
الكاتب : الدكتور ابو عبد الدليمي
—————————————
العداء الإيراني – الإسرائيلي: تحوّل وظيفي أم صراع حقيقي؟
بقلم: د. أبو عبد الدليمي
❖ مقدّمة
من يراقب تاريخ العلاقات الإيرانية–الإسرائيلية، وارتباط الطرفين بالاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط، لا يمكنه الاكتفاء بالرؤية السطحية للصراع المعلن اليوم بين طهران وتل أبيب. فالتحالفات لا تُبنى على الخطابات، بل على المصالح المتغيرة. لقد كانت إيران، منذ عقود، لاعبًا وظيفيًا في خدمة مشاريع تفتيت المنطقة، حتى بدت أذرعها وكأنها تتحرك في هوامش المصلحة الإسرائيلية، لا في مواجهتها. فما الذي تغيّر؟ وهل نحن أمام صراع حقيقي بين مشروعين متناقضين، أم أمام تحوّل في أدوار لاعبين ظلوا، حتى الأمس القريب، في خدمة مراكز النفوذ ذاتها؟
❖ أولاً: تحالفات ما قبل الثورة – عندما كانت طهران شريكًا استراتيجيًا لتل أبيب
قبل عام 1979، كانت إيران الشاه أقرب حليف لإسرائيل في الإقليم. تنسيق أمني، وتعاون استخباراتي، وعلاقات نفطية وتجارية، كلها كانت تُدار تحت مظلة الحلف الأميركي.
• بعد الثورة الإسلامية، ورغم قطع العلاقات الرسمية، استمر التنسيق السري في لحظات استراتيجية، أبرزها:
• فضيحة إيران–كونترا، التي زوّدت فيها تل أبيب طهران بالسلاح خلال الحرب مع العراق.
• تبادل المعلومات الأمنية عبر وسطاء.
• سكوت تل أبيب عن البرنامج النووي الإيراني لسنوات.
هذه المرحلة تُمثّل نموذجًا لما يُعرف بـ”الصراع الموجّه”، حيث تُدار المواجهات ضمن حدود لا تمس جوهر المصالح المشتركة.
❖ ثانيًا: بعد 2003 – إيران كأداة وظيفية لتفكيك المحيط العربي
في أعقاب الغزو الأميركي للعراق، ظهرت إيران كـ”شريك غير معلن” في إدارة المشهد السياسي العراقي. كان ذلك واضحًا من خلال:
• التنسيق مع المعارضة العراقية قبل الاحتلال.
• دعم فصائل طائفية شاركت في تفكيك الجيش العراقي.
• تمرير النفوذ الأميركي عبر أدوات محلية موالية لطهران.
امتد هذا النفوذ لاحقًا إلى سوريا ولبنان واليمن. وكانت النتيجة الفعلية لا السياسية، تصب في مصلحة إسرائيل:
• تفكك جيوش دول المواجهة.
• انقسام المجتمعات العربية على أسس طائفية.
• تحول الصراع من عربي–إسرائيلي إلى صراعات داخلية مدمّرة.
❖ ثالثًا: ما الذي تغيّر؟ من تحالف خفي إلى عداء معلن
1. تحول إيران من أداة إلى مشروع مستقل
لم تعد طهران تقف عند حدود تسهيل المشاريع الأميركية أو الإسرائيلية، بل أصبحت تسعى لتأسيس محور إقليمي خاص بها، يمتلك:
• نفوذًا عسكريًا في أربع عواصم عربية.
• برنامجًا نوويًا متقدمًا.
• منظومة صواريخ وطائرات مسيّرة عابرة للحدود.
• تقاربًا استراتيجيًا مع روسيا والصين.
2. سوريا وغزة: خطوط المواجهة الجديدة
بدأت إسرائيل تستشعر الخطر الحقيقي:
• عبر تثبيت قواعد إيرانية في سوريا قرب الجولان.
• عبر دعم طهران لفصائل المقاومة الفلسطينية (حماس، الجهاد) التي أطلقت شرارة حرب “طوفان الأقصى” 2023.
3. الولايات المتحدة تعود إلى دعم شامل لإسرائيل
واشنطن، التي كانت تراهن سابقًا على ضبط إيران جزئيًا، باتت ترى في طهران تهديدًا مباشرًا لحلفائها الخليجيين، ولأمن إسرائيل، ولنفوذها العالمي في ظل التحالفات الإيرانية–الروسية–الصينية.
❖ رابعًا: قراءة واقعية للصراع القائم
رغم الشعارات التي تُطلق من الطرفين، لا يمكن تصنيف هذا الصراع كصراع “خير وشر”، أو “محور مقاومة مقابل محور خيانة”، لأن الواقع أعقد بكثير:
• إسرائيل تسعى لاحتكار التفوق العسكري والسياسي في المنطقة، وتمنع أي دولة، بما في ذلك إيران أو غيرها، من كسر هذه المعادلة.
• إيران من جهتها تسعى لبناء مشروع توسعي تحت شعار المقاومة، لكنه يستخدم الأذرع الطائفية ويفكك الدول العربية، وقد أثبت ذلك في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
❖ الخلاصة : بين الهيمنة والهيمنة… الشعوب تدفع الثمن
ما نشهده اليوم ليس تحالفًا جديدًا ولا عداوة مفاجئة، بل تحوّل في أدوار اللاعبين الإقليميين والدوليين. إسرائيل لم تعُد قادرة على ضبط المشهد منفردة، وإيران لم تعُد تكتفي بدور الأداة. والنتيجة هي صراع محتدم بين مشروعين يسعيان للهيمنة، لا للتحرير أو الوحدة.
ويبقى السؤال:
متى تُمنح الشعوب العربية فرصة بناء مشروعها الوطني بعيدًا عن أدوات الخارج، سواء جاءت من طهران أو من تل أبيب؟
د. أبو عبد الدليمي
باحث في الشؤون السياسية والاستراتيجية
2025/06/17