الكاتب : د. فاضل حسن شريف
—————————————
عن تفسير الميسر: قوله تعالى عن بارئكم “وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُم بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ” (البقرة 54) بَارِئِكُمْ: بَارِئِ اسم، كُمْ ضمير. واذكروا نعمتنا عليكم حين قال موسى لقومه: إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل إلهًا، فتوبوا إلى خالقكم: بأن يَقْتل بعضكم بعضًا، وهذا خير لكم عند خالقكم من الخلود الأبدي في النار، فامتثلتم ذلك، فمنَّ الله عليكم بقَبول توبتكم. إنه تعالى هو التواب لمن تاب مِن عباده، الرحيم بهم. وجاء في تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: عن بارئكم قوله تعالى “وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُم بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ” إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ” (البقرة 54) “وإذ قال موسى لقومه” الذين عبدوا العجل “يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل” إلهاً، “فتوبوا إلى بارئكم” خالقكم من عبادته، “فاقتلوا أنفسكم” أي ليقتل البريءُ منكم المجرم، “ذلكم” القتل “خير لكم عند بارئكم” فوفقكم لفعل ذلك وأرسل عليكم سحابة سوداء لئلا يبصر بعضكم بعضا فيرحمه حتى قتل منكم نحو سبعين ألفا، “فتاب عليكم” قبل توبتكم “أنه هو التواب الرحيم”.
وعن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله تعالى عن جهرة “وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ” (البقرة 55) “وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك” أي لن نصدقك في قولك إنك نبي مبعوث “حتى نرى الله جهرة” أي علانية فيخبرنا بأنك نبي مبعوث و قيل معناه أنا لا نصدقك فيما تخبر به من صفات الله تعالى و ما يجوز عليه و ما لا يجوز عليه حتى نرى الله جهرة أي علانية و عيانا فيخبرنا بذلك و قيل أنه لما جاءهم بالألواح و فيها التوراة قالوا لن نؤمن بأن هذا من عند الله حتى نراه عيانا و قال بعضهم إن قوله (جهرة) صفة لخاطبهم لموسى أنهم جهروا به و أعلنوه و تقديره و إذا قلتم جهرة لن نؤمن لك حتى نرى الله و الأول أقوى “فأخذتكم الصاعقة” أي الموت “و أنتم تنظرون” إلى أسباب الموت و قيل إلى النار و إنما قرع الله سبحانه اليهود بسؤال أسلافهم الرؤية من حيث أنهم سلكوا طريقتهم في المخالفة للنبي الذي لزمهم اتباعه و التصديق بجميع ما أتى به فجروا على عادة أسلافهم الذين كانوا يسألون تارة نبيهم أن يجعل لهم إلها غير الله و مرة يعبدون العجل من دون الله و طورا يقولون “لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة” و استدل أبو القاسم البلخي بهذه الآية على أن الرؤية لا تجوز على الله تعالى قال لأنها إنكار تضمن أمرين ردهم على نبيهم و تجويزهم الرؤية على ربهم و يؤيد ذلك قوله تعالى “فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة” فدل ذلك على أن المراد إنكار الأمرين و تدل هذه الآية أيضا على أن قول موسى “رب أرني أنظر إليك” كان سؤالا لقومه لأنه لا خلاف بين أهل التوراة أن موسى عليه السلام لم يسأل الرؤية إلا دفعة واحدة و هي التي سألها لقومه.
وعن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى عن المن والسلوى “وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ ۖ كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ۖ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ” (البقرة 57) مجموعة من التائهين ندمت على ما فعلته أشد الندم، وتضرعت إلى الله، فشمل الله سبحانه بني إسرائيل ثانية برحمته، وأنزل عليهم نعمه التي تشير الآية إلى بعضها: “وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ”. والظّل له أهمية الكبرى لمن يطوي الصحراء طيلة النهار وتحت حرارة الشمس اللاّفحة، خاصة أن مثل هذا الظّل لا يضيّق الفضاء على الإِنسان ولا يمنع عنه هبوب النسيم. يبدو أن الغمام الذي تشير إليه الآية الكريمة، ليس من النوع العابر الذي يظهر عادة في سماء الصحراء، ولا يلبث أن يتفرق ويزول، بل هو من نوع خاص تفضل به الله على بني إسرائيل ليستظلوا به بالقدر الكافي. وإضافة إلى الظل فانّ الله سبحانه وفّر لبني إسرائيل بعد تيههم الطعام الذي كانوا في أمسّ الحاجة إليه خلال أربعين عاماً خلت من ضياعهم: “وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ” (البقرة 57). لكن هؤلاء عادوا إلى الكفران: “وَمَا ظَلَمُونَا وَلكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ”. وللمفسرين بحوث كثيرة فيما هو المراد من (المن والسلوى)، بيناها في ذيل الآية “وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ” (البقرة 57)، بعد ذكر آراء المفسرين الآخرين وقلنا: إنه ليس من البعيد أن يكون”المن” نوعا من العسل الطبيعي كان موجودا في الجبال المجاورة لتلك الصحراء، أو نوعا من السكريات المولدة للطاقة من نباتات خاصة كانت تنمو في أطراف تلك الصحراء. والسلوى نوع من الطيور المحللة اللحم شبيها بالحمام.
جاء في التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله تعالى عن قثائها والمسكنة “وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا ۖ قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ۚ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ ۗ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۗ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ” (البقرة 61) “وإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ”. أي قاله أسلافكم لموسى، وهم في التيه، حيث سئموا من المواظبة على أكل المنّ والسلوى، وتشوّفوا إلى عيشهم الأول في مصر. وليس في هذا الطلب معصية، فان كل انسان يطلب التنوع في الطعام، لأنه يفتح الشهوة، والرغبة في الاستكثار، واللَّه سبحانه قد أحلّ الطيبات من الرزق لعباده. وعلى هذا فان الآية لم تسق للذم، بل للتعجب من تركهم العيش الحاصل عفوا صفوا، وطلبهم العيش الذي لا يحصل إلا بالكد والجد. “قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ”. الباء في هذا المورد تدخل على الأفضل، تقول: لا تبدل النحاس بالذهب، ولا يجوز أن تقول: لا تبدل الذهب بالنحاس، والدليل هذه الآية الكريمة. ولكن الناس يعكسون. وعلى أية حال فان المهم معرفة المراد، ووضوح القصد. “اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ” أي قال موسى لهم ذلك. والظاهر ان المراد مصر من الأمصار يحقق لهم هذه الأمنية، لأن سبحانه لم يبين ويعين مصرا خاصا: وتفسير القرآن الكريم غير التعليلات النحوية التي يصحح بها كلام سيبويه ونفطويه. “وضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ والْمَسْكَنَةُ”. كانوا أعزاء مستقلين يأتيهم رزقهم رغدا، فأبوا إلا الزراعة والصناعة والتجارة، وكل ذلك يستدعي التنافس والحروب، وهي تستدعي الفشل وذهاب الريح. “ويَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ”. وبديهة ان قتل الأنبياء لا يكون إلا بغير الحق، وكأنّ اللَّه سبحانه أراد بذكر القيد التشنيع بهم، وان القتل منهم لم يكن عن خطأ واشتباه، بل عن إصرار وتعمد للباطل والضلال. فلا بدع إذا أساء يهود المدينة إلى محمد صلى الله عليه واله وسلم. لأنهم امتداد لذاك الأصل والعرق.
جاء في معاني القرآن الكريم: سكن السكون: ثبوت الشيء بعد تحرك، ويستعمل في الاستيطان نحو: سكن فلان مكان كذا، أي: استوطنه، واسم المكان مسكن، والجمع مساكن، قال تعالى: “لا يرى إلا مساكنهم” (الأحقاف 25)، وقال تعالى: “وله ما سكن في الليل والنهار” (الأنعام 13)، و “لتسكنوا فيه” (يونس 67)، فمن الأول يقال: سكنته، ومن الثاني يقال: أسكنته نحو قوله تعالى: “ربنا إني اسكنت من ذريتي” (إبراهيم 37)، وقال تعالى: “أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم” (الطلاق 6)، وقوله تعالى: “وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض” (المؤمنون 18)، فتنبيه منه على إيجاده وقدرته على إفنائه، والسكن: السكون وما يسكن إليه، قال تعالى: “والله جعل لكم من بيوتكم سكنا” (النحل 80)، وقال تعالى: “إن صلاتك سكن لهم” (التوبة 103)، “وجعل الليل سكنا” (الأنعام 96)، والسكن: النار التي يسكن بها، والسكنى: أن يجعل له السكون في دار بغير أجرة، والسكن: سكان الدار، نحو سفر في جمع سافر، وقيل في جمع ساكن: سكان، وسكان السفينة: ما يسكن به، والسكين سمي لإزالته حركة المذبوح، وقوله تعالى: “أنزل السكينة في قلوب المؤمنين” (الفتح 4)، فقد قيل: هو ملك يسكن قلب المؤمن ويؤمنه (ويؤيد ذلك ما أخرجه أحمد والبخاري ومسلم عن أبي العالية قال: قرأ رجل سورة الكهف وفي الدار دابة، فجعلت تنفر، فينظر فإذا صبابة أو سحابة قد غشيته، فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم قال: (اقرأ فلان، فإنها السكينة نزت للقرآن). وفي رواية: (تلك الملائكة كانت تستمع لك، ولو قرأت لأصبحت يراها الناس ما تستتر منهم).