فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ” (هود 82). والثالث قوله: “فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ” (الحجر 74)، فمرة قال: وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا. أي: قرى قوم لوط، ومرة قال: وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ. أي: قوم لوط أنفسهم. قال ابن الزبير الغرناطي في ملاك التأويل: في الأولى: “وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا” (هود 82) والضمير للقرية، والمراد أهلها.. اكتفى بضمير القرية، وأغنى ذلك عن ذكر المهلكين، إذ هم المقصودون بالعذاب، وفي الثانية: “وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ” (الحجر 74) والضمير لقوم لوط. والخلاصة: أن ظاهر الآيات هو أن الله تعالى قد جمع لفجار قوم لوط بين نوعي العذاب، فبدأ برفع قراهم وقلبها، ثم بإمطار الحجارة عليهم جميعا، سواء من كان منهم في القرى أم في خارجها.