اسم الكاتب : رياض سعد
نعود ونكمل حديثنا عن ظاهرة الاستغلال والابتزاز الجنسي في الجامعات الحكومية والاهلية في العراق ؛ ها هي الطالبة في جامعة الكوفة , المواطنة سجى تدلي بشهادتها حول هذا الموضوع قائلة : (( نحن الطالبات ضعيفات، وكثيرات منا وصلن إلى الجامعة بطلوع الروح، بسبب الظروف المعيشية ورفض الأهالي إكمالنا دراستنا، ومن سيصدقني أنا مثلاً ويكذّب أستاذاً جامعياً يبدو أمام الناس محترماً ومتديناً؟ باختصار نحن لا سند لنا، وإذا تقدمنا بشكوى نصبح في أقل تقدير وجبة نميمة للجميع، والكل في الكلية والجامعة سينظر إلينا كسيئات خلق … )) .
وتعتقد سجى : أن التحرش أصبح أمراً عادياً يبدأ من دخولنا إلى الجامعة حيث حرّاس الأمن ، ومن ثم الطلاب , وننتقل إلى تحرشات الأساتذة و التي إذا جوبهت بالرفض يبدأ التحجج على الطالبة بالغياب مثلاً أو الزي الرسمي وغير ذلك … .
اذا لم تستطع الحكومات العراقية محاسبة هؤلاء الاوغاد الذين اساؤوا لحرمة العلم والتعليم والمعرفة وهتكوا قدسية الحرم الجامعي ومكانته المرموقة ؛ فلن تستطيع محاسبة الآخرين أيضاً … ؛ لقد عاثوا في الجامعات العراقية خراباً وفسادا ؛ فعمّت كل أشكال الانتهاكات والسلوكيات والاجراءات الفاسدة والباطلة ؛ من نجاح دون استحقاق ، إلى بيع الأسئلة الامتحانية , وكتابة البحوث، وانتهاءً بالانتهاكات الأخلاقية والتحرش بكافة أنواعه … ؛ والبعض من هؤلاء الاساتذة الاوغاد يستهدف المتزوجات فقط ، موظفات كنّ أو حتى طالبات دراسات عليا، ويخيّرهن بين منافع قبولهن أن يكنّ عشيقات أو التأخر عن الترقيات , و تعريضهن لمشكلات التقديم للدراسات أو عرقلتها … ؛ بالإضافة الى اخبارهن بوجود الشقق الخاصة في بغداد او اربيل او الموصل والبعيدة عن اعين الناس ؛ لإغرائهن … .
وفي البصرة، تقول أستاذة جامعية ، بشيء من السخرية : أي موظف أو أستاذ يفشل في حياته الزوجية، ينصب لي الكمائن ويعرض عليّ علاقةً أو زواجاً مؤقتاً، فقط لأنني أرملة وأبدو لهم ضعيفةً … ؛ وآخر تجربة لي كانت مع شخصية ذات منصب إداري رفيع في جامعتي ؛ ينتمي إلى حزب سياسي معروف ، وقد رفض تمرير كتاب ترقيتي إلا بعد أن أتزوجه زواج متعة … ، ووفقاً لروايتها، فقد وعدها في حالة موافقتها بـ”القفز بين المناصب مثل لاعبة جمباز!”.
و تقول مريم، وهي مدرّسة رصيدها 23 سنة خدمة جامعية : إن الجامعات الحكومية كما الأهلية تشهد منذ أكثر من عقد “كوارث تعليميةً وأخلاقيةً” في ظل غياب الإدارات الحازمة والتخاذل في تطبيق القوانين مع بروز الابتزاز والتهديد من قبل أشخاص هم في الغالب أصحاب نفوذ دخلوا أروقة الجامعات بقوة سلطة الأحزاب … .
وليت الامر توقف عند هذا الحد ؛ كما اسلفنا في الحلقات السابقة , فقد طال الشباب والمراهقين نصيب من التحرشات الجنسية في دوائر الدولة , والمراكز والهيئات المختلفة التابعة للدولة , فقد تحول المجتمع العراقي برمته وبسبب الاحداث الدموية والحروب والعنف والارهاب وسنوات الاجرام البعثي الطويلة … الخ ؛ الى مجتمع ذكوري عنيف يعشق استعراض العضلات حتى في ممارسة الجنس ولاسيما على الضعفاء والفقراء الذين يكونون اكثر عرضة من غيرهم للتحرش والابتزاز والاستغلال الجنسي … ؛ وفي هذا الصدد يقول الكاتب زهير الجزائري : (( إن المجتمع العراقي صار “أكثر رجولية وأكثر عنفاً بسبب الحروب المتتالية” … ويضيف : أن الشارع صار ساحة للعراك بين الشباب و”العنف صار جزءاً من حياتنا” … )) .
ورغم ذلك حتى الرجال يترددون في الابلاغ عن تعرضهم للعنف الجسدي والتحرش الجنسي ؛ خشيةً أن يتهموا بأنهم شركاء في الجريمة من قبل السلطات المختصة – على حد قول شاب من بغداد حاصل على شهادة جامعية وناشط سياسي كان ضحية للتحرش والاغتصاب... ؛ اذ يروي الشاب العشريني الوسيم : ( لبي بي سي ) وقائع التحرش التي تعرض لها وتفصل بينها ثلاثة أعوام … ؛ أولها حدثت حينما كان تلميذاُ في الثالثة عشر من عمره … ؛ اذ قال : “دخلت الى دورة مياه المدرسة فاذا بثلاثة فتيان في ال 15 و17 ربيعاُ يضعونني في زاوية ويتحسسون جسدي… ؛ كنت طفلا فلم أكن أعرف ما هو الجنس .” ؛ ويستطرد : “صرخت الى أن سمعني زملائي وجاءوا بمدير المدرسة.” , ويروي الشاب أنه تم فصل الفتيان دون إخطار أولياء أمورهم أو ذكر سبب فصلهم, أما هو فالكل كان ينظر اليه كشريك في الحادث لا كضحية … ؛ ويكمل قائلا : “أخبرني مدير المدرسة بأنه سيمنحني فرصة أخرى رغم كوني الضحية.”
و يقول إن الحادثة تركت أثراً مؤلماً في حياته ؛ وما كاد يتغلب على ذكريات الحادثة المؤلمة ويحاول نسيانها ؛ حتى تعرض للحادث الثاني بعدها بعامين حينما كان يعمل في متجر في بغداد … , اذ يكمل قائلا : “غمرني صاحب المتجر بالعناية والاهتمام… , وفي يوم من الايام حاول الاعتداء علي جنسياً أثناء العمل ثم خاف وتراجع عندما رآني أهم بقذفه بإناء زجاجي.” , ويروي الشاب انه بعد مرور عام قضاها بدون عمل حدثت الواقعة الثالثة في متجر بجوار مسكنه يملكه رجل خمسيني ؛ ويستطرد قائلا : “في يوم من الايام، شرع الرجل في ملاطفتي وتقبيلي لكنه توقف عندما طلبت منه ذلك.”, و لم تكد تمر أربعة شهور على الحادثة حتى وقع الشاب ضحية للاغتصاب على يد أحد أقاربه كان يكبره بثمانية أعوام … ؛ ويروي الشاب تفاصيل الحادثة قائلا : “حضر قريبي الي المنزل أثناء غياب والدي… ؛ جلس إلى جواري وبدأ يريني أفلاماً اباحية على هاتفه المحمول … ؛ ثم مسكني من يدي وضربني في رأسي ثم اغتصبني.”؛ ويقول الشاب متذكراً حادثة الاغتصاب : إنه ارتأى أن الابتعاد عن المكان ربما يخفف من وطأة الصدمة… ؛ فأقنع أسرته بالانتقال الى منزل في حي اخر دون أن يخبرهم بما الم به … ؛ وقطع علاقاته بكافة اقرباءه واصدقاءه , وبدأ حياة جديدة .
وينقل لي احدهم : ان احد ضباط قوى الامن يلتقي في احدى ( الكوفيات ) فرأى شابا وسيما يعمل في ( الكوفي ) , وطلب من صاحب ( الكوفي ) اقناع الشاب الجميل بممارسة الجنس مع الضابط ؛ والا تعرض لمضايقات اجهزة الامن ورجال الشرطة … الخ ؛ مما يتسبب بغلق ( الكوفي ) وانقطاع رزقه , فأضطر صاحب ( الكوفي ) لإقناع الشاب بالأمر , وبعد ايام من الاغراءات والتهديدات التي تعرض لها الشاب من قبل الضابط وصاحب ( الكوفي ) ؛ قبل الامر مرغما على ذلك … !! .
بل ان هذه الظاهرة المنحطة وصلت الى دوائر الاوقاف الدينية وبيوت الله ومساجد المسلمين ايضا , ولعل اغلبنا اطلع على جريمة دورات حفظ القران الكريم في الفلوجة , اذ قام المجرم الهجين حكمت رجب العاني باغتصاب العديد من الاطفال ؛ ممن التحقوا بهذه الدورات ؛ والبعض قال : انه ارتكب جريمة الاغتصاب بحق طفلين مشتركين في الدورة القرآنية ؛ بينما ادعى بعض ضباط التحقيق انه : اغتصب 845 طفلا ومراهقا خلال شروعه في دورات حفظ القران الكريم … ؛ وقد نقل احد ابناء المنطقة : ان السبب في اكتشاف هذه الجريمة , هو ذهاب احد الاطفال الى بيته وقد رأته امه وهي مطلقة , متعبا وعندما خلع ملابسه , رأت اثار دماء عليها , وعندما سألته ؛ قص عليها تفاصيل الحادثة , وخافت المرأة من تداعيات الجريمة واخبرت اهلها , و وصل الخبر الى زوجها ( طليقها ) السابق ؛ فأقام دعوى عليه , واعترف المجرم الهجين بجرائمه بحق الاطفال والصبيان , فقد حكمت محكمة جنايات الأنبار بتاريخ 12/ 09/ 2023، عليه بالمؤبد مدى الحياة مرتين … .
ويقول مسؤول على صلة بالقضية : إن حكمت رجب عبد الله العاني المتهم بحادثة اغتصاب الطفلين ليس رجل دين أو شيخ أو عالم أو خطيب ديني ، بل هو مجرد موظف في الوقف، يعمل بصفة معلم أو خادم مؤذن في جامع حي المعلمين … .