كامل سلمان
لا يخفى على أحد أهمية دور الإعلام في إدامة زخم المعركة وأحياناً قلب الحقائق والتأثير على العدو والتشويش الذهني بحيث يصبح المتلقي للأخبار في حالة من اللا تركيز والهذيان معلوماتياً فأحياناً يصدق الأوهام وينكر الحقائق وهذا ما يحصل فعلاً لطبقات وفئات كثيرة من الناس حول الحرب الدائرة حالياً بين إسرائيل وإيران ، فهناك من يعتقد يقيناً بأن إيران ستنتصر وهناك من يعتقد يقيناً بأن إسرائيل ستنتصر وكلا الاعتقادين هو ثمرة التأثير الإعلامي لكلا الطرفين .. الإعلام جبهة لا تقل أهمية عن الجبهات العسكرية والسياسية والجبهة الاقتصادية في أوقات الحروب . ما يحدث اليوم من تفاوت إعلامي غريب في الحرب الإيرانية الإسرائيلية تجعل الإنسان يصاب بالصدمة .. الإعلام الإيراني المسنود على استحياء من الإعلام العربي والإسلامي يحاول جهد الإمكان إظهار إيران منتصرة حتى اللحظة لذلك نجد تفاعلاً رهيباً من منصات التواصل الاجتماعي مع الإنتصارات الإيرانية وتعاطفاً من أكثر سكان المجتمعات العربية والإسلامية ، فمن السهل القول بأن عامة الناس وجزءاً من مثقفيها وكوادرها ومختصيها في منطقة الشرق الأوسط تميل مع الإعلام الإيراني ميلاً شديداً وتصدق ما يبثه الإعلام الإيراني بالصوت والصورة حول تدمير الوحدات السكنية والأهداف العسكرية للإسرائيليين وعجز الدفاعات الإسرائيلية في التصدي للصواريخ الإيرانية ، لكن بمجرد أن نخرج قليلاً من منطقة الشرق الأوسط ونتجه نحو القارات السبعة سنجد الإعلام الإيراني يخفت تدريجياً ولا يجد له أذان صاغية ويظهر العكس تماماً حيث يبرز الإعلام الإسرائيلي ممسكاً بقبضته على جميع منابع التأثير على الناس في أنحاء العالم تقريباً وخاصة الدول الغربية ، وكما هو معتاد من الإعلام الإسرائيلي المسنود من الإعلام الغربي يركز و يوثق بالصوت والصورة ليس على الإنتصارات الإسرائيلية كما يفعل الإعلام الإيراني بل يركز على مظلومية الشعب الإسرائيلي الذي يتعرض للإبادة تحت ضربات الحرس الثوري الإيراني الصاروخية والمسيرات وتنقل ذلك وسائل الإعلام الإسرائيلية بالصوت والصورة مع صرخات الحزن والألم للعالم أجمع بما يحدث من سقوط الوحدات السكنية فوق رؤوس ساكنيها اليهود الأبرياء نتيجة الضربات الصاروخية الإيرانية القاسية وينقل الإعلام الإسرائيلي الحالة المآساوية للشعب الإسرائيلي المظلوم الذي يتعرض للإبادة الجماعية على غرار ما فعلته النازية مع اليهود في محارق الهولوكوست أيام الحرب العالمية الثانية ، لذلك فلا نستغرب الأن بأن هنالك طيف واسع من سكان العالم الغربي يتمنون إزالة إيران من الوجود ولا يذرفون دمعة واحدة بما يصيب إيران من ويلات الحرب والحصار ولا نستغرب كذلك التبرعات العينية والمالية الهائلة والدعم المعنوي الواسع من سكان العالم الغربي وهيئاتهم ومنظماتهم وإعلامهم لإسرائيل بشكل لا يكاد يصدق ، فالمنظمات اليهودية في العالم أجمع تحولت إلى ورش عمل ليل نهار لجمع المساعدات والأموال التي لا تحتاجها إسرائيل أصلاً لكنها تنم عن التعاطف العالمي مع إسرائيل ، أما الإنتصارات الإسرائيلية في القصف الجوي وما حققته عناصر الموساد الإسرائيلية من نتائج مذهلة في الحرب فهذه تحتفل بها وسائل الإعلام الإسرائيلية مع أبناء الشعب الإسرائيلي وحلفاؤهم واليهود حول العالم دون ضجيج إعلامي ، إذاً هي لغتين إعلاميتين لإسرائيل واحدة للتصدير والأخرى للداخل . من الأخطاء الكارثية التي يقع فيها الإعلام الإيراني هو تأكيده على ضرب السكان المدنيين الإسرائيليين بما تحتاجه الدعاية الإسرائيلية وخاصة عندما يصرح المسؤولون الإيرانيون بذلك بكل فخر فهذه كارثة دعائية وإعلامية تنقلها وسائل الإعلام الإسرائيلية للعالم اجمع وعلى وجه السرعة .. الإعلام الإيراني في الداخل الإيراني وإقليمياً ذات لغة واحدة همها أن تقنع العدو والصديق بالنصر ، وهي فعلاً أكثر إقناعاً للناس في منطقتنا من الإعلام الإسرائيلي بالنصر لأنه إعلام يلبي الحاجة النفسية للمواطن العربي أو الفارسي أو غيرهم من المسلمين الذين يبحثون عن الإنتصار حتى ولو على حساب إبادة الشعب اليهودي المهم هو الإنتصار ( بالمفهوم المتوارث عند المسلمين أعظم إنتصار هو قتل أكبر عدد من اليهود وقد لاحظنا ذلك في أحداث 7 اكتوبر )، فهناك عقدة مزمنة مع النصر ومع اليهود حصراً ، هناك العطش للإنتصار ، فكل قصف صاروخي إيراني يذهب ضحيته فرداً واحداً من سكان إسرائيل تثلج قلوب غالبية المسلمين لكنها بنفس الوقت تجعل الإيرانيين ومن ناصرهم في خانة النازيين بنظر باقي شعوب الأرض فتزداد شعوب الأرض إصراراً على دعم إسرائيل وهذا ما تسعى إسرائيل تأكيده إعلامياً … الحقيقة هناك خلل كبير يجعل الأمور الإعلامية تذهب لصالح إسرائيل عالمياً والسبب هو الغباء الواضح للإعلام الإيراني ومن يسنده مقابل الذكاء والخبرة الإعلامية الكبيرة للإعلام الإسرائيلي . فهذا رئيس دولة بنيامين نتنياهو صرح قبل يومين لواحدة من أكبر المحطات التلفازية الأمريكية ( فوكس نيوز ) بأن إيران ولأكثر من أربعين عاماً ترفع شعار الموت لإسرائيل والموت لأمريكا ، وبعدها بساعات قليلة صرح السفير الإسرائيلي في الأمم المتحدة بأن ثقافة الشعب الإيراني هو ترديد شعار الموت لإسرائيل ، مثل هذه التصريحات تنتقل مثل النار بالهشيم لجميع الصحف ومحطات التلفزة العالمية وبسرعة البرق لتظهر مظلومية الشعب اليهودي المهدد بالموت خاصة وإنها يتم نشرها في هذا الوقت مع تعرض المدن الإسرائيلية للقصف الصاروخي ، بينما يقف الإعلام الإيراني عاجزاً من إقناع فئة ولو قليلة من سكان العالم بمظلومية الشعب الإيراني الذي يتعرض للقصف الإسرائيلي وضحاياهم يزيدون بعشرة أضعاف عن ضحايا الشعب الإسرائيلي .. السؤال هنا والذي يحير العقول ، لماذا العرب والمسلمون والإيرانيون يعيدون نفس الأخطاء الإعلامية ولا يتعلمون من تجاربهم المتكررة في الحروب ويصبحون ضحية إعلامهم الفاشل ، ودائماً يعيشون ربيع الفضائح خلال فترات الحروب ، وينسون بأن الإعلام فن وعلم وسلاح يمكن أن يقلب الموازيين وينقل الصور الإنسانية أولاً قبل الصور الحربية من ساحات المعركة لمختلف المجتمعات بشكل إحترافي ، فالعالم أصبح اليوم قرية وجميع البشر يتفاعلون مع ما يحدث هنا وهناك سوية والشعوب التي لها قدرة التأثير على حكوماتهم هم ليسوا الشعب الإيراني والعراقي وبعض شعوب المنطقة لترضونهم وتقنعونهم بأنكم منتصرون و تظهرون عضلاتكم أمامهم ، فالقرار اليوم بيد شعوب العالم شرقاً وغرباً التي تستطيع الضغط على حكوماتهم لإتخاذ القرارات المناسبة الداعمة لقضاياكم . للأسف المسؤولين والحكام والقادة في دول المنطقة وإيران بالذات لا يعون مدى ضرر كذبهم ونفاقهم أمام شعوبهم ، وإعلامهم الفاشل خالي من الثقافة الإعلامية تماماً مجرد فوضى واجتهادات شخصية ، فقط التوسل بالنصر حتى ولو كان وهمياً ، ، المهم خداع شعوبهم وليس إيصال مظلوميتهم للعالم لأن بقاءهم بالسلطة هو المهم وهذا لا يدوم إلا بالخداع .