إيران من الهيمنة إلى العزلة: نهاية المشروع الإقليمي لطهران

الكاتب : الدكتور ابو عبد الدليمي
—————————————
إيران من الهيمنة إلى العزلة: نهاية المشروع الإقليمي لطهران

بقلم: د. أبو عبد الدليمي

على مدى أكثر من عقدين، نسجت إيران شبكة نفوذ إقليمية معقدة تمتد من غزة إلى بغداد، مرورًا ببيروت ودمشق وصنعاء. هذا “الهلال الشيعي”، كما سماه البعض، لم يكن فقط مشروعًا سياسيًا، بل عقيدة استراتيجية ربطت السياسة بالدين، والأمن بالإعلام، والمليشيا بالدبلوماسية. لكن رياح التغيير هبّت عنيفة، لتطيح بمعظم أوراق طهران واحدة تلو الأخرى، وتدفعها من موقع الهيمنة إلى مربع العزلة والاضطراب.

غزة: الورطة الكبرى

بدأت أولى نذر الانهيار في غزة، حيث ورطت إيران حركة حماس في هجوم مفاجئ ضد إسرائيل في أكتوبر 2023، قاد إلى اجتياح شامل للقطاع، ومجزرة غير مسبوقة بحق المدنيين. أكثر من 160 ألف شهيد فلسطيني، انهيار للبنية التحتية، وانسداد سياسي كامل. ثم جاء الحدث الأكثر صدمة: مقتل إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحماس، داخل إيران في غارة إسرائيلية كشفت هشاشة الأمن الإيراني، وأشعلت احتجاجات داخلية. هكذا، تحولت غزة من “ورقة مقاومة” إلى عبء أخلاقي وعسكري على إيران.

سوريا ولبنان: انكسار الجناحين

في سوريا، انتهى عهد الأسد بهروبه إلى روسيا بعد ثورة قادها أحمد الشرع، بدعم شعبي غير مسبوق. إيران فقدت بذلك أقدم قاعدة نفوذها في المشرق. أما في لبنان، فقد قُتل حسن نصر الله وعدد من قادة الصف الأول لحزب الله في غارة دقيقة، وتفكك التنظيم، فيما فرّ من تبقى إلى العراق. بيروت بدأت تتنفس خارج العباءة الإيرانية.

اليمن: نهاية الذراع الجنوبي

بعد سنوات من الحرب والعبث، انهار الحوثيون عسكريًا عقب ضربات استهدفت ميناء الحديدة ومطار صنعاء، وأُجبروا على الاستسلام. انسحب الإيرانيون بصمت، تاركين وكيلهم يواجه مصيره. وهكذا أُغلقت جبهة الجنوب العربي في وجه مشروع “تصدير الثورة”.

العراق: الورقة الأخيرة المحترقة

اليوم، العراق هو الورقة الأخيرة بيد إيران، لكنه يشهد أعنف انتفاضة شعبية ضد المليشيات الولائية والحشد، بالتزامن مع مشروع دولي لتحريره، يقوده النائب الأمريكي جو ولسن. فلول حزب الله والحوثيين المتجمعة في العراق لا تمثل عنصر قوة، بل وقودًا لانفجار قادم. العراق لم يعد ورقة ضغط، بل أصبح قنبلة موقوتة تهدد آخر بقايا النفوذ الإيراني.

الداخل الإيراني: البيت يهتز

على الجبهة الداخلية، تشهد إيران احتجاجات واسعة، وانقسامات في النخبة الحاكمة، وضغوطًا اقتصادية خانقة، مع تصاعد غير مسبوق في نشاط المعارضة الإيرانية داخل وخارج البلاد. إيران اليوم محاصرة من الخارج، متصدعة من الداخل.

ايران ما بعد النفوذ

إيران لم تعد تمتلك أوراقًا تفاوضية فاعلة. غزة تحترق، سوريا تحررت، لبنان انقلب، اليمن انسحب، والعراق يشتعل. ما تبقى هو نظام يحاول النجاة في طوفان من الهزائم السياسية والعسكرية والاجتماعية. من هنا، لم يعد السؤال: “ماذا تريد إيران؟” بل: “كم من الوقت تبقى لها قبل أن تتفكك؟”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *