مفهوم الولاية في القرآن الكريم (هنالك الولاية لله) (ح 2)

الكاتب : د. فاضل حسن شريف
—————————————
عن تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله تعالى عن ولاية “هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ ۚ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا” (الكهف 44) “هنالك” أي يوم القيامة “الولاية” بفتح الواو النصرة وبكسرها الملك “لله الحق” بالرفع صفة الولاية وبالجر صفة الجلالة، “هو خير ثوابا” من ثواب غيره لو كان يثيب “وخير عقبا” بضم القاف وسكونها عاقبة للمؤمنين ونصبهما على التمييز.

وعن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تعالى عن ولاية “وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم مِّن وَلَايَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا” ﴿الأنفال 72﴾. قوله عز من قائل “هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ ۚ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا” ﴿الكهف 44﴾ القراءة المشهورة “الولاية” بفتح الواووقرىء بكسرها والمعنى واحد، وذكر بعضهم أنها بفتح الواو بمعنى النصرة وبكسرها بمعنى السلطان، ولم يثبت وكذا “الحق” بالجر، والثواب مطلق التبعة والأجر وغلب في الأجر الحسن الجميل، والعقب بالضم فالسكون وبضمتين: العاقبة. ذكر المفسرون أن الإشارة بقوله: “هنالك” إلى معنى قوله: “أحيط بثمره” أي في ذلك الموضع أوفي ذلك الوقت وهو موضع الإهلاك ووقته الولاية لله، وأن الولاية بمعنى النصرة أي إن الله سبحانه هو الناصر للإنسان حين يحيط به البلاء وينقطع عن كافة الأسباب لا ناصر غيره. وهذا معنى حق في نفسه لكنه لا يناسب الغرض المسوق له الآيات وهو بيان أن الأمر كله لله سبحانه وهو الخالق لكل شيء المدبر لكل أمر، وليس لغيره إلا سراب الوهم وتزيين الحياة لغرض الابتلاء والامتحان، ولوكان كما ذكروه لكان الأنسب توصيفه تعالى في قوله: “لله الحق” بالقوة والعزة والقدرة والغلبة ونحوها لا بمثل الحق الذي يقابل الباطل، وأيضا لم يكن لقوله: “هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا” وجه ظاهر وموقع جميل. والحق والله أعلم أن الولاية بمعنى مالكية التدبير وهو المعنى الساري في جميع اشتقاقاتها كما مر في الكلام على قوله تعالى: “إنما وليكم الله ورسوله”: (المائدة 55) أي عند إحاطة الهلاك وسقوط الأسباب عن التأثير وتبين عجز الإنسان الذي كان يرى لنفسه الاستقلال والاستغناء ولاية أمر الإنسان وكل شيء وملك تدبيره لله لأنه إله حق له التدبير والتأثير بحسب واقع الأمر وغيره من الأسباب الظاهرية المدعوة شركاء له في التدبير والتأثير باطل في نفسه لا يملك شيئا من الأثر إلا ما أذن الله له وملكه إياه وليس له من الاستقلال إلا اسمه بحسب ما توهمه الإنسان فهو باطل في نفسه حق بالله سبحانه والله هو الحق بذاته المستقل الغني في نفسه. وإذا أخذ بالقياس بينه تعالى عن القياس وبين غيره من الأسباب المدعوة شركاء في التأثير كان الله سبحانه خيرا منها ثوابا فإنه يثيب من دان له ثوابا حقا وهي تثيب من دان لها وتعلق بها ثوابا باطلا زائلا لا يدوم وهو مع ذلك من الله وبإذنه، وكان الله سبحانه خيرا منها عاقبة لأنه سبحانه هو الحق الثابت الذي لا يفنى ولا يزول ولا يتغير عما هو عليه من الجلال والإكرام، وهي أمور فانية متغيرة جعلها الله زينة للحياة الدنيا يتوله إليها الإنسان وتتعلق بها قلبه حتى يبلغ الكتاب أجله وإن الله لجاعلها صعيدا جرزا. وإذا كان الإنسان لا غنى له عن التعلق بشيء ينسب إليه التدبير ويتوقع منه إصلاح شأنه فربه خير له من غيره لأنه خير ثوابا وخير عقبا. وذكر بعضهم أن الإشارة بقوله: “هنالك” إلى يوم القيامة فيكون المراد بالثواب والعقب ما في ذلك اليوم. والسياق كما تعلم لا يساعد على شيء من ذلك.

جاء في التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله تعالى عن ولاية “هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ ۚ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا” ﴿الكهف 44﴾ هنالك إشارة إلى يوم القيامة، والولاية بفتح الواوالنصرة، وضمير هو يعود إلى اللَّه، والعقبى العاقبة، والمعنى ان الإنسان إذا وجد في حياته هذه من يناصره ويدفع عنه، أويعينه بشيء فإنه يوم القيامة لا يجد حيلة ولا وسيلة ولا ناصر إلا اللَّه وحده، واللَّه سبحانه مع المتقين، وقد أعد لهم أجرا كريما، وحسن مآب.

جاء في معاني القرآن الكريم: ولي الولاء والتوالي: أن يحصل شيئان فصاعدا حصولا ليس بينهما ما ليس منهما، ويستعار ذلك للقرب من حيث المكان، ومن حيث النسبة، ومن حيث الدين، ومن حيث الصداقة والنصرة والاعتقاد، والولاية النصرة (قال الفراء: وكسر الواو في الولاية أعجب إلي من فتحها، لأنها إنما تفتح أكثر من ذلك إذا كانت في معنى النصرة، وكان الكسائي يفتحها ويذهب بها إلى النصرة. انظر: معاني القرآن 1/418)، والولاية: تولي الأمر، وقيل: الولاية والولاية نحو: الدلالة والدلالة، وحقيقته: تولي الأمر.

مصطلح الولاية ارتبط في الامر الرباني الى خاتم الانبياء محمد صلى الله عليه وآله وسلم بأن يتولى أمر المسلمين امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام بعد موت او قتل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. وقد ذكرت كلمة الولي ومشتقاتها بمعاني في القرآن الكريم. تعد زيارة ومشاية أربعينية الأمام الحسين عليه السلام شعيرة اسلامية يشترك فيها أكبر عدد من المشاركين. وهي في حقيقتها تمثل الولاء أو الولاية لأهل البيت عليهم السلام والذي فيه الامام الحسين عليه السلام سبط وريحانة رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم.