يونيو 18, 2025
result.png12

اعداد وتحليل وتقديم صباح البغدادي

خلال زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المملكة العربية السعودية وقطر، لفتت انتباهي ظاهرة إعلامية وسياسية لافتة لم يسبق أن اطلعت عليها أو مشاهدتها تتمثل في التنافس الواضح بين وسائل الإعلام الخليجية، مثل قناتي “الجزيرة” القطرية و”العربية” السعودية، في إبراز حفاوة استقبال الرئيس الأمريكي على حساب التركيز على الاتفاقيات الاقتصادية والسياسية التي شكلت جوهر الزيارة. ومن العروض التراثية والرقصات الشعبية إلى مسيرات الخيول العربية الأصيلة، وصولاً إلى ظهور شاحنات “تسلا سايبر تراك” في موكب الرئيس الأمريكي في الدوحة، بدا أن الأضواء تسلط على المظاهر البصرية والرمزية أكثر من المضمون الاستراتيجي. ومع توقعاتنا باستقبال أكثر فخامة في الإمارات غدا، يطرح هذا المشهد تساؤلات حول دلالات هذا “السباق الإعلامي” وتأثيره على صورة العلاقات الخليجية-الأمريكية.
* مظاهر الحفاوة وتنافس إعلامي محموم:
في العاصمة الرياض، ركزت قناة “العربية” على مشاهد الرقصات التقليدية مثل “العرضة”، ومسيرة الخيول العربية التي رافقت موكب الرئيس، مع استعراض تصريحات ترامب التي أبدى فيها إعجابه بالقصور الملكية الفاخرة. في المقابل، لم تتوانَ “الجزيرة” القطرية عن إبراز لحظات وصول ترامب إلى الدوحة، حيث تصدرت شاحنات “تسلا سايبر تراك” الموكب الرئاسي من مطار الدوحة إلى قصر لوسيل، مع التركيز على إشادة الرئيس بفخامة القصر المطلي بالمرمر الإيطالي. هذا التنافس الإعلامي لم يقتصر على المشاهد البصرية، بل امتد إلى تضخيم الرواية الإيجابية حول العلاقات الثنائية، مما أثار انطباعاً بأن الدول الخليجية تخوض “سباق جائزة كبرى” لتحطيم الرقم القياسي في حسن الضيافة.
الاتفاقيات الاقتصادية تبقى في الظل وعلى الرغم أهمية الاتفاقيات الاقتصادية التي وقّعت خلال الزيارة، مثل صفقات الاستثمار والتعاون في مجالات الطاقة والتكنولوجيا، إلا أن التغطية الإعلامية المحلية قللت من شأنها مقارنة بالتركيز على المظاهر الاحتفالية. في السعودية، تم توقيع اتفاقيات بمليارات الدولارات تشمل استثمارات في البنية التحتية والدفاع، بينما شهدت قطر توقيع صفقات مع شركات أمريكية في قطاعات التكنولوجيا والطيران. لكن هذه الإنجازات بدت ثانوية في التغطية الإعلامية أمام مشاهد الاستقبال الفاخر، مما يعكس استراتيجية إعلامية تهدف إلى تعزيز صورة العلاقات الثنائية عبر الرمزية بدلاً من الحقائق الاقتصادية.
التحليل: دوافع السباق ودلالاته
يمكن تفسير هذا التنافس الإعلامي في ضوء عدة أبعاد:
تعزيز الصورة الوطنية: تسعى كل دولة إلى إبراز قوتها الثقافية والاقتصادية من خلال استعراض مظاهر الضيافة. فالسعودية ركزت على التراث العريق، بينما قطر أضافت لمسة عصرية عبر شاحنات “تسلا”، مما يعكس تنافساً على تقديم صورة “الحداثة الممزوجة بالأصالة

الرسائل السياسية: الحفاوة المبالغ فيها قد تكون رسالة موجهة إلى الإدارة الأمريكية لتأكيد الالتزام بالشراكة الاستراتيجية، خاصة في ظل التحديات الإقليمية مثل التوترات مع إيران أو التنافس الاقتصادي العالمي.

الإعلام كأداة دبلوماسية: من خلال التركيز على المظاهر، تحاول وسائل الإعلام الخليجية تعزيز صورة إيجابية لدى الجمهور المحلي والدولي، مما يخدم أجندات دبلوماسية أوسع.لكن هذا التركيز المفرط على الحفاوة يثير تساؤلات حول ما إذا كان يصرف الانتباه عن قضايا جوهرية، مثل تفاصيل الاتفاقيات أو التحديات السياسية التي قد تواجه العلاقات الخليجية-الأمريكية.
*نحو الإمارات غدآ : تصعيد الحفاوة؟
مع توقعات بأن تستقبل الإمارات الرئيس ترامب بحفاوة قد تتجاوز ما شهدته الرياض والدوحة، يبدو أن السباق الإعلامي سيستمر. ومن المتوقع أن تركز وسائل الإعلام الإماراتية على مظاهر فخمة، مثل استقبالات في مواقع رمزية كبرج خليفة أو قصر الوطن، مع إبراز إنجازات الإمارات في الابتكار والاقتصاد.وأن تتجاوز مراسم الاستقبال ما شهدته الرياض والدوحة. من المقرر أن يزور ترامب جامع الشيخ زايد الكبير وضريح الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، قبل حضور حفل استقبال رسمي في قصر الوطن، يليه مأدبة عشاء فاخرة. وإلى أن الإمارات ستستغل هذه الزيارة لإبراز دورها كمركز عالمي للابتكار، مع احتمال التركيز على مشاهد رمزية مثل برج خليفة أو تقنيات حديثة كالروبوتات والذكاء الاصطناعي في الاستقبال. هذا الاستعراض قد يعزز صورة الإمارات كـ”لاعب عالمي”، لكنه قد يواصل طمس الجوانب الاستراتيجية للزيارة، مثل التعاون في التكنولوجيا والدفاع ولكن السؤال يبقى: هل ستتمكن التغطية الإعلامية من تحقيق توازن بين المظاهر الاحتفالية والمضمون الاستراتيجي؟ توقعات الاستعراض في الإمارات: ذروة الفخامة

وفي الختام نعتقد بان زيارة الرئيس ترامب إلى الخليج كشفت عن تنافس إعلامي محموم يعكس طموحات الدول الخليجية في تعزيز صورتها الدولية وتأكيد شراكاتها الاستراتيجية. لكن التركيز المفرط على مظاهر الحفاوة، من رقصات تراثية إلى شاحنات “تسلا” وقصور مرمرية، قد طغى على جوهر الزيارة، وهو الاتفاقيات الاقتصادية والسياسية التي تشكل أساس العلاقات الخليجية-الأمريكية. مع استمرار هذا السباق في الإمارات غدا الخميس 15 ايار 2025 ، يبقى التحدي أمام وسائل الإعلام الخليجية في تقديم تغطية متوازنة تعكس العمق الاستراتيجي لهذه الزيارات، بدلاً من الاكتفاء بلمعان المظاهر.






اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *