التناغم الكيميائي : حينما تذوب النفوس في بوتقة اللقاء 

رياض سعد

مثلما تذوب البلوراتُ في سائلٍ مُشعٍّ لتُنتِجَ تفاعُلًا كيميائيًّا يَخلُقُ عالَمًا جديدًا من الألوان، تذوبُ الأرواحُ المتشابهةُ في فضاءِ الحوارِ لتُولِّدَ مُركَّبًا سحريًّا يُعيدُ تشكيلَ خريطةِ المشاعر… ؛  فكما أنَّ الجسدَ المُنهَكَ يَستلقي على سريرِ العِلاجِ ليتلقَّى حقنَاتِ الدواءِ المُنعشة، تَستلقي الروحُ على أريكةِ الكلماتِ لتتلقَّى جرعاتٍ من “الانزياحاتِ الوجدانية” التي تَمنحُها محادثةُ النظائرِ الروحية… ؛  فتلك الكائناتُ والشخصيات التي تَحملُ نفسَ التردُّدِ الكهرومغناطيسيِّ للقلبِ، وتَشتركُ في شيفرةٍ جينيةٍ عاطفيةٍ تجعلُ نبضَها يُحاكي نبضَكَ قبلَ أنْ تَنطقَ. 

هذا اللقاءُ ليس مجرَّدَ تبادُلٍ للكلماتِ الذابلة او مشاركة في المجاملات المملة ، بل هو “طقوسُ انتقالٍ” من كونِكَ وحيدًا في مدارٍ مُغلقٍ إلى كونِكَ جزءًا من كوكبةٍ تُضيءُ بعضُها بعضًا… ؛  ففي تلك اللحظةِ السورياليةِ، حيثُ يَتحوَّلُ الزمنُ إلى مادةٍ لزجةٍ تَعلقُ فيها الأصواتُ كقطراتِ عسلٍ، تَتشظَّى ذراتُ القلقِ إلى أشلاءَ ذهبيةٍ، وتَنكمشُ سُحبُ الحيرةِ إلى بذورٍ تُزرعُ في تربةِ اليقينِ… ؛  إنَّها معادلةٌ رياضيةٌ عاطفيةٌ: عندما تَتقاطعُ المُنحنياتُ الفكريةُ للشخصينِ عندَ نقطةِ اللانهايةِ، يَولدُ فراغٌ وجوديٌّ يَشفطُ كلَّ الشوائبِ العالقةِ في الفضاءِ الداخليِّ، ليُخلِّفَ وراءهُ صحراءً نقيةً تَتوهجُ تحتَ سماءِ الطمأنينةِ. 

لَيسَ الأمرُ مُجرَّدَ تشابهٍ في الأفكارِ أو تَطابقٍ في الثقافةِ، بل هو اتحادٌ أعمقُ يشبهُ اتحادَ العناصرِ في الجدولِ الدوريِّ؛ فكما أنَّ الهيدروجينَ والأكسجينَ يَخلقانِ الماءَ حينما يَندمجانِ تحتَ شرارةٍ ما، تَندمجُ الأرواحُ المتوازنةُ لتَصنعَ نهرًا من السكينةِ يَجرفُ معهُ أوراقَ الخوفِ المُصفَّرةِ… ؛  هنا، في هذا المُختبرِ العاطفيِّ، تَتحوَّلُ “الشقاوةُ” إلى رقصةِ فراشاتٍ مُضيئةٍ، وتَتكثَّفُ “السعادةُ” إلى ضبابٍ يَلفُّ الجسدَ كرداءٍ حريريٍّ. 

وإذا كانَ الفلاسفةُ قديمًا قد شَبَّهوا الروحَ بالمرآةِ، فإنَّ اللقاءَ بينَ الأرواحِ المتشابهةِ هو لحظةُ اصطفافِ مرآتينِ تواجهانِ بعضهما، لِتُنتِجَ انعكاسًا لانهائيًّا يَخترقُ أبعادَ الزمكانِ… ؛  فَصدقَ مَن قالَ إنَّ الكيمياءَ ليستْ حكرًا على المختبراتِ، بل هي لغةٌ سريةٌ تُكتَبُ بحروفٍ من ذراتِ النفوسِ المتشابهةِ، وكما قالَ البعض ان : القلوبُ أوانٍ فارغةٌ تنتظر من يملأها … ؛ فإذا التقتْ أوانٍ مُتشابهةٌ، فاضت بالعذب الزلال , وان اختلفت وتنافرت كسر بعضها بعضا .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *